الصمت أسفه من الكلام

 

محمد ناجي احمد

مواجهة الصهيونية كاستعمار استيطاني وذراع للإمبريالية الغربية لا تتم من خلال الخوض  في جدل حول صحة أساطيرها أو بطلانها تاريخيا ،أو زحزحتها من جغرافية إلى أخرى ،فهذا منطق يخدم الصهيونية وحدودها المفتوحة والمتحركة بامتداد الأساطير !

المواجهة تتم باجتثاث الصهيونية التي تمدد داخل الأذهان . فالخوض في جدل الجغرافيا والدين والعرق هو من حيث المبتدأ تسليم بمقدمات الصهيونية ،والزعم بنقضها من داخل بنيتها الأسطورية حذلقة تنطلق من خلط خبيث بين الدين والعرق والجغرافيا والقومية!

موقف قائد حركة أنصار الله السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي من مؤتمر وارسو أنه محطة من محطات عديدة ، تكشفت فيه بعض الأقنعة عن وجهها الحقيقي لبعض الدمى…

وإن التمسك بقضايا الأمة الكبرى هو بوصلة الانتماء والايمان …ودعا إلى خروج الجماهير التي احتشدت في العديد من محافظات الجمهورية اليمنية  معبرة عن مواقفها المبدئية ضد الصهيونية والتطبيع والمطبعين…

بالمقابل نجد الاصطفاف السعودي ومشيخات الخليج وأدواتهم في الداخل اليمني الذين يطلقون على أنفسهم صفة الشرعية يهرولون إلى احضان امريكا والكيان الصهيوني ،متبنين أجندتهم وأهدافهم في المنطقة العربية ،محرفين بوصلة العداء تجاه إيران ،والصداقة والتبعية وجهة الكيان الصهيوني…

أن يكتب شوقي القاضي رأيه التطبيعي مع الكيان الصهيوني من باب أولوية عدائه مع (الحوثي) فهذا لايصدم أفق توقعاتي ،بل هو من نافلة القول والفعل والممارسة ،فالرجل سبق أن صرح بمنشور له قبل مدة من الزمن من أنه يدرب في ورشه شباب من اسرائيل على الحقوق والحريات والقوانين الدولية ومحكمة الجنايات !وأن تكتب ألفت الدبعي الإخوانية محددة اهتماماتها بتحرير اليمن من إيران ،فذلك من المواقف المألوفة منها ،فلقد سبق لها حين عقد مؤتمر في الرياض أن بشرت بنبي الديمقراطيات ترامب ،الذي سيعيد بناء المنطقة على أسس الديمقراطية !

وأن يصمت التجمع اليمني للإصلاح إزاء التطبيع الرسمي لحكومة يملك فيها الثلثين ،ويكتفي بتوجيه كوادره وكتائبه الاليكترونية بحرف المعركة ضد التطبيع لتكون معركة ضد ايران والمجوس والحوثيين ،فذلك من الأمور التي اعتدنا عليها من تنظيم آباؤه التنظيميون في جماعة الإخوان المسلمين صلوا لله شاكرين لهزيمة العرب في ٥يونيو ١٩٦٧م ،وردد صداهم في اليمن في المغسكر الملكي الذي تقوده السعودية آنذاك كما تقودهم اليوم:(وسلط الله على رأس الحنش حية) …

ما صدمني هو الموقف المتحاذق الذي يعكس قدرا من الوهن والتهجين السعودي المشوه هو موقف الوحدوي الشعبي الناصري ،الذي أصدر بيانا على لسان (صرح مصدر مسؤول) وأقصى ما فعله (المصدر) المبني للمجهول هو أنه (يستنكر) وهنا تتكشف أوجه الانحراف من القومية العربية إلى أحضان المشروع الغربي الصهيوني في المنطقة…

لكن رهاني يظل على الشباب القومي في هذا التنظيم ،فهم وإن انساقوا لغفلتهم في أمور دون هذا السقف الوجودي فلا أظن حدثا تطبيعيا كهذا سيمر دون أن يدفعهم ذلك لإعادة التفكير والقول لا للتطبيع ،فهم لم يعتادوا على ثقافة القطيع التنظيمي وإن كانت قياداتهم قد محت ذاكرة التنظيم القومية ووجهتهم وجهة لا يرضاها كل من له عقل وقلب سليم…

مؤتمر وارسو وأجندته بخصوص إيران وفلسطين وحزب الله وأنصار الله وبقية أولويات وأهداف أمريكا في المنطقة ليست وليدة اليوم ،سبق وأن طرحت في مؤتمر الرياض ،وقبل فترة في اجتماع وزراء خارجية مشيخات الخليج ومصر والاردن في مسقط وبإشراف أمريكي مباشر . فما الذي جعل عبد الملك المخلافي يردد كلاما إنشائيا عن فلسطين وهو الذي تبنى العديد من أهداف وارسو في اجتماعات الجامعة العربية وقراراتها؟ بل كان الرجل سباقا لتبني ما تطرحه وزارة خارجية النظام السعودي. ألم يكن سباقا إلى حرف بوصلة عدائنا للكيان الصهيوني باتجاه عدو وهمي اسمه إيران ،أحال التنافس بحكم الجغرافيا والتاريخ مع إيران إلى صراع وجودي!

موقف المخلافي الحقيقي يتجلى بما أنجزه قولا وفعلا طيلة تسنمه وزارة خارجية هادي ،وباستمراره وبقية زملائه في حكومة اختارت المشاركة والتحالف مع الكيان الصهيوني لمواجهة خصوم الولايات المتحدة في المنطقة.

لم يقدم عبد الملك المخلافي استقالته ومن معه من أدعياء القومية العربية المتخمين في فنادق الرياض ،فمن اهتبل اللحظة في مراكمة عقاراته واستثماراته وأرباحه الشخصية ،واستغلال الوظيفة العامة في توظيف أبنائه في مرحلة حرب وجوع ،ومن أقام حفلات عرس لابنه في فنادق باذخة وبطون اليمنيين في الداخل خاوية- لايمكنه أن يتخذ موقفا بموازاة الكارثة الوجودية التي كانت وارسو نتيجة لها وليست سببا .

فمن جعل النضال القومي مطية للبرجزة والعيش الرغيد لايمكنه أن يتخذ موقف رجال الرجال،وما حديثه عن فلسطين إلا تمسك بقشور إيهامية ،فموقف التنظيم الوحدوي من المشاركة في وارسو والشراكة مع إسرائيل والولايات المتحدة ،قد سبق بمطالبة أمين عام التنظيم الوحدوي في محاضرة له في المكلا بضرورة تشكيل تكتل إقليمي وعربي بقيادة السعودية ،والسعودية وكيل وليس لها إلا أن توجه التكتل الذي تقوده باتجاه التحديات التي تعترض وتعيق الهيمنة الأمريكية وأهدافه التوسعية في وسط وشرق آسيا.

موقف كتاكيت عبد الملك المخلافي في قيادة فرع تنظيمهم بتعز ،والذين تواروا  وتلفعوا بالصمت، وهو الفرع الذي كان يسابق أمانته العامة في إصدار البيانات بما يخالف لوائحهم وانظمتهم لكنه اليوم صار قطيعا- هو موقف المخلافي ،وتصريح المصدر المسؤول الذي يحيل المواقف المرتعشة لمصدر مجهول هو موقف المخلافي الذي أراد بمنشور إنشائي في مواقع التواصل الاجتماعي لا يترتب عليه فعل وموقف أن يضللنا عاطفيا …

قد يعجبك ايضا