الثورة بصيرة وبندقة
محمد ناجي أحمد
تمجيد البندقية في مقابل تسفيه المعرفة، ليس له من معنى سوى أن تكون فوهة البنادق والأصابع على الزناد عمياء!
تجريف للحياة التي هي الأصل ،وما البندقة إلاَّ حارس اضطراري للحياة ،تتحرك بالوعي لا بالانفعالات.
كان موقف الماركسيين في الغالب من الانقلابات العسكرية أساسه موقف الجماهير الشعبية من هذه الانقلابات ،هل هي مساندة لها ،بمعنى هل الانقلاب جاء تعبيرا عن ضجر الجماهير ورغبتها في التغيير ،وهل هذه الجماهير رديفة للتحركات العسكرية ،في إحداث التغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي أم لا ؟
كل ثورة عمياء مآلها أن تعيد إنتاج ما ثارت عليه ،وأن تتحول بفعل غياب الوعي والبرنامج الاجتماعي إلى ثورة مضادة . فـالمعاناة الشديدة لا تولد باستمرار وبالضرورة الانفجارات الثورية ،وهي بالتأكيد لا تولد وضعا ثوريا …ففي الوقت الحالي قد تصدق أن اليأس والغضب الشعبيين كانا ردَّ فعل مفهوماً للظروف .
كي يصبح الرعب أداة فعالة للسياسة؛ أي لكي يؤدي إلى نتائج سياسية لا بدَّ من وضع قوة الدفع الشعبية تحت درجة من السيطرة العقلانية والمركزية « ص138-139 الأصول الاجتماعية للدكتاتورية والديمقراطية –اللورد والفلاح في صنع العالم الحديث- بارينجتون مور –ترجمة أحمد محمود –المنظمة العربية للترجمة – ط1-بيروت 2008م.
انفلات التطرف في إدارة الشأن العام ،يعكس ضعف السيطرة العقلانية والمركزية لغياب البرنامج والتصور الثوري الشامل ،الذي ينبغي من خلاله إحداث التغيير في المجتمع والسياسة والاقتصاد والثقافة .
إسقاط الدور الطليعي للوعي في قيادة الجماهير ،يؤدي إلى الفوضى التي تعيد إنتاج الاستبداد بصورة أسوأ مما كان عليه .
أطلق (غيرتس) وهو من الديمقراطيين الثوريين لمنتصف القرن التاسع عشر –على أولئك الذين ينكرون ضرورة القيادة الواعية للحركة الثورية ،تسمية «جاحدي العلم « والمتنكرين للحضارة ، وكان يشير إلى أن جماهير الشغيلة ،ذاتها ، هذه الجماهير التي يقع على عاتقها «عبء الحياة اليومية « كله تبحث عن الذين يحاولون إثبات أن العلم لا يخص الجماهير ،بل يخص النخبة المختارة فقط « وهو ما كان لينين يعلمه للبروليتاريا والحزب ،بأن تعي الأهمية العظمى التي تتمتع بها النظرية الثورية ،لأن « الإخلاص المطلق للثورة ، والتوجه إلى الشعب بالدعاية الثورية ،لن يضيعا حتى لو فصلت عشرات السنين بين عملية البذار والحصاد «ص20-دور الجماهير الشعبية في التاريخ –مجموعة من الباحثين –ترجمة د. بدر الدين السباعي –د.نجاح الساعاتي-دار الجماهير الشعبية –دمشق 1982م.
يأتي من أولويات الوعي الجماهيري أن يتم فهم الدين بجوهره الثوري ، والرافض للانحطاط والتقليد؛ أي أن تكون الثقافة في خدمة البشر ومصالحهم إذا استعرنا لغة سلامة موسى في كتابه (ما هي النهضة ) الصادر عن منشورات مكتبة المعارف بيروت 1962م-لا في تعزيز الغيبية المستلبة للإنسان، وأن يكون الدين في تنوير طريق التقدم لا الانحطاط .
الشعب الجاهل لا يستطيع أن يحكم نفسه ، إنه يحتاج إلى التعليم كشرط للحرية السياسية «فإن الشعب الذي يحكم نفسه يحتاج إلى أن يكون كله ،أو على الأقل الناخبون فيه متعلمين « ماهي النهضة –سلامة موسى.
الثورة الحقيقية تعني انتقال الجماهير من «اللاوعي النسبي إلى الوعي الواسع « دون هذا الانتقال تظل البندقية عمياء دون بصيرة .
ومن مؤشرات الوعي الجماهيري الثوري انتقال وعيها للدين من توسيع دائرة المحرمات والتضييق على الناس في المتنفسات العامة والسلوكيات الاجتماعية المعتادة –إلى فهم الدين «بمثابة القلب في عالم لا قلب له « علم الاجتماع –أنتوني غِدنز –ترجمة فايز الصُياغ-المنظمة العربية للترجمة –بيروت 2005م –على حد تعبير ماركس حين أكد أن الدين هو الملاذ من قسوة الواقع اليومي .وأن الدين في شكله الذي يخدم الطغاة ينبغي أن يختفي ،انتصارا للدين كملاذ للمحرومين والمستضعفين . الدين كجوهر وتعبير عن زفرة المعذبين في الأرض .
كل حركة ثورية بحسب لينين- يجب عليها:- أن تحشد أغلبية القوى الاجتماعية ضد عدوها ،ما لم فإنها سوف تتحطم .
-وأن يكون تحركها هجوما لا دفاعا ،وإلاّ سقطت قبل أن تجرب قواعدها مع عدوها ،فالدفاع هو موت لأية انتفاضة مسلحة .
-يجب السيطرة على العدو قبل أن يستجمع قواه المبعثرة .
-ويجب أن تحرز الانتفاضة كل يوم انتصارات جديدة ،وإن كانت صغيرة .
-الحفاظ على الروح المعنوية الذي رافق أول انتصارات الثائرين .
-جذب العناصر المترددة ؛التي تجري دائما وراء الأقوى ،وتقف دائما إلى جانب الجهة الأكثر ضمانا .
-يجب إرغام العدو على التراجع قبل أن يستطيع استجماع قواته ضد الانتفاضة .
ولكي تتحول الانتفاضة الجماهيرية إلى قوة متجذرة فينبغي بحسب انجلز أن تتخذ السلطة الثورية تدابير أو ما ينتج عنها «التحسين المباشر لوضع الفلاحين « كما تتخذ تدابير «تسهل بداية التحول من الملكية الخاصة للأرض إلى الملكية الجماعية ،وذلك حتى يصل الفلاح بنفسه إلى هذا الأسلوب الجماعي « وهو الطريق الذي يقترحه انجلز في إقناع الفلاحين بفوائد الأسلوب الجديد في الإنتاج والانتقال التدريجي.
ولكي لا تتكرر مهازل التاريخ المأساوية يكتب انجلز عن (سخرية التاريخ )وما تتميز به مراحل الثورة من احتمال عدم التوافق بين أهداف النضال ونتائجه ،فيستنتج قائلا « إنها عملية تحول النظام إلى نقيضه . وهي في نهاية المطاف بلوغ تلك النقطة المناقضة لنقطة الانطلاق بصورة قطبية ،مما يشكل المصير المحتم فعلا لكافة الحركات التاريخية ،التي كوّن المساهمون تصورا غامضا عن أسباب وظروف وجودهم ،لذا فهم يرسمون لها أهدافا وهمية .إن “سخرية التاريخ ” تقحم تصحيحاتها هنا بلا هوادة «ص7-العملية الثورية والوعي الثوري- يفغيني بلماك –ترجمة نايف أبو كرم-ط1-1986م-مطبعة ابن خلدون –دمشق.