(قراءةٌ في خطاب السيّد عبدالملك بدر الدين الحوثي) الحلقة الاولى

ديمومةُ استحضار مقتضيات الهُـوِيَّة الإيمانية كأساس لتحقيق مصاديق الإيمان

وهاب علي
“الصراعُ شاملٌ” كما يقولُ الشهيدُ القائد السيّد حسين بدر الدين الحوثي -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- في ملزمة “من نحن ومن هم”، ومن منطلق شمولية الصراع وبالنظرِ إلى تطوّر آليات الاستهداف الفكري وَالثقافي، وتسارع وتنوع وتيرة وأساليب العدوّ، يستمرُّ السيّد القائد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي في إثرَاء الوعي الجمعي وتعزيز الحصيلة الثقافية الجامعة بالجديد والمتجدّد وَتنشيط ذاكرة الفطرة الإنسانية وتحفيز العقول والأرواح باتّجاه استيعاب أكثر عمقاً لخارطة الصراع الفكري والثقافي وعلى قاعدة “وَ ذَكّر” فإن الذكرى التي تنفع المؤمنين؛ لذلك وبدافع المسؤولية الدينية يطلُّ السيّدُ القائد مخاطباً الأُمَّــةَ فتزهر مساحات الغفلة في مواجيد المتلقين ويعاود الناسُ تصويبَ اهتماماتهم وفقاً لاتّجاهات ومقاصد الخطاب الصادق وأولوياته المستمدّة من معالم الهدي الإلهي القويم.
وكالعادةِ يكونُ لحضوره -حتى وإن كان عبرَ الأثير- بركةٌ وارفةٌ، لكن تجلياتها في هذه الإطلالة الفريدة بدت من الناحية الوجدانية، أكثر إشراقاً ووضوحاً، بين “المسمورة” وَ”المنقورة”، وفي طياتها دعوةٌ ملحةٌ إلى استحضار رمزية وعبق المكان المبارك منذُ التأسيس الأول، مروراً بأجيال مباركة من اليمانيين الأنصار المؤمنين، وُصُولاً إلى “إعادة تفعيل” تلك الهالة المباركة يوم اتّخاذه منبراً مركزياً لإعادة مفردات الهُـوِيَّة الإيْمَانية إلى نصابها وإطلاق الصرخة في وجه المستكبرين، بحيث شكّلت تلك الأبعادُ الإضافيةُ مزيجاً من الطاقة الإيجابية الملهمة في ثنايا هذه الخطاب المهم، ضمن مشروع التوعية الكبير المستمرّ، وعليه فالوعيُ بأبجديات هذا الخطاب يؤكّـد أن الوعيَ العنوانُ الجوهريُّ والموضوعُ الأولُ والأخيرُ، الوعي الذي يصوغه ويقدّمه السيّد القائد -بروحيته الاستثنائية- وبتركيبةٍ عفوية راقية، تواكب المتغيرات، وتناسب واقعَ الحال، وفي هذه المرة تم تقديمُ الخطاب بمجمله كإجابةٍ -إضافية، تفصيلية، متقدّمة- على سؤال الشهيد القائد -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ-: من نحن ومن هم؟!، وبهذا الشأن تناول السيّدُ القائدُ واحدةً من أهمّ جوانب تأصيل الهُـوِيَّة الإيْمَانية اليمانية ولكن من منظور جديد يلفت الانتباهَ إلى عمق منطوق الحديث النبوي الشريف بالصورة التي تُجسّد حقيقة ومستوى ارتباط الخصوصية اليمانية بالهُـوِيَّة الإيْمَانية، مع الإشارة العملية إلى ما يظهرُ في طيات هذا التلازم -باعتباره تكريماً فائقاً وَوسامَ شرفٍ ورايةَ عزةٍ- من المسؤوليات الجليلة واللائقة بهذا المنطلق الإيْمَاني الخاص، لا سيما والشواهد التاريخية تفيدُ أن هذا المنطلقَ ليس قاعدةً فكريةً مُجَـرّدةً فقط، بل إضافة إلى ذلك يتحد بخصائص الصبر والإصرار ليواصل المسيرة الإيْمَانية بطاقة تصنع المتغيرات وآليات عمل فعالة لا تنضب في مواجهة التحديات في دربِ الارتقاء المفتوح على مصدر الرضوان والتوفيق والتأييد والإمداد بالمزيد من الهداية والرحمة والعلم والحكمة، والكثير من النعم الإلهية التي تُعزّز من مقومات نهوض الأُمَّــة بمسئوليتها من خلال التحَرّك المنضبط ضمن امتداد مسار الهداية الرسالي المستقيم، صراط الذين أنعم اللهُ عليهم، وكما أشار الشهيدُ القائد -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- بقوله “بين أيدينا رصيد عظيم”، يعني بذلك قول الله عزَّ وجلَّ (فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)، ويعني كذلك أن من المهم “توظيف الإيْمَان بالرسل والكتب والملائكة للخروج من حالة الجمود”، مثلما كانت “وحدة الأنبياء وروحيتهم الواحدة وهم في عصور مختلفة تُعدُّ شاهداً على قدرة منهج الله على صنع أُمَّــة متوحّدة تعيشُ في زمن واحد”، وغير ذلك مما قاله الشهيدُ القائد -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- في محاضرة (الهُـوِيَّة الإيْمَانية)، فيما يكتفي السيّدُ القائدُ في هذه المحاضرة بواحدة من الآيات الكريمة المعبّرة عن مستوى الالتزام الإيْمَاني اللازم لتحقّق ثمار الهُـوِيَّة الإيْمَانية، وهي قوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، وبلا شكٍّ فإن جوانبَ الاستفادة العملية من أنوار هذه الآية، ستكون باهرةَ النتائج، خُصُوصاً فيما يتعلق بالوحدة الإيْمَانية ومهام وضوابط الالتزام الإيْمَاني في سياق التحَرّك العملي على مستوى الأُمَّــة، والتي تتناغمُ مع قولِه في المحاضرة الرمضانية الثانية 1440هـ: “إن الأُمَّــةَ بحاجة إلى الطاقة البشرية لمواجهة التحدّيات والنهوض بالمسؤوليات في الدنيا -وليس كما يقال- للمكاثرة بين الأمم يوم القيامة”، وبالعودةِ إلى الآية الكريمة وإلى ما تحتويه من فوائدَ مختلفةٍ مرتبطة بمستوى الالتزام بالتوجيهات الربانية، ومنها على سبيل المثال ما يترتّب على تأدية “الصلاة القيمة” من حصانةٍ نفسيةٍ عالية ناتجة عن استحالة اتّباع الشهوات والسقوط في حضيض المغريات غير المشروعة وفقاً لقوله تعالى في كتابه الكريم: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)، بناءً على ما سبق قد يكون من المهم قراءةُ الخطاب بصورة أكثر عمقاً واتّساعاً عبر الاستفادة مما ورد في العديد من المحاضرات المرتبطة بها موضوعياً، مثل المحاضرة الرمضانية الأولى والثانية والثالثة 1440هـ، وما ورد في تلك المحاضرات بشأن مقتضيات الانتماء الإيْمَاني من الالتزام العملي والطاعة إضافة إلى كون هذا الانتماء يعتبر ميثاقاً فيما بيننا وبين الله سبحانه وتعالى على السمع والطاعة، بحيث يمكن القولُ إن خصوصيةَ الهُـوِيَّة الإيْمَانية المرتبطة بالحديث النبوي الشريف يجوزُ اعتبارُها بمثابة ميثاق إضافي تعزّزه شهادةُ الرسول الأكرم -صلواتُ اللهِ وسلامُه عَلَيْهِ وعَلَى آلِه-، وهذا بالتالي يضاعفُ من ثقل المسؤولية الملقاة على عاتق الأُمَّــة اليمانية، لكنه في ذات الوقت يجعلها محطَّ عناية ورعاية إلهية أكبر، من خلال هذا الارتباط “الخاص” بالله ورسوله وهذه نعمةٌ عظيمةٌ جِـدًّا، إذ أن الإنسانَ لا يعدو عن كونه متلقياً للتوجيهات والتي يسير في مختلف شؤون حياته على أَسَاسها، في مختلفِ الشعوب والأمم، التي تعتمد في مسيرتها ومواقفها وفي منهج حياتها بشكل عام على أفكارٍ ونظرياتٍ وعقائدَ وتوجّـهاتٍ قد تصدر عن هذا أَو ذاك ممن قد يكون طاغيةً أَو مجرماً لا يملك تجاه شعبه ذرة من الرحمة؛ ولهذا -كما يشير السيّدُ في المحاضرات الرمضانية- فـ “كلُّ تلك الاعتبارات لا تساوي شيئاً أمام الله عز وجل”؛ ولهذا “يجب أن نستشعرَ قيمةَ الخطاب والنداء الإلهي وقيمة الهداية الإلهية، أن يكون المصدرُ الذي نتلقى منه التوجيهات والهداية والحلول والإرشادات هو اللهُ سبحانه وتعالى بكماله المطلق ورحمته التي وسعت كُـلَّ شيء، بعلمه المطلق بكلِّ شيء، ملك السماوات والأرض، أن يكون هو المصدرُ فهذه نعمة عظيمة جِـدًّا لا يدركها الآخرون من غير المؤمنين”.
وحول ذلك كان قد تحدّث الشهيدُ القائد -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- في جزئية من ملزمة الهُـوِيَّة الإيْمَانية حين ذكر اليابانيين في تحَرّكهم مستندين إلى هُـوِيَّة مكانية وشعور بالقهر والإذلال، ليشير -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- في كلامِه بعد ذلك إلى ملكوت الهداية الذي بين أيدينا، إلى ما لدينا من كنوز لا نهائية، وَهي التي لا مجالَ لمقارنتها بالمنطلقات التي حرّكت الأمم الأُخرى، فهي لا شيء مقارنة بأنوار هُـوِيَّتنا الإيْمَانية الشاملة، القرآن العظيم، وهو الخطاب الذي يتضمنه -بشكل أولي- الكتاب المخطوط، الكتاب الحي بآفاق الوعي المتجدّد غير المحدود، حي بإحيائه للنفوسِ العطشى لغيث الوعي والنور الهادي إلى طرائق الإيْمَان ومعالم الهداية وبصائر الانتماء ومصادر العمى ومصائر الأكوان وسنن الديان وسبل السلام وتفصيل لكل شيء.

قد يعجبك ايضا