عقل برميل النفط يغلب عقل ديكارت !

 

د. احمد عبدالله الصعدي
يعتقد بنو سعود وجل حكام مشيخات النفط أن ثرواتهم تغنيهم عن الحاجة إلى العقل والأخلاق ، ومعهم بعض الحق في ذلك في عالم يرى كل شيء من ثقب المكاسب المادية . قال حكام السعودية عن ضربة منشآت أرامكو (في بقيق وخريص) يوم 14 سبتمبر الماضي أن اليمن لا يستطيع القيام بهذه الضربة ، وأن القول بأن امكانيات الجيش واللجان قد وصلت إلى هذا المستوى من التطور والخطورة قول غير معقول . وقد تعود عقل حكام السعودية على اعتبار ما هو معقول غير معقول وما هو غير معقول معقولا ، فبالاضافة إلى ما قاله عن الهجوم على أرامكو قاله ايضا عن ما أعلنه متحدث القوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع ، وما بثه الإعلام الحربي عن عملية ((نصر من الله)) أنه غير معقول . لكن هذا العقل الأعوج يصر على الادعاء بأن السفن التي تحمل المشتقات النفطية والمواد الغذائية ، والتي تفتش من قبل الأمم المتحدة في جيبوتي ، وتوضع فيها أجهزة تتبع لحركتها ، وترافقها وتحتجزها سفن تحالف العدوان تحمل صواريخ وطائرات مسيرة ! هذا هو العقل السعودي الذي تعودنا عليه ولم نعد نستغرب أقواله وتصرفاته وأحكامه ، ولكننا نستغرب أن يصيب بعدواه زعماء دول كبرى فيكررون ما قاله الناطق السعودي ، ومنهم على سبيل المثال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ، الذين قالوا في بيان مشترك أنهم يتهمون إيران بالهجوم على منشآت أرامكو لأنه لا يوجد تفسير آخر معقول .
لذلك نقول اعقل قليلا يا ماكرون ، واستح من ديكارت الذي تفاخر وتفاخر بلادك بأنه ابو الفلسفة الأوروبية الحديثة ، وأنه من حدد مسارات تطورها ومنحها روح العقلانية ، وتذكر كتابه الشهير ((مقال عن المنهج)) المعروف في جهات العالم الأربع ، والمتضمن قواعد المنهج التي تعهد الفيلسوف أن يراعيها بصرامة ، ويقول في القاعدة الأولى : (( ألا أقبل شيئا ما على أنه حق ، ما لم أعرف يقينا أنه كذلك : بمعنى أن أتجنب بعناية التهور ، والسبق إلى الحكم قبل النظر ، و ألا أدخل في أحكامي إلا ما يتمثل أمام عقلي في جلاء وتميز ، بحيث لا يكون لدي أي مجال لوضعه موضع الشك )) . لعل ديكارت لم يتخيل أن ((حقيقة)) برميل النفط ستمحو حقائق فلسفته ورصانة عقلانية وصرامة منهجه في زمن الساسة السماسرة.

قد يعجبك ايضا