الدم الطهور رافعة السيادة
حسين زيد بن يحيى*
في الحرب العالمية الثانية قدم الروس في إطار الاتحاد السوفيتي _حينها_ عشرين مليون شخص لهزيمة الفاشية والنازية ، شلال الدم الروسي – السوفيتي خلِّص الإنسانية من إرهاب الفاشية والنازية وقبض ثمنه تحوله إلى قوة عظمى فرضت تغاضي العالم على ابتلاعه شرق أوروبا ، في مكان آخر _معاكس_ كانت حصة المنتصر الأمريكي، طبعا كل ذلك يتم على حساب مناطق نفوذ الدول المهزومة في الحرب وهي ألمانيا وإيطاليا واليابان ، بتواتر معها تمت عملية استلام وتسليم سلسة لمستعمرات الطرف الأضعف في تحالف الحلفاء وهما بريطانيا وفرنسا في أفريقيا وآسيا لصالح منتصري الحرب الكبيرين (الإتحاد السوفيتي + أمريكا ).
الجديد في الأمر _اليوم_ ان توازن الرعب النووي بين القوى الجديدة المنتصرة حال ويحول دون ذهابهما لخيار الحرب باعتبار أن أي حرب نووية ليس فيها منتصر ، توازن استحضر ( الحرب الباردة ) وكان مسرحها الاول فيتنام التي مرّغت كبرياء العسكرية الأمريكية في الوحل ، ثم جاءت الفرصة للأمريكيين للثأر من خصمهم الروسي في أفغانستان وهنا فرضت الحاجة لاستيلاد وتفعيل الوهابية السلفية لمواجهة الشيوعية، تحت يافطة (الجهاد) في أفغانستان، كان الممول فكريا وماليا السعودية والإمارات ووقودها البشري من مختلف بلدان العالم الإسلامي وبهم حققت أمريكا ثأرها من الروس ، خرج الروس من المستنقع الأفغاني مثخنين بالجراح وتلاحقهم الهزيمة وتعادل القطبان الروسي والأمريكي في الربع الساعة الأخيرة من مباراة الحرب الباردة، الحرب الباردة كشفت متانة وقوة الاقتصاد الأمريكي وبالمقابل هشاشة اقتصاد نظيرها الروسي الذي كان بحاجة إلى استراحة محارب لإعادة البناء استعداداً لجولة صرع مصالح أخرى، حروب محورها مصالح الدول الاستعمارية الكبرى فقط مسرحها ووقودها كانت دول وشعوب العالم الثالث .
التآمر على منطقتنا العربية الإسلامية _الوجودي_ بدأ من زراعة الغدة السرطانية (إسرائيل) إلى حلف بغداد والشرق الأوسط الكبير ومن ثم الجديد وصولا إلى (صفقة القرن) ، مرحلة توج فيها الكيان الصهيوني قائدا لمنطقة غرب آسيا وبحيرة البحر الأحمر، حيث من المعروف أنه منذ العام 1970م شكلت منطقتنا العربية منطقة مصالح حيوية للامبراطورية الاستعمارية الأمريكية، وأصبح (النفط) ضامناً (الدولار) الأمريكي بدلا عن الذهب ، فكان مخطط إحكام سيطرة الاستعمار الأمريكي ومخلبه (الكيان الصهيوني) على الجزيرة العربية الذي أصيب مؤخرا بانتكاسة جزئية بسبب تدخل داخلي متمثل بتيار المقاومة وخارجي باصطدامه بالمصالح الحيوية الروسية الرافضة لمد أنبوب الغاز من الخليج إلى أوروبا ، حيث كان من المفترض إقامة دولة دينية (داعش) لتبرير إعلان (أسرائيل دولة يهودية ) ، تستكمل صفقة القرن بتقسيم الدولة السعودية إلى كانتون (الحجاز) المفترض أن يكون شبيها بدولة (الفاتيكان) ، أما المناطق الشرقية الغنية بالنفط تقسم إمارات مذهبية ضعيفة لا تستغني عن الحماية الأمريكية الصهيونية، وبذلك يتم التخلص من النظام السعودي المتخلف باعتباره يشكل عبئاً يحرج الديموقراطيات الأمريكية والأوروبية أمام شعوبها ، من ناحية أخرى إلصاق تهمة الوهابية السلفية الارهابية به ودفنهما معاً ، تحقيقا لذلك المخطط تم تجميع أكثر من ألف عالم اسلامي بين هلالين (سني) في غروزني /الشيشان 2015م تمت فيه البراءة من انتماء الوهابية السلفية إلى مذاهب أهل السنة والجماعة ، وفي ذات العام تم الدفع بالنظام السعودي للعدوان على اليمن لإفراغ ما لديه من التراكمات المالية التي وفرتها له التخمة النفطية من خلال صفقات الأسلحة والحماية وعلى طريق تفكيك المملكة لاحقاً.
مع كل ذلك يلاحظ التحول الراهن في التوجه الدولي من العدوان السعودي الإماراتي على اليمن والذي لا علاقة له بمزاج ومزاعم الأخلاق والكارثة الإنسانية. القوى الدولية الشريرة دفعت بكل قطعان الجماعات الوهابية السلفية لمحرقة لليمن للتخلص منها بحكم معرفتها المسبقة أن الجيش و اللجان الشعبية اليمنية القوة الوحيدة المؤهلة لاجتثاث تلك الشجرة الملعونة الخبيثة ، الشعب اليمني وحده من يدفع اليوم الدم الطهور لهزيمة (داعش الكبرى) السعودية والإمارات اللتين أصبحتا تهددان الأمن والاستقرار الدوليين وبالتالي على المفاوض اليمني أن يعرف دوره التاريخي وأهميته للإنسانية، صحيح أن الوازع الديني والأخلاقي للجيش واللجان الشعبية وقيادة الثورة اليمنية ثقافتها قرآنية تنزع عنها أي مطامع في أراضي الغير، مع ذلك كل الأحرار الثوار اليمنييين لن يقبلوا بأقل من أن يكون الدم اليمني الطهور للجيش واللجان الشعبية رافعة السيادة الوطنية، المتمثلة في المشروع القرآني للدولة المدنية المقتدرة العادلة المستقلة الذي حددت معالمه الرئيسية ملازم الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي (رضي) ، من خلال وحدة قابلة للاستمرار وبالتراضي في يمن حر سيد مستقل على رقعة حدود وثيقة الاستقلال 30 نوفمبر 1967م واتفاقية الطائف 1934م، حدود يضمنها لليمن القانون الدولي والدستور اليمني _الحالي_ الذي يلغي اتفاقية جدة 2000م الحدودية المفرطة بالأرض ، وبالتأكيد قيادتنا الثورية والسياسية تستوعب ذلك وأكثر وبالذات قائد الثورة العلم السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي الذي حوله إجماع وطني من كل الثوار والأحرار اليمنيين ، لكن يظل السؤال الأهم: هل يستعيد الوعي الجمعي الجنوبي ذاكرته الوطنية والثقافية وحقيقة انتمائه لمدرسة تريم – حضرموت – اليمن ؟!! تلك المدرسة السمحة التي أسلم على يدها أكثر من نصف مليار مسلم ، وأن الوهابية السلفية ما هي إلا وافد دخيل على الجنوب و اليمن والإسلام ، تلك المطالبات المبررة باستنهاض الجنوبيين للقيام بواجباتهم النضالية في التحرر من واقع الاحتلال لا يعفي القيادة السياسية بصنعاء من إبداع مقاربات تشكل مدخلاً لوحدة قوى التحرير والاستقلال من حوف – المهرة شرقاً الى أرخبيل جزر حنيش وزقر- الحديدة غربا .
*منسق ملتقى التصالح والتسامح الجنوبي
** 21 ديسمبر 2018م