*عندما يغرق المجرم في دماء ضحاياه
الثورة/
خلال قرابة أربع سنوات من حربه على اليمن، سفكت أنهار من دماء اليمنيين الأبرياء، ومع ذلك، تمكن بن سلمان من مواراة جرائمه وأبقائها بعيدا عن أنظار الرأي العام العالمي، من خلال ماكينة إعلامية ضخمة، وعمليات شراء أقلام ووسائل إعلام ولوبيات داخل الوطن العربي وعبر العالم، واستطاع بالتنسيق مع حلفائه التعتيم على حقيقة ما يجري وتقديم صورة مضللة ومشوهة عما يحدث في اليمن، وساعده في ذلك سلطة مؤلفة من خليط من العملاء والخونة ارتضت لنفسها أن تكون مجرد قناع أو حصان طروادة لكل الأعداء والطامعين في اليمن .
نجح بن سلمان ومن خلفه تحالفه العربي والغربي والإسرائيلي في إبقاء أنهار الدماء وأشلاء الضحايا في اليمن بعيدة عن أنظار الرأي العام في العالم ، لكنه فشل في إخفاء جريمته التي ارتكبها في اسطنبول التركية ، وتعثر الأمير الهمام بجثة الضحية جمال خاشقجي ليسقط القناع عنه ليكتشف أصدقاؤه واعداؤه صورته الحقيقية كمجرم متوحش يخلو من أي قيم إنسانية أو دينية .
ومنذ الثاني من اكتوبر 2018 م، يوم ارتكاب الجريمة بحق الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده باسطنبول ، والأمير يغرق في دماء ضحيته ومعه تغرق أحلامه وطموحاته في السيطرة على عرش المملكة والهيمنة على المنطقة العربية .
الخروج من حالة التواطؤ والصمت
بحسب الكاتب والسياسي المغربي حسن أوريد ، فقد دفعت الظرفية الحالية الناجمة عن قضية خاشقجي القوى الغربية إلى كسر جدار الصمت والجهر بضرورة وضع حد للحرب في اليمن هذا بالرغم من تواطوئها السابق مع الرياض. يقول أوريد في مقال له بموقع ” تي ري تي ” التركي بعنوان مقتل خاشقجي وورطة السعودية في اليمن :
” سرى نوع من التواطؤ الضمني للتستر على الحرب في اليمن التي شنتها قوات التحالف العسكري العربي بقيادة السعودية والإمارات في إطار ما سمي بعاصفة الحزم. الظرفية الجديدة التي نجمت عن قضية المرحوم جمال خاشقجي، وأسفرت عن المسكوت عنه في تعامل السعودية، خلّصت كثيراً من القوى، بما فيها الغربية من واجب التحفظ، رغم أن الصحافة الدولية كانت تكشف حجم المعاناة الإنسانية التي يكابدها المواطنون اليمنيون، فضلاً عن التقارير الدولية، ومنها تلك الصادرة عن الأمم المتحدة، التي كشفت عن مجاعة إنسانية غير مسبوقة، وأقرت أنه لا يمكن التغلب على الوضع المتردي في اليمن إلا بوقف الحرب. لم تكن الأوضاع اليمنية المأساوية سراً أو محجوبة عن الأنظار، ولكن القوى الكبرى كانت متواطئة على الصمت ” .
الأسرة المالكة تترنح
وفي تحليل لمحرر الشؤون الدبلوماسية بصحيفة الغارديان البريطانية ” باتريك وينتور” حول تأثير الضغوط على السعودية عقب مقتل الصحفي جمال خاشقجي على تدخلها في اليمن نشرته الصحيفة مطلع نوفمبر الماضي قال وينتور: ” يبدو أن الاتهامات التي طالت ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قد أضعفت العقل المدبر للحرب في اليمن، بحيث أصبحت هناك فرصة متاحة أمام الدبلوماسيين لإيقاف عجلة المعارك التي تهدد بكارثة إنسانية في اليمن. ويضيف وينتور أن الفرصة أصبحت أكبر بالنظر إلى التطورات الدرامية في قضية خاشقجي، وأثرها في تغيير وجهة نظر الساسة في أوروبا وأمريكا ” .
ويوضح وينتور : ” أن تفاصيل مقتل خاشقجي غير مكتملة حاليا بالنسبة للناس لكنها واضحة للساسة في أوروبا وأمريكا وهذا الأمر “هو ما يجعل الاسرة المالكة السعودية تترنح”.
القشة التي انتظرها العالم
لدى السعودية حاجة حيوية لتنويع اقتصادها، ويعد مؤتمر ” دافوس الصحراء” المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في الرياض إحدى الوسائل للخروج من ” اقتصاد النفط ” . وفي ظل الشكوك القوية التي ألقت بثقلها على البلاد بعد اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي ، أعلنت عدة شخصيات بارزة مقاطعتها للمؤتمر، ومن بينها وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين ، رئيسة صندوق النقد الدولي (FMI) كريستين لاجارد، وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لو مير ، وزير الاقتصاد الهولندي فوبكه هوكسترا ونظيره الألماني وقائمة موسعة من الوزراء والرؤساء التنفيذيين الذين أعلنوا عدم رغبتهم بالذهاب إلى الرياض بسبب الشكوك التي تحيط باختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
“بين اليمنيين الذين يقصفهم، القطريين الذين يحاصرهم، الفلسطينيين الذين يشعرون بالإحباط بسبب تحركاته وتطبيعه مع إسرائيل، الأتراك، الإيرانيين، والآن، جزء من الأميركيين، بالإضافة إلى الإعلام الأنغلوساكسوني… الأعداء كثر ” هكذا أسر دبلوماسي فرنسي رفيع المستوى لجريدة “لوفيغارو”، والذي يحذو حذو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، “في انتظار الحصول على مزيد من المعلومات” للتصويت على تدابير انتقامية محتملة ضد الرياض.
وبحسب الكاتبة سيلين جريزي ، فإن كل ذلك يدل على أن العالم كان ينتظر “القشة التي ستقصم ظهر البعير” . أمام صمت رهيب حيال ما يحصل باليمن، كانت الانتقادات لتدخل السعودية تدور بالكواليس وكانت المصالح الجيوسياسية قد طغت على النزعة الإنسانية في صراع كان أحد أطرافه شريكا مهما للغرب وحليفا له في السراء والضراء. وتختتم جريزي تعليقها بالقول:
” المعروف أن الضغط يولد الانفجار لكن هذه المرة انفجار قضية اغتيال خاشقجي ولد الضغط على الغرب إزاء ما يحصل باليمن ” .
الخروج من المصيدة
ويقول عبدالباري عطوان في “رأي اليوم” اللندنية: “إذا كانت هناك إيجابية واحدة لاغتيال الصحافي السعودي جمال الخاشقجي بطريقة دموية بشعة لا يمكن أن يقدم عليها بشر فإنها يمكن أن تتمثل في تزايد احتمالات إنهاء الحرب اليمنية وإعادة الاستقرار والأمن إلى هذا البلد الشقيق”.
ويضيف عطوان أن الحكومات الأمريكية والفرنسية والبريطانية “كانت من أبرز المؤيدين لهذه الحرب والداعمين للتحالف السعودي الإماراتي بالسلاح والذخائر وقدمت الصفقات … وما دفعها للتراجع عن هذه المواقف المخجلة هو إطالة أمد الحرب واقترابها من بداية العام الخامس دون تحقيق أي من أهدافها”.
ويقول الكاتب “المسؤولون الأمريكيون الذين أفاقوا فجأة على الحرب في اليمن ويريدون إنهاءها في أيام معدودة لم ينطلقوا من الحرص على دماء الشعب اليمني وأرواحه وإنما لإيجاد مخرج للتحالف الذي تقوده السعودية من هذه المصيدة التي دمرت صورته أمام العالم واستنزفت ثرواته (تكاليف الحرب 9 مليارات شهرياً) وباتت تهدد بإعطاء نتائج عكسية أبرزها تفكيك المملكة .
وفي افتتاحية لصحيفة الأخبار اللبنانية، بعنوان “ترامب للسعودية: اللعبة في اليمن انتهت!” تقول الصحيفة: ” إن واشنطن لم “تجد ضيراً في إدامة العدوان ما دام يعود عليها بمنافع … إلا أن جريمة قتل الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، جاءت لتكشف الصورة على حقيقتها الأكثر قتامة”. وتضيف الصحيفة:
“لم تكن تصفية خاشقجي إلا الدفعة التي أوصلت السيل إلى الزبى، ولو أن ابن سلمان استطاع تحقيق نصر سريع ونظيف في اليمن لما تسابق الغربيون على ‘نهش لحمه’ مثلما وقع عقب حادثة القنصلية”.
مطالبات غربية بوقف الحرب
التصريحات التي أدلى بها كل من وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو وكذا وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس، فضلاً عن وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي، والخارجية البريطانية عن ضرورة وقف الحرب في اليمن، تشكِّل منعطفاً مشجعاً لوقف الحرب .
وفي مقابلة له مع قناة CNNالأمريكية في 3 نوفمبر الماضي، قال المبعوث الدولي إلى اليمن، مارتن جريفيث : “لم أتفاجأ (من دعوة أمريكا لوقف إطلاق النار باليمن خلال 30 يوما) كنت في واشنطن الأسبوع الماضي، والتقيت عددا من المسؤولين وتحدثنا عن الحاجة لحل هذا الصراع، وأحد الأسباب لذلك هو تهديد المجاعة”.
وردا على سؤال حول مدى تأثير قضية مقتل خاشقجي، وقرب الانتخابات النصفية الأمريكية، قال غريفث: “أعتقد أن تلك الأمور حفزت مثل هذه الخطوة وحفزت المصالح في الدول المعنية، وليس فقط في واشنطن والمنطقة، بل حتى في أوروبا”.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، قد دعا في الثاني من نوفمبر في تصريحات للصحفيين بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، إلى “وقف فوري” للقتال في اليمن، وحدد 4 خطوات “ضرورية لتفادي كارثة وشيكة” في البلاد.