فكرة الخروج من الاتفاقات والمعاهدات
عبدالرحمن مراد
الثابت تاريخيا أن المملكة العربية السعودية لم تكن شيئا مذكورا قبل العقد الثالث من القرن العشرين, فجل الدول السعودية التي قامت على السلفية الوهابية- كفكرة وكمشروع- وعلى مر التاريخ لم تتجاوز حائل وحدود نجد التاريخية, إلا في حالات نادرة مع وجود موجة المستعمر في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين , وتلك الحالات كانت تدار من قبل المستعمر البريطاني لفرض ثنائيات الخضوع والهيمنة على مشائخ عرب الصحراء والكويت وأطراف العراق , فقد كانت الوهابية لعبة بيد بريطانيا وجهازها الاستخباري كما تقول مذكرات الضابط الذين عملوا في تلك الفترة , وقد تواترت إصداراتهم ,وأصبحت تسد فراغا في ذاكرة التاريخ وتكشف أسرار ذلك الزمن , ليكون كما يجب أن يكون من حيث الحقيقة التي كان عليها .
خاض آل سعود حروبا مع الحجاز, والكويت, واليمن, والعراق في بداية القرن العشرين , وكانت تلك الحروب وفق رغبة الصديق البريطاني الذي رغب في بسط نفوذه على مصادر الطاقة , فتوسعت جغرافيا آل سعود وفق تلك الرغبة لتبدو كما هي عليه اليوم , وتعلن المملكة العربية السعودية عن نفسها مطلع العقد الثالث من القرن العشرين , ويستمر طموح التوسع وفق حركة التوازن التي يرغب فيها صديق آل سعود- المستعمر البريطاني – فعندما وصلت جيوش الامام يحيى أطراف عدن خافت بريطانيا على مصالحها التي ترتبط بخط التجارة في بحر العرب والمحيط الهندي، فلم يسعها إلا تكليف عبد العزيز لتخفيف الضغط عليها بعد فشل الادريسي في القيام بالمهمة , وكان قد مدَّ نفوذ الأدراسة إلى الحديدة في العقد الثاني من القرن العشرين.. حركة التوازنات التي أدارها المستعمر البريطاني في تلك الفترة نتج عنها اتفاقية الطائف وملحقاتها والتي بموجبها بسط عبد العزيز سلطته على اقليم عسير كله.
وتوالت الاحداث والعقود والأزمنة، وبالتالي توالت الانظمة التي حكمت اليمن , وظل نظام آل سعود ثابتا، وخلال ما يقارب من مئة عام من الزمن لم تكف السعودية عن حركة التوسع التي بدأتها , فضمت جزءا كبيرا من الارض اليمنية إلى خارطتها سواء في شمال اليمن أو جنوبه أو باتجاه صحراء الربع الخالي , وها هي اليوم وهي تخوض عدوانها على اليمن الذي أعلنته في 26مارس 2015م تبسط نفوذها على المهرة وبعض المحافظات في شمال اليمن أو في جنوبه وشرقه وغربه تحت غطاء مساندة الشرعية التي لا تستند إلى أسس الشرعية المتعارف عليها وفق أرقى التشريعات التي وصل إليها البشر .
تلك المعطيات والأحداث والتداعيات نتج عنها سؤال حيوي يقول :
– هل اليمن مُلزمة اليوم بالاتفاقات والمعاهدات بينها وبين المملكة العربية السعودية بعد أن عمل نظام آل سعود على إفراغ تلك المعاهدات والاتفاقات من مضامينها بالنظر إلى الواقع والنصوص ؟
هذا السؤال الذي طرح نفسه اليوم, حاول المثقف عن طريق الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان إثارته على المستويات المتعددة ليكون حاضرا بقوة فاعليته في سياق المعركة وفي سياق حركة التوازنات التي بدأت تفرض نفسها في مسارات المعركة الوجودية التي تخوضها اليمن منذ ما يقارب الأعوام الخمسة .
ففي الندوة التي عقدتها الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان تحدثت ورقة الدكتور أمين الغيث – وهو استاد علوم سياسية ونظم سياسية بجامعة صنعاء – عن إمكانية إنهاء المعاهدات والاتفاقات بعد أن أخلّ الطرف السعودي بمضامين تلك الاتفاقات والمعاهدات من طرفه , وبالتالي فاليمن لم تعد ملزمة بها , ومثل ذلك ليس حالة نادرة في تاريخ المعاهدات والاتفاقات الدولية , وضرب أمثلة متعددة في هذا السياق , وقال أستاذ النظم السياسية الدكتور أمين: من حق المجلس السياسي أن يعلن إنهاء هذه الاتفاقات والمعاهدات التي أبرمت من أجل السلام والاستقرار وحملت مضامينها التزامات جوهرية أخلَّ النظام السعودي بها , وتنصل عنها , وبإعلان السعودية العدوان على اليمن تكون قد أنهت المعاهدات والاتفاقات التي كانت من أجل السلام والعيش المشترك وتبادل المصالح” .
وفي مداخلة للنائب العام السابق لليمن الأستاد عبد العزيز البغدادي قال :
إن اتفاق جدة الموقَّع بين اليمن والسعودية في مطلع الالفية الجديدة غير قانوني وغير دستوري، فهو يتعارض مع نصوص الدستور ومواده التي تنص على عدم جواز التفريط بشبر من أراضي الجمهورية اليمنية , فالسلطات التي وقَّعت على الاتفاق غير ملزمة بتنفيذه لأنها غير مخولة دستوريا وكان يلزم السلطة – كي يكون الاتفاق دستوريا – استفتاء شعبي كون الاتفاق عمل على التفريط بأراض يمنية واعترف للآخر بها، وذلك مجرّم وفق دستور الجمهورية اليمنية , وقال :
أمامنا فرصة تاريخية اليوم لإنهائه، بعد أن أخلت السعودية بالتزاماتها بنصوص الاتفاقات والمعاهدات وأعلنت الحرب على اليمن .
الكثير من المتحدثين في الندوة رأوا أن حركة التوازنات تفرض واقعا جديدا اليوم ولابد في سياق معركتنا الوجودية مع نظام آل سعود وتحالفاته من الاستفادة من كل الاوراق واستخدامها لتكون ضمن أدوات المعركة لاستعادة اليمن حريتها وكرامتها وحقوقها المسلوبة منذ قرن أو يزيد من الزمان .
إثارة هذا السؤال الحيوي في هذا التوقيت الذي فرض فيه الجانب العسكري للجيش واللجان الشعبية واقعا جديدا كان في غاية الاهمية، فاليمن اليوم تملك القدرة على قلب موازين المعادلة العسكرية على الأرض, وهي قادرة – وفق حركة الواقع وتفاعلاته – على السيطرة على مقاليد المبادرة في ظل ما تشهده من حصار وحرب كونية مستمرة .
نحن اليوم في اليمن في محك تاريخي وجوهري به ومن خلاله – إن أحسنا التفاعل والتعامل مع مجرياته – نستعيد قيمتنا التاريخية ومكانتنا السياسية والحضارية ومركزيتنا الثقافية, ولابد من التعاطي مع الافكار لنرسم أفقا متسعا ليمن لا يشبه الذي كان، بل يصنع غده ومستقبله ومجده بدمائه وتضحيات أبنائه , وبحكمة قادته وصلابة موقفهم أمام مجمل التحديات التي تفرض نفسها اليوم بقوة جبروتها علينا.