في ليلة هي من أعظم الليالي، وفي لحظات الخشوع والانقطاع الى الله، تخضب الوجه المضيء بالإيمان والشجاعة والاخلاص، على يدي اشقى الاشقياء، حيث أعلن امير المؤمنين ) عليه السلام ( قولته التي ملأت سمع الزمن، وما زالت تدوّي بين السماء والارض): فزت ورب الكعبة).
إذ رحل الامام علي ) عليه السلام ( عن هذه الدنيا بعد أن جعلها حطاما تحت قدميه، فقد تحرر منها منذ ان فتح عينيه على كوة النور ومنابع التوحيد، واسرار السماء على يدي ابن عمه ومربيه الرسول الاعظم محمد )صلى الله عليه وسلم(، فهو ربيبه وساعده، وحامل لوائه، وكاشف الكربات عن وجهه، بكل ما أوتي من عظمة وبطولة وشجاعة نادرة، وجهاد دائب في سبيل الله فقد تصارعت وتزاحمت حقيقتان كبيرتان في شخصية امير المؤمنين، الحقيقة الاولى المحنة، بكل ما تعني المحنة من عذاب ومعاناة، فقد تحمل علي سلام الله عليه؛ فصول محنة رهيبة منذ شرخ شبابه، وحتى شهادته، مرورا بحروبه وجهاده، فمنذ اعتناقه العقيدة التي كانت له ينبوعا للفكر والجهاد، لم يتردد ولم يتراجع عن قولة الحق، او الموقف الحق، ومنذ ان حمل السيف بيده، فقد واصل جهاده ضد المشركين والناكثين والبغاة والقاسطين حتى قال قولته: (ما لقي أحد في هذه الامة كما لقيت) حيث تلقى الظلامات والعذابات من بني قومه حتى قال: اللهم إني استعديك قريش، فإنها قد قطعت رحمي.
والحقيقة الثانية هي البطولة المتفجرة في شخصيته، والبطولة ليست وقفا على القوة الجسدية انما هي مفهوم واسع، تشمل الجسد والروح والفكر والقيم، وقد وصل الى ذروة القمة في هذه المبادئ، وهو الذي يقول: (ولدت على الفطرة، وسبقت إلى الإيمان والهجرة).
وفي هذه الليلة تعانقت وتصارعت حقيقة المحنة مع حقيقة الطولة في شخصيته) عليه السلام) حتى انتصرت بطولته على محنته.
عظم الله أجورنا وأجوركم