الثورة / صنعاء
بعد مرور عامٍ من إطلاق الرئيس الشهيد صالح الصماد لمشروع بناء الدولة “يدٌ تحمي ويدٌ تبني “يقر المجلس السياسي الأعلى الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة، ويصدر بها قرار رئيس المجلس السياسي الأعلى رقم “82” لسنة 2019م والتي هي رؤية يمنية أصيلة تنبع من الواقع وحاجات المجتمع وتعبر عن تطلعاته وتعالج قضاياه، كما إنها ثمرة لنهج تشاركي، ولمشاورات مكثفة على المستوى الرسمي والمجتمعي، انضوت فيها كل الفئات من خلال حراك وطني وتفاعل ونقاشات تخصصية مسئولة وبناءة، وقراءات نقدية فاحصة وإثراء واسع لمسودة هذه الرؤية.
الرؤية الوطنية عمل استراتيجيي بعيد كل البعد عن التكتيك السياسي، وإنما هي متطلب وطني وهي ملك لكل أجيال اليمن القادمة، لتدشين مرحلة جديدة من البناء والتأسيس لمستقبل اليمن الذي تقع مسئوليته على عاتق الجميع، الذين ينبغي أن يعتبروا الرؤية ملكهم ويسخروا كل خبراتهم من أجلها، وهي موجهات استراتيجية ناظمة لمختلف مؤسسات الدولة، ومنهج للتخطيط والتنفيذ توضح ذلك الآلية التنفيذية لإدارة و تنفيذ الرؤية عبر أطُر وقنوات حكومية واضحة، ووفق أسس علمية حديثة تضمن التكامل والجودة وتخضع للرقابة والتقييم الدوري البناء.
إن محور هذه الرؤية وغايتها هو المواطن اليمني فهو أسمى وأعظم ثروة، هذه الرؤية هدفها ازدهار اليمن ووصل حاضره بمستقبله، نعم من المتوقع أن تتأثر بعدد من القضايا والمتغيرات لكنها ينبغي أن تتحقق بروح من التماسك والتعاضد الاجتماعي مدعومة بدولة قادرة تعتمد على عمق التاريخ والهوية اليمنية ومكامن قوة اليمن وموقعها الجغرافي والسياسي الاستراتيجي.
وبقدر ما نؤكد على أهمية وأولوية تحقيق السلام والاستقرار إلا أن هناك حاجة ملحة بنفس القدر للتعامل مع المتغيرات، وهو الأمر الذي ستتصدى له الرؤية من خلال ركائزها الأساسية التي تعتمد على الدولة اليمنية الموحدة القوية والديمقراطية العادلة والمستقلة، وعلى تنمية بشرية متوازنة ومستدامة تهتم بالمعرفة والابتكار ومناهج التعليم المتنوعة، وتوفر البيئة المواتية للنمو الاقتصادي؛ لضمان وصول الجميع إلى الحاجيات الإنسانية الأساسية في المرحلة الأولى ثم الاستقرار والبناء وصوًال للنهوض والتميز في المراحل اللاحقة.
تحدد الرؤية المسارات طويلة الأجل وفق 25 مستهدفاً رئيسياً حتى العام2030 م، وسيتم تفعيل الرؤية عبر تنفيذ استراتيجيات تنموية وطنية في ثلاث مراحل 2 – 5 – 5 من خلالها سيتوفر التوجيه للخطط قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، وفي غضون المرحلة الأولى 2019- 2020م يتطلب الأمر تطوير الرؤية وتحديثها لتنفيذ ما تطمح له اليمن بحلول عام 2030 م.
على الجميع العمل المستمر في التطوير والشفافية ومكافحة الفساد والمساءلة وبناء الإنسان وتخفيض معدلات البطالة والأمية والفقر والتضخم ورفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي وتحقيق ارتفاع معدل النمو الاقتصادي السنوي وتحقيق مؤشرات جيدة في كفاءة المؤسسات ورضى المواطنين عن الخدمات الحكومية وتوسيع معدل انتشار التأمين الصحي بين السكان، فالرؤية تؤمن بأن تقدم اليمن ليس حلمًا ولا يجوز أن يبقى مجرد حلم فأبناء اليمن يستطيعون اجتراح التغيير المنشود.
انطلاقًا مما تقدم فالرؤية عبارة عن خارطة طريق لبناء الدولة اليمنية الحديثة منها ما يتعلق بالمرحلة الحالية التي تتطلب تفعيل وإصلاح وتطوير مؤسسات الدولة ومنها ما يتعلق بالمرحلة اللاحقة للمصالحة والاتفاق السياسي، فهي من خلال محاورها الـ 12 المتنوعة تشمل الجهود السياسية والجهود التنموية لتمثل القاسم المشترك القابل للتطوير بما يخدم المصلحة الوطنية العليا، وبغض النظر عن المواقع أو المسميات أو نوع السلطة السياسية والنظام الذي يحكم اليمن، فالرؤية وضعت لأفق 2030 م، والشعب اليمني يستحق السلام والوئام والاستقرار والعمل من أجل فتح أبواب الغد المشرق، ولذا فالرؤية مشروع للبناء والتنمية والإنقاذ الوطني ويتحقق النجاح بتبني المؤسسات والقوى في الرؤية الوطنية وترجمة مضامينها إلى واقع عملي.
قبل الختام نوضح فيما يلي عددًا من المفاهيم والمصطلحات التي تتضمنها الرؤية كمفهوم” الحديثة “الذي استخدم كصفة للدولة المنشودة، الدولة التي تقوم على احترام الدستور والقانون والفصل بين السلطات الثلاث وتسعى لتحديث دورها ووظائفها وإدارة شئونها وخدماتها واستلهام التطور العلمي والتجارب الدولية الناجحة والتقنيات الحديثة في التخطيط وصنع القرار ، أما مفهوم” الحكم الرشيد” فالمقصود به ممارسة السلطة السياسية وإدارتها لشؤون المجتمع وتنمية موارده وفق معايير المساءلة، المساواة، والعدالة، الكفاءة والفعالية والنزاهة والشفافية وسيادة القانون وتوسيع المشاركة ومحاربة الفساد بما يضمن تحقيق التطور الاقتصادي والاجتماعي، ويشمل مؤسسات الدولة الدستورية بالإضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص.
توجد قضايا سياسية لم تحدد الرؤية شكلها النهائي لارتباطها بنتائج المصالحة والحل السياسي مثل طبيعة “الحكم المحلي”، فالغاية الأساسية في الوقت الحالي هي التوجه نحو بناء مقومات السلطة المحلية ومنحها الصلاحيات المالية والإدارية، التي تتيح المساهمة في التنمية المحلية وفق توزيع عادل ومتوازن للموارد في ظل دولة موحدة قوية، لضمان التحول إلى “الحكم المحلي”.
ختامًا نستطيع القول إن هذه الرؤية تتمتع بالشمولية والوضوح والاستدامة هدفها الأساس ومحور ارتكازها هو المواطن وخدمته كما إنها وعاء لتوحيد كل الجهود الرسمية والمجتمعية في ورشة عمل كبرى لتحقيق التغيير والاستقلالية من أي تبعية اقتصادية أو سياسية وتحقق الحياة الكريمة للمواطنين والاكتفاء الذاتي في مجال الغذاء بصورة متدرجة.
وكانت وضعت الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة التي صدر بها أمس قرار من رئيس المجلس السياسي الأعلى 12 محورا للتعاطي مع أهم 39 تحديا تواجه اليمن وذلك عبر تحقيق 175 هدفا استراتيجيا على مدى ثلاث مراحل زمنية حتى 2030م .
وشملت محاور الرؤية الوطنية المصالحة الوطنية الشاملة والحل السياسي ومنظومة إدارة الحكم والبناء الاجتماعي ومحور الاقتصاد والتنمية الإدارية والعدالة وسيادة القانون والابتكار والإبداع والمعرفة والبحث العلمي والتعليم و الصحة والبيئة و الدفاع والأمن و السياسة الخارجية والأمن القومي وفي كل محور وردت مؤشرات تنفيذ لكل هدف بلغ اجماليها 408 مؤشرات مع أهم المبادرات المترجمة لكل هدف والتي بلغ عددها 498 مبادرة.
وتنص الرؤية على دولة يمنية حديثة، ديمقراطية مستقرة وموحدة ذات مؤسسات قوية تقوم على تحقيق العدالة والتنمية والعيش الكريم للمواطنين وتحمي الوطن واستقلاله وتنشد السلام والتعاون المتكافئ مع دول العالم.
وستعمل الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة على تنفيذ اهدافها الاسترتيجية على أرض الواقع في نهاية الفترة 2030م من خلال تحقيق مستوى نوعي لليمن في مؤشر جودة التعليم الأساسي يصل باليمن إلى المرتبة90 بين دو ل العالم وتخفيض معدل الأمية بين السكان إلى أقل من 20 % و رفع نسبة مشاركة المرأة في قوة العمل الى 30 % من إجمالي قوة العمل وتخفيض معدل الفقر بين السكان إلى أقل من 20 %.
كذلك الوصول إلى مستوى رضى المواطن عن الخدمات الحكومية ضمن أفضل 80 دولة نهاية الفترة2030م والوصول بمعدل انتشار التأمين الصحي بين السكان إلى ما فوق 50 في المائة ووصول 5 جامعات بين أفضل جامعات الوطن العربي وبلوغ اليمن في مؤشر العدالة الدولي إلى المرتبة 60 من بين دول العالم ورفع متوسط عدد الوحدات السكنية المنشأة سنويا خلال الفترة إلى 17500 وتحسين مؤشر الأداء البيئي إلى المرتبة 80 بين دول العالم وتحسين مرتبة اليمن في مجال الابتكار إلى المرتبة 95 بين دول العالم .
كما تهدف الرؤية خلال فترات تنفيذها إلى تحسين مؤشر التنمية المستدامة لليمن من 45 إلى 60 وتحسين مؤشر الاستثمار من 130 إلى 190.والوصول بنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى ما فوق 2000 دولار سنويا وتخفيض معدل البطالة نهاية الفترة إلى أقل من 10 في % وإيصال اليمن في مؤشر التنافسية الدولي إلى مرتبة 100 بين دول العالم ورفع ترتيب اليمن في مؤشر التنمية البشرية إلى المرتبة 120 بين دول العالم.
أيضا تهدف الاسترتيجية الوطنية إلى بلوغ اليمن في مؤشر مدركات الفساد إلى المرتبة 100 بين دول العالم وتحقيق معدل نمو اقتصادي حقيقي سنوي لا يقل عن 5 بالمائة والوصول بترتيب اليمن من بين أفضل 100اقتصاديات عالميا بالاضافة الى تحقيق ترتيب لليمن ضمن 70 دولة في مؤشر كفاءة المؤسسات والوصول بترتيب اليمن في مؤشر الديمقراطية وحرية وحماية حقوق المواطن الى الترتيب 98 ورفع معدل إنتاج الطاقة الكهربائية من المصادر المتعددة بمعدل سنوي لايقل عن 600 ميجا مع تخفيض معدل التضخم إلى أقل من 5 %.
واعتمدت الرؤية الوطنية لبناء الدولة الحديثة على سبعة مبادئ هامة هي:
1. مبادئ الإسلام وتعاليم الشريعة الإسلامية منطلقات الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة.
2. الهوية الإيمانية بقيمها الأخلاقية والإنسانية للشعب اليمني الأساس الذي يقوم عليه بناء الدولة اليمنية الحديثة.
3. النظام الجمهوري والالتزام بالدستور والقوانين نهج الدولة اليمنية الحديثة.
4. تحقيق العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية، واحترام الحقوق والحريات من الثوابت الدينية والقيم الوطنية.
5. المحافظة على الأسرة اليمنية وتعزيز مكانتها في المجتمع.
6. التداول السلمي لسلطات الدولة بالانتخابات الحرة والنزيهة التجسيد العملي للنهج الديمقراطي.
7. الوحدة اليمنية أرضاً وإنساناً مبدأ أساسي للشعب اليمني.
وكذا اعتمدت مرجعيات شاملة كمنطلقات لصياغة الرؤية اهمها دستور الجمهورية اليمنية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني المتوافق عليها والقوانين والتشريعات الأساسية والخطط والاستراتيجيات القطاعية والبرامج الحكومية السابقة.
بالاضافة إلى الخطة العالمية للتنمية المستدامة ( 2016م _ 2030م ) والتجارب والممارسات الدولية الناجحة ومقترحات ورؤى المؤسسات الحكومية ورؤى وتصورات الأحزاب والمكونات السياسية.
هذا وقد احتوت الرؤية في القسم الاخير منها على الموجهات العامة لتنفيذها ، والتي انبثقت منها الآلية التنفيذية للرؤية.
وقد قام عضو المجلس السياسي الأعلى الأستاذ محمد النعيمي بتسليمها أمس إلى رئيس الحكومة دكتور عبدالعزيز بن حبتور.