لا يبدو أن القرارات التي خرج بها رئيس المجلس العسكري الانتقالي في السودان الفريق أول عبد الفتاح البرهان، لاقت ترحيباً بين صفوف المعارضة السودانية، وهذا الأمر سيحمّل بطبيعة الحال البرهان المزيد من المسؤوليات ويضعه أمام مجموعة من التحديات، وتبقى النتيجة أمام احتمالين إما أن يستطيع البرهان استعادة زمام المبادرة وإعادة الهيبة للمؤسسات الحكومية وطرد الفاسدين منها وإعادة تشكيلها عبر حكومة انتقالية مدنية كما يطالب الشعب، أو مواجهة نفس المصير الذي واجهه عمر البشير والفريق أول عوض بن عوف، وبكل الأحوال فإن الاحتمالين مرهونين بتطلعات الشعب السوداني الذي أصبحت الكرة في ملعبه.
البرهان يجتمع مع المعارضة
كشف عمر الدقير، رئيس وفد “قوى إعلان الحرية والتغيير” السودانية، عما دار في لقائهم الأول مع المجلس العسكري الانتقالي مساء أمس الأول السبت.
وقال الدقير في حديث لوكالة “الأناضول” بعد انتهاء اللقاء: إن “البرهان تعهد بإلغاء القوانين المقيدة للحريات، وسيصدر اليوم قراراً يلغي كل القوانين المقيدة لها”.
وأشار إلى أن الوفد طالب بـ”إعادة هيكلة جهاز الأمن التابع للنظام السوداني، ومحاكمة عادلة لجميع المتورطين في الفساد وسفك الدماء”.
وأضاف: “تحدَّثنا مع المجلس العسكري بشأن حزب المؤتمر الوطني (حزب الرئيس المعزول عمر البشير)، وأكدنا ضرورة إعادة جميع مقار الحزب إلى الشعب السوداني”.
وأكد أن المعارضة ستزوّد رئيس المجلس العسكري، عبد الفتاح البرهان، اليوم الأحد، بقائمة بأسماء مدنيين للمشاركة في المجلس الرئاسي الانتقالي مع المجلس العسكري.
وضم وفد المعارضة 10 أشخاص، بينهم عمر الدقير، ومريم الصادق نائبة رئيس حزب “الأمة القومي”، ومحمد ناجي الأصم من “تجمُّع المهنيين السودانيين”.
وكان عبد الفتاح البرهان قد أعلن ظهر يوم أمس -في أول بيان له عقب توليه رئاسة المجلس- إلغاء قانون الطوارئ وحظر التجوال وإطلاق سراح كل المعتقلين خلال الاحتجاجات على نظام عمر البشير ورموزه.
ودعا البرهان –في بيانه وهو الثالث للمجلس العسكري منذ تأسيسه- كل أطياف المجتمع السوداني من أحزاب ومجتمع مدني إلى الحوار، مؤكداً التزام المجلس العسكري الانتقالي بفترة انتقالية مدتها عامان كحد أقصى تفضي إلى حكومة مدنية.
كما أعلن عن وقف إطلاق النار في كل مناطق السودان، متعهداً بملاحقة كل المسؤولين عن الفساد ومحاكمة كل من تورّط في قتل الأبرياء، مؤكداً التزام المجلس العسكري الانتقالي بفترة انتقالية مدتها عامان كحد أقصى، تفضي إلى حكومة مدنية، مضيفاً: “أطلب من السودانيين استكمال شعارات الثورة معاً”. كما تعهد البرهان بالعمل على “إعادة هيكلة مؤسسات الدولة المختلفة وفق القانون”، مشيراً إلى أن مهمة المجلس تتمثل في إنفاذ القانون وتهيئة المناخ السياسي بما يفضي لانتقال السلطة.
من الواضح جداً أن البرهان يحاول قدر المستطاع النزول عند رغبة الشعب السوداني وتحقيق ما يصبو إليه من تطلعات لمستقبل البلاد وإنهاء “30 عاماً” من عهد الديكتاتورية التي عانى خلالها المجتمع السوداني من الظلم وانتشار الفساد وحالة العجز الاقتصادي والبطالة حيث تزايدت هذه الأمور لدرجة أن الشباب السوداني لم يعد يستطيع تحمل هذا الأمر وخرج بمظاهرات شعبية منذ أربعة أشهر ولا يزال هذا الحراك الشعبي مستمراً حتى اللحظة، وعلى الرغم من أن المعارضة السودانية قالت إن شخصية رئيس المجلس العسكري الانتقالي الجديد، الفريق “عبدالفتاح البرهان” مقبولة نسبياً بالنسبة لها، وإنها بدأت اتصالات مع المجلس العسكري الانتقالي في البلاد، إلا أن اعلان البرهان لم ينل رضى الشارع السوداني وفور انتهاء إعلان البرهان، دعا تجمع المهنيين السودانيين المواطنين إلى مزيد من التوافد على ميادين الاعتصام في كل أنحاء البلاد.
وقال التجمع في بيان له “نداء لشعبنا الأبي بالمزيد من التوافد إلى ميادين الاعتصام.. اعتصامنا ضمان حماية ثورتنا”.
ويخشى تجمع المهنيين (نقابات العمال) وقوى المعارضة المتحالفة معه في “إعلان الحرية والتغيير” الالتفاف على الثورة وعودة النظام من النوافذ عبر جهاز الأمن والمخابرات، رغم استقالة مديره صلاح قوش.
واعتبر تجمع المهنيين السودانيين أن “بيان المجلس العسكري لم يحقق أياً من مطالب الشعب، وهو قد أقرّ بعض ما كان في عرف الشعب من البديهيات، وهي مكاسب مُهرت بالدماء لا بالوعود العابرة”.
وأضاف: “هناك مطالب واضحة ما لم تتحقق فلا مناص من الجهر بالرفض كله، وهي المطالب التي تجعل من انتصار ثورتنا انتصاراً لا هزيمة بعده ولا كبوة، والتاريخ يذكرنا بأن الناس تؤتى من حيث اطمأنوا، فالوطن على عتبات باب موارب يكمن خلفه السيل الخادع الغادر”.
الواضح أن البرهان يريد امتصاص غضب الشارع من خلال التقرب من شباب الحراك وتوجيه المدح والثناء لهم، داعياً “المواطنين السودانيين للمساعدة في العودة للحياة الطبيعية واستكمال شعارات الثورة معاً”، لكن حتى اللحظة يشكك الشعب السوداني بكل ما يخرج عن المجلس العسكري من مقررات، وبات جلياً أن الشعب يريد حكومة مدنية تحت أي ظرف وهذا الأمر سيعرقل مساعي البرهان الذي ينتمي في الأساس للمؤسسة العسكرية وقد يواجه مشكلة كبيرة من داخل هذه المؤسسة في حال حقق مطالب الشعب دفعة واحدة وقد يشارك بن عوف في نفس المصير، لذلك نجده يتريث قبل أي قرار، وربما لعلاقته القوية مع الإمارات وربما السعودية وعلاقته المباشرة بالتحالف الدولي الذي تقوده السعودية في اليمن قد تسبب له مشكلات داخل السودان الغاضب من المشاركة في الحرب على اليمن وتحويل الجنود السودانيين إلى حطب في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، كل هذه الملفات المعقدة وغيرها ستكون بيد الشعب وهو من سيحكم عليها ويقرر إذا ما كان يريد بقاء البرهان أم لا، كما يمكن للبرهان نفسه أن يكون لاعباً مؤثراً في حال تمكن من كسب رضى الشعب وهذا ما ستحدده الأيام المقبلة.