لم تواجه أي دولة في العالم، المخاطر والتهديدات التي واجهتها إيران خلال الأعوام الأخيرة ، ولكنها رغم ذلك تعاملت مع هذه المخاطر والتهديدات بعقلانية وحصافة ووظفتها خدمة لمصالحها بدءاً من الحظر الجائر المفروض عليها، والذي جعل عودها يشتد وتحقق الاكتفاء الذاتي في العديد من المجالات -وان كنّا لا ننكر تأثيرها على أبناء الشعب الإيراني الذي يفضل – الموت ولا العيش بذل وهوان- ومرورا بالتهديدات الإرهابية التي سادت بلدان الجوار لفترة وتم سحقها كليا في مناطق وشبه كلي في مناطق أخرى بمساعدة من إيران ، لتزيد من اقتدار إيران الإسلام وشعبيتها في تلك المناطق التي تم تحريرها من الإرهاب، وفي نفس الوقت تصبح شوكة في أعين من حاولوا النيل منها عبر التخطيط لخوض حرب معها بالنيابة أو توريطها وفق مخطط آخر .
أما على مستوى الملفات الخاصة بإيران دون غيرها ، فالملف النووي كان ولازال يتصدر النشرات الخبرية العالمية انطلاقا من بدايته وخوض المفاوضات مع مجموعة 5+1 ومرورا بالاتفاق النووي الذي تم التوقيع عليه وانتهاء بانسحاب الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة سمسار البيت الابيض منه وما نتج عنه من تداعيات .
إيران وكما هو ديدنها ، تعاملت مع مسألة الانسحاب الأمريكي واستئناف الحظر، الذي في الواقع لم يتم إلغاؤه أبدا سوى على مستوى التعميمات، بدبلوماسية الصبر المتوقعة منها ، فهي أكدت التزامها بالاتفاق، داعية الاطراف الأخرى إلى الالتزام به، حتى تسلب الذريعة ممن يتحينون الفرص بها لتعزز مكانتها على الصعيد الدولي وتثبت أحقيتها لدى الرأي العام ، وفي نفس الوقت بدأت اجراءاتها لمواجهة الحظر الامريكي الجائر الذي وصفه البعض بـ”المشل” وكان يعقد عليه آمالاً كبيرة .
إيران وفي إطار الاتفاق النووي ومن منطلق ابداء حسن نواياها، كانت قد تعهدت طوعيا بتعليق بعض نشاطاتها السلمية التي ينظر اليها نظرة ازدواجية، ففي حين أنها مسموحة لبعض أكثر الأنظمة تخلفا واستبدادية في العالم، هي محرمة على إيران رغم وثوقهم بأنها لا تستخدمها سوى لأغراض إنسانية. ورغم ذلك طبقت طهران التزامتها بشهادة تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، في حين أن الطرف الآخر لم يلتزم بأي من تعهداته ولم يقدم سوى الوعود .
إلى هنا كل شيء كان يمضي في المسار الذي لا يشكل ضغطا سوى على الحكومة ، وهي كانت تتعامل معه بدراية وحكمة عبر الالتفاف على الحظر، ولكن حين وصل الأمر الى تهديد الشعب في حياته ومعيشته ، واكره ما يكرهه الإيرانيون هو التهديد، نشط محرك الدبلوماسية ثانية مشفوعا بتعليق بعض التعهدات الطوعية ، الأمر الذي أدى إلى هلع أطراف الاتفاق الأخرى وتخبطها ، لتعلن أولا عن خطوات وهمية هم على وشك أن تقوم بها ، وبعد أن أكدت طهران على لسان كبار مسؤوليها بأن هذه الخطوات لا تلبي طموحاتها، انتقلت إلى مرحلة الوعد والوعيد وهو ما قلنا سابقا بأن الإيرانيين لا يكرهون شيئا أكثر من أن يهددهم الآخرون . فايران وعلى مدى القرون الأخيرة لم تعتد على أي بلد آخر ولم تطمع في أراضي الآخرين، لكنها في نفس الوقت لن تتوانى عن الدفاع عن سيادتها ووحدة اراضيها ابدا ولو قيد أنملة، وغلوبال هاوك خير دليل على ذلك .
المتابع لمراكز صنع القرار في إيران يرى بأنها بعيدة كل البعد عن الارتباك والتخبط ، وما ذلك إلا لوثوقها بقدراتها التي تجعلها في موقع يكون لها اليد الطولى في الدفاع عن مصالحها على صعيدي الحرب الناعمة والصلبة .
آخر الخطوات التي اتخذتها الحكومة الايرانية للدفاع عن مصالحها واستيفاء حقوقها ، هي الخطوة التي أعلن عنها الرئيس الايراني حسن روحاني والقاضية بالتخلي عن الالتزام بمستوى التخصيب ورفعه للقدر الذي يلبي ضرورة وحاجة البلاد وإعادة نشاط مفاعل اراك، اعتبارا من السابع من يوليو، إن لم ينفذ الجانب الآخر تعهداته المنصوص عليها في الاتفاق النووي.
إذاً لو أخذنا بعين الاعتبار الدبلوماسية الحكيمة التي تتخذها مراكز صنع القرار في إيران على صعيد اتخاذ المواقف والتي جرى الاعلان عنها على لسان اعلى مسؤولي تنفيذي في البلاد ، سنعلم أن طهران جادة في مواقفها ولا يؤثر فيها لا الوعد ولا الوعيد، وعلى الجانب الآخر أن يفكر بخيار آخر، فإما يلبي طموحات إيران أو يتحمل تداعيات خطواتها المستقبلية .
وختاما.. نذكر بتصريح وزير الخارجية الايراني الذي قال : “الحرب الاقتصادية إن دلّت على شيء فإنّما تدلّ على السياسة المفروضة وسياسة البلطجة، وهذه السياسة لن تجد طريقها إلى النجاح مع إيران على الإطلاق. قلتها شخصياً في إحدى المرات، تفكروا على الإطلاق بتهديد أيّ ايراني، ولا أزال أقول هذا الكلام.