عند مقارنة ردود الأفعال الغاضبة من خطة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” المتمثلة بانسحاب القوات الأمريكية من سوريا مع إنشاء ما يسمى بـ”المنطقة الآمنة” في شمال سوريا، فإنه سيبدو من الواضح أن الجانب التركي هو الذي رحّب بكلتا الخطتين، وهذا يدل على أن قواعد اللعبة قد تغيرت، فأولئك الذين عارضوا خطة الخروج بشكل صريح أو بشكل ضمني يوافقون الآن بشكل أو بآخر على إنشاء منطقة آمنة، وبالعكس فأولئك الذين وافقوا بشكل صريح أو بشكل ضمني على انسحاب القوات الأمريكية من سوريا يعارضون الآن إنشاء ما يسمى بـ ” المنطقة الآمنة” ويشعرون بقلق شديد بسبب هذه القضية.
إن مثلث إيران وسوريا وروسيا يتفقون بصراحة أو بشكل ضمني على ضرورة انسحاب القوات العسكرية التابعة لأمريكا من سوريا على الرغم من الشكوك التي تراودهم بأن واشنطن لن تقوم بذلك الانسحاب.. أما بالنسبة للمسلحين الأكراد في سوريا ومؤيديهم في أمريكا وكذلك الكيان الصهيوني والسعودية فهم يعارضون بشدة تنفيذ خطة الانسحاب الأمريكية من سوريا.
لقد كان الموقف الروسي حازماً تجاه المقترح الأمريكي بإنشاء “منطقة آمنة” شمال سوريا، حيث أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن الجيش السوري هو من يجب أن يسيطر على شمالي البلاد، وقال “لافروف” للصحفيين: “نحن على قناعة بأن الحل الوحيد والأمثل هو نقل هذه المناطق لسيطرة الحكومة السورية وقوات الأمن السورية والهياكل الإدارية”.
ويبدو أن أحد أهم العوامل التي أجبرت الرئيس “ترامب” على تقديم ورقة محروقة ومنتهية الصلاحية متمثلة بإنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا، يتمثل في إرضاء تلك الأطراف التي عارضت بشكل صريح أو ضمني خطة الانسحاب من سوريا وعلى رأسهم “إسرائيل”، وهذا الأمر يعني أن خطة الخروج والانسحاب من الأراضي السورية هي خطة مزعجة ومثبطة لهذا الكيان، ولكن على العكس من ذلك فإن هذا الكيان يرحب بشدة بخطة إنشاء ما يسمى منطقة آمنة في شمال سوريا وذلك يرجع إلى أن تنفيذ هذا المشروع وهذه الخطة على طول 460 كم من الحدود التركية والسورية وعلى عمق 30-32 كيلومتراً داخل الأراضي السورية سوف يتسبب من ناحية في إطالة أمد الأزمة السورية وسوف يأخذها إلى مستقبل مجهول، ومن ناحية أخرى سوف يعوق جميع المحاولات لتحسين العلاقات بين سوريا وتركيا في مرحلة ما بعد الحرب وسوف يزيد من العداء بين هذين البلدين الإسلاميين، وهذا الأمر سوف يخلق ذريعة للكيان الصهيوني للمطالبة بوضع خطة مماثلة وإنشاء منطقة آمنة على حدود سوريا الجنوبية مع “إسرائيل” وبهذا يتسنّى لتل أبيب ضمّ أراضي الجولان المحتلة إليها بشكل دائم وضم أجزاء أخرى من سوريا إليها تحت ذريعة إنشاء منطقة عازلة وآمنة.
وفي سياق متصل تبذل أمريكا وحلفاؤها في سوريا الكثير من الجهود للانتقام والثأر من أنقرة لأنها انفصلت عن مسارها السابق والتحقت بإيران وروسيا، ومن هذا المنظور فإن إنشاء ما يسمى بـ”المنطقة الآمنة” في مناطق سوريا الشمالية سوف يساعد تلك القوى الغربية وعلى رأسها واشنطن في تحقيق حلمها بالانتقام، وبالنظر إلى كل هذه العوامل وجميع كل تلك الآثار السلبية الأخرى لما يسمى بإنشاء “منطقة آمنة” شمال سوريا، فإنه يمكن اعتبار هذا المشروع فخاً سياسياً لتركيا، على الرغم من أن هذا العرض وهذه الخطة كان لهما تأثير إيجابي على حكومة “ترامب” التي أبدت تراجعاً ملحوظا في معارضتها خطة انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، ويبدو أن التطورات الجديدة التي طرأت على الملفات العالقة في شرق الفرات وإدلب، وموضوع المنطقة الآمنة، وموضوع انسحاب “ترامب”، وسيناريوهات ملء الفراغ ستبقى رهن التجاذبات بين جميع الأطراف في المنطقة.