ملاحم ملهمة للشهداء في البسالة والتضحية

 

*ظل سلاحهم الأقوى الإيمان بالله والانتصار للحق

إعداد / أسماء البزاز

سطِّروا بدمائهم الزكية أعظم ملاحم المقاومة والانتصار وسجلوا بعطاءاتهم الخالدة تاريخا للكرامة والعزة والصمود دفاعا عن العرض والأرض.. هؤلاء هم شهداء اليمن الذين لن تفي الكلمة في وصف بطولاتهم ونضالهم فالله درهم وسيجزيهم خير جزاء .. فيما يلي نتعرف عن قرب على شخصياتهم وتضحياتهم ومواقفهم:

نستهل مشوار الوفاء مع أول شهداء صحيفة الثورة ضد العدوان وهو الشهيد الإعلامي أمين قاسم يحيى هاشم الجرموزي .. شهيد الحقيقة والكلمة الصادقة والقلم المجاهد ، أمين الصحفي البارز في صحيفة الثورة الرسمية مذ كان القلم والكاميرا سلاحه ، وافاه وسام الشهادة صباح يوم الجمعة الموافق الرابع والعشرين من شهر فبراير عام 2017م في منطقة عتمة محافظة ذمار.
استشهد أمين وهو يوثق مجريات الأحداث والمواجهات العسكرية في جبهات العزة والكرامة بعتمة ، يجاهد بكاميراته لنقل انتصارات الجيش واللجان وهم يمشطون المنطقة لتطهيرها من العملاء والمرتزقة والذين سعوا لإيقاد فتنة واشعال حرب لا تبقي ولا تذر ، تخدم اجندات العدوان بجعل البلاد طوفاناً من المعارك والاقتتال وساحة لإراقة الدماء واهلاك الحرث والنسل ، غير أن إرادة وبسالة هؤلاء الأبطال الذين كان يتقدمهم أمين بإيمان وعزم لفضح اكاذيب التضليل الإعلامي للعدو وكشف حقائق الانتصار من الميدان وفي سبيل ذلك انتقلت روح أمين إلى بارئها ، تاركا وراءه دروساً وقصصاً من الثبات والعزم والقوة والإصرار.
شهيد الحقيقة والكرامة أمين الجرموزي كان يبلغ من العمر27 عاما من،مواليد1989م محافظة صنعاء .. تلقى تعليمه الأساسي في مدرسة القادسية في منطقة الصياح بمديرية شعوب بأمانة العاصمة ،ثم أكمل تعليمه الثانوي في مدرسة الفاروق ، وفي العام 2009م التحق أمين بكلية الإعلام بجامعة صنعاء ، فقد كان حلمه ان يكون إعلاميا بارزا ينصر قضايا المظلومين في كتاباته ويصل بمعاناة الضعفاء إلى صناع القرار ، هكذا كان يردد.
كان أمين متفوقا في دراسته الجامعية ، وفي عام 2013 م. تخرج أمين من الجامعة بتقدير جيد جدا ، بعد مسيرة حافلة من الجد والاجتهاد والانخراط في مختلف الفعاليات والأنشطة الجامعية ، التحق بعد ذلك للعمل في صحيفة الثورة كمحرر صحفي في الإدارة الاقتصادية للصحيفة ، وتميز بالانضباط وحبه للعمل وكسب مودة وصداقة العديد من الزملاء الإعلاميين ، وما إن بدأ العدوان الغاشم على بلادنا في السادس والعشرين من مارس عام 2015م حتى لبى أمين داعي العزة والكرامة وانطلق من ثائر ومجاهد بقلمه إلى باذل روحه في الانتصار لعزة وكرامة بلاده ، فانضم إلى ميدان المقاومة الإعلامية ليعمل في الإعلام الحربي لتوثيق الحقائق والمشاركة الفاعلة في الدفاع عن سيادة اليمن شعبا وإنسانا ، فما من جبهة الا وكان أمين حاضرا فيها.
صبر وجلد
هنا تقول لنا أخت الشهيد فتحية : كان الشهيد مجتهدا في دراسته حيث كان يحصل على مراتب متفوقة. . وكان له بصمات متعددة في جميع الفعاليات، محب للأنشطة والأعمال الطوعية ولديه ميول أدبية، فقد كان يكتب الشعر ويؤلف القصص الأدبية، يألف الناس ويألفونه ، متحمل للمسؤوليات وإليه تحتكم العديد من الأمور، لرزانة عقله ورجاحته رغم صغر سنه، وبعد حياة حافلة بالجهاد الإعلامي والبطولي والإنجازات النوعية قرر أن يختم أمين حياته بالشهادة، ويلتحق بقافله الشهداء. بعد أن جاهد بقلمه وكاميراته وروحه الطاهرة في العديد من جبهات العز والشرف. أوراق ذكرياتهم من بطولات المواجهات لن يمحوها الدهر مهما مرت أيامه بل ستبقى على مر السنين. فهنيئا لك يا أمين إذ انتقلت إلى جوار ربك وسلام عليك يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا.
الشهيد رشاد
الشهيد الملقب بأبي هاشم هو رشاد خالد الحوثي كان رشاد طيب القلب جداً، ولا يعرف الحقد أو الكره طريقاً إلى نفسه.. سريع الرضا.. متسامح.. يبذل كل ما بوسعه للإصلاح بين المختلفين، سواء أكانوا من أقاربه أم الآخرين.. كريم جداً.. كما كان ذكياً في دراسته، ومن هوايته هندسة وإصلاح الأشياء.. وقد كانت والدته تتوقع أن يصير مهندساً في المستقبل.. كما كان مرحاً وحنوناً جداً مع أهله وجميع من يعرفه وخاصةً شقيقه الأصغر الذي لم يتجاوز الثمان سنوات..مسيرة حياتية مليئة بالإيمان والجهاد.. وجه يعلوه النور ويكسوه السرور.
هكذا كانت حياة المجاهد الخالد رشاد.. اصيب رشاد بالعديد من الإصابات والجراحات لعل أبرزها في جبهة مأرب عندما دخلت شظية حارقة من بطنه واخترقت الأمعاء الغليظة والكبد الذي استأصلوا جزءا منه فيما بعد وأدى ذلك إلى أن نزف أربعة لترات من الدم واستمر النزيف لمدة أربع ساعات ، لكنه كان قويا جدا، وظل محافظاً على هدوئه وتركيزه ولسانه لا يفتأ عن التسبيح والذكر حتى تم إسعافه إلى صنعاء، وعندما وصل إلى المشفى أخبرهم باسمه وقد أصابت الطبيب الدهشة وملأها الإعجاب والتعجب من ثباته وصلابته.! حزن رفاق رشاد لإصابته وقالوا: لقد أُصيب من كان يسعفنا، فمن سيسعفنا؟ وعلى الرغم من جراحه العميقة وإصاباته البليغة إلا أن رشاد لم يتحمل بقاءه بعيداً عن ساحات البطولة التي اعتادت نفسه على استنشاق هوائها الذي يفوح منه عبق الحرية.. فعاد المجاهد البطل إلى الجبهة.. لكن أصدقاءه المجاهدين منعوه لِما يعلمون عن إصابته، فلبث قليلاً ثم للعمل في إيصال المدد للمجاهدين ثم عاد مقاتلا في المفرق( بين الجوف ومأرب) وكانت هناك زحوفات كبيرة جداً تصدت لها مجموعة قليلة من رجال الرجال المؤمنين الصادقين كان الشهيد من بينهم.
هذه الزحوفات كان يروج لها العدو إعلاميا بشكل كبير ولفترة طويلة حيث كان يريد العدو دخول صنعاء من جهة مأرب وكان أول زحف كبير وقت الفجر يوم الأربعاء 16 ديسمبر 2015م.. لكن تصدى له الصادقون الأوفياء.. تصدوا بأجسادهم وأرواحهم له، وحالوا بينهم وبين أوهامهم وأحالوها إلى رماد تم ذره في عيونهم.. ليعلموا أن صنعاء أبعد عليهم من عين الشمس.
ارتقى الكثير من المجاهدين في هذه الملحمة شهداء كان من بينهم المجاهد العظيم رشاد، وأما عن شعور أسرته وهي من الأسر المجاهدة المنطلقة فقد تقبلت الأمر بكل رضا وصبر وفرح ممزوج بألم الفراق.. تقول والدة الشهيد: لم اتفاجأ لأني كنت متوقعة، والأم تحب لابنها أجمل وأفضل الأشياء ولا يوجد أحسن ولا أفضل ولا أشرف مما وصل إليه ابني الغالي، لم يعد هناك تعب أبداً.. الله يجعلها راحة أبدية ويلحقنا بعده صالحين.
الشهيد محمد
وأما الشهيد محمد احمد الحملي من منطقة حدين في مديرية السبعين بأمانة العاصمة فقد امتلك شخصية مميزة منذ صغره وكان يمارس رياضة التايكواندو وحصل على حزامين فيها.. وكان شديد التمسك بقناعاته فكان أول طفل يؤدي الصرخة في المدرسة ما أدى إلى استدعاء والده وحضور طقم إلى المدرسة آنذاك.. كما بدأ المشاركة في حضور الفعاليات والمسيرات وهو لا يزال في الثانية عشرة من عمره.
تحمل محمد المسؤولية مبكراً وكانت أسرته تعتمد عليه في كل شيء فقد كان خدوماً وشجاعاً و يُعتمد عليه و هذا ما أهله أن يكون رئيسا للكشافة في المدرسة وكان محبوباً من مدرساته ومعلميه.. كما اتصف محمد بكثير من الصفات الجميلة منذ نعومة أظفاره.. فقد كان مؤدباً مهذبا وخجولاً ومرهف الأحاسيس وكان طيباً وحنونا.. وعندما وصل عمره الخامسة عشرة التحق بالمكتب السياسي لأنصار الله وكان محبوباً من كل من يعرفه لما فيه من صفات نبيلة.. بمن فيهم وفي مقدمتهم أفراد أسرته والذين يشيدون ويفتخرون بأخلاقه العالية .
كان محمد مواظبا على الصلاة ويستحيل أن يفرط فيها ولا يقدم أي عمل عليها مهما كان.. وعلى الرغم من مرضه، فقد كان مصاباً بروماتيزم حاد في القلب وروماتيزم في المفاصل أيضا وكان يتعب بشكل كبير وقد وصف له الطبيب إبرة كل 21 يوماً لمدة ثمان سنوات.. إلا أنه كان أحياناً يزحف زحفاً إلى الحمام من أجل تأدية الصلاة فقد كان المرض قوياً عليه ولا يسمح حتى لوالده بمساعدته.
لكن هذا المرض على شدته لم يمنعه من الجهاد والالتحاق بجبهات الشرف في سبيل الله والوطن.. وكان كثير التوصيات لأهله وبارا جداً بوالديه.. وله في الإحسان أروع القصص وأجمل المعاني التي لا يتسع المجال لذكرها.. فقد كان كثير الإنفاق ودائماً ما يحث أهله على ذلك، ويقول: “وأنفقوا مما تحبون”ويقول: الإنفاق يزيل النفاق.. وقد جاب مجاهداً الكثير من المحافظات مثل تعز ونهم والجوف ومارب وفي أراضينا المحتلة مثل جيزان ونجران والتي كان لها شرف احتضان دمائه الزكية الطاهرة.
كان محمد المشرف اللوجيستي على جبهة نجران.. لكن أهله لم يكونوا يعرفون ذلك، وكان من أقواله: الله يثبتنا.. الله يثبتنا.. عملنا لله وليس لأشخاص.. تحمّل الشهيد مسؤوليات كبيرة وهو لم يكن قد أكمل العشرين من عمره حينها.. إنَّ من أكثر ما يميز الشهيد محمد هي أخلاقه التي كانت تأسر الألباب وتجعل كل من يعرفه يقف محتاراً لهذه الروح الطاهرة التي كأنها أتت من الجنة في زيارة قصيرة وسرعان ما عادت إليها.
في جبهة نجران كان له مع الشهادة موعد.. شارك محمد في الكثير من الاقتحامات والبطولات، وكان يقترب من تحقيق حلمه.. و هو من كان يقول لوالدته :ماذا قدمنا لدين الله.. الله المستعان يا أماه؟!! إذا حصل وأكرمني الله بالشهادة.. استقبلوني كأنكم تستقبلون خبراً طيباً من الله.. وكونوا من المستغفرين الحامدين الشاكرين.. الله يتقبلنا.. الله يثبتنا.
كان محمد يشارك في الاقتحامات والمواجهات في نجران وخلال ذلك يقوم بتفقد أولئك البدو في الصحراء . و توجه من فوره إليهم وقد جلب لهم كل ما يستطيع من طعام وحاجيات .. وحال وصوله كان يدعو أحد أولئك البدو وهو لا يزال فوق الطقم.. تعال يا فلان وهو يضحك من كل قلبه.. تعال خذ حاجتك( وقد جلب له أيضاً شيئاً يحبه وهو يلوح له به ).. وما إن نطق بها.. حتى أقبلت الطائرة العدوان وقامت بالضرب عليه في نفس الوقت وافتدى محمد أحد أصدقائه بنفسه حيث قام بتغطيته بجسده فارتقت روحه الطاهرة إلى بارئها واستشهد معه ذلك البدوي وطفل وجرح أحد أصدقائه.
وكان استشهاده بتاريخ 8 أكتوبر02016وقد وجدوا في جيبه بعد استشهاده بطاقته وبعض الأوراق مع صورة الشعار وأربعين ريالاً وهو من كان المشرف على منطقة نجران حينها.. وتم قطع شارع السبعين بالطقومات ليحظى ذلك الجثمان الطاهر بزفاف لائق وكان احتفالاً عظيماً زينه البرع والأهازيج الجميلة.. ليوارى جثمانه الطاهر في زفاف أخير إلى جوار أصدقائه الذين كان يزورهم في روضة الشهداء ويفتقدهم كثيراً.. حزنت الأم لفراق ولدها الحبيب لكنها قالت :لأجل دين الله يرخص كل غال وأشكر الله الذي وفقني بدفع ابني إلى ساحات الشرف والعزة بعد الرغبة والإصرار منه.
الشهيد بشار
الشهيد بشار أحمد المؤيد.. أمضى في الحياة الدنيا أربعين عاما كانت حافلة بالإنجازات والعطاء ومتوجة بالإبداع والابتكار والتفرّد والتميز..انخرط بشار منذ ريعان شبابه في الكثير من الأعمال السياسية والإدارية وتقلد الكثير من المناصب القيادية المهمة ونتيجة لاهتمامه الكبير بعمله فقد أدى ذلك إلى نجاحه الدائم.. وبين كل ذلك كانت الشهادة دائماً نصب عينيه وأغلى آماله.
ولأن عقله كبير ومبتكر ومحب للإبداع وأفكاره عظيمة واستثنائية، وتميّز بالذكاء والحكمة فقد انشأ العديد من المشاريع العظيمة والمهمة والتي كان له قصب السبق في انشائها والتي كان يهدف من خلالها إلى تطوير الوطن والنهوض به.. وأيضاً إلى خدمة المواطن وتوظيف أكبر عدد من الشباب والشابات من خريجي الجامعات وغيرهم.
كان بإمكان الشهيد بشار أن يحقق الكثير من المكاسب لنفسه وكان الباب مفتوحا له على مصراعيه.. لكنه كان شديد الارتباط بمبادئه وقيمه العظيمة السامية.. وعندما رأى أن بعض تلك المشاريع قد انحرفت عن المسار الذي أُنشئت من أجله قام بمعارضة ذلك حتى تم الاستغناء عنه.
كان بشار رجلا قيادياً يحمل بين جنباته أحلام الشباب وآمالهم وتطلعاتهم في التغيير نحو الأفضل.. ولم يكن هذا الحلم يفارقه مهما كانت الظروف والصعاب بل كان قلبه الكبير المحب للوطن والخير لأبنائه يزداد تعلقاً به وسعياً نحوه يوماً بعد آخر.. ما جعل له أهمية كبيرة في قلوب كل من عرفه حتى أصبح ملهما لدى الكثير منهم لكن الدنيا بزخرفها ومالها ومناصبها لم تجد سبيلاً إلى قلبه وما إن بدأ العدوان على اليمن حتى انطلق ملبياً لنداء الوطن ومنخرطاً في صفوف المجاهدين الأبطال الذين نذروا أرواحهم للدفاع عن حياض الوطن الغالي وعن الشرف والكرامة.
خاض الشهيد البطل بشار المنايا ضاحكاً ومستبسلاً ولم يستنكف عن اللحاق بصفوف المجاهدين الميامين في الميادين كونه كان ذا منصب من قبل، بل كان له شرف الالتحاق بركب رجال الرجال العظماء الأحرار وله في ساحات الوغى وميادين البطولة قصة تدل على مدى قوة إيمانه وارتباطه وثقته بخالقه عز وجل.. وهو يقين العارفين المستبصرين.
كان ذلك حين جرت محاصرته هو وأربعة عشر مجاهداً في لحج بأربع مدرعات في منطقة صحراوية مكشوفة محاذية لطريق الحرور الواصل بين خط عدن أبين وبين لحج (بساتين الحسني) ومطالبتهم بالاستسلام والانبطاح على بطونهم.. لكن بشار لم يرض بالاستسلام ولم يقبل أبداً أن يسلم نفسه لهم وكان يحث أصدقاءه بكل ما يستطيع على أن يلحقوا به وأن يفعلوا مثله وألا يسلموا أنفسهم لأولئك المحتلين والمرتزقة المجرمين.. وكانوا خلال ذلك يرون مناظر بشعة جداً من جثامين الشهداء الذين تم تعذيبهم والتمثيل بهم على جنبات الطرق…! لكنهم لم يستمعوا إليه ، وكان قد بلغ منهم العطش والتعب مبلغه والمشرف عليهم كان جريحاً أيضاً .
وقبل تاريخ استشهاد بشار قال لزوجته عندما التقاها :أنا لم آت إلا لتوديعك.. فأنا شهيد.. وأما عن أهله فقد فرحوا له بالشهادة التي كان يتمناها حتى لو كانت ممزوجة بألم الفقد، وها هي زوجته تقول : كنت سأشعر بغصة وقهر كبير لو كان مات بحادث و لكني فرحت له لأنه نال ما كان يتمنى..

قد يعجبك ايضا