قد لا يكون الصراع القائم بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وعمّه الأمير أحمد بن عبد العزيز ظاهراً للعيان بشكل واضح، إلا أنه يشبه “النار تحت الرماد” ويبدو أن دخانه بدأت يعمّ أرجاء القصور الملكية في مرحلة استثنائية من تاريخ السعودية، حيث يعاني ولي العهد من التشتت في كل شيء ولاسيما التعاطي مع حلفائه التقليديين الذين أصبحوا أقرب من أي وقت مضى للابتعاد عنه قدر المستطاع نظراً للإحراج الذي يسببه لهم بشكل مستمر، وبينما يخفت نجم الأمير الشاب محمد بن سلمان نشاهد صعوداً تدريجياً للأمير أحمد بن عبد العزيز العائد من لندن بحماية من الأمريكيين والبريطانيين.
مؤخراً، ظهر الأمير أحمد في حفل زفاف ملكي لدى عائلة آل سعود تحوّل إلى اجتماع مبايعة خاصة للأمير أحمد بن عبد العزيز لحكم السعودية بدلاً من أخيه الملك سلمان، وإزاحة ابن سلمان عن ولاية العهد، بعد التخبطات والجرائم التي قام بها بطريقة فاشلة قد تؤدي إلى الإضرار بحكم آل سعود للمنطقة.
وقد بثت حسابات مقربة من العائلة الحاكمة في السعودية، مشاهد تظهر الأميرين متعب بن عبد الله، ومحمد بن نايف، وآخرين، إلى جانب الأمير أحمد بن عبد العزيز.
وأدى الأمير أحمد، والأمير متعب بن عبد الله، العرضة السعودية الشهيرة، وذلك خلال حضورهما حفل زفاف حفيد الملك عبد الله، الأمير عبد الله بن فيصل، الذي عقد قرانه على ابنة عمه، الأميرة لطيفة بنت خالد، واحتفى مجموعة من الأمراء بحضور الأمير أحمد، بالتقاطهم صوراً تذكارية معه، فيما شهد الحفل حضور أغلبية أبناء الملك عبد الله.
ومنذ عودته إلى السعودية من منفاه الاختياري في أوروبا، بضمانات أمريكية وغربية، قبل أسابيع قليلة، يتردد أن الأمير “أحمد بن عبدالعزيز”، شقيق العاهل السعودي “سلمان بن عبدالعزيز” سيكون له دور خلال الفترة المقبلة، ولاسيما ضد ولي العهد الحالي “محمد بن سلمان”، والذي تسبب بأزمة دولية غير مسبوقة للسعودية بسبب تورّطه المفترض في اغتيال الصحفي “جمال خاشقجي” داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، إضافة إلى حرب اليمن التي شهدت انتهاكات ارتكبها التحالف، بقيادة الرياض هناك، وجلبت انتقادات أممية ودولية وإجراءات أمريكية.
الأمير أحمد بن عبد العزيز لم يظهر على شاشات الإعلام كثيراً منذ أن وصل الرياض لكن ظهوره الأخير إلى جانب الأميرين متعب بن عبد الله، ومحمد بن نايف، وآخرين، في حفل زفاف ملكي لحفيد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، يشيء بأن حلفاً جديداً قوياً بدأ يظهر للعلن قد يتولى مفاصل الحكم في البلاد وفقاً لتطورات المرحلة المقبلة، ومن هنا يمكننا القول بأن ابن سلمان في ورطة كبيرة في حال قدّمت الدول الغربية الدعم للأمير أحمد على حسابه وقد تتم الإطاحة بولي العهد بأي لحظة لمجموعة الأسباب التالية:
أولاً: قضية خاشقجي لاتزال قائمة وتبعاتها لم تنتهِ حتى اللحظة لا على المستوى الشعبي ولا على المستوى السياسي، فعلى المستوى الشعبي جميعنا شاهدنا التظاهرات الشعبية التي خرجت في العواصم العربية والعالمية التي زارها ولي العهد مؤخراً، منددين بالزيارة ومطالبين بمحاسبة قتلة خاشقجي حتى أن بعضهم رفع دعاوى قضائية ضد ولي العهد فيما يخص حرب اليمن التي شنّها التحالف العربي بقيادة الرياض على اليمن وتسببت بمقتل الآلاف من أبنائها، وحالياً يزور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الجزائر، وتلقى هذه الزيارة معارضة من أحزاب وجمعيات وشخصيات إعلامية وثقافية جزائرية، حتى أن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لن يستقبل ولي العهد بسبب معاناته من عارض صحي طارئ بحسب الرئاسة الجزائرية.
على المستوى السياسي: فيما عدا المصافحة الحميمة بين ابن سلمان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين حاول جميع زعماء مجموعة العشرين “الذين اجتمعوا في الأرجنتين نهاية الأسبوع الماضي” تجاهل ولي العهد وقد بدى ذلك واضحاً خلال التقاط الصورة التذكارية، حتى أن الداعم الرئيسي لولي العهد الرئيس دونالد ترامب تجاهل ولي العهد ولم يلتقِ معه بحجة عدم الترتيب للقاء.
إذن هناك رفض شعبي ودولي لولي العهد والجميع ينظر إليه بعين المقصر إن لم يكن المسؤول عن مقتل خاشقجي، وهذا لن يكون في مصلحته تحت أي ظرف في وصوله للعرش.
ثانياً: منذ أسابيع، تتردد أنباء عن احتمالية أداء الأمير أحمد بن عبد العزيز دوراً رئيسياً في المرحلة المقبلة، إما بتوليه منصب ولاية العهد، أو تنصيبه ملكاً للبلاد، في حال أدين محمد بن سلمان رسمياً في قضية قتل الكاتب جمال خاشقجي، فبعد اغتيال خاشقجي في مقر قنصلية بلاده في إسطنبول بداية شهر أكتوبر الماضي، وانتشار تفاصيل عملية الاغتيال البشعة، ازدادت المطالب بإزاحة ابن سلمان عن المشهد السياسي في السعودية، وخصوصاً بعد تصريح الأمير أحمد عن عدم مسؤولية آل سعود عن تصرفات من هم في الحكم الملك وابنه.
الأمير أحمد بن عبد العزيز مؤهل ليحكم البلاد في الفترة المقبلة، وعودته إلى البلاد بحماية أمريكية بريطانية ليست عن عبث، فالأمير أحمد هو الابن الحادي والثلاثين من أبناء الملك المؤسس عبد العزيز، وهو أصغر أبنائه من زوجته الأميرة حصة بنت أحمد السديري، وهو ممَّن يطلق عليهم لقب السديريون السبعة، وشغل الأمير أحمد منصب نائب وزير الداخلية في السعودية (1975 – 2012)، وهو أحد الأبناء الأقوياء للملك المؤسّس، ويُشار إليه على أنه أقوى المرشّحين لخلافة الملك سلمان، ويمثّل أكبر تهديد لطموحات محمد بن سلمان.
يذكر أن الأمير أحمد لم يكن راضياً إطلاقاً عن تولي ابن سلمان ولاية العهد، فقد كان واحداً من ثلاثة أعضاء من هيئة البيعة الذين عارضوا تعيين ابن سلمان، بل إنه امتنع عن مبايعة ابن شقيقه عندما جرى تنصيبه ولياً للعهد، وسبق للأمير أحمد أن رفض حضور حفلات استقبال رسمية دعاه إليها شقيقه الملك سلمان، وعندما توفي شقيقهما عبد الرحمن بن عبد العزيز لم تُرفع سوى صورتان في حفل التأبين الذي دعا إليه.
وهاتان الصورتان كانتا لمؤسس السعودية عبد العزيز والملك الحالي سلمان، وكان واضحاً غياب صورة ولي العهد محمد بن سلمان لدرجة أنه عندما انتشرت على نطاق واسع، بذل “الذباب الإلكتروني” جهداً كبيراً للادعاء أن اللقطة كانت مزورة.