*اغتالوا الشهيد الصماد وقد كان بخطابه العقلاني أحد ممكنات التقارب والتسوية الوطنية بين فرقاء الوطن
*إن أهداف 26سبتمبر هي برنامج عمل متجدد وشاهد نضال دؤوب وتضحيات جسيمة وآمال عريضة
محمد ناجي أحمد
حين التقى الأخ صالح الصماد رئيس المجلس السياسي الأعلى بجمع من المثقفين ،وكنت ممن التقاهم إلى جوار الشاعر محمد عبد السلام منصور، والدكتور حمود العودي ،والشاعر محمد المنصور ،وآخرون –كانت رسالته هي رغبة ملحة منه في أن يقوم المثقفون بدورهم في خلق تقارب بين القوى اليمنية ،وعلى رأسها التجمع اليمني للإصلاح ،بل إنه يرى أن المصالحة مع تجمع الإصلاح ستؤدي إلى ترميم الشروخات الوطنية ،وإلى تسوية وطنية يكون فيها الوطن والسيادة والوحدة هو الأساس والبقية تفاصيل .
في كلمته بمناسبة عيد الثورة اليمنية الـ55 من ثورة 26 سبتمر 1962م ،التي ألقاها في القصر الجمهوري بصنعاء ،وبُثَتْ في الفضائيات ونشرتها الصحف –بدأها “بتحية الثورة والجمهورية ،تحية الصبر والصمود والثبات والعنفوان اليماني بوجه العدوان السعودي الأمريكي الظالم…” مستلهما من ثورة 26سبتمر الكثير من الموجهات “كثيرة هي الدروس والعبر التي نستلهمها من ثورة 26 سبتمبر 1962م وفي مقدمة تلك الدروس :قدرة شعبنا اليمني ورجاله الأحرار على تحديد المعوقات والظروف السيئة ،السياسية والاجتماعية والاقتصادية لصنع التغيير والتحولات التاريخية ،والبحث عن شروط أفضل للحياة الحرة الكريمة ،التي كان ولا يزال يتطلع إليها كل أبناء شعبنا اليمني الحر الكريم “.
أكد الصماد في كلمته تلك على نجاح ثورة الـ26 من سبتمبر “في وضع شعبنا اليمني على مسار التغيير والتطور نحو آفاق جديدة ” متحدثا عن المؤامرات والتحديات التي واجهت الثورة اليمنية من أجل حرف مسارها ،وتفرغها من محتواها الوطني والاجتماعي والاقتصادي شمالا وجنوبا .
فأهداف الثورة اليمنية المتمثلة بالتحرر من الاستبداد والاستعمار، وتحقيق نظام جمهوري عادل ، وبناء جيش وطني قوي ، وتحقيق الوحدة اليمنية الخ ،كل تلك الأهداف كانت السعودية وما زالت تشن حربها كي لا تتحقق هذه الأهداف ،فلا ينشأ بجوارها نظام جمهوري ديمقراطي وحدوي ،وهو النظام الرجعي المتخلف المستبد بحسب تعبيره .
لهذا استهدفت السعودية الجيش من خلال تفكيكه بحجة إعادة الهيكلة ،واستهدفت الوحدة بتقسيمها إلى دويلات أقاليمية تكون فيها الدولة الاتحادية التي يزعمونها مجرد لافتة فخرية لتناحر الأقاليم ،وإنهاكها بالاحتراب المحلي ،والدعم الأمريكي السعودي !
لقد استهدفت السعودية المشروع التحرري في المنطقة العربية بشكل عام ،وفي اليمن على وجه الخصوص ،بعد أن كان هذا المد الثوري قد حرك الجماهير العربية في الظهران عام 65م ! بل وفي عمق الأسرة السعودية المالكة ،حين تشكل تنظيم الأمراء الأحرار ،وطالبوا بقيام مملكة دستورية ،متحررة من القواعد الأمريكية !
حاربت السعودية كل مشاريع التطور ،التي حملتها ثورة سبتمبر “كل هذا الاستهداف للثورة والنظام الجمهوري في اليمن لم يكن ترفا من النظام السعودي ،بل كان يرى في نجاح ثورة الـ26 من سبتمبر خطرا يهدد نظامه المتخلف ،وكلما نجحت الثورة في تقديم أنموذجا في البناء والتغيير والديمقراطية كلما وقع النظام السعودي الديكتاتوري المستبد المتخلف في مأزق أمام شعبه الذي ينشد التغيير و الانعتاق ” من استبداد أسرة سلبت الجزيرة العربية مقدراتها وثرواتها وأمنها القومي وأهدافها .
ورغم كل المحاولات في وأد الثورة السبتمبرية وأهدافها إلاَّ أن السعودية لم تستطع إطفاء الروح الثورية للشعب اليمني.بحسب تعبيره .
هذا الشعب اليمني “الذي عاد من جديد ليسقط ذلك الامتداد للهيمنة السعودية على القرار اليمني ” فكان خروجه في الواحد والعشرين من سبتمبر 2014م “ليمسح الغبار من على أهداف ثورة السادس والعشرين من سبتمبر التي تركتها عواصف الرمال الخليجية ،ليعود وهج شعاع تلك الأهداف ليعمي أبصار آل سعود ،فيغامرون من جديد لوأد المشروع التحرري مستقوين بقوى الاستعمار وفي مقدمتهم أمريكا ” ويستعينون بأشباههم من قفازات أمريكا في المنطقة العربية والإسلامية .
يرى الصماد في كلمته الثورية السبتمبرية أن التاريخ اليمني المعاصر شاهد على خلود ثورة 26 سبتمبر،و “على حيوية هذا الشعب وقدرته على الإبداع والتطور ،ومقاومة المشاريع المشبوهة للقوى الخارجية ،وفي ظل أصعب الظروف والتعقيدات الداخلية والخارجية ”
إن أهداف 26سبتمبر هي برنامج عمل متجدد وشاهد نضال دؤوب وتضحيات جسيمة وآمال عريضة .
فثورة 26سبتمبر1962م “العظيمة والخالدة “وفق وصفه ،ليست استبدال نظام سياسي بآخر ،أو علم بعلم ،أو استهداف لشريحة اجتماعية لتحل بدلا عنها شريحة أخرى ،بل الثورة “حركة تغيير وتطوير للواقع نحو الفضل ،وفي شتى مناحي الحياة ،وبما يحافظ على هوية الشعب وموروثها الحضاري ،الثورات العظيمة تعني أيضا حركة بناء ونضال مستمر ضد العصبيات والأنانيات والمصالح الشخصية والفئوية والحزبية والمناطقية ،والثورة دائما هي عمل ومسؤولية وفكر حر يرفض التبعية والوصاية الأجنبية ،وهي ثورة في الوعي الوطني باتجاه كل ما هو إنساني وقيمي “.
نعم الثورة كما يراها الشهيد الصماد في كلمته “دوما مبادرات إيجابية لصالح الوطن والمواطن ،وبرامج عمل وتفان وإيثار وتضحيات من أجل مصالح الشعب العليا “.
لقد وقف النظام السعودي ضد ثورة سبتمر كأهداف ستة ، محاربا ضد التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما ،وضد إقامة نظام جمهوري عادل ،وضد إزالة الفوارق بين الطبقات ،وضد بناء جيش وطني قوي ،وضد تحقيق الوحدة اليمنية ،وأراد الاستعمار البريطاني أن يفر ض السعودية وكيلا له على جنوب الوطن كشرط لجلائه ،لكن الأحرار اليمنيين رفضوا تلك الشروط ،فاستمرت السعودية والغرب يتحينون كل فرصة ، مستخدمين اليمنيين ضد بعضهم ، ومؤججين لكل النعرات المناطقية والطائفية والمذهبية ،كي تستمر هيمنتهم وتدخلاتهم في الشأن اليمني .
في كلمته تلك الخالدة بلغتها وقيمها الوطنية والثورية ،دعا الصماد كل الفرقاء اليمنيين للمصالحة الوطنية ،و قال بأن توقف سقوط الصواريخ على السعودية مرتبط بتوقف السعودية عن قتل اليمنيين بطائراتها ، وبسط يده من أجل ” السلام الشامل والعادل ،الذي يحفظ لليمن وشعبه كرامته واستقلاله وتضحياته “.
يد تبني وفكر يقاتل وصواريخ لا تنام
بثقافة قرآنية وخطاب وطني ،وسعي حثيث لتكريس العمل المؤسسي ،وتواصل مع كافة شرائح وفئات المجتمع اليمني – هي معالم حركة الرئيس صالح الصماد ،التي تنادي بالسلام من موقع الثوابت الوطنية،وتكافح الفساد من موقع نظافة اليد وعفة اللسان وسمو في الروح ،وصفاء للقلب .
بارتباك وتناقضات وتناحرات تبدو جبهة العدوان السعودي الأمريكي وأدواتهم ، ومن جهل وانعدام فهم بالمنطلقات العقدية لحركة أنصار الله تتوهم وتختلق جبهة العدوان وأدواتهم صراعات وأطماع على حركة أنصار الله ،كما يزعم الدكتور ياسين سعيد نعمان في مقالة له نشرها في مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان “مقتل الصماد في معادلة التسوية عند الحوثيين “بتاريخ 2018/4/26م .
وهو جهل مركب لا يعي أن أساس حركة أنصار الله عماده مبدأ “التسليم ” لقائد حركة أنصار الله السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي .
ومبدأ “التسليم ” إذا كانت تميز الحركات الإسلامية بشكل عام ،فإنها لدى حركة أنصار الله من مقتضيات الأصول العقدية لا الفروع السياسية .
العدوان وأدواته لا يستطيعون رؤية ذلك ،فهم ينطلقون من طبيعة المصالح التي تجمعهم وتفرقهم ،فيسقطون ذلك على حركة تنطلق من المعتقد الثوري الزيدي بشكل خاص ،وإرث الثورة الإسلامية التي انطلقت مع أواخر السبعينيات لتسقط شرطي الاستعمار في المنطقة ،حينها شاه إيران ،وتنطلق من الإرث الكفاحي للوطنية اليمنية .
ينطلق الصماد في مواجهته وحركته الدؤوبة ضد العدوان من قوله تعالى “أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير ” إيمان بمظلومية الشعب اليمني من عدو تاريخي ،بمستوييه الإقليمي والغربي . ومن يقينه بتلازم بالنصر والثبات .
يعي الصماد أن العقد الوطني بين حركة أنصار الله والشعب اليمني هو الذود عن الوطن حتى النصر والبناء.
ولأن النصر جهد جماعي والتزامي واجب على كل يمني منتم ومؤمن بقضيته التحررية – فقد كان خطابه في ميدان السبعين يوما ، بمناسبة مرور ثلاث سنوات من الصمود ضد العدوان الأمريكي /السعودي –موجها لكل شرائح اليمنيين ومكوناتهم الاجتماعية والسياسية : أبطال الجيش واللجان الثورية واسر الشهداء ،والإعلاميون والمثقفون الذين لم يحرفوا ولم يبدلوا ،والمدرسون في مدارسهم ،والطلاب والعامل والمزارع والمغتربون ،وكل يمني حر . لكل أولئك وجه الصماد تحيته وإيمانه باجتراحهم أسطورة الصمود والتحدي .
وعي الشهيد الصماد بالعدو التاريخي ينطلق من استذكار الماضي وفهم الحاضر واستشراف المستقبل . ومن هنا قوله إن “السعودية حاولت ومنذ عقود مضت إحكام سيطرتها على القرار اليمني وهيمنتها عليه ،وسعت لطمس هوية الشعب اليمني وتجريفها في مختلف المجالات ” أي أن الكيان السعودي ومنذ مائتي سنة لا عقود فحسب أراد أن يطمس هوية الشعوب العربية ،وأن يستلب كينونة اليمنيين وقرارهم السيادي .
ورغم “كل المحاولات لترسيخ ثقافة العجز والضعف واليأس ” من أجل جعل الاستيلاء على ثروات اليمن وسواحلها ومنافذها البحرية والجوية واقعا ؛أي جعل واقع الهزيمة قدر حتمي ،فإن حركة أنصار الله جاءت في موعد من التاريخ لتصنع حتمية الحرية والكرامة والسيادة ،وأن تراهن على أن الإنسان اليمني هو محور الحرية والبناء ،وهو صانع التحولات الثورية . يقول الصماد في كلمته آنفة الذكر “اليمني غني برجاله ونسائه وما يتمتعون به من القوة والعزم والإرادة والحكمة والإبداع ،وهو ما أثبته رجالنا خلال ثلاث سنوات من العدوان والحصار برزت فيه قوة وصلابة هذا الشعب اليمني العظيم ،أنتجت صمودا قل نظيره في هذا العالم ،فكيف لو استغلت هذه الخصائص في سنين الرخاء والاستقرار ،لكان وضع اليمن لا يضاهى في المنطقة “.
ومن هنا كان وعيه بالبناء المؤسسي لا يقل أهمية عن الصمود في جبهات القتال ،فالعدو يتسلل من جبهة الداخل . والدولة في مفهومه “هي العمل المؤسسي الذي تحكمه القوانين واللوائح المنظمة ،التي تمنع الارتجال ولا تسمح بالتوجيهات المفروضة ” لهذا فإن معركة الشعب اليمني مبنية على ركيزتين بحسب خطاب الصماد ،وهما : الدفاع عن الأرض والعرض ،وصد المعتدين والغزاة عن كل ذرة تراب اليمن ومياهه وجوِّه . والركيزة الثانية : معركة بناء دولة حقيقية في ظل نظام مؤسسي منضبط بالقوانين الوطنية التي تمثل إرادة الشعب “.
ومن موقع الصمود والذود عن الوطن يخاطب صالح الصماد ،العداون بمراجعة أهدافه ،وأن يرفع الحصار ،وأن يجلس على طاولة المفاوضات .
ويخاطب “القوى الوطنية الداخلية التي تشترك مع العدوان الخارجي في حربها على اليمنيين ،ندعوهم دعوة الناصحين والحريصين :تعالوا لنتحاور كيمنيين ،ونحل مشاكلنا بأيدينا ،فأنتم في الأخير مستهدفون ولن يرعى لكم العدوان حرمة ،ولن يقدِّر لكم أي تضحية ،ونحن مستعدون للتفاهم حول مختلف القضايا ،ولدينا الجرأة والشجاعة في التفاهم معكم . فنحن أصحاب القرار في صنعاء ونمتلك الجرأة والشجاعة لنلتقي على طاولة الحوار ،لا غالب ولا مغلوب ،ونسحب البساط من تحت أقدام المتربصين بالوطن شرا داخليا وخارجيا “.
وبإدراك منه أن السلام لا يأتي إلاَّ على رؤوس الرماح ،وظلال السيوف ، يؤكد ” أن الرسائل التي أرسلتها قوتنا الصاروخية إلى دول العدوان هي رسائل سلام . إذا أردت السلام فاحمل السلاح ،وإذا أرادوا السلام فنحن مع السلام كما اسلفنا وكما قلنا لهم سابقا : أوقفوا غاراتكم نوقف صواريخنا ،مالم إذا استمرت غاراتكم فلنا الحق في الدفاع عن أنفسنا وبكل الوسائل المتاحة “.