
في مثل هذا اليوم الـ29 من سبتمبر من العام 1962م كانت الثورة الصحيفة على موعد مع صدور عددها الأول في ظلال العهد الجمهوري الجديد بعد أن تمكن الضباط الأحرار ومعهم جماهير الشعب من إزاحة كابوس النظام الإمامي المستبد من على صدور وأنفاس الجماهير اليمنية والقضاء عليه نهائيا ليبدأ عصر جديد مفعم بالآمال والطموحات العظيمة في بلوغ المستقبل الأفضل والعيش الكريم كباقي شعوب الأرض بعيداٍ عن بطش وخزعبلات النظام المتخلف.
كان هذا المنبر الإعلامي الذي رأى النور بعد ساعات فقط على انطلاق شرارة الثورة السبتمبرية الظافرة بمثابة الوليد الشرعي لهذا الإنجاز الثوري التاريخي في بلادنا السعيدة ليبقى طيلة المراحل اللاحقة قلبا نابضا لمسيرة النضال الوطني .. ولا بأس هنا ونحن نحتفل بالذكرى الـ51 لتأسيس صحيفتنا الثورة أن ندع الإيثار الذي كان وما يزال ديدن ونهج العاملين السابقين والحاليين في هذا الصرح الإعلامي الكبير .. لا ضير أن نترك الإيثار جانبا لنتقمص مؤقتا إزاء الأنانية حتى نسلط بعض الضوء على شيء مما يعتمل في جنباته لإلقاء نظرة خاطفة على جوانب من النشاط الصحفي اليومي الذي تضطلع به مؤسستنا الرائدة في المواكبة الإعلامية لأحداث وفعاليات الوطن من أقصاه إلى أقصاه .. أولاٍ بأول إلى الجماهير في كل الأوقات بل تعلن حالة الاستنفار القصوى لمضاعفة الجهد والعطاء حين يركن الآخرون إلى الراحة والاسترخاء في موسم المناسبات الوطنية والاجتماعية من أجل تقديم الخدمة الصحفية المتميزة. ولكن لابد من القول أولا بأن الوضع الداخلي لمؤسسة الثورة للصحافة وخاصة كبرى إصداراتها التي تحمل اسم أهم إنجاز وطني في تاريخ اليمن الحديث ظل على الدوام ومنذ اندلاع الثورة السبتمبرية الخالدة نموذجا مصغرا للتعبير عن الوضع الوطني العام .. وحين كانت الثورة الوليدة تعاني صعوبات التحول في أيامها الأولى صدرت الثورة الصحيفة في تلك الظروف حيث صدر عددها الأول بمدينة تعز بعد ثلاثة أيام من انطلاق الثورة وجاء في 8 صفحات ولم يكن الإصدار منظما لفترة قليلة ثم أخذت في الصدور كل يومين واستمر الوضع كذلك حتى العام 1964م حين تم نقلها إلى العاصمة صنعاء لتعرف هناك الصدور المنظم من ديوان وزارة الإعلام ولكن بصورة أسبوعية حتى شهر مارس من العام 1967م إذ باشرت في صدورها اليومي المنتظم إلى يومنا على الرغم من التحديات والمصاعب الكبيرة التي تعرضت لها في مراحل متعاقبة لتضطلع منذ ذلك الوقت بمهام التعبير عن نهج وسياسة الدولة الجمهورية الفتية .. وكما تعرضت الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر في سنواتها اللاحقة لاختلال وأخطاء الساسة والانحرافات العميقة في مسارها الإنساني كانت الصحيفة الثورة من داخلها تتأثر هي الأخرى بتلك الممارسات وما فتئت تتعرض للصعوبات والتحديات مرحلة بعد أخرى غير أنها ظلت وفية لمسؤوليتها الأخلاقية والوطنية وصدمت أمام كل العواصف والأهوال ولم تتوقف منذ بدء صدورها اليومي ولم تغب عن قرائها كما يقول رعيلنا الأول إلا في أوقات نادرة وكانت لظروف قاهرة.
غير أن أشد التحديات وأكثرها خطراٍ على وضع الصحيفة طيلة تاريخها الوطني العريق كانت مؤخرا وبالتحديد تلك التي أعقبت أحداث العام 2011م وما أفرزته من انقسامات حادة في أوساط الشعب اليمني عموماٍ بمختلف فئاته ومكوناته ومؤسساته الوطنية لتعيش مؤسسة الثورة نتيجة ذلك الوضع البائس مرحلة عصيبة وتعرضت للتوقف أكثر من مرة وأصبحت مهددة فعلياٍ بالانهيار على الرغم من تعيين أكثر من قيادة إدارية وصحفية في تلك الفترة وخلال وقت قصير ولم ينقشع كابوس الانهيار من على سماء المؤسسة إلا مع الانفراج العام بتوقيع الأطراف السياسية على التسوية التاريخية وإعلان انتصار اليمنيين لحكمتهم وللغة الحوار والعقل على منطق الحرب والسلاح.
ومع هذا الفرج المنتظر جاءت القيادة الحالية للمؤسسة والتي لم يكن أكثر المتفائلين يتوقع منها إنجاز البعض مما أنجزته فعلياٍ على طريق المعالجات العملية لعديد الإشكاليات والمصاعب وخاصة في الجوانب المالية والإدارية وإذا بهذه القيادة الشابة والفتية وبدعم كبير من قبل القيادة السياسية بزعامة الرئيس عبدربه منصور هادي نستطيع وفي زمن قياسي إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح ومعالجة الكثير من المصاعب.
ولعل أبرز ما فعلته تمثل في ترميم النفوس وإزالة التوترات والمشاحنات من خلال إسناد إدارة التحرير الصحفي إلى صحفيين أكفاء من أبناء الإدارات الصحفية وتكريم المبرزين من أبناء المؤسسة والذي تجلى في مطلع مايو الماضي بمناسبة الاحتفال بالعيد العالمي للعمال حينما شمل التكريم لأول مرة في تاريخ المؤسسة الكوادر الحقيقية العاملة في مختلف إدارات وأقسام المؤسسة الصحفية والفنية والإدارية في خطوة بعثت الارتياح الواسع في نفوس الجميع وأحيت الآمال مجدداٍ بالانتصار على كل الصعوبات.
وها هي الثورة اليوم وهي تحتفل بالذكرى الـ51 للتأسيس تتنفس الصعداء وترنو متطلعة إلى المستقبل الأفضل شأنها في ذلك شأن الوطن اليمني وجميع أبنائه ممن بعثت في نفوسهم الآمال مجدداٍ باستعادة أهداف الثورة اليمنية العظيمة وأحداث التغيير المنشود والتأسيس السليم للدولة الحديثة التي تحترم فيها الحقوق وتصان الحريات ويحصل كل ذي حق على حقه دون انتقاص وبما يوفر الحياة الكريمة لكافة المواطنين تحت مظلة القانون والعدالة.