
شهيرة هي تلك الأرجوزة التي كتبها الإمام أحمد ونشرتها صحيفة النصر في عددها الصادر بتاريخ 5 ديسمبر 1961م والتي تضمنت هجاء للزعيم جمال عبدالناصر وخطوته في »التأميم« ومنها هذه الأبيات:
ليس بها شائبة من البدع
من أخذها ماللناس من أموال
بحجة التأميم والمعادلة
تجيز ما الإسلام عنه قد منع
وما تكسبوا من الحلال
بين ذوي المال ومن لامال له
فقد أثارت تلك الأبيات حفيظة القوى التقدمية والتحررية في العالم العربي والتي كان لها نصيب وافر من الشعبية والتعاطف لدى الجماهير من المحيط إلى الخليج بما فيها اليمن شمالاٍ وجنوباٍ.. وقد كان الإمام بمواقفه التصادمية مع رموز القومية العربية آنذاك وانحيازه إلى المربع المعادي لها قد أضاف للرأي العام الداخلي سببا جديدا لضرورة التغيير.
¶ أرجوزة الإمام أواخر العام 1961م مثلت تحدياٍ لشعبية عبدالناصر فأشعلت الغضب في الشارع اليمني
, وفاة الإمام أحمد كانت المؤشر الحقيقي للثورة وإسقاط نظام فقد كل مبررات وجوده في هذا العصر
, تنظيمات جديدة أصدرها الإمام تحت شعار التحديث لم تقنع أحداٍ بجديتها
, انسحب الإمام من الاتحاد العربي فأدخل نظامه في عزلة جديدة وأعاد للحركة الوطنية قوتها
فقد أثارت تلك الأبيات حفيظة القوى التقدمية والتحررية في العالم العربي والتي كان لها نصيب وافر من الشعبية والتعاطف لدى الجماهير من المحيط إلى الخليج بما فيها اليمن شمالاٍ وجنوباٍ.. وقد كان الإمام بمواقفه التصادمية مع رموز القومية العربية آنذاك وانحيازه إلى المربع المعادي لها قد أضاف للرأي العام الداخلي سببا جديدا لضرورة التغيير.
ولنقرأ معا ما اوردته صحيفة الكفاح العدنية في عددها ليوم الخميس 28 ديسمبر 1961م حول تداعيات التوتر والصدام في المواقف بين الإمام وقيادة الجمهورية العربية المتحدة بزعامة الرئيس جمال عبدالناصر حيث أبرزت الصحيفة العناوين التالية :
السيد عبدالقادر حاتم وزير الدولة للجمهورية العربية يعلن إلغاء الاتحاد مع اليمن
الإمام أحمد يأمر وزراءه في القاهرة أن يعودوا إلى اليمن في الحال
الإمام أحمد وسيف الإسلام البدر يدرسان الوضع الجديد بعد إنهاء الاتحاد
أعلن السيد عبدالقادر حاتم وزير الدولة في الجمهورية العربية المتحدة..
وقالت تحت هذه العناوين مايلي نصه:
أعلن يوم أمس فض اتحاد الدول العربية الذي يضم الجمهورية العربية المتحدة واليمن.
وجاء في إعلان السيد عبدالقادر حاتم أن حكومتي الجمهورية العربية المتحدة واليمن لم توفقا في هذا الاتحاد فلقد كان المعتقد أن سياسة الجمهورية العربية المتحدة في الاشتراكية سوف تفيد اليمن بيد أن الأعوام أثبتت فشل هذه التجربة.
وقال السيد حاتم أن مكتب اتحاد الدول العربية في القاهرة كان مجرد مكتب بالاسم لا نشاط فيه ولا حركة ولا بحوث لا شيء.
الإمام يدعو وزراءه في القاهرة
وأبرق أمس صاحب الجلالة الإمام أحمد.. أبرق إلى وزراء اليمن في القاهرة وطلب منهم العودة إلى اليمن والآن.. وقد جاء هذا النبأ في خبر خاطف من إذاعة صنعاء ولم يتعد هذا الخبر هذه الكلمات القلائل.
وفي نفس الوقت استدعى الإمام سيف الإسلام البدر الذي كان يزور صنعاء استدعاه إلى تعز في الحال.
ويقال أن سيف الإسلام اضطر لقطع زيارته لصنعاء والتوجه إلى تعز حسب أوامر الإمام.
وقد وصل أمس سيف الإسلام البدر وتوجه حال وصوله إلى قصر الإمام في العرضي واختلى بوالده الإمام زهاء ساعتين.
هذا وقد صدرت صحف القاهرة صباح أمس تحمل على صفحاتها خبر انتهاء الاتحاد الفدرالي العربي بين اليمن والجمهورية العربية المتحدة.
ترى الأوساط المطلعة أن إنهاء الاتحاد الفدرالي بين اليمن والجمهورية العربية سيؤثر بالدرجة الأولى على سيف الإسلام البدر الذي ظل معروفا بأنه كان الداعي لوجود هذا الاتحاد وكان بسبب هذا يستمد قوته من الشباب اليمني الذي يعتقد جزما أن الرئيس جمال عبدالناصر هو باعث الإشعاع العربي وأن أي اتحاد مع الجمهورية كسب للبدر.
ومن المنتظر أن يحدث رد فعل في اليمن بسبب انتهاء هذا الاتحاد وإن كان من غير الممكن التكهن بردود الفعل هذا الآن.
وبقراءة متمعنة للفقرة الأخيرة من الخبر الذي أوردته الصحيفة حول انتظار “رد فعل في اليمن” نكتشف التلميح الذكي أن حدثا كهذا لا بد وإن يلقي بظلاله على مستقبل الحكم الإمامي لشمال اليمن.
وفي العدد ذاته تورد الصحيفة خبرا عن إنزال صور الرئيس جمال عبدالناصر من جميع أنحاء تعز بأوامر من الإمام .
وفي هذا ما يبرز حجم شعبية عبدالناصر لدى اليمنيين في تلك الحقبة كما يظهر تضاؤل رصيد الإمام من التأييد في الشارع خصوصا وهو يعلن عداءه السافر لمن كانت الجماهير العربية كلها تعتبره زعيما قوميا والفارس المنقذ لها من مؤامرات الاستعمار.
وسنفهم أكثر مقدار السخط الذي شعر به اليمنيون تجاه النظام الإمامي جراء خروجه من الاتحاد بقراءة ما أوردته بهذا الشأن صحيفة الكفاح العدنية في عددها ليوم الاثنين 1 يناير 1962م وتحت عنوانين هما:
(ما هو رد الفعل الذي سببه فض الاتحاد بين اليمن والجمهورية العربية المتحدة ¿)
فريق يبارك فض الاتحاد وآخر يعتقد أن الخلاف كان يجب أن يسوي بالمفاوضات
قالت الصحيفة :
ما زال الناس في عدن يعيشون في الحديث عن نهاية الاتحاد بين الجمهورية العربية المتحدة واليمن.
فلقد انقسم الناس إلى فريقين فريق يؤيد فض هذا الاتحاد وفريق يبدي أسفه لهذه النهاية.
ويقول الفريق الذي يؤيد فض الاتحاد إن الاتحاد كان لا يجدي.. فجميع الدلائل كانت تشير إلى أنه اتحاد صوري غير عملي وغير مطبق ولا يحسب له أي حساب.
ويقول هؤلاء إن اتحادا مثل هذا يجب أن لا يبقى فهو لا يفيد اليمن ولا يستفاد منه.
ويذهب بعض من هؤلاء إلى وضع اللوم على الجمهورية العربية المتحدة التي لم تتخذ إجراء فض النزاع قبل الآن بكثير وهي التي كانت تعلم بكل الدلائل التي تشير إلى فشل الاتحاد منذ قيامه في اليمن فلقد ذهب إلى حيث إرسال البرقيات إلى الرئيس جمال عبدالناصر يبارك حركته ويعلن تأييده لإنهاء الاتحاد الذي ما كان يجب أن يتم على أي حال وطالب هؤلاء أن تحول المساعدات المالية التي كانت ترصد لمكتب اتحاد الدول العربية في القاهرة إلى هيئة يمنية معينة في عدن.
أما الفريق الثاني الذي أعلن أسفه على إنهاء الاتحاد بين اليمن والجمهورية العربية فيقولون إن هذا الاتحاد كان يجب أن يتم وأن الخلاف بين البلدين كان يجب أن يسوي عن طريق المباحثات أو المفاوضات السرية للوصول إلى آلية ومعرفة الأسباب.
ويقول هؤلاء إن اليمني العادي قد استبشر كثيراٍ بقيام الاتحاد لأنه في نظر اليمني خطوة عملية لتوحيد كلمة العرب.
مداهنة مرتبكة للمعارضين انقلبت إلى الضد
مع دخول العام 1962م كان واضحاٍ أن أعمال القمع التي مارسها النظام الإمامي في الحد من ضغوط الحركة الوطنية وحالة الغليان الشعبي في المدن الرئيسية الكبرى صنعاء تعز إب والحديدة.
ولذلك فقد اتجه إلى سياسة جديدة لمداهنة قوى التغيير في محاولة يائسة للتشبث بالبقاء وسط محيط التناقضات التي وضع فيها نفسه أو تلك التي كانت طابعا وسمة لا يمكنه التخلي عنها.
وفي سبيل ذلك أصدر الإمام أحمد عفوا عاما عن المعارضين والذين كانوا فارين في عدن حيث عاد عدد منهم تباعا وكانوا يغدون على الإمام كشرط ضروري لسريان العفو.
ولكن حتى هذه أساء الإمام استخدامها حين ظهر بصورة تبرز تعلقه بأساليب البطش والتنكيل.. وتنقل لنا صحيفة فتاة الجزيرة صورة حية لطريقة الاستقبال التي واجه بها الإمام عددا من معارضيه العائدين من عدن فتقول في عددها الصادر بتاريخ الثلاثاء 11 أكتوبر 1961م وتحت عنوان:
(إمام اليمن يقول: من شرد ورد كأنه ما شرد)
قضى جلالة الإمام أحمد ملك اليمن الأسبوع الماضي في مقابلة أبناء شعبه..
وكان جلالته هذا الأسبوع متحلياٍ جذلان وهو يستقبل أفراد الشعب ويتحدث إليهم سيما أولئك الذين عادوا من عدن بعد أن قيل أنهم لجأوا إليها خوفا من العقاب.
فقد كان جلالته حين يجد أحدا منهم يداعبه بالتهديد كأن يقول “حددوا السلاح.. مدوا أيديكم.. حددوا الشهادة..” فتمتقع وجوه القادمين وتتغير ألوانهم فزعا فيبتسم جلالته ويقرب منه ليقول إليه “بارك الله فيكم.. من شرد ورد فكأنه ما شرد ثم يأمر له بفسحة وبمصروف الطريق كل منهم إلى بيته وولده وأهله في أمان واطمئنان.
وبلا شك أن الذين عادوا مستغلين فرصة العفو الإمامي وواجهوا مثل تلك المقابلة أو ما يشابهها من ممارسات استفزازية مارسها ضدهم جلاوزة الإمام ووكلاؤه في السلطة.. إنما ازدادوا إيمانا في حتمية الثورة واقتلاع النظام الإمامي من جذوره.
فاستمروا في نهج معارضة الإمام وبث روح الثورة في صفوف الجماهير والدخول في معترك جديد من النضال مثلت مظاهرات الطلبة أكثر فصوله سخونة كما سنتعرض له في التالي.
إصلاحات في الوقت الضائع
بعد بدء العد التنازلي لسقوط عرش الإمامة في اليمن حاول النظام اتخاذ سلسلة من الإجراءات لمنحه إجازة من الضغط الداخلي والتفرغ لتمكين محمد البدر من الإمامة تجاوزا لعمه الحسن الذي كان قريبا من الأمريكان كما ذكرنا وله شعبيته في الأوساط المؤيدة للحكم الإمامي.
وقد كان من تلك الإجراءات ما أوردته صحيفة النصر الإمامية في عددها 276 الصادر بتاريخ 22 مارس 1961م تحت عنوان (تنظيمات جديدة بناءة) قالت فيه :
1- تنفيذا لرغبة حضرة مولانا صاحب الجلالة أمير المؤمنين أمر حضرة صاحب السمو الملكي مولانا ولي العهد المعظم بتشكيل لجنة مكونة من عدة أفراد من موظفي الدولة وقد سميت باللجنة التمهيدية لوضع النظم واللوائح الوزارية والدوائر الحكومية وأن مهمة هذه اللجنة هي:
- دراسة المعاملات والنظم الموجودة حالياٍ في مختلف الوزارات والدوائر الحكومية.
- دراسة ما سيقدمه الوزراء كلا فيما يخصه من نظم وتعليمات يقترح تنفيذها في وزارته .
- دراسة عامة لأحوال البلاد من الناحية الاجتماعية من حيث التقاليد والعادات.
- مراعاة ما جاء في شريعة سيد المرسلين والسير في حدود تشريعات ديننا الحنيف دون مساس بأصوله ولا بفروعه وذلك عند وضع النظم والتعليمات التي يجب أن تسير عليها الوزارات والدوائر الحكومية.
- بعد هذه الدراسة وهذا البحث تضع اللجنة لكل وزارة ودائرة حكومية نظم وتعليمات تسير في فلكها وتقيد من يخدم في سلك الدولة بتلك النظم والتعليمات سواء كان وزيرا أو موظفا كبيرا أو صغيرا وأن النظم والتعليمات التي توضح الهدف والغرض من تنفيذها أن ترفع مستوى إدارتنا لحيث يكون في صالح الأمة وحتى تسير في نهضتها الحديثة على أسس سليمة.
إن موظفي الدولة يجب أن يتقيدوا بنظم يسيرون عليها دون تلاعب بذوي الحاجات والمظالم وذوي المصالح .
وقد بدأت اللجنة أعمالها في يوم الاثنين الموافق 6 شوال سنة 81هـ وقد تفضل حضرة مولانا صاحب السمو الملكي ولي العهد المعظم أيده الله بافتتاح أول جلسات اللجنة التمهيدية لوضع النظم واللوائح للوزارات والدوائر الحكومية وقد وجه سموه إلى أعضاء اللجنة الكلمة التالية:
”أيها الأخوة لقد أوكلت إليكم أعمالا هامة جدا فيجب أن تعرفوا أنكم تضعون نظما لدولة هذه النظم تحسن مصالح كل فرد من أفراد الشعب فعليكم أن تفكروا جيدا وتبذلوا الجهد الكبير في البحث والدراسة حتى لا تضعوا فقرة أو قرارا إلا وقد تأكدتم من تنفيذها وتأكدتم من ملاءمتها لتقاليدنا الدينية ولتقاليدنا العربية السليمة ولواقعنا الإداري والاجتماعي مع المراعاة لإمكانياتنا الفنية والمادية ويجب أن تعرفوا بأن مولانا صاحب الجلالة أمير المؤمنين أيدهم الله وأطال عمره يعقد على جهودكم آمالاٍ كبيرة”.
وغير بعيد عن الأذهان بمجرد قراءة اللجنة المكلفة بالتعديلات أن اثنين فقط من أعضائها كانوا من المثقفين الجدد هما الدكتور حسن مكي والأستاذ أحمد جابر عفيف اللذان كانا في حداثة من العمر بين ستة من رموز النظام الإمامي والعقليات التي جاوزها الزمن.
كما تطالعنا صحيفة الكفاح العدنية في عددها ليوم الأربعاء 24 يناير 1962م السنة الرابعة العدد (204) بخبر يفيد بأن الإمام أحمد الذي أثقله المرض وجراحه البليغة التي أصيب بها في مستشفى الحديدة عام 1961م قد عين ابنه وولي عهده محمد البدر نائباٍ له في رئاسة الوزراء كإشارة حاول الترويج لها دعاة الحكم الإمامي بأن الدور القادم سيكون للشباب وأنصار التحديث حيث جاء في الخبر:
- الإمام أحمد يحتفظ بمنصب رئيس الوزراء ويسند إلى البدر منصب نائب رئيس الوزراء
- الأوساط اليمنية تدرس ما وراء التعديلات الدستورية في الحكومة اليمنية
- اصدر صاحب الجلالة الإمام أحمد مرسوما ملكيا بقيام تعديلات وزارية في حكومته وقد جاء في هذا المرسوم تعيين سيف الإسلام البدر في منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع والقائد العام للقوات اليمنية المسلحة.
ونص المرسوم الملكي على تعيين سيف الإسلام الحسن ابن علي ابن ابراهيم وزيرا للخارجية وكان هذا المنصب قبل ذلك مسندا إلى سيف الإسلام البدر.
وأصبح عبدالرحمن السياغي وكيلا للخارجية كما تولى عبدالرحمن عبدالصمد أبوطالب وزارة الاقتصاد والقاضي عبدالله العمري المعارف ومحمد علي عثمان المالية وزيد عقبات الزراعة والقاضي محمد عبدالله الحجري وزيرا للمواصلات وشمل المرسوم حصول بعض الأفراد على وزارات أخرى.
وقد نتج عن هذا المرسوم تنازل سيف الإسلام البدر عن وزارة الخارجية لأول مرة كما احتفظ صاحب الجلالة الإمام أحمد بمنصب رئيس الوزراء وإمام اليمن.
هذا وتدرس الأوساط اليمنية هذه التعديلات الوزارية المفاجئة في اليمن للوصول إلى أسباب إصدار المرسوم الملكي بشأنها.
وبطبيعة الحال فإن هذه التغييرات الشكلية لم تؤت ثمارها المرجوة فقد اعتبرتها الحركة الوطنية مجرد محاولة فاشلة من النظام لكسب الوقت وتجاوز مرحلة رحيل الإمام أحمد التي كانت وشيكة الحدوث.
المظاهرات الطلابية
المظاهرات الطلابية كما ذكرنا سابقا كانت المشهد الأكثر سخونة في الفصل الأخير من فترة الحكم الإمامي لليمن.
وتنقل لنا في ما يلي صحيفة فتاة الجزيرة صورة حية عن تلك المظاهرات فتقول في عددها (2010) الصادر يوم الاثنين 13 اغسطس1962م أي قبيل وفاة الإمام أحمد بأسابيع قليلة فقد قالت الصحيفة تحت عنوان (المتظاهرون كانوا يحملون لافتات تنادي بحياة القومية العربية ويهتفون “نحن وراءك يا جمال”)
قال ثلاثة من طلبة المدرسة الأحمدية الثانوية بتعز أنهم قدموا إلى عدن هاربين بعد أن أضربت مدرستهم تضامنا مع زملائهم طلبة المدرسة الثانوية بصنعاء.
وقال الطلبة الفارون أن عددا من زملائهم طلبة تعز ألقي القبض عليهم وهم في طريقهم إلى الراهدة لركوب السيارات إلى عدن.. وادعوا أن اثنين من طلبة صنعاء قتلا عندما أطلق عليهم الجند الرصاص وأن عددا آخر أصيب بجراح.. ويقدر هؤلاء الطلبة عدد المعتقلين في سجون حجة وصنعاء بحوالي 150 طالبا وحتى هذه اللحظة لم يصدر أي بلاغ رسمي من اليمن يشرح حقيقة الموقف.
وكان الطلبة الثلاثة الذين افلتوا من جند الإمام في مقابلة صحفية بدار فتاة الجزيرة فور وصولهم إلى عدن يوم الجمعة:
”كيف بدأت المأساة”
وشرح أحدهم وقوع المأساة فقال إن طلبة صنعاء هم الذين بدأوا الحركة عندما تأكدوا أن المسئولين لن يلتفتوا إلى شكاويهم التي تقدموا بها مرارا ضد مدير المدرسة.
وتتلخص مطالب التلاميذ في مدرسة صنعاء الثانوية في توسيع برامج التعليم وتوفير الغذاء المناسب لهم.
(والمدارس الحكومية في عواصم اليمن جميعها داخلية.. وتسمى بالمدارس الليلية أي أن على الطلبة الذين يفدون إليها من مختلف الأقاليم أن يناموا فيها كمدارس داخلية).
وبعد إضراب دام 24 ساعة خرج طلبة صنعاء في مظاهرة صاخبة حاملين لافتات كتب عليها “فلتحيا القومية العربية .. تسقط الملكية الرجعية. نحن وراءك يا جمال!”
الجيش يطوق المتظاهرين
ومضى الطالب الهارب يقول إن السلطات في صنعاء خشيت أن تكون تلك الهتافات مقدمة لحركة أوسع تطالب بعودة الاتحاد بين اليمن والجمهورية العربية المتحدة فأمرت الجيش بتطويق المتظاهرين ولكن معظمهم لاذ بالتلال المحيطة بمدينة صنعاء.
وزعم أحد الطلبة الثلاثة أن الأخبار التي وصلتهم في تعز أكدت مقتل طالبين برصاص الجنود وجرح آخرين واعتقال حوالي 150 وزعوا على سجون حجة وصنعاء.
تجاوب طلبة تعز
وما أن بلغ الخبر إلى تعز حتى قرر طلبة المدرسة الأحمدية الثانوية في عاصمة اليمن الثانية الإضراب تجاوبا مع حركة زملائهم خمسة أيام وهم معتصمون في المدرسة.
وقال الطلبة في المقابلة الصحفية مع فتاة الجزيرة أن نائب تعز قطع عنهم النور والطعام وحال دون اتصال الأهالي بالمدرسة.
وخرج طلبة تعز في اليوم السادس للإضراب في مظاهرة منظمة وهم يرددون “أنشودة الفداء” ولاذوا بقمة جبل الضربة شمالي تعز حيث قضوا ليلتهم ولكن الجند أرغموهم على الهبوط والاستسلام.
أوامر الإمام
وقيد الطلبة المتظاهرون وعددهم أكثر من 300 إلى “المقام الشريف” بالعرضي وهو المقر الرسمي للإمام وصدرت أوامر الإمام بتعطيل المدرسة حتى صدور تعاليم أخرى.
وعاد الطلبة إلى المدينة في مظاهرة أشد ضجيجا ولكن الأوامر صدرت هذه المرة باعتقال زعماء الطلبة.
واعتقل عدد منهم وهم في طريقهم إلى عدن بطريق مركز الراهدة.
ولأن النظام وقتها فشل في مواجهة تلك المظاهرات أو قمعها فقد قرر وفي سياق التحديثات التي هدفت لتهدئة الطلاب وكسب ودهم الترويج لإنشاء أول جامعة في اليمن ونقرأ هذا الخبر الذي اوردته فتاة الجزيرة يوم السبت 8 سبتمبر 1962م أي قبيل وفاة الإمام بأيام حيث قالت فيه تحت عنوان:(إنشاء أول جامعة في اليمن) التالي:
- صدر مرسوم ملكي بإنشاء أول جامعة في اليمن.
وجاء في المرسوم الذي أذاعته محطة صنعاء أن جلالة الإمام قرر تحويل دار السعادة إلى مبنى لأول جامعة يمنية بناء على رغبة أبداها سمو الأمير محمد البدر ولي عهد اليمن.
وسيطلق عليها اسم “الجامعة الأحمدية” نسبة إلى الإمام أحمد ملك اليمن الحالي.
خطاب العرش تحصيل حاصل
بعد وفاة الإمام أحمد يوم 19 سبتمبر 1962م كان طبيعيا أن يتولى محمد البدر مقاليد الأمور في البلاد وهو ما حدث بالفعل وسط أجواء من الهدوء خلقتها حالة الترقب لما سيتبع وفاة الإمام أحمد التي لم تكن مفاجئة وكانت في نظر الضباط الأحرار وقادة الحركة الوطنية إشارة الانطلاق إلى تحقيق حلم الثورة وإسقاط الحكم الإمامي إلى الأبد وصولا إلى بناء الدولة الحديثة والنظام الجمهوري الذي يعيد للبلاد حياتها ووحدتها ويبني مستقبلها الواعد على أسس الحرية والعدالة والديمقراطية.
وهنا ينبغي الإشارة والتوضيح بأن ما أشيع ويتناقله الكثيرون من أن خطاب العرش الذي وجهه الإمام الجديد للشعب يوم تنصيبه إماماٍ خلفاٍ لأبيه كان هو المحرك لقيام الضباط الأحرار بتفجير الثورة على خلفية “ما تضمنه” ذلك الخطاب من تعهد الإمام البدر بالسير وفق خطى أبيه وأنه سيطلق العنان للسيف ليس كما فعل أبوه بالقطع من الرأس وإنما سيقطع من الوسط.. إنما هي مزاعم وأقاويل ينفيها ما بين أيدينا من توثيق للخطاب الأصلي الذي ألقاه الإمام الجديد يوم تنصيبه وبثته إذاعة صنعاء صبيحة ذلك اليوم فباستعراض ذلك الخطاب نجد الكثير من الإشارات لمواصلة نهج التحديث الذي بدأ في العامين السابقين لإنقاذ الحكم الإمامي.
وحتى إشارات كل الخطاب جاءت تحصيل حاصل وبلا أي تأثير على الوضع العام في البلاد فضلاٍ عن أن يعزى له أي دور في قيام الثورة أو أنه كان المسمار الأخير في نعش الإمامة.. فقد كان النعش جاهزا ومكتمل المسامير.