العنصرية هبوط إبليسي
محمد ناجي أحمد
العنصرية لا مكان لها بين أبناء الوطن الواحد ،وليس لها منطق سوى الانجراف خلف مشروع التفتيت الذي تهدف إليه قوى العدوان والاحتلال.
إن الوطنية اليمنية الجامعة تعني مواجهة مستمرة لأكاذيب الرجعية والاستعمار، فكلاهما :الرجعية والاستعمار عدو واحد ،يستخدم في وسائله وتكتيكاته كل ما يساعده على تفكيك الأمم ،وجعلها جزرا متقاتلة بأوهام الانتماء لغير الحق والعدل ،ووحدة المستضعفين في الأرض.
كل دعوة مبنية على (حميرية سياسية)أو (هاشمية سياسية )هي نقيض الوطنية اليمنية ،المبنية على أساس الوطن الواحد والمواطنة والمواطن ،والتي فيها المسؤولية فردية أمام القانون ، وبحكم المعتقد الديني ،الذي قرن القيامة ونفخ الصور بسقوط الأوهام «فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ * فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ» المحاسبة الفردية ،بعد أن تتساقط كل أوهام العرق والانتماء الاجتماعي والثروة والصولجان .الإنسان عاريا من كل حمولاته التي تطمر إنسانيته، رداؤه عمله ،فميزان الحق لا يقبل سواه .
فالمنطلق الإلهي ميزانه وحدة الخلق في الجوهر الذي بث منه البشرية ،كتعدد من أصل واحد .تتعدد الألوان واللغات ،والجغرافيات ،والثقافات ،والأصل الإنساني واحد « يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء « هذا هو قانون وحدة الإنسانية ،وعلى ذلك تكون الرقابة الإلهية في سياق هذه الآية « إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا» ،وتجريمها للانحراف عن هذا الأفق الجوهري نحو العنصرية الإبليسية «قال :أنا خير منه ،خلقتني من نار وخلقته من طين « ومن هنا كانت العنصرية بمزاعم تميزها وتفوقها العرقي هبوطا ، وخروجا عن العدل والحق «قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ « فالدعوة العنصرية تضع نفسها في خانة المدحورين المذمومين «قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ «
«فمن العبث أن يعمد المرء إلى قدح زناد الفكر واستنفار الجهود من أجل البرهان على أن الوضع الراهن للعلم لا يسمح بالجزم حول تفوق هذا العرق ذهنيا ،على ذاك أو حول دونيته ،ذهنيا ،بالنسبة للآخر ،اللهم إلاّ إذا كان المحدث يرمي خلسة ،إلى إعادة الاعتبار والتماسك لمقولة العرق …غير أنه ما من شيء أبعد عن مرادنا من هذا المشروع الذي لا يؤدي إلاَّ إلى إعادة صياغة العقيدة العنصرية بطريقة ملتوية « ص159-مقالات في الأناسة –كلود ليفي شتراوس-اختارها ونقلها للعربية د.حسن قبيسي-ط2-2005م-دار التنوير بيروت.
ليس أمامنا سوى طريق واحد ،وهو أن نكون أمة واحدة ،دون ذلك سقوط في الأوهام القاتلة ؛ تلك التي يتم ضخها بين الحين والآخر، لننخرط في إثبات هذا النسب ونفي ذلك العرق ،ومع الإثبات والنفي تتجلى عنصريتنا وانتماؤنا لبداوتنا التي تحدد قيمة الإنسان بعرقه وطبقته ،محتقرة للعمل والإنتاج ،ومعلية من شأن النهب والغزو. وتلك بداوة لا يسلم الجميع منها ،وإن اختلفنا في درجة البداوة ،فالبدوي داخلنا ينطلق من ثنائية «وهاب نهاب « على حد تعبير المفكر علي الوردي في كتابه (دراسة في طبيعة المجتمع العراقي ) الصادر عن دار الوراق بطبعته الرابعة 2017م.
عندما تصدى صناديد قريش للرسالة المحمدية قالوا عن بلاغه القرآني بأنه تلقين تارة من رومي وأخرى من فارسي وثالثة من راهب أو حنيفي ،وكل من زعموا بأن النبي يستقي بلاغه القرآني منهم هم أعراق متعددة ،انصهروا جميعا في رسالة ميزانها وحدة الخلق الإنساني ،وعودة الكثرة إلى التراب ،وهي وحدة مميزة بروح الله «فنفخنا فيه من روحنا « بنسب إلى الحق.
ظل العقل البدوي إلى يومنا عاجزا عن فهم كنه الرسالة العالمية ،المبنية على المساواة في الخلق ،والمفاضلة في الإنجاز على أساس العمل والتقوى .
إن مظاهر التعصب كلها تخضع للظروف التاريخية ،فالتعصب للعرق يرتبط بالظروف التي ينشا فيها عقلنا ،فهي التي تجعله يفكر على هذا النمط أو ذاك ،فإن عملنا على تغيير ظروفنا استطعنا الخروج إلى رحاب المواطنة والوطن الواحد .
يقول المفكر علي الوردي في كتابه (قصة الأشراف وابن سعود )الصادر عن دار الوراق ،بطبعته الثالثة ، 2013م « إن العقل البشري يخضع في تفكيره للقوالب التي تصبها البيئة الاجتماعية فيه .فلو أن إنسانا نشا في بيئة مليئة بالخرافات ،وظل يعيش في تلك البيئة لا يعرف غيرها لرأيناه يعتقد اعتقادا جازما بان تلك الخرافات حقائق واضحة ،وهو يعجب حين يجدنا لا نوافقه على معتقداته ،وقد يحقد علينا ويضمر لنا الشر» ص373.