قيود السجان وإزميل الثورة


أوثق السجان قيوده¡ وأحكم صناعتها لإلغاء دور ال شعب وإسكات أصوات الأحرار ومن يقول لا لحكم الطغيان واستبداد نظام الإمام¡ وعمل سدنة حكم بيت حميد الدين على التفنن في صناعة القيود وأشكالها وأنواعها¡ فكانت هناك قيود تحرم الحرية والحركة والتعليم والفكر والكلمة والتطلع للأفضل¡ وقيود حديدية تقيد بها اليدان والقدمان مع بعضها لينحني بها السجين كعقوبة مغلظة في سجون بائسة بهدف كسر إرادة الأحرار والأصوات المنادية والمتطلعة لغد◌ُ أفضل¡ لكن عزم الرجال والثوار الأحرار وقوة إرادتهم أذابت قيود السجان¡ وانصهرت تلك الحدائد المغلظة بهدير شرارة الثورة وخروج المارد اليماني من قمقمه¡ وتحول حكم الطغيان الجائر بالحديد والنار إلى شعلة ثورية تضيء دروب الإنسان اليمني¡ ولم يكن يعلم حكم الإمام الجائر أن من تم تقييد حرياتهم وسجنهم وسحلهم وتقديمهم إلى ساحات الإعدام وهم مقيدون بالسلاسل والأغلال والقيود كانوا هم أول إزميل نحت في صخرة حكمه الجائر معلنا◌ٍ بداية حكم ثوري جمهوري جديد.
وهكذا فالعذاب الذي أنزله الطغاة بالشعب أثمر مقاومة قوية¡ والقيود التي قيد بها الأحرار تحولت إلى سهام وارتدت إلى نحور الظالمين¡ والأنين والعذابات التي أطلقها الأحرار غدت صيحات تنادي بالانتقام من الطغاة¡ ورحم اللø◌ِه أبا الأحرار محمد محمود الزبيري حين صدح بقوله لاستنهاض همم الشعب :
إن القيود التي كانت على قدمي
صارت سهاما◌ٍ من السجان تنتقم
إن الأنين الذي كنا نردده
سرا◌ٍ¡ غدا صيحة تصغي لها الأمم
والحق يبدأ من آهات مكتئب
وينتهي بزئير ملؤه نقم
وكان الشعب يعاني الظلم ويرتعد الناس من سماع الإمام أو التفكير في رفع الأصوات مخافة من المصير الذي ينتظره¡ حيث يقول الزبيري :
والناس بين مكبل في رجله قيد
وفي فمه البليغ لجام
أو خائف لم يدر ما ينتابه منهم
سجن الدهر أم إعدام
والاجتماع جريمة أزلية
والعلم إثم◌َ والكلام حرام
صناعة القيود
وكانت تصنع للإمام عينات من القيود الحديدية وبيوت في صنعاء القديمة وفي سوق الملح بعينها تشتهر بصناعة القيود¡ وأهم هذه البيوت المشهورة أولا◌ٍ النهمي¡ حيث التقيناه في حانوته بسوق المحدادة بصنعاء القديمة وأكد لنا أنه ورث صناعة القيود عن والده¡ وهو سابع خلفة متوارثة لهذه المهنة¡ وإن هذه الصناعة تبدأ من سنانير الحديد أبو (16) يتم سطحها ومن ثم عطفها على حجم الرجل أو اليد ويتم طرقها بالنار بعد أن ت◌ْحمى حتى تحمر ويوضع عليها في الوسط ما يسمى «السيø◌ِار» وهو سنارة أبو عشرة¡ وينعطف عليها حجم المسافة بين القدم والقدم¡ وكذلك المسافة بين اليد والقدم حتى ينحني المحبوس ويمشي وهو معطوف¡ ويكون طولها لا يتجاوز (30) سم¡ وكانت تنزل هذه العقوبات لبعض المدانين.
قيود ما بعد الثورة
وبعد نصف قرن من ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيد لا تزال هناك الكثير من القيود¡ تكبل حركة الشعب وبصور مختلفة¡ بعضها تقليدي وأخرى مستجدة¡ حيث أصبحت لدى المشائخ زنازن وقيود وسجانون وأكثر من وشاح¡ كما يقول الدكتور عبدالعزيز المقالح : كنا نعاني وشاحا◌ٍ واحدا◌ٍ¡ وأرهقتنا الوشاحات والطوابير.
حتى العبيد وحياة الرق لا تزال في محافظة حجة وأطراف تهامة¡ فضلا◌ٍ عن الإعلان الصامت من قبل رموز القبيلة ومشائخها فرض سيطرتهم على الأرض والإنسان اليمني وضرب مزيدا◌ٍ من الجهل والأمية والتبعية لتطويع إرادة اليمنيين من جديد¡ متناسين مبادئ وأهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين¡ صحيح قد تكون هذه بعض النتوءات الناجمة عن غياب مشروع الدولة الناهضة¡ لكن واقع الحال ينبئنا دائما◌ٍ أن فرض الوصاية على الشعوب أو استبدادها لن يدوم¡ وأن متغيرات الأحوال قد تصنعها كلمة صادقة أو موقف معبر عن ظلم تتداعى له الشعوب قاطبة¡ وليس ما أحدثه الشاب الفقير بوعزيزي في تونس العروبة ببعيد¡ وما خروج الشباب اليمني في العام 2011م إلا تعبير حقيقي عن هذا التداعي وحالة الركود والجور وانحراف مسار العمل في ترجمة مضامين أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر والابتعاد عن مشروع دولة الوحدة.
والسؤال الذي نطرحه اليوم هو : هل ستتمكن ثورة الشباب من تحقيق حلم الثورة الأم في الحرية والعدالة والمساواة والدولة المدنية الحديثة القائمة على الأرض وليس في أدبيات الأحزاب والساسة وتختفي كافة القيود القديمة والحديثة¿

قد يعجبك ايضا