صفقة التطويع- عرب إسرائيل “2-2”
محمد ناجي أحمد
أمضى مؤسس الحزب الديمقراطي العربي عشرات السنين عضوا في حزب العمل، ثم عاد ليبحث عن خصوصية عربية إسرائيلية ،وليؤكد انتماءه إلى الشعب الفلسطيني –ما يجعل الوشائج بين حزب العمل والحزب الديمقراطي العربي مفهومة ،في خداع للواقع المعقد والمركب بحسب تعبير عزمي بشارة في كتابه آنف الذكر .لقد تحول السير الحذر على الحبل الدقيق بين الانتماء إلى الأمة وطلب الأمان في إسرائيل ،إلى فن الرقص على الحبل «ص47.
مع توجه منظمة التحرير الفلسطينية منذ نهاية سبعينات القرن العشرين ،وتبنيها لبرنامج (الدولة الفلسطينية )في الضفة والقطاع «تحول العرب في إسرائيل عمليا إلى قوة ديمقراطية مساعدة داخل المجتمع الإسرائيلي « ص50.
فمن كانوا يوصفون بالمتعاونين والعملاء من عرب 48م صاروا اليوم نجوم القنوات الفضائية العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص ،بل «أبطال النضال»من داخل مؤسسات الكيان الصهيوني !وفي استغفال للعقل الجماهيري يتم تقديمهم على أنهم الصوت المناهض للصهيونية ،فكيف يكون ذلك وهم بصراخهم ومعاركهم الانتخابية يعززون من قوة المؤسسات الصهيونية في إسرائيل! أو أليست إسرائيل (عام إسرائيل ) تعني (شعب إسرائيل ) أي (الأمة اليهودية )فقط ،وبالتالي فالفلسطيني لا يشكل مع اليهود أمة إسرائيل بل يظل ضمن التعريف الصهيوني (غير اليهود ) وهذه هي المهانة التي تقودنا إليها مشيخات التطبيع والكيانات العربية التي تدور في فلك الصهيونية .
إن توصيف من يشاركون في الانتخابات الإسرائيلية بعرب إسرائيل توصيف دقيق ،سواء من يشاركون في الانخراط الطوعي في الجيش الإسرائيلي ،أو الانخراط في الكنيست الإسرائيلي .فهؤلاء لا يريدون أكثر من أن يتسع لهم الكيان الصهيوني كمهمشين يعيشون في تخوم المواطنة الإسرائيلية،فيقاطعون جلسات البرلمان ويقاطعون رؤساء الحكومات والوزراء «فهل هذا دليل على وطنية فلسطينية ،أم دليل توطيد الجانب الإسرائيلي الواثق في النفوس المبتورة ؟أم هو تقليد عربي للإسرائيلي الواثق من نفسه في دولته ؟ العربي الإسرائيلي يمثل دور الإسرائيلي ؟ومن ناحية أخرى تراهم يهنئون الوزراء والرؤساء في يوم (استقلال إسرائيل)في حفلات أعدت خصيصا للتهاني «بالعيد …تسمح إسرائيل للعربي الإسرائيلي لا بتهنئتها من خارج الاحتفال فحسب ،وإنما بالمشاركة في الحدث المركزي ليوم الاستقلال .لقد أفردمكان لعربي واحد في كل مرة لإشعال واحدة من الاثنتي عشرة شعلة التي تمثل قطاعات الحياة المختلفة في إسرائيل « ص63. هذا هو المشهد المصغر داخل إسرائيل الذي يتم تطويع جماهير الدول العربية للانخراط فيه بإكراهات فضائيات عربية وعالمية ،ومواقع التواصل الاجتماعي ،ومواقع مختلفة في شبكة الانترنت !
هذا هو المنحدر الذي يتحدث عن الفرص المهدرة ،وما من فرص سوى محطات عديدة في طريق الصهينة والاستسلام . من جلد الذات العربية لأنها رفضت تقسيم فلسطين ،إلى فرض واقع هزيمة 5حزيران 1967م ،إلى أوسلو وحكم ذاتي قطاع غزة والضفة الغربية ،،وأصبحت غاية الفلسطيني داخل الخط الأخضر هي أن تقبل به إسرائيل على هامش مواطنتها اليهودية !
شرط أن يقبل الفلسطيني في إسرائيل بكونه وفق التعريف الصهيوني (غير يهود) ،ليسوا قومية ولا أقلية ولا مواطنين ،بل (غير يهود) .
يرى عزمي بشارة في كتابه آنف الذكر أن ما يحدث في فلسطين داخل الخط الأخضر هو قبول بالدولة اليهودية على أساس أن ذلك تعامل مع الواقع ،ويتساءل ما هي الثقافة إن لم تكن كيفية التعامل مع الواقع ؟ «هذا النوع من التعامل مع الواقع هو الثقافة العربية الإسرائيلية –أو ما أسميه بعميلة الأسرلة –وهي باختصار عملية التشكيل الثقافي والنفسي للقبول بوضع نصف مواطن من ناحية ونصف جماعة من الناحية الأخرى…الواقع مثل التعامل معه ليس معطى.وإنما ناشئ ومتكون ،والقبول به جزء من تكونه «ص70.
رفع العلم الإسرائيلي بمناسبة ما يسمى ب(عيد الاستقلال ) في إسرائيل من قبل الفلسطينيين في الداخل ،وبصورة ملفتة في تسعينيات القرن العشرين وما بعدها ،يعكس التشوهات التي وصلنا لها باسم الواقعية «ظاهرة رفع العلم الإسرائيلي على السيارات العربية احتفالا(!!)بيوم الاستقلال ظاهرة مشوهة ومتناقضة ،ولكن هذا التحديد وحده لا يجدي لأنه يتجاهل دلالاتها ومدلولاتها .إنها محاولة تظاهرية لإبراز الهوية الإسرائيلية .ورغم إدراك المواطن العربي أنه لا يمكن أن يكون إسرائيليا كاملا ،فإنه مستعد لأن يحتفل بكونه نصف إسرائيلي ،أي عربي إسرائيلي « ص77.
المشاركة في المعركة الانتخابية في إسرائيل بوهم أن ذلك يجعل العرب أكثر تأثيرا بحسب عزمي بشارة عضو الكنيست الإسرائيلي سابقا ،والمقيم في قطر حاليا «يحولهم إلى عرب إسرائيل» لا أكثر .وبشروط عديدة منها عدم دعم الكفاح المسلح لدولة أو شعب ضد إسرائيل ،ومنع أي حزب من المشاركة في الانتخابات لا يعترف بإسرائيل دولة يهودية ديمقراطية .أي الاعتراف بأنه ليس جزءا أصيلا من كيان (دولة اليهود).
هي انتخابات تجرى وفق قرار أن «جوهر الدولة هو أنها يهودية ،نظام الحكم فيها نظام ديمقراطي «أي أنها انتخابات يهودية في الجوهر ديمقراطية في الشكل .وعلى هذا فكل المشاركين في الانتخابات الإسرائيلية هم في الجوهر يخدمون (دولة اليهود ) وليس لهم حق المواطنة الإسرائيلية الكاملة ،كونهم غير يهود !
علام الضجة المفتعلة ضد إعلان قرار يهودية الدولة الإسرائيلية،وذلك نص قديم تتضمنه ما سموه(وثيقة الاستقلال) وثابت في قوانين تنفيذية في إسرائيل ،وهل اعتراف أمريكا ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل أو اعتراف بوش الابن بيهودية إسرائيل ،أو اعتراف ترامب بضم الجولان المحتل للكيان الصهيوني –هل هذه الإعلانات تشكل فارقا وجوديا لحقيقة استعمارية مفروضة منذ عقود ؟الأمر ليس أكثر من ترويض وتطويع للعرب كي يعترفوا بالواقع الاستعماري ليس غير !