سنوات الغليان‮..‬أحداث زلزلت عرش الإمامة وجعلت مستحيل الثورة ممكنا◌ٍ



شهيرة هي‮ ‬تلك الأرجوزة التي‮ ‬كتبها الإمام أحمد ونشرتها صحيفة النصر في‮ ‬عددها الصادر بتاريخ‮ ‬5‮ ‬ديسمبر‮ ‬1961م والتي‮ ‬تضمنت هجاء للزعيم جمال عبدالناصر وخطوته في‮ »‬التأميم‮« ‬ومنها هذه الأبيات‮:‬

ليس بها شائبة من البدع
من أخذها ماللناس من أموال
بحجة التأميم والمعادلة

تجيز ما الإسلام عنه قد منع
وما تكسبوا من الحلال
بين ذوي‮ ‬المال ومن لامال له

فقد أثارت تلك الأبيات حفيظة القوى التقدمية والتحررية في‮ ‬العالم العربي‮ ‬والتي‮ ‬كان لها نصيب وافر من الشعبية والتعاطف لدى الجماهير من المحيط إلى الخليج بما فيها اليمن شمالاٍ‮ ‬وجنوباٍ‮.. ‬وقد كان الإمام بمواقفه التصادمية مع رموز القومية العربية آنذاك وانحيازه إلى المربع المعادي‮ ‬لها قد أضاف للرأي‮ ‬العام الداخلي‮ ‬سببا جديدا لضرورة التغيير‮.‬

¶ ‬أرجوزة الإمام أواخر العام‮ ‬1961م مثلت تحدياٍ‮ ‬لشعبية عبدالناصر فأشعلت الغضب في‮ ‬الشارع اليمني‮ ‬

, ‮وفاة الإمام أحمد كانت المؤشر الحقيقي‮ ‬للثورة وإسقاط نظام فقد كل مبررات وجوده في‮ ‬هذا العصر

, ‬تنظيمات جديدة أصدرها الإمام تحت شعار التحديث لم تقنع أحداٍ‮ ‬بجديتها
, انسحب الإمام من الاتحاد العربي‮ ‬فأدخل نظامه في‮ ‬عزلة جديدة وأعاد للحركة الوطنية قوتها

فقد أثارت تلك الأبيات حفيظة القوى التقدمية والتحررية في‮ ‬العالم العربي‮ ‬والتي‮ ‬كان لها نصيب وافر من الشعبية والتعاطف لدى الجماهير من المحيط إلى الخليج بما فيها اليمن شمالاٍ‮ ‬وجنوباٍ‮.. ‬وقد كان الإمام بمواقفه التصادمية مع رموز القومية العربية آنذاك وانحيازه إلى المربع المعادي‮ ‬لها قد أضاف للرأي‮ ‬العام الداخلي‮ ‬سببا جديدا لضرورة التغيير‮.‬

ولنقرأ معا ما اوردته صحيفة الكفاح العدنية في‮ ‬عددها ليوم الخميس‮ ‬28‮ ‬ديسمبر‮ ‬1961م حول تداعيات التوتر والصدام في‮ ‬المواقف بين الإمام وقيادة الجمهورية العربية المتحدة بزعامة الرئيس جمال عبدالناصر حيث أبرزت الصحيفة العناوين التالية‮ : ‬
السيد عبدالقادر حاتم وزير الدولة للجمهورية العربية‮ ‬يعلن إلغاء الاتحاد مع اليمن
الإمام أحمد‮ ‬يأمر وزراءه في‮ ‬القاهرة أن‮ ‬يعودوا إلى اليمن في‮ ‬الحال
الإمام أحمد وسيف الإسلام البدر‮ ‬يدرسان الوضع الجديد بعد إنهاء الاتحاد
أعلن السيد عبدالقادر حاتم وزير الدولة في‮ ‬الجمهورية العربية المتحدة‮..‬
وقالت تحت هذه العناوين مايلي‮ ‬نصه‮:‬
أعلن‮ ‬يوم أمس فض اتحاد الدول العربية الذي‮ ‬يضم الجمهورية العربية المتحدة واليمن‮.‬
وجاء في‮ ‬إعلان السيد عبدالقادر حاتم أن حكومتي‮ ‬الجمهورية العربية المتحدة واليمن لم توفقا في‮ ‬هذا الاتحاد فلقد كان المعتقد أن سياسة الجمهورية العربية المتحدة في‮ ‬الاشتراكية سوف تفيد اليمن بيد أن الأعوام أثبتت فشل هذه التجربة‮.‬
وقال السيد حاتم أن مكتب اتحاد الدول العربية في‮ ‬القاهرة كان مجرد مكتب بالاسم لا نشاط فيه ولا حركة ولا بحوث لا شيء‮.‬
الإمام‮ ‬يدعو وزراءه في‮ ‬القاهرة
وأبرق أمس صاحب الجلالة الإمام أحمد‮.. ‬أبرق إلى وزراء اليمن في‮ ‬القاهرة وطلب منهم العودة إلى اليمن والآن‮.. ‬وقد جاء هذا النبأ في‮ ‬خبر خاطف من إذاعة صنعاء ولم‮ ‬يتعد هذا الخبر هذه الكلمات القلائل‮.‬
وفي‮ ‬نفس الوقت استدعى الإمام سيف الإسلام البدر الذي‮ ‬كان‮ ‬يزور صنعاء استدعاه إلى تعز في‮ ‬الحال‮.‬
ويقال أن سيف الإسلام اضطر لقطع زيارته لصنعاء والتوجه إلى تعز حسب أوامر الإمام‮.‬
وقد وصل أمس سيف الإسلام البدر وتوجه حال وصوله إلى قصر الإمام في‮ ‬العرضي‮ ‬واختلى بوالده الإمام زهاء ساعتين‮.‬
هذا وقد صدرت صحف القاهرة صباح أمس تحمل على صفحاتها خبر انتهاء الاتحاد الفدرالي‮ ‬العربي‮ ‬بين اليمن والجمهورية العربية المتحدة‮.‬
ترى الأوساط المطلعة أن إنهاء الاتحاد الفدرالي‮ ‬بين اليمن والجمهورية العربية سيؤثر بالدرجة الأولى على سيف الإسلام البدر الذي‮ ‬ظل معروفا بأنه كان الداعي‮ ‬لوجود هذا الاتحاد وكان بسبب هذا‮ ‬يستمد قوته من الشباب اليمني‮ ‬الذي‮ ‬يعتقد جزما أن الرئيس جمال عبدالناصر هو باعث الإشعاع العربي‮ ‬وأن أي‮ ‬اتحاد مع الجمهورية كسب للبدر‮.‬
ومن المنتظر أن‮ ‬يحدث رد فعل في‮ ‬اليمن بسبب انتهاء هذا الاتحاد وإن كان من‮ ‬غير الممكن التكهن بردود الفعل هذا الآن‮.‬
وبقراءة متمعنة للفقرة الأخيرة من الخبر الذي‮ ‬أوردته الصحيفة حول انتظار‮ “‬رد فعل في‮ ‬اليمن‮” ‬نكتشف التلميح الذكي‮ ‬أن حدثا كهذا لا بد وإن‮ ‬يلقي‮ ‬بظلاله على مستقبل الحكم الإمامي‮ ‬لشمال اليمن‮.‬
وفي‮ ‬العدد ذاته تورد الصحيفة خبرا عن إنزال صور الرئيس جمال عبدالناصر من جميع أنحاء تعز بأوامر من الإمام‮ .‬
وفي‮ ‬هذا ما‮ ‬يبرز حجم شعبية عبدالناصر لدى اليمنيين في‮ ‬تلك الحقبة كما‮ ‬يظهر تضاؤل رصيد الإمام من التأييد في‮ ‬الشارع خصوصا وهو‮ ‬يعلن عداءه السافر لمن كانت الجماهير العربية كلها تعتبره زعيما قوميا والفارس المنقذ لها من مؤامرات الاستعمار‮.‬
وسنفهم أكثر مقدار السخط الذي‮ ‬شعر به اليمنيون تجاه النظام الإمامي‮ ‬جراء خروجه من الاتحاد بقراءة ما أوردته بهذا الشأن صحيفة الكفاح العدنية في‮ ‬عددها ليوم الاثنين‮ ‬1‮ ‬يناير‮ ‬1962م وتحت عنوانين هما‮:‬
‮(‬ما هو رد الفعل الذي‮ ‬سببه فض الاتحاد بين اليمن والجمهورية العربية المتحدة ¿‮)‬
فريق‮ ‬يبارك فض الاتحاد وآخر‮ ‬يعتقد أن الخلاف كان‮ ‬يجب أن‮ ‬يسوي‮ ‬بالمفاوضات
قالت الصحيفة‮ :‬
ما زال الناس في‮ ‬عدن‮ ‬يعيشون في‮ ‬الحديث عن نهاية الاتحاد بين الجمهورية العربية المتحدة واليمن‮.‬
فلقد انقسم الناس إلى فريقين فريق‮ ‬يؤيد فض هذا الاتحاد وفريق‮ ‬يبدي‮ ‬أسفه لهذه النهاية‮.‬
ويقول الفريق الذي‮ ‬يؤيد فض الاتحاد إن الاتحاد كان لا‮ ‬يجدي‮.. ‬فجميع الدلائل كانت تشير إلى أنه اتحاد صوري‮ ‬غير عملي‮ ‬وغير مطبق ولا‮ ‬يحسب له أي‮ ‬حساب‮.‬
ويقول هؤلاء إن اتحادا مثل هذا‮ ‬يجب أن لا‮ ‬يبقى فهو لا‮ ‬يفيد اليمن ولا‮ ‬يستفاد منه‮.‬
ويذهب بعض من هؤلاء إلى وضع اللوم على الجمهورية العربية المتحدة التي‮ ‬لم تتخذ إجراء فض النزاع قبل الآن بكثير وهي‮ ‬التي‮ ‬كانت تعلم بكل الدلائل التي‮ ‬تشير إلى فشل الاتحاد منذ قيامه في‮ ‬اليمن فلقد ذهب إلى حيث إرسال البرقيات إلى الرئيس جمال عبدالناصر‮ ‬يبارك حركته ويعلن تأييده لإنهاء الاتحاد الذي‮ ‬ما كان‮ ‬يجب أن‮ ‬يتم على أي‮ ‬حال‮ ‬وطالب هؤلاء أن تحول المساعدات المالية التي‮ ‬كانت ترصد لمكتب اتحاد الدول العربية في‮ ‬القاهرة إلى هيئة‮ ‬يمنية معينة في‮ ‬عدن‮.‬
أما الفريق الثاني‮ ‬الذي‮ ‬أعلن أسفه على إنهاء الاتحاد بين اليمن والجمهورية العربية فيقولون إن هذا الاتحاد كان‮ ‬يجب أن‮ ‬يتم وأن الخلاف بين البلدين كان‮ ‬يجب أن‮ ‬يسوي‮ ‬عن طريق المباحثات أو المفاوضات السرية للوصول إلى آلية ومعرفة الأسباب‮.‬
ويقول هؤلاء إن اليمني‮ ‬العادي‮ ‬قد استبشر كثيراٍ‮ ‬بقيام الاتحاد لأنه في‮ ‬نظر اليمني‮ ‬خطوة عملية لتوحيد كلمة العرب‮.‬
مداهنة مرتبكة للمعارضين انقلبت إلى الضد
مع دخول العام‮ ‬1962م كان واضحاٍ‮ ‬أن أعمال القمع التي‮ ‬مارسها النظام الإمامي‮ ‬في‮ ‬الحد من ضغوط الحركة الوطنية وحالة الغليان الشعبي‮ ‬في‮ ‬المدن الرئيسية الكبرى صنعاء تعز إب والحديدة‮.‬
ولذلك فقد اتجه إلى سياسة جديدة لمداهنة قوى التغيير في‮ ‬محاولة‮ ‬يائسة للتشبث بالبقاء وسط محيط التناقضات التي‮ ‬وضع فيها نفسه أو تلك التي‮ ‬كانت طابعا وسمة لا‮ ‬يمكنه التخلي‮ ‬عنها‮.‬
وفي‮ ‬سبيل ذلك أصدر الإمام أحمد عفوا عاما عن المعارضين والذين كانوا فارين في‮ ‬عدن حيث عاد عدد منهم تباعا وكانوا‮ ‬يغدون على الإمام كشرط ضروري‮ ‬لسريان العفو‮.‬
ولكن حتى هذه أساء الإمام استخدامها حين ظهر بصورة تبرز تعلقه بأساليب البطش والتنكيل‮.. ‬وتنقل لنا صحيفة فتاة الجزيرة صورة حية لطريقة الاستقبال التي‮ ‬واجه بها الإمام عددا من معارضيه العائدين من عدن فتقول في‮ ‬عددها الصادر بتاريخ الثلاثاء‮ ‬11‮ ‬أكتوبر‮ ‬1961م وتحت عنوان‮:‬
‮(‬إمام اليمن‮ ‬يقول‮: ‬من شرد ورد كأنه ما شرد‮)‬
قضى جلالة الإمام أحمد ملك اليمن الأسبوع الماضي‮ ‬في‮ ‬مقابلة أبناء شعبه‮..‬
وكان جلالته هذا الأسبوع متحلياٍ‮ ‬جذلان وهو‮ ‬يستقبل أفراد الشعب ويتحدث إليهم‮ ‬سيما أولئك الذين عادوا من عدن بعد أن قيل أنهم لجأوا إليها خوفا من العقاب‮.‬
فقد كان جلالته حين‮ ‬يجد أحدا منهم‮ ‬يداعبه بالتهديد كأن‮ ‬يقول‮ “‬حددوا السلاح‮.. ‬مدوا أيديكم‮.. ‬حددوا الشهادة‮..” ‬فتمتقع وجوه القادمين وتتغير ألوانهم فزعا فيبتسم جلالته ويقرب منه ليقول إليه‮ “‬بارك الله فيكم‮.. ‬من شرد ورد فكأنه ما شرد‮ ‬ثم‮ ‬يأمر له بفسحة وبمصروف الطريق‮ ‬كل منهم إلى بيته وولده وأهله في‮ ‬أمان واطمئنان‮.‬
وبلا شك أن الذين عادوا مستغلين فرصة العفو الإمامي‮ ‬وواجهوا مثل تلك المقابلة أو ما‮ ‬يشابهها من ممارسات استفزازية مارسها ضدهم جلاوزة الإمام ووكلاؤه في‮ ‬السلطة‮.. ‬إنما ازدادوا إيمانا في‮ ‬حتمية الثورة واقتلاع النظام الإمامي‮ ‬من جذوره‮.‬
فاستمروا في‮ ‬نهج معارضة الإمام وبث روح الثورة في‮ ‬صفوف الجماهير والدخول في‮ ‬معترك جديد من النضال مثلت مظاهرات الطلبة أكثر فصوله سخونة كما سنتعرض له في‮ ‬التالي‮.‬
إصلاحات في‮ ‬الوقت الضائع
بعد بدء العد التنازلي‮ ‬لسقوط عرش الإمامة في‮ ‬اليمن حاول النظام اتخاذ سلسلة من الإجراءات لمنحه إجازة من الضغط الداخلي‮ ‬والتفرغ‮ ‬لتمكين محمد البدر من الإمامة تجاوزا لعمه الحسن الذي‮ ‬كان قريبا من الأمريكان كما ذكرنا وله شعبيته في‮ ‬الأوساط المؤيدة للحكم الإمامي‮.‬
وقد كان من تلك الإجراءات ما أوردته صحيفة النصر الإمامية في‮ ‬عددها‮ ‬276‮ ‬الصادر بتاريخ‮ ‬22‮ ‬مارس‮ ‬1961م تحت عنوان‮ (‬تنظيمات جديدة بناءة‮) ‬قالت فيه‮ :‬
1‮- ‬تنفيذا لرغبة حضرة مولانا صاحب الجلالة أمير المؤمنين أمر حضرة صاحب السمو الملكي‮ ‬مولانا ولي‮ ‬العهد المعظم بتشكيل لجنة مكونة من عدة أفراد من موظفي‮ ‬الدولة وقد سميت باللجنة التمهيدية لوضع النظم واللوائح الوزارية والدوائر الحكومية وأن مهمة هذه اللجنة هي‮:‬
‮- ‬دراسة المعاملات والنظم الموجودة حالياٍ‮ ‬في‮ ‬مختلف الوزارات والدوائر الحكومية‮.‬
‮- ‬دراسة ما سيقدمه الوزراء كلا فيما‮ ‬يخصه من نظم وتعليمات‮ ‬يقترح تنفيذها في‮ ‬وزارته‮ .‬
‮- ‬دراسة عامة لأحوال البلاد من الناحية الاجتماعية من حيث التقاليد والعادات‮.‬
‮- ‬مراعاة ما جاء في‮ ‬شريعة سيد المرسلين والسير في‮ ‬حدود تشريعات ديننا الحنيف دون مساس بأصوله ولا بفروعه وذلك عند وضع النظم والتعليمات التي‮ ‬يجب أن تسير عليها الوزارات والدوائر الحكومية‮.‬
‮- ‬بعد هذه الدراسة وهذا البحث تضع اللجنة لكل وزارة ودائرة حكومية نظم وتعليمات تسير في‮ ‬فلكها وتقيد من‮ ‬يخدم في‮ ‬سلك الدولة بتلك النظم والتعليمات سواء كان وزيرا أو موظفا كبيرا أو صغيرا وأن النظم والتعليمات التي‮ ‬توضح الهدف والغرض من تنفيذها أن ترفع مستوى إدارتنا لحيث‮ ‬يكون في‮ ‬صالح الأمة وحتى تسير في‮ ‬نهضتها الحديثة على أسس سليمة‮.‬
إن موظفي‮ ‬الدولة‮ ‬يجب أن‮ ‬يتقيدوا بنظم‮ ‬يسيرون عليها دون تلاعب بذوي‮ ‬الحاجات والمظالم وذوي‮ ‬المصالح‮ .‬
وقد بدأت اللجنة أعمالها في‮ ‬يوم الاثنين الموافق‮ ‬6‮ ‬شوال سنة‮ ‬81هـ وقد تفضل حضرة مولانا صاحب السمو الملكي‮ ‬ولي‮ ‬العهد المعظم أيده الله بافتتاح أول جلسات اللجنة التمهيدية لوضع النظم واللوائح للوزارات والدوائر الحكومية وقد وجه سموه إلى أعضاء اللجنة الكلمة التالية‮:‬
‮”‬أيها الأخوة لقد أوكلت إليكم أعمالا هامة جدا فيجب أن تعرفوا أنكم تضعون نظما لدولة‮ ‬هذه النظم تحسن مصالح كل فرد من أفراد الشعب فعليكم أن تفكروا جيدا وتبذلوا الجهد الكبير في‮ ‬البحث والدراسة حتى لا تضعوا فقرة أو قرارا إلا وقد تأكدتم من تنفيذها وتأكدتم من ملاءمتها لتقاليدنا الدينية ولتقاليدنا العربية السليمة ولواقعنا الإداري‮ ‬والاجتماعي‮ ‬مع المراعاة لإمكانياتنا الفنية والمادية ويجب أن تعرفوا بأن مولانا صاحب الجلالة أمير المؤمنين أيدهم الله وأطال عمره‮ ‬يعقد على جهودكم آمالاٍ‮ ‬كبيرة‮”.‬
وغير بعيد عن الأذهان بمجرد قراءة اللجنة المكلفة بالتعديلات أن اثنين فقط من أعضائها كانوا من المثقفين الجدد هما الدكتور حسن مكي‮ ‬والأستاذ أحمد جابر عفيف اللذان كانا في‮ ‬حداثة من العمر بين ستة من رموز النظام الإمامي‮ ‬والعقليات التي‮ ‬جاوزها الزمن‮.‬
كما تطالعنا صحيفة الكفاح العدنية في‮ ‬عددها ليوم الأربعاء‮ ‬24‮ ‬يناير‮ ‬1962م السنة الرابعة العدد‮ (‬204‮) ‬بخبر‮ ‬يفيد بأن الإمام أحمد الذي‮ ‬أثقله المرض وجراحه البليغة التي‮ ‬أصيب بها في‮ ‬مستشفى الحديدة عام‮ ‬1961م قد عين ابنه وولي‮ ‬عهده محمد البدر نائباٍ‮ ‬له في‮ ‬رئاسة الوزراء كإشارة حاول الترويج لها دعاة الحكم الإمامي‮ ‬بأن الدور القادم سيكون للشباب وأنصار التحديث حيث جاء في‮ ‬الخبر‮:‬
‮- ‬الإمام أحمد‮ ‬يحتفظ بمنصب رئيس الوزراء ويسند إلى البدر منصب نائب رئيس الوزراء
‮- ‬الأوساط اليمنية تدرس ما وراء التعديلات الدستورية في‮ ‬الحكومة اليمنية
‮- ‬اصدر صاحب الجلالة الإمام أحمد مرسوما ملكيا بقيام تعديلات وزارية في‮ ‬حكومته وقد جاء في‮ ‬هذا المرسوم تعيين سيف الإسلام البدر في‮ ‬منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع والقائد العام للقوات اليمنية المسلحة‮.‬
ونص المرسوم الملكي‮ ‬على تعيين سيف الإسلام الحسن ابن علي‮ ‬ابن ابراهيم وزيرا للخارجية وكان هذا المنصب قبل ذلك مسندا إلى سيف الإسلام البدر‮.‬
وأصبح عبدالرحمن السياغي‮ ‬وكيلا للخارجية كما تولى عبدالرحمن عبدالصمد أبوطالب وزارة الاقتصاد والقاضي‮ ‬عبدالله العمري‮ ‬المعارف ومحمد علي‮ ‬عثمان المالية وزيد عقبات الزراعة والقاضي‮ ‬محمد عبدالله الحجري‮ ‬وزيرا للمواصلات‮ ‬وشمل المرسوم حصول بعض الأفراد على وزارات أخرى‮.‬
وقد نتج عن هذا المرسوم تنازل سيف الإسلام البدر عن وزارة الخارجية لأول مرة كما احتفظ صاحب الجلالة الإمام أحمد بمنصب رئيس الوزراء وإمام اليمن‮.‬
هذا وتدرس الأوساط اليمنية هذه التعديلات الوزارية المفاجئة في‮ ‬اليمن للوصول إلى أسباب إصدار المرسوم الملكي‮ ‬بشأنها‮.‬
وبطبيعة الحال فإن هذه التغييرات الشكلية لم تؤت ثمارها المرجوة فقد اعتبرتها الحركة الوطنية مجرد محاولة فاشلة من النظام لكسب الوقت وتجاوز مرحلة رحيل الإمام أحمد التي‮ ‬كانت وشيكة الحدوث‮.‬
المظاهرات الطلابية
المظاهرات الطلابية كما ذكرنا سابقا كانت المشهد الأكثر سخونة في‮ ‬الفصل الأخير من فترة الحكم الإمامي‮ ‬لليمن‮.‬
وتنقل لنا في‮ ‬ما‮ ‬يلي‮ ‬صحيفة فتاة الجزيرة صورة حية عن تلك المظاهرات فتقول في‮ ‬عددها‮ (‬2010‮) ‬الصادر‮ ‬يوم الاثنين‮ ‬13‮ ‬اغسطس1962م أي‮ ‬قبيل وفاة الإمام أحمد بأسابيع قليلة فقد قالت الصحيفة تحت عنوان‮ (‬المتظاهرون كانوا‮ ‬يحملون لافتات تنادي‮ ‬بحياة القومية العربية ويهتفون‮ “‬نحن وراءك‮ ‬يا جمال‮”)‬
قال ثلاثة من طلبة المدرسة الأحمدية الثانوية بتعز أنهم قدموا إلى عدن هاربين بعد أن أضربت مدرستهم تضامنا مع زملائهم طلبة المدرسة الثانوية بصنعاء‮.‬
وقال الطلبة الفارون أن عددا من زملائهم طلبة تعز ألقي‮ ‬القبض عليهم وهم في‮ ‬طريقهم إلى الراهدة لركوب السيارات إلى عدن‮.. ‬وادعوا أن اثنين من طلبة صنعاء قتلا عندما أطلق عليهم الجند الرصاص وأن عددا آخر أصيب بجراح‮.. ‬ويقدر هؤلاء الطلبة عدد المعتقلين في‮ ‬سجون حجة وصنعاء بحوالي‮ ‬150‮ ‬طالبا وحتى هذه اللحظة لم‮ ‬يصدر أي‮ ‬بلاغ‮ ‬رسمي‮ ‬من اليمن‮ ‬يشرح حقيقة الموقف‮.‬
وكان الطلبة الثلاثة الذين افلتوا من جند الإمام في‮ ‬مقابلة صحفية بدار فتاة الجزيرة فور وصولهم إلى عدن‮ ‬يوم الجمعة‮:‬
‮”‬كيف بدأت المأساة‮”‬
وشرح أحدهم وقوع المأساة فقال إن طلبة صنعاء هم الذين بدأوا الحركة عندما تأكدوا أن المسئولين لن‮ ‬يلتفتوا إلى شكاويهم التي‮ ‬تقدموا بها مرارا ضد مدير المدرسة‮.‬
وتتلخص مطالب التلاميذ في‮ ‬مدرسة صنعاء الثانوية في‮ ‬توسيع برامج التعليم وتوفير الغذاء المناسب لهم‮.‬
‮(‬والمدارس الحكومية في‮ ‬عواصم اليمن جميعها داخلية‮.. ‬وتسمى بالمدارس الليلية أي‮ ‬أن على الطلبة الذين‮ ‬يفدون إليها من مختلف الأقاليم أن‮ ‬يناموا فيها كمدارس داخلية‮).‬
وبعد إضراب دام‮ ‬24‮ ‬ساعة خرج طلبة صنعاء في‮ ‬مظاهرة صاخبة حاملين لافتات كتب عليها‮ “‬فلتحيا القومية العربية‮ .. ‬تسقط الملكية الرجعية‮. ‬نحن وراءك‮ ‬يا جمال‮!”‬
الجيش‮ ‬يطوق المتظاهرين
ومضى الطالب الهارب‮ ‬يقول إن السلطات في‮ ‬صنعاء خشيت أن تكون تلك الهتافات مقدمة لحركة أوسع تطالب بعودة الاتحاد بين اليمن والجمهورية العربية المتحدة‮ ‬فأمرت الجيش بتطويق المتظاهرين‮ ‬ولكن معظمهم لاذ بالتلال المحيطة بمدينة صنعاء‮.‬
وزعم أحد الطلبة الثلاثة أن الأخبار التي‮ ‬وصلتهم في‮ ‬تعز أكدت مقتل طالبين برصاص الجنود وجرح آخرين واعتقال حوالي‮ ‬150‮ ‬وزعوا على سجون حجة وصنعاء‮.‬
تجاوب طلبة تعز
وما أن بلغ‮ ‬الخبر إلى تعز حتى قرر طلبة المدرسة الأحمدية الثانوية في‮ ‬عاصمة اليمن الثانية الإضراب تجاوبا مع حركة زملائهم خمسة أيام وهم معتصمون في‮ ‬المدرسة‮.‬
وقال الطلبة في‮ ‬المقابلة الصحفية مع فتاة الجزيرة أن نائب تعز قطع عنهم النور والطعام وحال دون اتصال الأهالي‮ ‬بالمدرسة‮.‬
وخرج طلبة تعز في‮ ‬اليوم السادس للإضراب في‮ ‬مظاهرة منظمة وهم‮ ‬يرددون‮ “‬أنشودة الفداء‮” ‬ولاذوا بقمة جبل الضربة شمالي‮ ‬تعز حيث قضوا ليلتهم‮ ‬ولكن الجند أرغموهم على الهبوط والاستسلام‮.‬
أوامر الإمام
وقيد الطلبة المتظاهرون وعددهم أكثر من‮ ‬300‮ ‬إلى‮ “‬المقام الشريف‮” ‬بالعرضي‮ ‬وهو المقر الرسمي‮ ‬للإمام‮ ‬وصدرت أوامر الإمام بتعطيل المدرسة حتى صدور تعاليم أخرى‮.‬
وعاد الطلبة إلى المدينة في‮ ‬مظاهرة أشد ضجيجا ولكن الأوامر صدرت هذه المرة باعتقال زعماء الطلبة‮.‬
واعتقل عدد منهم وهم في‮ ‬طريقهم إلى عدن بطريق مركز الراهدة‮.‬
ولأن النظام وقتها فشل في‮ ‬مواجهة تلك المظاهرات أو قمعها فقد قرر وفي‮ ‬سياق التحديثات التي‮ ‬هدفت لتهدئة الطلاب وكسب ودهم الترويج لإنشاء أول جامعة في‮ ‬اليمن ونقرأ هذا الخبر الذي‮ ‬اوردته فتاة الجزيرة‮ ‬يوم السبت‮ ‬8‮ ‬سبتمبر‮ ‬1962م أي‮ ‬قبيل وفاة الإمام بأيام حيث قالت فيه تحت عنوان‮:(‬إنشاء أول جامعة في‮ ‬اليمن‮) ‬التالي‮:‬
‮- ‬صدر مرسوم ملكي‮ ‬بإنشاء أول جامعة في‮ ‬اليمن‮.‬
وجاء في‮ ‬المرسوم الذي‮ ‬أذاعته محطة صنعاء أن جلالة الإمام قرر تحويل دار السعادة إلى مبنى لأول جامعة‮ ‬يمنية بناء على رغبة أبداها سمو الأمير محمد البدر ولي‮ ‬عهد اليمن‮.‬
وسيطلق عليها اسم‮ “‬الجامعة الأحمدية‮” ‬نسبة إلى الإمام أحمد ملك اليمن الحالي‮.‬
خطاب العرش تحصيل حاصل
بعد وفاة الإمام أحمد‮ ‬يوم‮ ‬19‮ ‬سبتمبر‮ ‬1962م كان طبيعيا أن‮ ‬يتولى محمد البدر مقاليد الأمور في‮ ‬البلاد وهو ما حدث بالفعل وسط أجواء من الهدوء خلقتها حالة الترقب لما سيتبع وفاة الإمام أحمد التي‮ ‬لم تكن مفاجئة وكانت في‮ ‬نظر الضباط الأحرار وقادة الحركة الوطنية إشارة الانطلاق إلى تحقيق حلم الثورة وإسقاط الحكم الإمامي‮ ‬إلى الأبد وصولا إلى بناء الدولة الحديثة والنظام الجمهوري‮ ‬الذي‮ ‬يعيد للبلاد حياتها ووحدتها ويبني‮ ‬مستقبلها الواعد على أسس الحرية والعدالة والديمقراطية‮.‬
وهنا‮ ‬ينبغي‮ ‬الإشارة والتوضيح بأن ما أشيع ويتناقله الكثيرون من أن خطاب العرش الذي‮ ‬وجهه الإمام الجديد للشعب‮ ‬يوم تنصيبه إماماٍ‮ ‬خلفاٍ‮ ‬لأبيه كان هو المحرك لقيام الضباط الأحرار بتفجير الثورة على خلفية‮ “‬ما تضمنه‮” ‬ذلك الخطاب من تعهد الإمام البدر بالسير وفق خطى أبيه وأنه سيطلق العنان للسيف ليس كما فعل أبوه بالقطع من الرأس وإنما سيقطع من الوسط‮.. ‬إنما هي‮ ‬مزاعم وأقاويل‮ ‬ينفيها ما بين أيدينا من توثيق للخطاب الأصلي‮ ‬الذي‮ ‬ألقاه الإمام الجديد‮ ‬يوم تنصيبه وبثته إذاعة صنعاء صبيحة ذلك اليوم‮ ‬فباستعراض ذلك الخطاب نجد الكثير من الإشارات لمواصلة نهج التحديث الذي‮ ‬بدأ في‮ ‬العامين السابقين لإنقاذ الحكم الإمامي‮.‬
وحتى إشارات كل الخطاب جاءت تحصيل حاصل وبلا أي‮ ‬تأثير على الوضع العام في‮ ‬البلاد فضلاٍ‮ ‬عن أن‮ ‬يعزى له أي‮ ‬دور في‮ ‬قيام الثورة أو أنه كان المسمار الأخير في‮ ‬نعش الإمامة‮.. ‬فقد كان النعش جاهزا ومكتمل المسامير‮.‬

قد يعجبك ايضا