عقولٌ في معابدِ أصنامِها
احمد عبدالله الصعدي
تعودُ فكرة أصنام أو أوهامِ العقل إلى الفيلسوف الإنجليزي فرنسيس بيكون (1561-1626) الذي عاشَ في بدايةِ عصر العقل ومرحلة النقد الشامل الذي مارسهُ العقل الحديث ،مستنداً إلى سلطتهِ الذاتيةِ وشمل بهِ كبريات النظم العقائدية والفلسفية والمناهج العلمية، وصولاً إلى أنماط العيشِ والسلوك اليومي. أصنام العقل بحسبِ بيكون هي قيودٌ مفروضة عليه ،تُعيق حركتهِ وتحجبُ عنه النور الطبيعي ،وتمنعهُ من الخروج إلى فضاء الحياة الرحب وهي ،أي الأصنام، عبارة عن معتقدات ونظريات وتصورات وكلِمات يتلقاها الإنسان بطرقِ ومِن مصادرِ شتى ،لهذا يجعل بيكون الأصنام اربعة أصناف هي : أصنام الكهف واصنام الجنس او العشيرة ،وأصنام السوق وأصنام المسرح . ويضربُ بعض المؤرخين مثالاً على نمطِ من الأصنام كانت مسيطرة على جوليت وروميو في مسرحية شكسبير التي تحمل اسميهما. فجوليت تحبُ روميو إلا أنها تمقتُ اسمه.. إيه روميو كيف سميت بروميو؟. دع أباك أو ارفض اسمك، لا أعادي غيرَ اسمك ،وهي تطلب منه أن يتخلى عن اسم عشيرته مونتاجيو كي تتخلى هي عن اسم عشيرتها كابيوليت. والسبب في هذه الكراهية هو صراع بين العشيرتين ،وادعاء كل عشيرة أنها الأفضل وأنها كما لو كانت كيانا ميتافيزيقيا مستقلا عن حركة التاريخ والمجتمع .
اليوم يعيش بعض اليمنيين لوثة استدعاء الماضي، معتقدين أن صوره وأطره يمكن أن تخضع لإرادتهم وتبعث حية في معطيات الحاضر ، وكأن التاريخ سكون مطلق . البعض يعمل بوعيِ وإدراك مؤدياً مهمته الموكلة اليه بوصفه أجيراً يبيع كلمات لصالحِ جبهة العدوان، والبعض ينساق مدفوعاً بانفعالات عاطفية سطحية مؤيدا او رافضا ولكن بفكرة لا تقل بطلانا عن الفكرة التي يريد دحضها ، وبنفس المنهجية الاعتباطية والانفعال الغرائزي . ورغم اختلاف وتناقض مواقف الجهتين إلا أنهما تتوحدان بعدم الإحساس بالزمن .
عن المنخرطين في خدمة العدوان لا يمكن القول إلا أنهم يعملون على هدم المجتمع من داخله، وتقويض روابطهِ ومقومات عيشهِ ،وذلك مالم تستطعه الطائرات والقتل والحصار .أما الذين يزعمون التصدي لأعمال العدوان فإنهم يقعون في نفس الخطيئة ،ويقودون إلى نفسِ النتيجة كونهم يمتحون من نفس البئر الآسن . كل المشتركين في هذه المعمعة يعانون من الخواء ، وانعدام مقومات لحضورهم الاجتماعي والسياسي ، ويعانون مسغبة معنوية وأخلاقية وبؤساً معرفياً في علومِ التاريخ الذي يستعيضون عنه بالأسطورة والخرافة ، ومِن جهلهم بتاريخ الشعوب التي مرت بظروفِ وأحوال مشابهه ، ويجهلون او يتجاهلون معطيات العلوم الاجتماعية والإنسانية الحديثة .
أيها القابعون في التوابيت ، أفيقوا وأخرجوا إلى حاضر الوطن اليمني الذي تعترضه أخطار جسام تروم تفكيكهُ وبعثرة شعبهُ ، ويريد عدوكم لكم جميعاً أن تعيشوا مشتتين مُذلين ومُهانين ،واذا خسرتم بلدكم أمام هذا العدوان الهمجي الذي ينضح حقداً وكراهية خسرتم الحاضر والمستقبل والماضي ايضاً .قالَ روح اليمن ونفحتها العاطرة وضميرها النقي عبد اللهِ البردوني :
من أنت ماذا تساوي وكل ما فيكَ خاوي.
وقال ايضاً:
قلتم كثيرا ، وما قلتم ، أكاشفكم
: لا يعرف اللهَ من لم يعشق الوطناَ