120 مليون دولار تكاليف رحلات ليز غراندي الجوية خلال عام واحد، فيما 250 ألف يمني غير قادرين على السفر لتلقي العلاج
منظمات تجارية ومساعدات لا إنسانية!!
وثائق خاصة لـ”الثورة ” عن الفساد المالي والإداري والعملي والأخلاقي للقائمين على صرف المنح المقدمة لليمن
الوثائق تكشف هدر كبير للأموال التي تقدم باسم مساعدات إنسانية لليمن
رصد برنامج الغذاء 330 مليار ريال للتوزيع والإشراف والمسح و44 مليار ريال للنقل في العام 2019
رغم عمل المنظمات الأممية في اليمن منذ بدء العدوان ارتفعت نسبة الفقر إلى 85 ٪ ومعدل البطالة إلى 65 ٪
بعض المنظمات تستغل فرصة عملها الإنساني لتنفيذ مشاريع تخدم قوى العدوان في إطار الحرب الناعمة والنفسية واستغلال معاناة المواطنين
تجاوزات غير قانونية للمنظمات في تقديم تقاريرها المطلوبة
تحويل المعونات الغذائية إلى مساعدات مالية خطوة من شأنها الحد من تجاوزات المنظمات وفسادها المالي
منظمات تستقطب خبراء أجانب بمبالغ خيالية رغم وجود كوادر محلية مؤهلة
حصلت صحيفة الثورة على تقارير ووثائق تثبت فساد المنظمات العاملة في اليمن خلال فترة العدوان، ما يزيح الستار عن مصير الأموال المقدمة للشعب اليمني كمساعدات إنسانية للتخفيف من المعاناة جراء الوضع الكارثي الذي خلفه تحالف العدوان منذ 2015م، كما تكشف التجاوزات المستمرة على المستوى الإداري والعملي وحتى الاتفاقيات الموقعة عليها مع السلطات اليمنية.
الثورة / عبدالقادر عثمان
تشير التقارير إلى قيام المنظمات بتخصيص جزء كبير من المساعدات لمكاتبها الرئيسية والإقليمية في الخارج، وإنفاق ما تصل نسبته إلى 60 % على المنظمة في النفقات التشغيلية والأثاث والدعم، إلى جانب رصد مبالغ ضخمة لعمليات توزيع المساعدات الإغاثية والرقابة عليها والمسوح اللازمة والدعم المباشر وغير المباشر للمنفذين بشكل عبثي.
من ذلك: “رصد برنامج الغذاء العالمي 599 مليون دولار (330 مليار ريال)، تكاليف التوزيع والإشراف والمسح للعام 2019، بالإضافة إلى 80 مليون دولار (44 مليار ريال)، مخصصة للنقل”.
خبراء
إلى جانب ذلك، تستقطب المنظمات خبراء أجانب يتقاضون مبالغ خيالية رغم عدم جدوى وجودهم، في الوقت الذي تمتلئ فيه الساحة اليمنية بالكوادر المؤهلة التي تستطيع القيام بعملها على أكمل وجه، بمرتبات مناسبة، حيث كشفت وثيقة من مذكرات الأمم المتحدة – حصلت “الثورة” عليها في وقت سابق – “تسلم 8 موظفين في إحدى منظماتها العاملة في اليمن نحو 50 مليون دولار (30 مليار ريال يمني) راتباً لمدة 11 شهراً فقط”، فيما كشفت التقارير، قيام مدير مكتب منظمة الصحة العالمية في اليمن، خلال الفترة بين 2016 – سبتمبر 2018م، نيفيو زاغاريا، بتوظيف شباب فلبينيين غير مؤهلين كانوا قد عملوا معه في الفلبين، ورقّاهم إلى مناصب ذات رواتب عالية، منهم اثنان كان دورهما الوحيد رعاية كلب المدير.
وتدفع المنظمة الأممية مبالغ طائلة لتأمين السكن لموظفيها، بالإضافة إلى بدلات أخرى تتمثل في بدل مخاطر، باعتبار أن اليمن تعد منطقة خطرة بالنسبة لهم، فضلاً عن تكاليف إيصال المساعدات إلى مناطق المواجهات، التي قالت الأمم المتحدة إنها باهظة جداً، كما أن الوثيقة أظهرت أن تكاليف الإنترنت لبرنامج الغذاء خلال عام واحد بلغت “مليوناً ومائتي ألف دولار أميركي (660 مليون ريال يمني)” فيما تتضور آلاف الأسر جوعاً.
فاتورة ديزل
“في الاتفاق الخاص بعام 2018، قدّم برنامج الأغذية عرضاً بشراء اللتر الواحد من مادة الديزل من الخارج بـ 70 سنتا من الدولار، فيما خطّط لشرائه في العام 2019 بـ 92 سنتا (550 ريالا)، وهو سعر لا يشمل تكاليف النقل، كما أنه سعر غير تجاري ولا يخضع لدفع الضرائب والرسوم الجمركية كونه معفي من دفع ذلك”، فيما بلغ سعر اللتر الديزل في السوق التجارية اليمنية للعام 2019 نحو 66 سنتاً (400 ريال) شاملا الضريبة والرسوم الجمركية وتكاليف النقل والأرباح، بالإضافة إلى أن سعر المشتقات النفطية شهد انخفاضاً في العام الجاري عن العام الماضي، ويكشف تقرير أن الكمية المتفق عليها من الديزل لم يتوفر منها سوى 40 %، بمتوسط 3.5 مليون لتر من 15 مليون لتر في الشهر.
إعفاءات جمركية
وحصلت (الثورة) على وثيقة تثبت تكرار طلبات إعفاءات جمركية لغرض إدخال بضائع لتجّار دون جمارك من قبل برنامج الأغذية، وتتضمن الوثيقة اعتذار البرنامج عن تكرار الطلب، إلى جانب توضيحه أن ذلك تم بصورة عفوية وغير مقصودة.
وسعى البرنامج إلى “تقديم أقل من نصف المساعدات في المدة المحددة للمشروع من أجل تمديد الوقت ليتاح له صرف مبالغ مضاعفة كنفقات تشغيلية، حيث قدم خلال 18 شهراً المساعدات المخصصة لتسعة أشهر، حسب وثيقة التمديد بين وزارة التخطيط والتعاون الدولي والبرنامج للعام 2018”، بحسب ما جاء في التقرير الذي يضيف أن “البرنامج وشريكه المجلس الدنماركي أخفى وصادر وعبث بآلاف السلال الغذائية في محافظة حجة، كما صرف سلالاً ناقصة، إلى جانب صرف آلاف السلال المكررة رغم وجود أسر غير محتاجة في المنطقة التي يكرر فيها الصرف”.
يقول الصحفي الاقتصادي رشيد الحداد إن “النفقات التشغيلية التي تستحوذ على ٧٠ % من إجمالي الأموال المقدمة كمساعدات صورة كبرى من صور الفساد الأممي الذي يمارس في اليمن”، ويضيف لـ “الثورة” “تلك المنظمات اليوم هامش آخر للابتزاز، وهي تستخدم الانقسام السياسي كأداة للمناورة بين العاصمة صنعاء وعدن، وهذا بحد ذاته ابتزاز أممي غير مقبول”.
ويشير إلى أن “مشكلة النفقات التشغيلية والهدر الكبير للأموال التي تقدم باسم مساعدات إنسانية لليمن سابقة للعدوان والحصار، فهناك لوبي جسد ثقافة التقاسم مع المنظمات الدولية للمساعدات، لذا أصبح تبديدها وإنفاقها بعيدًا عن أهدافها التي قدمت من أجلها، وذلك أصبح ثقافة متأصلة في ظل غياب الرقابة على عملية الصرف”، ويردف قائلاً: “مع استمرار العدوان والحصار أصبح هذا الأمر مرفوضًا ليس لدى الجهات الحكومية وحدها، بل لدى الشعب الذي تتاجر المنظمات بمعاناته في المحافل الدولية دون أن يصل من تلك المليارات من الدولارات للفقراء والمحتاجين سوى الفتات”.
طائرة غراندي
وفي حين تؤكد مصادر مسؤولة لـ “الثورة” أن “تكاليف الرحلات الجوية الأسبوعية لمنسقة الشؤون الإنسانية في اليمن، ليز غراندي، بلغت 120 مليون دولار خلال عام واحد”، يعاني 250 ألف مريض منعوا من السفر لتلقي العلاج في الخارج، مات منهم 30 ألف مريض، 30 % منهم أطفال، بحسب تصريح رسمي لوزارة الصحة اليمنية.
واطلعت الثورة على بعض المشاريع المرفقة في التقرير المقدمة من المنظمات الدولية إلى المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي، ومنها منظمة ميرسي كور الأمريكية ومنظمة مجتمعات عالمية الأمريكية وكذا منظمة رعاية الأطفال الدولية، إذ تظهر المشاريع تخصيص المنظمات غالبية مبالغ المشاريع في النفقات الخاصة، فيما تهدر ما تبقى منها في غير مسارها الصحيح بما يوائم طبيعة المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد.
قسمة ظالمة
خصصت ميرسي كور في “مشروع اليمن للطوارئ 2019” ما نسبته 63 في المئة من المشروع البالغ قيمته 11.9 مليون دولار (6.5 مليار ريال)، كما أن 17 % من قيمة المشروع مخصصة للتدريب وورش العمل واللقاءات، بينما لا يحصل اليمنيون من المبلغ إلا على 20 % تقدر بـ 2.4 مليون دولار (1.3 مليار ريال).
فيما خصصت منظمة رعاية الأطفال الدولية من المشروع البالغ قيمته 5.2 مليون دولار (2.9 مليار ريال)، ما نسبته 41 % رواتب ومنافع للعاملين في المشروع في اليمن، و30 % مصاريف إدارية ورواتب الموظفين في المكتب الرئيسي في واشنطن، والموظفين الأجانب في اليمن، أما بقية المبلغ فيصرف على مشاريع لا علاقة لها بالاستجابة الطارئة.
إلى ذلك تقدمت منظمة “مجتمعات عالمية” بخطة مشروع “مجتمعات يمنية.. معاً أقوى”، البالغ تمويله 11.4 مليون دولار (6.3 مليار ريال)، ليكون خارج نطاق الخدمة المجتمعية بما نسبته 90 %؛ حيث تصرف 10.3 مليون دولار (5.6 مليار ريال) في نفقات المنظمة كرواتب للموظفين وفوائد هامشية ومعدات ومؤن، إلى جانب سيارات، ومبلغ 1.8 مليون دولار نفقة غير مبوبة للمنظمة حرّية التصرّف بها، علاوة على برنامج المسح الذي تم تصنيفه عملاً استخباراتياً من قبل السلطات اليمنية، في الوقت الذي لا يصرف فيه على المشاريع الخدمية الأساسية سوى 10 % من قيمة المشروع، رغم أن المبالغ المرصودة للمشاريع تحسب في المحافل الدولية على أنها صرفت للشعب اليمني.
غير مناسب
ولا يقف فساد المنظمات عند هذا الحد، إذ تهدر الأموال المخصصة كمنح لليمنيين في تنفيذ مشاريع وشراء مواد بمواصفات سيئة ونسبة انحراف كبيرة، يكشف التقرير منها مشاريع منظمة سول الذي حددت نسبة انحراف التنفيذ لمشاريعها عن المقاييس بـ 116 %، ومنها ترميم بعض المدارس المدمرة ومشاريع صحية، بعض منها كانت أدوية فاسدة أو غير مطلوبة في ظل الأوضاع الراهنة، بالإضافة إلى المواد الغذائية الفاسدة التي كشفت عنها “الثورة” في تحقيقات سابقة.
ورغم استمرار عمل المنظمات في اليمن منذ بدء العدوان، “ارتفعت نسبة الفقر إلى ٨٥ %، كما ارتفع معدل البطالة إلى أكثر من ٦٥ %، وزاد عدد المصابين والضحايا بسوء التغذية، وانتشرت الأوبئة والأمراض”، بحسب الصحفي الاقتصادي الحداد الذي عزا سبب ذلك إلى العدوان والحصار، كما كان للمنظمات الدولية دور كبير في تلك الظواهر؛ كونها فشلت في تحجيم المخاطر على الصحة العامة أو تخفيف أضرار الكارثة على الملف الإنساني”.
وبحسب الأمم المتحدة “يحتاج 20 مليون يمني إلى رعاية صحية وغذائية طارئة، منهم 14 مليوناً مهددون بالموت جوعاً و11 مليوناً معرضون للموت نتيجة الأوبئة”، وهو ما لا تضع له المنظمات أي اعتبار في الميدان بقدر بحثها عن التكسّب، كما يحكي واقع عملها.
عرقلة وسبب
في إطار الحديث عن عرقلة وصول المساعدات إلى المواطنين وإهدار أموالها حصلت “الثورة” على وثائق عن تجاوزات غير قانونية أدت إلى عرقلة بعض تحركات موظفي المنظمات وبعض أنشطتها بحسب اللوائح المتفق عليها بين السلطات اليمنية وتلك المكونات.
عن ذلك يقول رئيس المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي، عبد المحسن الطاووس: إن المشاريع الموقفة هي التي تصل نسبة النفقات والمصاريف الإدارية فيها إلى 80 % من تمويل المشروع.
ومن تلك التجاوزات تأخر تقديم المنظمات الأممية والدولية التقارير المطلوبة واللازمة، بحسب الاتفاقات الأساسية والفرعية للمشاريع، أو مخالفة المنظمة لخطوط السير أو التحرك بصورة سرية.
اعتذارات عن التجاوز
في الـ 29 من سبتمبر الماضي بعثت منظمة “الإغاثة الدولية” مذكرة رسمية إلى رئيس المجلس الأعلى (الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية سابقاً)، تؤكد “تحرك سيارة تابعة للمنظمة من حجة إلى صنعاء، وفي حوزتها وثائق مشروع اليونيسف المنتهي، دون تصريح، ما أدى إلى احتجازها”، وبحسب الوثيقة المتضمنة اعتذار المنظمة، فإن الجهات المختصة منعت موظفي المنظمة من التحرك واحتجزت سيارة المنظمة”، وفي وثيقة اعتذار أخرى، فإن توقيف أحد موظفي “المؤسسة الوطنية للتنمية والاستجابة الإنسانية” في نقطة الأزرقين بصنعاء في أكتوبر المنصرم ومصادرة الوثائق التي بحوزته، كان ناتجاً عن عبوره دون أخذ تصريح بالعودة إلى صنعاء.
يقول مصدر مسؤول في وزارة الداخلية لـ “الثورة” إن “من واجب الأجهزة الأمنية اتخاذ الإجراءات اللازمة إزاء ذلك، كون البلاد في حالة عدوان وبحاجة إلى التنبه لكافة عمليات الاختراق التي يدبر لها العدو”، مضيفاً “أي شخص سنجد بحوزته أي وثائق تابعة لمنظمة ما دون أن يكون حاملاً تصريحات العبور من الجهة المختصة سيتم اتخاذ القرار المناسب بشأنه حتى إن كان موظفاً في المجلس الأعلى”.
شحنة اليونيسف
ضمن وثائق تجاوزات خطوط السير اطلعت “الثورة” على وثيقة بعثتها اليونيسف في 13 أكتوبر الماضي إلى مدير عام الإمداد الدوائي في وزارة الصحة العامة والسكان محمد الغيلي متضمنة اعتذاراً عن وصول قاطرة تابعة للمنظمة على متنها 1706 كراتين من الأدوية إلى مخازن الوزارة في منطقة عفّار بحجة ما أدى إلى إيقافها، فيما مسارها الصحيح- بحسب الوثيقة- “كان من المقرر وصولها إلى المراكز الصحية في المحافظة”.
لا تقتصر تجاوزات المنظمات على تغيير خطوط السير، إذ تؤكد الوثائق قيام المنظمات بالتخاطب مع المؤسسات والمكاتب الحكومية بشكل مباشر دون العودة إلى المجلس الأعلى لتنسيق إجراءاتها باعتباره الجهة المسؤولة عن ذلك بموجب الاتفاقيات المبرمة بين المجلس والمنظمات.
بيانات غير قانونية
مطلع نوفمبر الماضي قامت منظمة “كير العالمية” بنقل “بيانات جوازات الموظفين الأجانب عبر مصلحة الهجرة والجوازات”، بحسب وثيقة صادرة عن المنظمة تتضمن اعتذاراً للمجلس الأعلى عن ذلك، مشيرة إلى أن العملية تمت “بدون قصد”، فيما الجهة المسؤولة عن ذلك هي المجلس وليس المصلحة.
وفي الـ 25 من مارس الماضي بعثت “المؤسسة الوطنية للتنمية والاستجابة الإنسانية” مذكرة رسمية إلى مدير عام مكتب التربية والتعليم في محافظة صعدة تخاطبه بشأن الفصول النظامية المقرر إنشاؤها في المديرية.. تقول الوثيقة إن “المانح (صندوق اليمن الإنساني) وكتلة التعليم الرئيسية لم يوافقا على إنشاء فصول نظامية؛ تحت مبرر أن الحرب مستمرة، وأن التدخلات الحالية تدخلات طارئة”، وتضيف أن “المؤسسة لا تستطيع تجاوز شروط المانح ومواصفات كتلة التعليم، وملزمة بتنفيذ النشاط وفقا لخطة المشروع بإنشاء فصول شبه نظامية”، وهذا التخاطب جرى دون الرجوع إلى المجلس الأعلى للتخاطب معه، وهو تجاوز يتطلب إيقاف التنفيذ حتى يتم التنسيق وفق الطرق المتفق عليها بين المنظمة والسلطات اليمنية.
فعاليات سرية
وتصل بعض تجاوزات المنظمات إلى إقامة فعاليات وأنشطة سرية دون التصريح بها من قبل المجلس، ما يؤدي إلى إيقاف النشاط من قبل الأجهزة الأمنية، بحسب مصادر خاصة لـ “الثورة” أكدت أن تلك التجاوزات قد تصل إلى إيقاف عمل المنظمة والتحقيق في نشاطها حتى يسلك مسؤولوها الطريق المتفق عليه لاستئناف العمل.
وكشفت وثيقة – حصلت الثورة على نسخة منها- تجاوزات شركة “جرانت ثورنتون للاستشارات المحدودة”، من خلال إقامة دورة تدريبية عن مشروع المتابعة والتقييم لمشاريع الأوتشا، في يوليو الماضي، دون التنسيق لها مع المجلس، وقبل موافقته على المشاريع أيضاً.
أما “الشركة الدولية للاستشارات الفنية والأعمال”، فقدمت اعتذاراً في سبتمبر الماضي للمجلس عن تجاوزاتها خلال الفترة الماضية وعدم اتباعها الإجراءات الصحيحة، داعية إلى إصدار اتفاقية التعاون الأساسية بينهما، ما يعني أن عملها خلال الفترة الماضية جرى بشكل عشوائي ودون إذن الجهة المسؤولة عن إدارة وتنسيق عملها.
أعمال مشبوهة وتنظيمات إرهابية
وبحسب المصدر الأمني، فإن بعض المنظمات تستغل فرصة عملها الإنساني لتنفيذ مشاريع تخدم قوى العدوان؛ من خلال العمل ضمن إطار الحرب الناعمة والحرب النفسية، كما تستغل معاناة المواطنين لجني المال أو تحقيق اختراق أمني أو استخباراتي أو مجتمعي.
ويكشف التقرير قيام منظمة “ميرسي كور” بتقديم مبالغ نقدية للمشائخ والوجهاء الاجتماعيين في مناطق ساخنة في اليمن، إلى جانب دعمها جماعة “أنصار الشريعة” الإرهابية في أبين من خلال التعامل مع منظمة تابعة للتنظيم الإرهابي تدعى “لأجل الجميع”، عن طريق “التعامل مع تاجر صومالي ينتمي لحركة الشباب الإرهابية، لتوريد المساعدات دون أن يكون لديه سجل تجاري، رغم تقديم عروض أخرى من تجار يمنيين مشهورين وبأسعار أقل” بحسب تحقيق خاص أجرته المنظمة ذاتها، واطلعت الثورة على نسخة سرية منه.
معالجة كاذبة
وفي مذكرة بعثتها المنظمة إلى نائب رئيس الهيئة الوطنية ماجد عزان في الـ 14 مايو 2019م، قالت ميرسي كور إنها اتخذت إجراءات تصحيحية على خلفية التجاوزات التي مارسها المدير القطري في تعز ومنها اختلالات السلال الغذائية والتعامل مع تجار غير مرخص لهم، من خلال اتخاذ قرار إنهاء التعاقد مع المدير القطري، ومديري العمليات والمالية في أبريل الماضي، لكن التحقيق الذي أجرته في وقت سابق يكشف أن مغادرة المدير القطري اليمن كان مخططاً له من قبل المنظمة لأسباب لا علاقة لها بالأمر.
تحركات استخباراتية
شمل التقرير أيضاً معلومات تؤكد “قيام بعض موظفي المنظمات الدولية بتنفيذ تحركات استخباراتية ومشبوهة أمنياً، وقد تم القبض على بعضهم أثناء التنقّل بشكل سري، رغم التسهيلات اللازمة التي يقدمها المجلس الأعلى”.
وحصلت “الثورة” على مذكرة رسمية بعثتها الهيئة الوطنية إلى الجهاز المركزي للإحصاء، شريك منظمة اليونيسف في مشروع “المسح العنقودي متعدد المؤشرات (MICS) ومسح سمارت” في الـ 27 أغسطس الماضي، تتضمن التنبيه على مراعاة عدم تكرار إجراء المسوح كون ذلك هدر للمنح والمساعدات المقدمة، والاكتفاء بمسح واحد وشامل، إلى جانب عدم استخدام الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية في الميدان أثناء المسح؛ لما لذلك من مخاطر أمنية، وكذا التنسيق المسبق مع الهيئة قبل إجراء أي مسح شامل وواسع النطاق”.
لا أخلاقي
في مذكرة أخرى في السابع من سبتمبر الماضي أكدت الهيئة توقيف المسح وتحميل الشريكين كامل المسؤولية في حال تنفيذه، مشيرة إلى مخالفة المنظمة والجهاز لما ورد في المذكرة السابقة، بالإضافة إلى احتواء استمارات المسح على محاور تضر بالجانب الأمني، وأخرى تنافي أخلاقيات الأسر اليمنية وتسبب إشكاليات في المجتمع”، غير أن “المسح لم يتوقف” بحسب مذكرة بعثتها الهيئة إلى جهاز الأمن والمخابرات في الشهر ذاته.
واطلعت “الثورة” على شكوى مقدمة إلى الأمم المتحدة وبرنامج الغذاء العالمي واليونيسف من إحدى موظفات شركة العريش المتعاقدة مع برنامج الأغذية في محافظة الحديدة، حيث تتضمن بلاغاً عن المسؤول الأمني الأول في مقر البرنامج، لقيامه بالتحرش الجنسي المستمر بالفتاة ومحاولة الضغط عليها من أجل تسليم نفسها له مقابل البقاء في العمل.
وكان تقرير لمساعد الأمين العام للأمم المتحدة في العام 2015م، “أنطونيو غوتريش” أكد تعرض واحدة من كل ثلاث موظفات في المنظمة للتحرش الجنسي أثناء العمل، وأن 40 ألف موظف تابع للمنظمة حول العالم ارتكبوا 60 حالة سلوك سيء بما فيها الشواذ والممارسة الجنسية وتناقل الصور والمقاطع الإباحية وحمل المخدرات في سيارات رسمية.
صوت غير مسموع
في واحد من الحلول التي طرحتها السلطات للحد من تجاوزات المنظمات وفسادها المالي اقترح المجلس الأعلى تحويل المساعدات الغذائية إلى مساعدات مالية، بحيث يتم الاستفادة من تكاليف النفقات في حصول المحتاجين على عائد كاف بدلا عن السلة التي لا تكفي بعض الأسر لأسبوع واحد يعودون بعده لتناول أوراق الشجر.
في هذا الإطار يقول الصحفي الاقتصادي رشيد الحداد إن “هذه الآلية أكثر جدوى من الآلية الحالية التي فشلت بشهادة المنظمات نفسها وإقرار السلطات، وبالتالي فإن آلية صرف المساعدات مالياً ستكون أكثر جدوى؛ حيث تتيح للأسر المستفيدة شراء الغذاء الصحي غير المنتهية صلاحيته من السوق، إلى جانب ما يمكن أن تحدثه من حراك تجاري في السوق المحلي الذي يعاني من حالة ركود حاد، نتيجة تراجع مستوى دخل المواطن اليمني بنسبة ٥٤ % وفق آخر التقديرات، علاوة على الدور الذي ستلعبه في الحد من تدهور العملة الوطنية من خلال توفير السيولة من العملات الصعبة بالإضافة إلى كونها ستحد نسبياً من انحراف توزيع المساعدات التي توزع بصورة غير عادلة في كثير من المناطق”.
وعلى رغم جدوائية بعض المشاريع الإنسانية والصحية التي تقدمها المنظمات، وما أسهمت به في احتواء الانهيار الكلي للنظام الصحي والغذائي، إلا أن ما تقدمه تلك المنظمات بحاجة إلى طرق ترشيد من قبل السلطات التي يقع على عاتقها تسهيل مهمة المنظمات وتنفيذ الرقابة عليها ومتابعة أعمالها أولا بأول، للحد من الإهدار المستمر للأموال الممنوحة للشعب اليمني.