عن ضرورات الوعي بمسارات المرحلة
عبد الرحمن مراد /
يبدو أن الوعي بالمرحلة هو البداية الصحيحة لفهم الواقع ، وهو القدرة الحقيقية في السيطرة على مقاليد المستقبل ، فالحاضر والمستقبل لا يشبهان كل الذي مرَّ في تأريخ المنطقة، فالعدو الذي يتربص بنا الدوائر اليوم يقوم بإحداث قدر من التوازن ، وكل المؤشرات تقول أن المنطقة قادمة على تغيرات ديمغرافية وجيوسياسية ، وصراع القوى الكبرى بدأ يشتد أواره ، وقد تشهد المنطقة – وفق كل المؤشرات والرموز التي يبعثها الواقع اليوم – حربا عالمية .. فالتوتر قائم بين الصين وامريكا وبين أمريكا وروسيا ، وبريطانيا التي كانت تغض الطرف عن أي تواجد عسكري لها بالمنطقة ها هي اليوم تعود وتنشئ قواعد عسكرية في الخليج وهي قد تسلمت الملف اليمني تمهيدا لفرض هيمنتها على باب المندب وعدن ،وعلينا أن ندرك أن الحرب التي يديرها العدو اليوم لا تقوم على الهيمنة الاقتصادية كما كان في زمن عصر النهضة بل تقوم على البعد الثقافي ، ولم يستوعب العرب الفكرة ، ولا الحركات التحررية التي ترفع الشعارات في حالة تماهٍ غير واعية مع المعركة الثقافية التي يديرها العدو بذكاء مفرط ويقابله غباء غير مبرر من العرب والمسلمين .
أمام هذا الواقع الذي يمر بالأمة يفترض بنا الوقوف والمراجعة ، والاشتغال على ذات القنوات التي تستغل في إدارة المعركة وهي القنوات الثقافية ، فالبعد الثقافي يشكل المنحى الأهم في السيطرة على الوجود والفاعلية في المستقبل .
فاليمن – التي هي جزء من المنطقة – ستكون في محك الأحداث ولذلك يتوجب علينا الاهتمام بالبناء الثقافي الذي يستوعب المرحلة ويعيد ترتيب نسقها ، ويعمل على التأثير في مجرى الأحداث ، ولن يتحقق ذلك التأثير الا بالاشتغال الواعي في بناء مشروع نظري يستمد أسسه من المنطلقات الإسلامية ليكون قادرا وفاعلا في تحقيق عالمية الاسلام ، فالحصار الذي يشهده الإسلام في بؤر العداء للإنسانية والحضارات وفي الإرهاب يجب كسره بالبناء الثقافي والتفاعل الحضاري ووفق استراتيجيات واعية ومدركة لفكرة صراع الحضارات .
معركتنا مع العالم من حولنا هي معركة توازن ثقافي وحضاري وفهم هذه الخصوصية ، هو الذي يجعلنا في مراتب التأثير لا مراتب التلقي والخضوع لما يملى علينا ، والقوة المفترضة هي القوة الثقافية والحضارية أما القوة المادية العسكرية والاقتصادية فهي عوامل مساعدة ليس أكثر من ذلك ، ولذلك لم يستنكف العدو من النيل من البعد الثقافي والحضاري للعرب بنشاطه المكرس لهدم المثاليات والرموز والعمل على رسم صورة مشوهة وظلامية عن الإسلام بدأ هذا النشاط قبل بدء المعركة حتى تكون مبررا أخلاقيا في القضاء على النمط الثقافي والحضاري العربي .
في الواقع العربي اليوم تحول كبير ،والذين يديرون العملية السياسية على المستوى الدولي يضعون حركة التحول العربي نصب أعينهم وقد سبق لهم التمهيد لهذا التحول من خلال تشويه البنية الفكرية والعقائدية العربية ، وظل الاشتغال على التوجه لسنوات طوال .
والمعادلة الأصعب هي حين يصبح التفاعل مع حركة المستوى الحضاري بوعي المؤامرة لا بوعي التأثير في مسار السياسة الدولية حتى يكون العرب قوة لها تقديرها ولها حسابات في الوعي الجمعي الدولي .
فالصراع تجاوز البعد الاقتصادي ليكون مرتكزه البعد الثقافي والحضاري ، فقضية ايران مع الغرب قضية ثقافية وحضارية ، وصراعها صراع تفوق حضاري مع اسرائيل ، فالغرب يرفض شكلا أن تكون ايران دولة نووية ولكنه يغض الطرف عن نووية اسرائيل ، ولذلك فالصراع في اليمن لا يعني ايران ولكنه يشكل ورقة ضاغطة لحسابات سياسية لها ، وكذلك الوضع في سوريا فهو يشكل حالة توازن سياسي لإيران مع اسرائيل ، وبالمثل فالعراق يشكل حالة توازن للغرب واسرائيل مع ايران واليمن تشكل حالة توازن ثانوية لإيران مع السعودية التي تقدم نفسها كحليف للغرب الذي يشتغل على البعد الثقافي لاستغلال أموال السعودية في إدارة الصراع عبر الحركات والجماعات المسلحة .
مؤشرات التحول الثقافي في السعودية بدأت منذ مطلع عام 2018م وهذا التحول يشكل الضامن الحقيقي لاستمرار تدفق المصالح بين الغرب والسعودية ويحد من ظواهر التطرف مع تماهي مشائخ الوهابية في مشروع المرحلة .
وأمام تلك الصورة يتطلب الواقع وعيا حضاريا وثقافيا وتفاعلا مؤثرا في مسار المرحلة وهي مرحلة خطرة تشهد تحولا كبيرا وعميقا ولابد من مقارعتها بالوعي المؤثر في المسار لا بوعي التدمير والحرب والخراب الذي تديره الجماعات الخاضعة لسيطرة الجهاز الاستخباري الامريكي الذي يفترض بنا الوقوف أمامه بقدر من المراجعة والتقييم حتى نستعيد سيطرتنا على مساراته وضبطها من خلال دعم الصحوة الفكرية والحركة النقدية فالعصر الذي هجم علينا قبل الاستعداد له علينا أن نستعد له بالتحكم بمساراته والتأثير في نسقه العام فالقوة التي تختزنها القيم الحضارية والاخلاقية هي أمضى من غيرها في عالم لم يعد مستقرا حضاريا وسريع التحول .