الميثاق الوطني‮ ‬للجبهة القومية أكد وحدة اليمن منذ عصور بعيدة

‮ ‬شكلت الوحدة اليمنية أبرز مضامين أدبيات مؤتمرات وبرامج وتوجهات جبهتي‮ ‬التحرير والقومية‭ ‬حيث نص الميثاق الوطني‮ ‬للجبهة القومية على أن اليمن شمالا وجنوبا ظلت وحدة طبيعية متكاملة تجمع شعبها روابط وعوامل كثيرة منها وحدة الأرض ووحدة المعاناة اليومية للحياة ووحدة المصلحة والمصير‮ ‬وقد تجسدت هذه الوحدة منذ عصور بعيدة‮.‬
حول ذلك وغيره من القضايا والمواضيع التي‮ ‬جاءت في‮ ‬أدبيات الجبهتين بما في‮ ‬ذلك النضال ضد المحتل البريطاني‮ ‬والصراع الذي‮ ‬حدث بين فترة وأخرى‮ .. ‬نتابع سياق السطور التالية‮ ..‬

‬في‮ ‬19‮ ‬أغسطس‮ ‬1963م‮ ‬عْقد في‮ ‬مدينة صنعاء اجتماع حضره عدد من قيادات حركة القوميين العرب في‮ ‬اليمن‮ ‬وفي‮ ‬هذا الاجتماع تم إعلان تأسيس‮ (‬الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني‮ ‬المحتل‮) ‬وإلغاء التسمية القديمة للجبهة‮ (‬جبهة تحرير جنوب اليمن‮)‬‮ ‬وهي‮ ‬التسمية التي‮ ‬كانت قد أعلنتها الجبهة في‮ ‬بيانها التأسيسي‮ ‬الصادر في‮ ‬24‮ ‬فبراير‮ ‬1963م‮..‬
وكانت‮ (‬الجبهة القومية‮) ‬قد دعت منذ بداية تشكيلها إلى الأخذ بمبدأ الكفاح المسلح كأسلوب وحيد لتحرير الجنوب اليمني‮ ‬المحتل‮ ‬وكانت الانطلاقة الأولى للكفاح المسلح في‮ ‬14‮ ‬أكتوبر‮ ‬1963م‮ ‬من جبال ردفان‮ ‬وسرعان ما انتشر لهيب الثورة ليعم مناطق الجنوب المختلفة‮ ‬حتى وصل لهيبها إلى مقر القاعدة البريطانية في‮ (‬مستعمرة عدن‮).‬
وفي‮ ‬الفترة من‮ (‬22‮ – ‬25‮ ‬يونيو‮ ‬1965م‮) ‬عقدت الجبهة القومية مؤتمرها الأول‮ ‬وفيه أقرت برنامجها السياسي‮ ‬المتمثل في‮ (‬الميثاق الوطني‮ ‬لجبهة تحرير الجنوب اليمني‮ ‬المحتل‮)‬‮ ‬وهو انعكاس لبرنامج‮ (‬حركة القوميين العرب‮).‬
الدمج
‮> ‬وفي‮ ‬13‮ ‬يناير‮ ‬1966م أقدمت عناصر من قيادات الجبهة على التوقيع لدمج الجبهة القومية مع بعض التنظيمات الأخرى‮ ‬وعلى إثره تم الإعلان عن تأسيس‮ (‬منظمة تحرير الجنوب اليمني‮ ‬المحتل‮)‬‮ ‬التي‮ ‬ضمت في‮ ‬عضويتها إلى جانب العناصر المنشقة من الجبهة القومية عناصر أخرى من تنظيمات سياسية أخرى‮ ‬وبعضاٍ‮ ‬من حكام الإمارات والسلطنات الذين انشقوا عن زملائهم ورفضوا التعاطي‮ ‬مع المشاريع التي‮ ‬اقترحتها سلطات الإدارة البريطانية في‮ ‬عدن‮ ‬غير أن قواعد الجبهة القومية رفضت هذا الدمج‮ ‬واعتبرته بمنزلة ردة إلى الوراء في‮ ‬اتجاه الأخذ بالحلول السياسية‮ ‬التي‮ ‬تجاوزتها الأحداث‮.‬
وفي‮ ‬المؤتمر الذي‮ ‬انعقد في‮ (‬حْمر مديرية قعطبة محافظة الضالع‮) ‬في‮ ‬نوفمبر‮ ‬1966م تقرر انسحاب‮ (‬الجبهة القومية‮) ‬عن‮ (‬جبهة التحرير‮) ‬وعادت‮ (‬الجبهة القومية‮) ‬لتعمل من جديد بصورة مستقلة‮ ‬غير أن هذا الانسحاب قد تسبب في‮ ‬إيقاف الدعم المالي‮ ‬والعسكري‮ ‬عنها من قبل القوات المصرية العاملة في‮ ‬اليمن‮ ‬التي‮ ‬كانت تقدمها لها قبل ذلك‮.‬
وتحول هذا الدعم إلى‮ (‬جبهة التحرير‮)‬‮ ‬ثم إلى‮ (‬التنظيم الشعبي‮ ‬الثوري‮ ‬للقوى الثورية‮)‬‮ ‬المنبثق عن‮ (‬جبهة التحرير‮) ‬الذي‮ ‬كان قد تأسس في‮ ‬أكتوبر‮ ‬1966م كرد فعل لانسحاب الجبهة القومية عن‮ (‬جبهة التحرير‮) ‬معلنا التزامه بالكفاح المسلح‮. ‬وكانت قيادات‮ (‬جبهة التحرير‮) ‬تْعنى بالشأن السياسي‮ ‬في‮ ‬حين تركت الكفاح المسلح‮ (‬للتنظيم الشعبي‮ ‬للقوى الثورية‮) ‬الذي‮ ‬كان‮ ‬ينافس‮ (‬الجبهة القومية‮) ‬في‮ ‬العمل العسكري‮ ‬وكان كل منهما‮ ‬ينسب لنفسه أية عملية فدائية‮ ‬يتم الإعلان عنها‮ ‬ما أدى في‮ ‬الأخير إلى الاقتتال بينهما‮ ‬وانتصار‮ (‬الجبهة القومية‮) ‬واندحار‮ (‬جبهة التحرير وتنظيمها العسكري‮) ‬وكانت قد حصلت الأولى على اعتراف سلطات الاحتلال وانحياز كبار ضباط الجيش والأمن معها‮ ‬في‮ ‬حين تم ملاحقة الأخرى وحظر نشاطها السياسي‮ ‬ومفاوضة الجبهة القومية للتوقيع على وثيقة الاستقلال التي‮ ‬تم إعلانها في‮ ‬الثلاثين من نوفمبر‮ ‬1967م‮ ‬وقيام‮ (‬جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية‮)‬
ولما كانت‮ (‬الجبهة القومية‮) ‬منفردة قد تسلِمت زمام السلطة في‮ ‬الدولة الجديدة‮ ‬في‮ ‬وقت كان النضال فيه من أجل الوحدة اليمنية في‮ ‬جنوب الوطن في‮ ‬أشد عنفوانه ما كان‮ ‬يستوجب اندماج الشطرين وعقب جلاء قوات الاحتلال مباشرة‮ ‬خصوصاٍ‮ ‬أن‮ (‬الجبهة القومية‮) ‬كانت في‮ ‬طليعة التنظيمات السياسية في‮ ‬جنوب الوطن الداعية إلى وحدة الشطرين في‮ ‬كيان سياسي‮ ‬واحد‮ ‬غير أن ذلك لم‮ ‬يتم في‮ ‬حينهº لأن الظروف لم تكن مهيأة في‮ ‬الشطرين‮ – ‬بحسب زعم القيادات السياسية حينها‮ – ‬أو بالأصح لم تكن الإرادة السياسية جادة لتحقيق هذا الهدف السامي‮ ‬ما جعل مسيرة الوحدة تتأخر لما‮ ‬يزيد على ربع قرن من الزمان‮.‬
والعجيب أن وثائق‮ (‬الجبهة القومية‮) ‬جميعها تؤكد قضية الوحدة اليمنية باعتبارها مسألة إستراتيجية‮ ‬وهذا ما سنحاول إيضاحه في‮ ‬هذا الحيز المتواضعه‮.‬
وثائق وحدوية
‮> ‬لقد نص الميثاق الوطني‮ ‬للجبهة القومية على إن المنطقة‮ – ‬اليمن شمالاٍ‮ ‬وجنوبـاٍ‮ – ‬ظلت وحدة طبيعية متكاملة تجمع شعبها روابط وعوامل كثيرة‮ ‬منها وحدة الأرض‮ ‬ووحدة المعاناة اليومية للحياة ووحدة المصلحة والمصير‮ ‬وقد تجسدت هذه الوحدة على مستواها السياسي‮ ‬في‮ ‬عصر الإسلام في‮ ‬دول متعددة تعاقبت على المنطقة كدولة الزياديين والباطنيين والزيديين‮ ‬والأيوبيين والصليحيين تضم شملها‮ ‬وتعبر عن وحدتها‮.‬
ولظروف تاريخية واجتماعية معينة تهاوت هذه الدول وحطم بعضها بعضا‮ ‬وبدأ قادة الجيوش والولاة في‮ ‬مناطق الجنوب‮ ‬يشرفون على إدارتها والاستقرار فيها‮ ‬ثم أخذوا‮ ‬يقتطعون الأرض لملكيتهم الخاصة ويعلنون عن انفصالهم التدريجي‮ ‬عن الحكومة المركزية في‮ ‬صنعاء أو تعز أو زبيد أو عدن‮« (‬المنطقة حتى عام‮ ‬1839م‮).‬
ونستدل من ذلك على أن الجبهة القومية أقرت في‮ ‬ميثاقها أن اليمن شمالا وجنوبا كياناٍ‮ ‬واحداٍ‮ ‬عبر التاريخ‮ ‬غير أن ظروفا اجتماعية وتاريخية معينة أدت إلى تهاوي‮ ‬ذلك الكيان وقيام دويلات هزيلة في‮ ‬الأجزاء التي‮ ‬اقتطعت من الكيان الواحد‮.‬
وفي‮ ‬البيان السياسي‮ ‬الصادر عن القيادة العامة المنبثقة عن المؤتمر الرابع للجبهة القومية المنعقد في‮ ‬مدينة زنجبار في‮ ‬الفترة‮ (‬2‮ – ‬8‮ ‬مارس‮ ‬1968‮) ‬جاء ما‮ ‬يلي‮ : ‬
على المستوى المحلي‮ ‬لابد أن نسجل الملاحظات التالية‮:‬
أولا‮ : ‬بالرغم من أننا حققنا طرد المستعمر والقضاء على النظام السلاطيني‮ ‬شبه الإقطاعي‮ ‬في‮ ‬جمهوريتناº إلا أنه‮ ‬يجب ألا‮ ‬يغرب عن بالنا أن تحررنا الوطني‮ ‬لن‮ ‬يتحقق بشكله السليمº إلا بانتصار ثورتنا في‮ ‬الشمال وتحقيق وحدة الإقليم اليمني‮.‬
وهذا‮ ‬يدل على أن وحدة الإقليم اليمني‮ ‬كانت‮ ‬غاية سامية تسعى الجبهة القومية لتحقيقهاº إلا أن الأخطار التي‮ ‬تعرضت لها الثورة في‮ ‬الشمال‮ ‬ربما كانت واحدة من أسباب تأجيل إعلان الوحدة‮.‬
وجاء في‮ ‬البيان الوزاري‮ ‬الذي‮ ‬أعلنته حكومة الاستقلال ما‮ ‬يلي‮ : ‬
‮»‬انطلاقا من الإيمان بحتمية تحقيق الوحدة اليمنيةº فإن توثيق العلاقات وتطويرها على أسس علمية بين شمال اليمن وجنوبه من خلال التفاعل والالتحام بين مختلف المستويات الرسمية والشعبية لتجسيد المصلحة المشتركة لشعبنا‮ ‬تحتم بالضرورة دراسة القضايا المشتركة والاتفاق حولها‮ ‬وتوحيد وجهات النظر فيها وتطبيقها بين حكومتي‮ ‬الجنوب والشمال بما‮ ‬يتفق والمصلحة العامة للشعب‮ ‬لهذا لابد من إنشاء مكاتب تنسيق تحقق هذه الغاية‮«‬
ويفهم من ذلك أن الجبهة تؤكد حتمية الوحدة اليمنية‮ ‬ووجوب تحقيقها على أسس علمية‮ ‬وربما كانت هناك جهود جادة لتحقيق هذه الغاية من خلال العمل على توثيق العلاقات بين الشطرين وتطويرها‮ ‬ومن خلال التفاعل والالتحام بين مختلف المستويات الرسمية والشعبية‮ ‬لولا حصول بعض المتغيرات المتسارعة في‮ ‬الساحة اليمنية‮. ‬وهذا ما‮ ‬يؤكده برنامج استكمال مرحلة التحرر الوطني‮ ‬الذي‮ ‬أقرته القيادة العامة للجبهة القومية في‮ ‬دورتها العادية المنعقدة في‮ ‬الفترة‮ (‬7‮ – ‬11‮ ‬أكتوبر‮ ‬1968م‮): ‬
عوائق
‮> ‬لولا الظروف الموضوعية السائدة في‮ ‬الشمال والجنوب عند استقلال الجنوب‮ ‬تلك الظروف التي‮ ‬شكلت عوائق آنية لكان من الضروري‮ ‬قيام الكيان اليمني‮ ‬بتحقيق الوحدة اليمنية التي‮ ‬ظلت وما زالت أمل الشعب اليمني‮ ‬في‮ ‬الشمال والجنوب‮«.‬
وكانت الجبهة القومية تطمح إلى تغيير الأوضاع في‮ ‬شمال الوطنº لأنها لم تكن على وئام تام مع النظام القائم في‮ ‬صنعاء المنبثق عن انقلاب‮ ‬5‮ ‬نوفمبر‮ ‬1967م الذي‮ ‬تحالف مع خصومها من البعثيين واستوعب النازحين من عناصر جبهة التحرير والتنظيم الشعبي‮ ‬وهي‮ ‬لذلك كانت ترى أن ذلك‮ ‬يشكل عائقا آنيا لتحقيق الوحدة اليمنية‮ ‬وتتمنى زوال ذلك العائق‮ ‬وتمكين أنصارها من القوميين في‮ ‬شمال الوطن للوصول إلى الحكم‮ ‬وعملت على دعمهم لتشكيل تنظيم سياسي‮ ‬موال لها‮ ‬على أمل أن‮ ‬يكون ذلك التنظيم هو الذي‮ ‬سيخلق التجانس المنشود بين حكومتي‮ ‬الشطرين‮ ‬وفي‮ ‬حالة حصول ذلك فإن معوقات الوحدة ستزول من وجهة نظرها‮.‬
وانطلاقا من هذا النهج الخاطئ لخلق الظروف الموضوعية لتحقيق الوحدة بدأت اليمن تدخل في‮ ‬دوامة من الصراع الأيديولوجي‮ ‬والعقائدي‮ ‬والحروب الأهلية‮ ‬أدت إلى إزهاق المئات بل الآلاف من الأرواح البريئة‮ ‬بسبب أن الجبهة القومية كتنظيم شعبي‮ ‬جماهيري‮ – ‬كما وصفت نفسها‮ – ‬كانت قد قررت في‮ ‬برنامج استكمال مرحلة التحرر الوطني‮ ‬أنها‮ »‬ستعمل على توفير الظروف الملائمة لتحقيق الوحدة اليمنية‮«‬‮ ‬وهي‮ ‬ترى‮ »‬أن الوحدة اليمنية تتطلب توافر الأوضاع السياسية والاجتماعية الملائمة كما تتطلب وحدة الإرادة الثورية في‮ ‬الشمال والجنوب التي‮ ‬ستحقق وتحافظ على وحدة اليمن‮«.‬
وبناءٍ‮ ‬على ما سبق‮ ‬يمكننا القول أن الجبهة القومية قد وقعت في‮ ‬خطأ إستراتيجي‮ ‬حين ربطت قضية تحقيق الوحدة اليمنية بقضية أخرى هي‮ ‬خلق وحدة الأداة الثورية في‮ ‬الشمال والجنوب‮ ‬فهي‮ ‬بدلاٍ‮ ‬من العمل على تذليل المعوقات التي‮ ‬تحول دون تحقيق الوحدة اليمنية‮ ‬اتجهت اتجاها مغايرا‮ ‬فركزت كل اهتمامها لخلق‮ (‬وحدة الأداة الثورية‮) ‬واعتبرت ذلك قضية مهمة بالنسبة لها‮ ‬فاقت المساعي‮ ‬لتحقيق الوحدة اليمنية‮.‬
وربما كانت الجبهة القومية تتصور أن‮ »‬وحدة الأداة الثورية في‮ ‬الشمال والجنوب هي‮ ‬التي‮ ‬ستحقق وتحافظ على وحدة اليمن وعلى المكاسب الثورية التي‮ ‬حققها وسيحققها الشعب اليمني‮ ‬في‮ ‬نضاله لبناء المجتمع اليمني‮ ‬التقدمي‮«.‬
برنامج لتحقيق الوحدة
‮> ‬واستناداٍ‮ ‬لهذا التصور قدم الرئيس قحطان محمد الشعبي‮- ‬رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية الوليدة‮- ‬برنامجا مكونا من‮ (‬عشر نقاط‮) ‬حدد فيها الخطوط الرئيسة التي‮ ‬تقوم عليها ومن أجلها الوحدة اليمنية‮ ‬وأعلنها في‮ ‬خطابه الذي‮ ‬ألقاه بمناسبة الاحتفال بيوم الشهداء في‮ ‬الحادي‮ ‬عشر من فبراير‮ ‬1969م‮ ‬وهي‮ ‬أقرب ما تكون إلى النقاط التعجيزية منها إلى النقاط الموضوعية‮ ‬لما تشتمل عليه من مطالب‮ ‬غير منطقية من شأنها أن تعمق الفرقة ولا تلم الشمل‮ ‬وليس ذلك فحسب بل ستدخل اليمن في‮ ‬دوامة لا تنتهي‮ ‬من الصراعات الإقليمية‮.‬
ولما كانت هذه النقاط قد تجاوزتها الأحداث‮ ‬وصارت من التاريخ‮ ‬فلا مانع من عرضها هنا على اعتبار أنها وثيقة من وثائق حكومة الاستقلال وهي‮ ‬الآن لا تقدم ولا تؤخر‮ ‬لكنها مع ذلك تعتبر وثيقة مهمةº لأنها ترينا جانبا من جوانب تفكير قادتنا في‮ ‬مرحلة تاريخية معينة‮.‬
تقول الوثيقة الصادرة في‮ ‬عدن‮ ‬عن وزارة الثقافة والإرشاد‮ ‬أبريل‮ ‬1969م‮:‬
‮»‬إذا كان أشقاؤنا في‮ ‬الشمال فعلاٍ‮ ‬متطلعين إلى إيجاد حل وإلى تحقيق الوحدة العربية اليمنية سيرا نحو تحقيق وحدة عربية اشتراكيةº فإن النقاط الآتية هي‮ ‬الأساس‮ :‬
أولا‮ : ‬لابد أن نقر أن الوحدة بين الجنوب والشمال لابد أن تكون ذات مضمون اجتماعي‮ ‬تقدمي‮ ‬اشتراكي‮.‬
ثانيا‮ : ‬لابد أن تجتمع كلمتنا على تصفية الاحتلال الأجنبي‮ ‬من أراضينا هنا في‮ ‬إقليم اليمن كجيزان ونجران وجزر كوريا موريا‮. ‬
ثالثا‮ : ‬العمل على المساهمة لتصفية الاستعمار أينما كان وفي‮ ‬حدود إمكانياتنا‮.‬
رابعا‮ : ‬محاربة الإمبريالية في‮ ‬الوطن العربي‮ ‬والجزيرة العربية والمساهمة في‮ ‬ضربها عالميا‮.‬
خامسا‮ : ‬تصفية الإقطاع في‮ ‬الجنوب والشمال‮ ‬وتحقيق المجتمع الاشتراكي‮ ‬ومجتمع الكفاية والعدل‮ ‬ولهذا فإن قانون الإصلاح الزراعي‮ ‬الذي‮ ‬بدأ في‮ ‬الجنوب لابد أن‮ ‬يشمل الشمال أيضا لنقضي‮ ‬على الإقطاع هناك‮.‬
سادسا‮ : ‬إيجاد اقتصاد وطني‮ ‬متحرر في‮ ‬الشمال والجنوب وهذا مبدأ من مبادئ ثورة‮ ‬14‮ ‬أكتوبر نص عليه الميثاق‮. ‬
سابعا‮ : ‬محاكمة كل مجاميع الثورة المضادة لثورتي‮ ‬الشمال والجنوب‮ ‬14‮ ‬أكتوبر و26‮ ‬سبتمبر‮.‬
ثامنـا‮ : ‬وضع حد نهائي‮ ‬لقواعد الثورة المضادة الموجودة على حدودنا في‮ ‬الشمال في‮ ‬مكيراس وتعز وجيزان وماوية والمفاليس وفي‮ ‬باب المندب‮.‬
تاسعا‮ : ‬إقرار برنامج استكمال مرحلة التحرر الوطني‮ ‬الديمقراطي‮ ‬الذي‮ ‬أنزلته أداة الثورة الجبهة القومية للشمال والجنوب‮.‬
عاشرا‮ : ‬الميثاق الوطني‮ ‬لابد أن‮ ‬يكون الدليل النظري‮ ‬لأداة الثورة في‮ ‬الشمال والجنوبº لأنه‮ ‬يحتوي‮ ‬على تحقيق أهداف الشعب في‮ ‬الشمال والجنوب‮.‬
على هذه الأسس نحن على استعداد للسير مع حكام صنعاء لتحقيق الوحدة‮« ‬
وبعد عرضنا لهذه الوثائق أستطيع القول‮: ‬إن الوحدة اليمنية كانت‮ ‬غاية وهدفا ساميا في‮ ‬النضال من أجل التحرير‮ ‬لكن الساسة ضلوا الطريق في‮ ‬الوصول إليهاº‮ .‬
جبهة تحرير جنوب اليمن
‮> ‬أما جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل فقد تم إنشاء منظمة التحرير سنة‮ ‬1965م‮ ‬ثم تم إنشاء جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل‮ ‬وذلك بسبب رغبة قادة حزب الشعب الاشتراكي‮ ‬في‮ ‬إنقاذ الاتحادات النقابية‮ (‬كالمؤتمر العمالي‮ ‬العدني‮) ‬التي‮ ‬قوضتها جدياٍ‮ ‬الجبهة القومية للتحرير التي‮ ‬توصلت سنة‮ ‬1965‮ ‬إلى كسب ست نقابات من أقوى نقابات عدن إلى جانبها‮. ‬كانت منظمة التحرير تطمح منذ البدء إلى تجميع كل أحزاب المعارضة في‮ ‬داخلها‮. ‬وقد نجحت في‮ ‬ذلك نجاحاٍ‮ ‬واسعاٍ‮ ‬في‮ ‬الظاهر على الأقل‮ ‬وفي‮ ‬يناير‮ ‬1966م تم الاعلان عن اندماج منظمة التحرير والجبهة القومية للتحرير تحت مسمى جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل‮ ‬FLOSY‭ ‬‮ ‬دخول الجبهة القومية للتحرير في‮ ‬المنظمة الجديدة لم‮ ‬يكن بموافقة جميع قادتها فلم تلبث المنازعات أن ظهرت بجلاء‮ ‬كان قادة منظمة التحرير السابقة‮ ‬يميلون للنضال السياسي‮ ‬بينما كانت الجبهة القومية للتحرير‮ ‬يفضلون النضال المسلح على السياسة بشكل أكبر‮.‬
وتمتعت الجبهة القومية للتحرير منذ تأسسيها في‮ ‬عام‮ ‬1963‮ ‬بدعم الجمهورية العربية المتحدة التي‮ ‬كانت تقدم لها مساعدة مادية لا تْقدر‮. ‬ولكن هذا الدعم توجه لاحقاٍ‮ ‬لجبهة تحرير جنوب اليمن المحتل وحدها‮ ‬وذلك لأن مصر وجدت أنها تتوافق مع توجهاتها السياسية‮. ‬وأخذت الجبهة القومية للتحرير تبتعد قليلاٍ‮ ‬عن القاهرة‮ ‬غير أنها حرصت على عدم قطع علاقتها مع مصر وعلى عدم مهاجمتها‮.‬
أدى تبدل التحالفات إلى إضعاف وضعية‮ (‬الجبهة القومية للتحرير‮) ‬في‮ ‬الخارج حيث تمتع خصمها بشهرة واسعة‮ ‬مع ذلك‮ ‬عرفت الجبهة القومية للتحرير أن تعوض عن هذه الخسارة بتقوية وضعها في‮ ‬الداخل‮. ‬ومنذ عام‮ ‬1965م‮ ‬نجحت في‮ ‬التغلغل في‮ ‬الحركة النقابية وفي‮ ‬الجيش‮. ‬ويعود صعودها إلى هذه السنة بالضبط‮. ‬وحتى عام‮ ‬1966م كان تقدمها بطيئاٍ‮ ‬ولكنه متواصل‮. ‬غير أن عام‮ ‬1967م كان حاسماٍ‮. ‬فتمرد الجنود والشرطة الذي‮ ‬حدث في‮ ‬20‮ ‬يونيو‮ ‬1967م والذي‮ ‬جعل‮ (‬الجبهة القومية للتحرير‮) ‬وجبهة تحرير جنوب اليمن المحتل تسيطران على مدينة كريتر طيلة أسبوعين تقريباٍ‮ ‬قوى مجدداٍ‮ ‬نفوذ‮ (‬الجبهة القومية للتحرير‮).‬
الصراع مع الجبهة القومية
‮> ‬وفي‮ ‬1966‮ ‬م أثناء مناقشة قضية الجنوب المحتل في‮ ‬القاهرة بحضور قحطان الشعبي‮ ‬وسيف الضالعي‮ ‬وفد‮ (‬الجبهة القومية‮)‬‮ ‬وعبد القوي‮ ‬مكاوي‮ ‬وخليفة عبد الله خليفة وفد‮ (‬حكومة عدن المقالة‮)‬‮ ‬ووفد‮ (‬منظمة التحرير‮) ‬اقترحت مصر أن‮ ‬يتولى رئاسة الوفد عبد القوي‮ ‬مكاوي‮ ‬ولكن قحطان الشعبي‮ ‬ظل مصراٍ‮ ‬على أن تكون رئاسة الوفد الجبهة القومية للتحرير باعتبارها التي‮ ‬تقود الثورة المسلحة‮ ‬حيث رأت مصر أن الأمم المتحدة هي‮ ‬ساحة سياسية‮ ‬وليست ميدان قتال وأن عبد القوي‮ ‬مكاوي‮ ‬واجهة سياسية مقبولة لدى الرأي‮ ‬العام الدولي‮ ‬ولكن قحطان الشعبي‮ ‬رفض ذلك‮.‬
لذلك فكرت مصر في‮ ‬إيجاد تنظيم جديد على أمل أن‮ ‬يحل محل‮ (‬الجبهة القومية‮)‬‮ ‬فراحت تخطط لذلك وقامت بإقناع بعض القياديين في‮ ‬الجبهة القومية بالموافقة على الاندماج مع‮ (‬منظمة التحرير‮) ‬في‮ ‬إطار‮ (‬جبهة تحرير الجنوب اليمني‮ ‬المحتل‮) ‬التي‮ ‬جاء قيامها حصيلة محادثات جرت في‮ ‬تعز بين علي‮ ‬احمد ناصر السلامي‮ ‬كممثل للجبهة القومية وبين عبدالله الأصنج كممثل عن‮ (‬منظمة التحرير‮)‬‮ ‬وتولى الجهاز العربي‮ ‬رعاية تلك المحادثات التي‮ ‬دارت بصورة سرية دون علم‮ ‬أو مشاركة معظم قادة‮ (‬الجبهة القومية‮)‬‮ ‬وفي‮ ‬الساعة الثامنة من مساء‮ ‬يوم‮ ‬13‮ ‬يناير عام‮ ‬1966‮ ‬م قامت‮ (‬إذاعة تعز‮) ‬بقراءة بيان‮ ‬ينص على أن الجبهة القومية‮) ‬و(منظمة التحرير‮) ‬قد اتفقتا على الاندماج معاٍ‮ ‬في‮ ‬تنظيم واحد تقرر أن‮ ‬يطلق عليه اسم‮ (‬جبهة تحرير الجنوب اليمني‮ ‬المحتل‮)‬‮ ‬وكان البيان‮ ‬يحمل توقيعِيú‮ ‬الأصنج والسلامي‮. ‬فأثار البيان ردود أفعال‮ ‬غاضبة في‮ ‬صفوف‮ ‬غالبية قادة‮ (‬الجبهة القومية‮)‬‮ ‬وتشكيلاتها المختلفة التي‮ ‬فوجئت بالأمر‮ ‬واعتبرته قسرياٍ‮ ‬وغير شرعي‮ ‬وتم بضغوط مصر‮.‬
كان الاختلاف الايدلوجي‮ ‬بين قادة الجبهتين واضحاٍ‮ ‬حيث اختلفت الجبهتان في‮ ‬كيفية إدارة الصراع مع الاستعمار البريطاني‮ ‬إضافةٍ‮ ‬للاختلاف في‮ ‬كيفية إدارة البلاد بعد الاستقلال‮. ‬لهذه الأسباب فسخ التحالف الذي‮ ‬جرى في‮ ‬13‮ ‬يناير‮ ‬1966‮ ‬في‮ ‬ديسمبر من السنة ذاتها‮. ‬استعادت بعدها‮ (‬الجبهة القومية‮) ‬حرية عملها وكثفت نشاطها العسكري‮ ‬في‮ ‬مناطق البلد الداخلية وفي‮ ‬المراكز الحضرية‮. ‬وفي‮ ‬نفس الوقت عززت ووطدت أوضاعها في‮ ‬الجيش والشرطة والنقابات وفي‮ ‬صفوف المثقفين الشبان‮ ‬وازداد تأصلها في‮ ‬الأرياف‮. ‬ومع تبني‮ ‬هذا الخط القاسي‮ ‬عرفت الحركة الثورية تحولاٍ‮ ‬حاسماٍ‮. ‬أما‮ (‬جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل‮) ‬فقد أناطت نفسها بقيادة عسكرية مستقلة‮ (‬المنظمة الشعبية‮) ‬عهد إليها برعاية النضال المسلح‮ ‬وبمكتب سياسي‮ ‬يقع العمل السياسي‮ ‬على عاتقه‮. ‬وقد ضاعفت مجهودها على الصعيد الداخلي‮ ‬وبذلت نشاطاٍ‮ ‬دبلوماسياٍ‮ ‬واسع النطاق في‮ ‬الخارج وبالأخص في‮ ‬هيئة الأمم المتحدة‮.‬
تراجع
‮> ‬ونظراٍ‮ ‬لأن قاعدة عدن لم تعد لها أهمية بالنسبة لإنجلترا منذ أن تقرر الجلاء عنها في‮ ‬شهر فبراير‮ ‬1967م‮ ‬قررت لندن إنهاء وجودها في‮ ‬اليمن الجنوبي‮. ‬وقد تم اختيار التاسع من‮ ‬يناير‮ ‬1968‮ ‬كيوم حصول اليمن الجنوبي‮ ‬على السيادة الدولية‮.‬
مضت الأحداث السياسية والميدانية بشكل سريع فقد تفكك النظام الاتحادي‮ ‬على إثر تمرد‮ ‬20‮ ‬يونيو‮ ‬1967م‮ ‬بعدها قامت الجبهة القومية بسرعة بنشر نفوذها على معظم مناطق الاتحاد وكذلك على حضرموت‮. ‬حاولت بعدها جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل السيطرة على بعض المناطق ولكن بعد فوات الأوان‮. ‬حيث أدى هذا التسابق إلى اصطدامات دموية بالأخص في‮ ‬لحج ودار سعد والشيخ عثمان‮.‬
وبعد أن فشلت جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل‮ (‬جبهة التحرير‮) ‬في‮ ‬تصحيح الوضع لصالحها‮ ‬توجب عليها أن تلين مواقفها السابقة‮. ‬فقد انقطعت عن اعتبار نفسها الممثل الوحيد لشعب اليمن الجنوبي‮ ‬وتخلت عن مشروعها الرامي‮ ‬إلى تشكيل حكومة في‮ ‬المنفى‮.‬
وفي‮ ‬2‮ ‬نوفمبر أعلن وزير الخارجية في‮ ‬مجلس العموم أن حكومته قد قررت تقديم تاريخ استقلال اليمن الجنوبي‮ ‬هذا‮ ‬إلى نهاية نوفمبر‮ ‬1967م بدلاٍ‮ ‬من‮ ‬9‮ ‬يناير1968م وأدى إعلان رحيل البريطانيين القريب إلى تصعيد التوتر من جديد وعادت المنازعات بعنف في‮ ‬عدة أماكن من عدن وأدت إلى سقوط بضع عشرات من الضحايا‮.‬
هيمنت الجبهة القومية على كل البلد تقريباٍ‮ ‬ووجدت أنه من‮ ‬غير الطبيعي‮ ‬أن تفلت عدن من نفوذها‮. ‬وأما جبهة التحرير فقد كانت عدن بالنسبة إليها ذات أهمية حياتية‮. ‬فالإشراف على منطقة عدن كان أهم بكثير من السيطرة على مناطق البلد الداخلية‮. ‬وهكذا كان الاستيلاء على عدن مسألة حياة أو موت بالنسبة لجبهة التحرير‮. ‬وبعد عدة أيام من المعارك الطاحنة خسرت جبهة التحرير معركة عدن وعلى الفور بدأت مطاردة أتباعها ومناضليها‮.‬
خرجت الجبهة القومية منتصرة من الصراع الدموي‮ ‬الذي‮ ‬دام من‮ ‬1‮ ‬إلى‮ ‬6‮ ‬نوفمبر‮ ‬1967م وبسقوط عدن صار البلد كله تقريباٍ‮ ‬تحت إشرافها‮. ‬لهذا قررت بريطانيا‮ ‬وهي‮ ‬على وشك الانسحاب أن مصلحتها تكمن في‮ ‬التعاون مع الجبهة القومية وتسليم السلطة لها وهذا ما حصل فعلاٍ‮ ‬إذ استلمت الجبهة القومية من بريطانيا القواعد والمطارات والمنشآت العسكرية وكذلك الإدارات الحكومية المدنية‮ ‬وأعلن عن استقلال اليمن الجنوبي‮ ‬في‮ ‬من عام‮ ‬1967م‮.‬

المراجع‮ /‬
‮- ‬دراسه للدكتور‮/ ‬علوي‮ ‬عبدالله طاهر
‮- ‬أدبيات الجبهة القومية‮ ‬
‮- ‬أدبيات جبهة التحرير

قد يعجبك ايضا