في شهر رمضان اقترح الإمام الخميني -رحمة الله عليه- أن تكون آخر جمعة منه يوماً عالمياً للقدس كخيار استراتيجي لمواجهة إسرائيل، لم يكن مفهوماً لدى أغلب الشعوب كيوم يتحد فيه المسلمون للدفاع عن القضية الفلسطينية في ظل الصراعات السياسية والعسكرية المبنية على طمس الحقائق، أما اليوم فقد أصبحت الأمة الإسلامية مُدركةً أهمية هذا اليوم كمحطة للانطلاق نحو تحديد خيارات المستقبل وعلى قاعدة الوحدة الإسلامية.
لو تساءلنا عن كيفية إحياء “يوم القدس العالمي” كأحد أكبر الخيارات الاستراتيجية التي حفظت مقدسات الأمة لا سيما القضية الفلسطينية؟
وكيف أسس الإمام الخميني -رحمة الله عليه- يوم القدس العالمي بالإطار الذي يضمن حقوق الأمة الإسلامية؟
سيجيب عن هذه التساؤلات مجموعة من الأخوات الإعلاميات في اتحاد كاتبات اليمن .
لا تساهل في المقدسات
الأستاذة أمل المطهر- كاتبة وإعلامية قديرة – أجابت قائلة: حينما دعا الإمام الخميني -سلام الله عليه- ليكون يوم القدس العالمي في آخر جمعة من شهر رمضان كان يعي ويعلم جيدا أهمية إحياء هذا اليوم في كل عام، فقد كانت نظرة الإمام الخميني نظرة بعيدة المدى لمواجهة العدو الاسرائيلي الذي يعتبر العدو الأكبر للامة الإسلامية، فحينما تحيي الشعوب هذا اليوم فهي تعيد الحياة إلى نفوس قد ماتت لديها القضية واندثرت لديها القيم وضاعت منها الهوية، لذلك شكل هذا اليوم رعباً كبيراً للعدوين الأمريكي والإسرائيلي على حد سواء، فهم حينما يرون تلك الحشود التي تخرج لإحياء هذا اليوم يعيدون حساباتهم من جديد و يحسبون ألف حساب لكل خطوة يخطونها ضد تلك الشعوب، فيوم القدس حاجز صد وردع نفسي يضرب نفسية العدو ويوصل له رسائل كثيرة من أهمها : وعي ويقظة تلك الشعوب العربية بمخططاته وتحركاته، والأهمية الكبيرة للمقدسات عند تلك الشعوب ، وأنه لا يمكن التساهل بخصوص المساس بها بأي شكل من الأشكال.
ثم واصلت حديثها قائلة: كان يوم القدس الضربة التي أفشلت تحركات العدو على المستويات الثقافية والإعلامية والسياسية.. ومن المؤكد أن يوم القدس العالمي هو يوم نهضة الشعوب، يوم إحياء القضية الفلسطينية في النفوس وغرسها في العقول، يوم تجديد العهود للمقدسات، فهذا اليوم بمثابة الترياق الذي يعيد الصحة لجسد المريض المنهك فيعيده للحياة شيئا فشيئا، فحينما تخرج الشعوب لإحياء يوم القدس فهي تصنع أيقونة مقاومة ومواجهة لكل مخططات العدو الصهيوني والأمريكي وتؤسس لأجيال جديدة مقاومة على نفس الطريق الحر المقاوم، فهذا اليوم حفظ للأمة هويتها وانتماءها وأشعل جذوة الثورة في النفوس والمقاومة ضد هذا العدو، لذلك كان يوم القدس يوماً لتحرر الأفكار وتطهير النفوس من تلوث التخاذل، وبمثابة وثيقة شرف وعزة على جبين التاريخ توقع عليها كل الشعوب الحرة .
صفعة قوية لإسرائيل
الأستاذة القديرة أشجان الجرموزي تحدثت عن هذا الجانب قائلة: يوم القدس العالمي هو يوم عظيم، أفاقت فيه الشعوب من سباتها الذي غرقت فيه على مدى عقود كثيرة، فقد أتى لتذكير الجميع بقضاياهم التي أصبحت من المنسيات وعلى رأسها القضية الفلسطينية لأن الشعوب – وخاصة في ما يخص قضية القدس المحتلة – اتبعوا حكوماتهم ، وحكوماتهم لم تكن بأحسن حال من شعوبها فلم تقف بجدية ضد إسرائيل حتى أصبحت هي وشعوبها مستكينة ولا حراك لها ، إلى أن جاء تحديد يوم القدس العالمي من الإمام الخميني- سلام الله عليه- فكان هذا اليوم كاقتراح سيحييه المسلمون جميعاً ، لأنه سيكون مصدر رعب لإسرائيل، فإحياؤه يعيد إيقاظ الشعوب النائمة .
ثم واصلت حديثها بقولها: كما أن إسرائيل مدركةً تماماً أنها وبجعل هذا اليوم صفة رسمية لدى جميع الشعوب ستنتهي سلطتها وتنهار، وسيخلق هذا اليوم مستوى راقياً من الوعي والإدراك بأحقية القضية الفلسطينية ، ومن خلال هذا الوعي سينهض كل شعب بأمته وبوطنه لمقارعة إسرائيل وكل من يشد على يدها أو يعينها.. إحياء هذا اليوم العظيم وخصوصاً في شهر مبارك كرمضان هو بمثابة صفعة قوية تتلقاها إسرائيل ، لأنها وبمساعدة الغرب وبعض الأعراب قد جعلوا الشعوب في حالة من التيه واللامبالاة وغفلة مطبقة على القلوب والعقول وتصور ساذج وغير منطقي لحل القضية الفلسطينية وأنه لن تنتهي الحرب أو تتحرر فلسطين من الاحتلال الصهيوني إلا حين قيام الساعة ، وهذا هو الفكر الخاطئ الذي طغى على أغلب الشعوب وصرفها عن الدفاع عن مقدسات الأمة الإسلامية وخاصة القدس، وأيضاً كي ينسى الجميع منطق الجهاد ضد إسرائيل ، وكما ذكرت فإن إسرائيل موقنة بأن نهايتها هي في اتحاد الشعوب العربية والإسلامية وتوحيد كلمتهم وصفوفهم، فلابد من استئصال الغدة السرطانية التي أصبحت تنشر سمومها في الأوساط العربية والإسلامية من خلال أدواتها التي تقوم بتحريكها ، فبذلك الوعي بأهمية إحياء هذا اليوم العظيم تضمن حقوق الأمة الإسلامية في زعزعة كيان الاحتلال الإسرائيلي واستئصاله من جذوره .
ضرورة ملحة
كذلك أجابت عن التساؤلات الأستاذة القديرة إكرام المحاقري قائلة: طبعاً يوم القدس العالمي يعتبر، ضرورة ملحة لتذكير الناس بمقدساتهم، وبأن استعادة المقدسات المغتصبة حاجة اساسية لحماية بقية المقدسات، ولامتلاك الأمة الإسلامية حرية التجرد من الوصايات الخارجية عن الدين، كذلك يوم القدس العالمي له أهمية كبرى وذلك لصلته بالقضية الرئيسية الكبرى والمحورية للأمة الإسلامية التي هي القضية ” الفلسطينية ” والمقدسات في فلسطين وعلى رأسها “الاقصى الشريف ” والشعب الفلسطيني المسلم المظلوم ، والخطر الإسرائيلي الذي هو خطر شامل على الامة الإسلامية كلها .
ثم واصلت حديثها قائلة: نعم يوم القدس العالمي أحد أكبر الخيارات الاستراتيجية للشعوب العربية والإسلامية الحرة التي تضمن للأمة الإسلامية كرامتها وحقوقها وسلامة مقدساتها ، وتحفظ للأمة الإسلامية دينها الذي أصبح غريبا في الآونه الأخيرة، حيث تمكن منها اليهود ثقافيا ، وذلك باستهداف المناهج التعليمية والثقافية وتغييب القضية الفلسطينية بشكل كلي.
ثم تحدثت عن كيف أسس هذا اليوم بالإطار الذي يضمن حقوق الأمة الإسلامية فقالت: أسس يوم القدس العالمي في الوقت الذي تم نسيانه من قبل العرب، وتم تجاهل القضية الفلسطينية بأكملها، في نفس الوقت الذي احتدم فيه الصراع العربي تنفيذا لمشروع أمريكا واسرائيل، وتظهر أهمية تأسيسه في التحرر من المستنقع الذي تم حفره للأمة ،والتجرد من الوصاية الخارجة عن الإطار الاسلامي ككل، بما يجعل الأمة الاسلامية تقوم بإدارة أمورها ذاتياً من خلال المصادر التي ارسلها الله إلينا والمتمثلة في الأعلام والقرآن.
تجاوز القوميات والمذهبيات
الأستاذة القديرة وفاء الكبسي حول هذا الموضوع قالت: يوم القدس جاء ليبشر بحركة مختلفة عن المعتاد تهدف لتصحيح مسار القضية الفلسطينية كقضية أولية مركزية ليس على الصعيد الإقليمي فحسب، بل حتى على الصعيد الدولي، كما انه جعل هذا اليوم خياراً استراتيجياً فيما يخص قضايا شعوب المنطقة، وجعل منها مناسبة عالمية، خصوصاً أن مظهرها وإطارها يتناسب مع رؤية مفهوم الحرية ليس بمعناها الإسلامي فحسب، بل ضمن كافة المعاني المُتفق عليها.. لقد مهَّد الإطار الذي وضع فيه الإمام الخميني القضية الفلسطينية للأرضية التي تجعل من هذه المناسبة فرصة لتعزيز الوحدة داخل الأمة الإسلامية والمجتمع الإسلامي، وبالتالي القضاء على أخطر نقاط القوة التي يسعى العدو لاستغلالها، كما يمكن ملاحظة المكانة المهمة التي احتلتها القضية الفلسطينية في فكر شعوب المنطقة منذ زمن الاحتلال الإسرائيلي والتي تزداد يوماً بعد يوم رغم كل المحاولات الحثيثة لإماتتها وطمسها من الوجود الأمر الذي يجعل الأمة الإسلامية هدفاً للمخططات الغربية التي لم تُفلح في تغيير الانتماء الشعبي العربي والإسلامي للقضية الفلسطينية رغم محاولات التطبيع المستمرة وآخرها مؤتمر وارسو المخزي، فهذه المبادرة العظيمة ساهمت في الإعلان عن يوم القدس العالمي وضرورة إحيائه، وجعلت الكيان الإسرائيلي عدواً مشتركاً لكافة شعوب المنطقة.
كما واصلت حديثها قائلة: كان لليوم العالمي للقدس أثر في قلوب المسلمين وشحنهم بالوحدة والتعاطف فيما يخص القضايا المقدسة للأمة ليكسر بالتالي عصبية القوميات والمذهبيات من خلال إحياء هذا اليوم، كما أعاد التأكيد على عدم مشروعية الكيان الإسرائيلي من جهة، ومشروعية القضية الفلسطينية في المقابل، وبالتالي يدخل الكيان الإسرائيلي المحتل مع كل يوم لإحياء هذه المناسبة أزمة القلق الوجودي من جديد، كما يتميز هذا اليوم لدى اليمنيين بحفاوةٍ كبيرة منهم به، حيث يخرجون في هذا اليوم رغم العدوان الغاشم عليهم والحصار الخانق وتعب الصيام في ظل تلك الظروف الصعبة وحرارة الشمس يخرجون لإحيائه وذلك لإدراكهم العميق لأهميته وإرسال رسائل للعدو الصهيوني بأننا رغم كل تلك الظروف ووحشية عدوانهم علينا لن ننسى قضيتنا الأولى والمركزية.. لقد خلدت مبادرة الإمام الخميني قضيةً كبرى لا يزال إحياؤها يُعيد الكيان الإسرائيلي إلى أزمة وجوده، لتُصبح أزمة الوجود الإسرائيلي أهم إنجازات الحرب النفسية التي يُطلقها إحياء يوم القدس العالمي.
Prev Post
قد يعجبك ايضا