لم يكن العالم قد أنهى بعد احتفالاته باليوم العالمي للمرأة، حين كانت النساء في منطقة كشر اليمنية يبحثن عن منازل أخرى لاستخدامها كملجأ لحماية أطفالهن من الموت القادم. موت تنوعت مصادره من قذائف الإرهاب التكفيري المدعوم من السعودية والإمارات إلى الغارات الجوية لتحالف العدوان. لكن نتيجته واحدة: أجزاء أطفال ونساء متناثرة تحت الركام.
شن تحالف العدوان الذي تقوده السعودية عمليات قصف عنيفة في سلسلة من الحملات الجوية المستمرة منذ قرابة شهرين لدعم الميليشيات التابعة له والتي عاثت فساداً وقطعت الطرقات. خلال ساعة واحدة، أسفرت غارتان عن مقتل 13 طفلاً و9 نساء وسقوط عشرات من الجرحى. أحلام عكايس، 13 عاماً، وصديقتها نورة الزليل، 13 عاماً إضافة إلى 14 امرأة وطفلاً، كانوا في منزل لعائلة الأحدب. يقع المنزل في منطقة بعيدة عن معارك النار. لم يخطر ببال النساء لوهلة أن طائرات الاستطلاع الحائمة تستهدفهن وأطفالهن.
كما استهدفت غارة جوية أخرى منزلًا يستخدم كملجأ لعائلة الهادي المؤلفة من 25 طفلاً وامرأة. أعلنت وزارة الصحة اليمنية أن “ست نساء وأربعة أطفال استشهدوا” من هذه العائلة وحدها. بينما سمعت أحلام ونورة وغيرهما من النساء والأطفال هذه الضربة الجوية، تمكنت أحلام ونورة إلى جانب أربع نساء وأطفالهن العشرة من الفرار من ملجأهم المؤقت الذي ينتمي إلى عائلة الأحدب خوفًا من أن يكونوا هدفًا آخر للسعوديين. فالغارات الجوية العشوائية لا ترحم أحدا.
ويصف ناصر عمران، أحد عمال الإنقاذ المحليين المجزرة بالقول: “كانت النساء وأطفالهن يركضون إلى مزرعة قريبة للاختباء تحت الأشجار. لم يحصل الأمر كما أرادوا. بعد ساعة واحدة فقط، استهدفتهم الغارة الجوية، بما في ذلك أحلام ونورة والأطفال الأربعة عشر وأمهاتهم”.
نجت أحلام ونورة وأربعة أطفال آخرين من الموت السريع، لكنهم سقطوا لاحقاً ضحايا الجروح الخطرة.
وبسبب التحليق المستمر للطائرات الحربية وطائرات الاستطلاع بدون طيار، وجد السكان المحليون صعوبة في إنقاذ من هم أحياء تحت الركام.
وفي مستشفى 48 في صنعاء كشفت أن أحلام ترقد فاقدة للوعي. وعند السؤال عن نورة يأتيك جواب المسعفين صاعقا: لقد ماتت فور وصولها إلى المشفى، بعد 24 ساعة من الغارة.
عمران، أحد المسعفين الميدانيين وأحد أقارب نورة يشرح كيف تعذّر عليه وزملاؤه المسعفين الوصول إلى مسرح المذبحة: “لم نتمكن منذ الساعة 9:30 مساءً حتى ساعات مبكرة من صباح الأحد من الوصول إلى موقع الغارات، مشينا من منطقة الحجور عند الساعة 8:00، لكننا لم نتمكن من الوصول إلى صنعاء سوى الساعة 10:45 مساءً فقط، وقد نقلنا الجرحى في سيارة خاصة خوفًا من استهداف الطيران السعودي لسيارات الإسعاف”.
بدوره يوضح الدكتور محسن السعيدي وهو طبيب في مستشفى 48 بصنعاء، أنه “من الطبيعي أن تتوفى نورة. لقد ماتت بسبب التأخير في عملية نقلها إلى المستشفى”.
لسخرية القدر وبحسب السعيدي، أنه لم يتمكن والد نورة وهو طبيب من كشر من إنقاذ ابنته: “إنه يعاني من صدمة”.
توفيت نورا، لكن أحلام ما زالت ترقد على فراش المشفى دون أن تعرف أن أفضل صديقة لها كما أختها نورة البالغة 10 أعوام قد استشهدتا في غارة جوية عشوائية على المزرعة التي لجأن إليها هربا من طيران التحالف السعودي.
أشواق سعيد، طبيبة أحلام والمعالجة لها، قالت : “تعاني أحلام من جروح في العينين والركبة فضلاً عن إصابات في البطن والصدر. إلا أن حالتها مستقرة”.
منذ أن بدأ الجيش اليمني واللجان الشعبية لحركة أنصار الله اليمنية عملياتهم ضد الميليشيات التكفيرية المدعومة من السعودية في كشر بمحافظة حجة القريبة من الحدود مع السعودية، بدأت وسائل الإعلام السعودية بحملات إعلامية لدعم الميليشيات.
إضافة إلى ذلك، دعم التحالف الذي تقوده السعودية الميليشيات بكل الخدمات اللوجستية، معتقدين أنهم يستطيعون قطع الطريق أمام تعزيزات الجيش اليمني التي تصل إلى الخطوط الأمامية مع الحدود.
لكن الجيش اليمني والقبائل المحلية ومقاتلي أنصار الله تمكنوا من تطويق الميليشيات التي تدعمها السعودية مسجلين هزيمة أخرى في سجل السعودية. وأمام وقع الهزيمة، لجأت قوى العدوان وكعادتها إلى شن غارات جوية عشوائية على منطقة كشر في حجة.
وبحسب السكان المحليين كان من الصعب على المدنيين مغادرة منازلهم ومزارعهم.
من المستشفى، يوضح ناصر عمران بقوله: “لم نعتقد أننا سنرى ذلك – في إشارة إلى المذبحة السعودية الأخيرة – من الصعب علي وعلى الآخرين النزوح ومغادرة منازلنا ومزارعنا”.
ويختم “لم يكن المستهدف مقاتلين، بل كانوا أطفالا ونساء. إنهم ـ التحالف السعودي ـ اعتادوا استهداف الأبرياء والأطفال.”