في زمنٍ تتكالب فيه قوى الظلم، وتتعالى فيه أصوات القهر، وتُطوَّق فيه المدن بالحصار والحديد والنار، تنهض غزة كأنها آية في كتاب الكبرياء، وكأنها على موعد دائم مع المجد والتحدي، لا تعرف الانكسار، ولا تُجيد الانحناء.
غزة، المدينة التي تعيش على حافة الجراح وتتنفس الدخان ولا تكلّ. كلما حاول الطغيان أن يطمر صوتها تحت الركام، رفعت رأسها عاليًا كجبلٍ من العزة، تهتف من بين الأنقاض: “لن نركع!”.
ليس سهلاً أن تصمد مدينة في وجه آلة الحرب العالمية، وليس عادياً أن تبقى الحياة تنبض في قلبها، رغم المجازر والمآسي والجوع والدموع. لكنها غزة، حيث يتحول الألم إلى وقود للمقاومة، والدم إلى رسالة أبدية للعالم: أن الحق لا يموت، وإن خذله الأقربون.
غزة لا تُهزم
كلما ظنّ الغاصب أنه نال منها، كشّر له الشهداء من تحت التراب، وارتفعت مآذنها تقرع جدران الخرس الدولي، وتجلجل في أذن الإنسانية: “كفاكم صمتًا”. غزة لا تُهزم، لأن فيها من صدق اليقين ما يفوق السلاح، وفيها من حب الأرض ما يجعل الأطفال يقفون أمام الدبابات بأجسادهم النحيلة كأنهم جدار لا يُخترق.
دروس غزة للعالم
من بين الحطام تُولد الحكاية. غزة تُعلّم الأحرار في كل بقعة أن النصر بثبات الإرادة، وصدق الموقف. تُعلّمهم أن الكرامة أثمن من الحياة إن كانت الحياة في ظل الذل، وأن الموت تحت أنقاض الوطن أكرم من العيش في قصور الاحتلال.
علمتنا غزة أن الطغيان إلى زوال، وأن الشعوب التي تؤمن بعدالة قضيّتها لا تُكسر، حتى وإن سقطت الجدران وتبعثرت المدن، فالعزيمة لا تسقط بالتقادم، بل تشتد في كل جولة جديدة.
غزة… نبض الأمة وضميرها
غزة ليست جغرافيا صغيرة على خارطة العالم، بل هي خارطة للكرامة في زمن الخذلان، وبوصلة للمقاومة في زمن التيه، وصوت الحق حين يعلو الزيف.
علينا أن نعيد تعريف البطولة من بوابة غزة، أن نعيد النظر في صمتنا، أن نسأل الضمائر النائمة: كم من الدماء يلزم لتستفيقوا؟ كم من الأطفال يجب أن يُدفنوا تحت الركام لتدركوا أن الصمت خيانة؟
غزة لا تطلب الشفقة، بل تطلب الشرفاء، لا تبكي من الألم، بل تغضب من التجاهل، ولا تموت من الجراح، بل تحيا من الإيمان.
وأخيرًا…
غزة تعلمنا أن لا نركع، مهما اشتدّ الطغيان، ومهما تخاذل العالم، ومهما ارتفعت جدران الحصار. غزة ستبقى، لأنها تُقاوم، ولأنها لا تعرف إلا العزّ طريقًا، ولا تقبل إلا بالشهادة أو النصر.