*سيناريوهات متشابهة في الأطماع والممارسات والمصير المحتوم
إعداد/إدارة الاخبار
عدن حاضرة اليمن وثغرها الباسم واحد اهم مراكز التجارة والاقتصاد على مستوى العالم كانت منذ زمن بعيد ولاتزال إلى يومنا محط أنظار الطامعين والمحتلين وبقيت تحت الاحتلال البريطاني لعقود طويلة قبل أن تجبر الامبراطورية التي قيل عنها بأن الشمس لا تغيب عن اراضيها إلى الرحيل القسري تحت ضربات مقاومة الشعب اليمني التي توجت انتصارها الكبير بطرد آخر جنود المستعمر الانجليزي في الـ30من نوفمبر من العام 1967م في هزيمة نكراء كانت ايذانا بانهيار واحدة من اعظم البلدان الاستعمارية في العصر الحديث .
تلك الهزيمة المذلة التي ألحقها الشعب اليمني بالمملكة العظمى لم يحد من أطماعها الخبيثة في عدن ومينائها العالمي الهام وفي خيرات اليمن بشكل عام بل ظلت هاجسا يراودها ويدغدغ أحلام كل الانظمة الاستعمارية في دول الاستكبار العالمي والتي دفعت بعد أكثر من ثلاثة عقود على رحيل آخر جندي انجليزي من تراب اليمن بأدواتها مجددا لاحتلال اليمن ونهب خيراته تحت مزاعم وحجج واهية لا علاقة لها بحقيقة العدوان والاحتلال الجديد الذي يقوده أعراب الصحراء وأنظمة العمالة والارتهان في دويلات وممالك شبه الجزيرة العربية التي تبسط اليوم احتلالها على عدن والمحافظات الجنوبية من الوطن اليمني وتحيلها إلى دمار وفوضى عارمة لكن ما يؤرق المحتلين الجدد بعد بضع سنين خلت على معاودة احتلالهم اليمن ذلك المصير المخزي الذي لحق بأسيادهم الانجليز رغم ان استعمارهم القديم استمر لـ129عاما.
النسخة الاكثر تخلفا
الوضع الحالي الذي تعيشه عدن ومختلف المحافظات الجنوبية الشرقية الواقعة تحت سيطرة قوى الاحتلال السعودي الاماراتي ومن ورائهم اسيادهم في واشنطن ولندن وتل ابيب يثبت أن النسخة الجديدة من الاحتلال الحديث هي الاكثر تخلفا وهمجية وحقدا على اليمن أرضا وإنسانا فقوى العدوان السعودي الاماراتي تسابق الزمن لإلحاق اكبر الخسائر والأضرار بالوطن ومستقبل أبنائه من خلال ممارسات وانتهاكات لا تكاد تتوقف بحق المواطنين فأنشأت السجون والمعتقلات السرية منها والعلنية واوجدت المليشيات المسلحة متعددة الولاءات والانتماءات بهدف زرع الفتنة والصراعات الدائمة بين ابناء البلد الواحد ناهيك عن تنفيذ جرائم اغتيالات ممنهجة للقادة العسكريين ومشائخ الدين والشخصيات الاجتماعية والمحاولات المحمومة لطمس الهوية الوطنية في نفوس اليمنيين وهي الاساليب ذاتها التي دابت عليها بريطانيا قديما
ومَن يتتبع خريطة الحضور الحالي لقوى الاحتلال السعودي الاماراتي في جنوب الوطن حالياً وبالتحديد منذ وطأت أقدامهم التراب اليمنية الطاهرة في يوليو 2015م، فإنه لن يجد فارقاً كبيراً بين مناطق التمركز المباشر لها وخاصة القوة الاماراتية الغازية وبين المناطق التي تمركزت فيها بريطانيا في احتلالها القديم حيث كانت عدن هي الخطوة الأولى للمحتلين قديمهم وحديثهم ثم كانت جزيرة ميون في باب المندب هي الخطوة الثانية إضافة إلى سقطرى..فيما كانت المناطق المحاذية للساحل الجنوبي والمحيطة بمضيق باب المندب هي أبرز المناطق التي حرص الغزاة في السابق وفي الوقت الحالي على السيطرة المباشرة عليهما، مع شن حملات قمع وبطش ضد كل من يقف أمامها من المواطنين اليمنيين الرافضين للتواجد الأجنبي على أراضيهم.
وفي اطار التقاسم الخبيث لأراضي وخيرات الوطن بين قطبي تحالف العدوان والغزو السعودي الاماراتي أنشأت هذه الاخيرة ما يعرف بقوات الحزام الأمني في كل من عدن وأبين ولحج وهو يتكوّن من فصائل عدة بقيادات محلية على مستوى المديريات، بحيث لا يمكن أن تشكّل خطورة كقوة كبيرة مجتمعة تحت قيادات موالية لها كما قامت أبوظبي أيضاً بتدريب وتسليح جيوش محلية في أكثر من محافظة، كالنخبة الحضرمية في حضرموت والنخبة الشبوانية في شبوة، وأخيراً النخبة المهرية التي ما زالت غير قادرة على السيطرة في المهرة بسبب الرفض الجماهيري الشديد لهذه التوجهات وهذه الممارسات الهادفة الى إضعاف الهوية القومية اليمنية الجامعة كما فعلت بريطانيا من قبل حيث أعادت القوات الإماراتية المحتلة السيناريو البريطاني والمتمثل بإنشاء قوات عسكرية متعددة ومنفصلة عن بعضها ومنها (جيش عدن أو “جيش الليوي”، الحرس الحكومي، الحرس القبلي، جيش البادية الحضرمية، الجيش اللحجي، جيش المكلا النظامي، الجندرمة القعيطية والكثيرية)، وذلك لتتمكّن من توظيف كل قوة ضد الأخرى. وفي الوقت نفسه، اختارت المجنّدين في هذه المليشيات على أساس مناطقي (فصيل العوالق والعواذل، فصيل يافع وعزان، فصيل الحسني والميسري) بحيث يمكن لجيوش كل قبيلة إخضاع الأخرى من دون أن تثنيها عن ذلك عوامل القرابة والولاءات القبلية، وفي الوقت نفسه لا يمكن أن تشكّل هذه القوات المقسّمة تكتلاً عسكرياً كبيراً يمثّل خطراً على الإنكليز لاحقاً. تلك الخطوات البريطانية الخبيثة التي اعتمدت في السنوات الاولى لاحتلالها جنوب اليمن في العام 1828م يشبهها الى حد كبير التجربة الإماراتية التي اعتمدتها في انشاء المليشيات المسلحة الموزعة على أسس مناطقية ويمكن لأي عابر يمرّ في الطريق الرابطة بين عدن غرباً والمهرة شرقاً، ملاحظة تركيبة عشرات النقاط الأمنية القائمة على الطريق الطويل، وهي تعرف لدى المواطنين باسم المنطقة التي ينتمي إليها أفرادها (نقطة يافع، نقطة ردفان، نقطة الضالع إلخ). إلاّ أن أبوظبي اختلفت عن لندن في اختيار المناطق التي تجنّد منها، فقد اعتمدت الأولى بوضوح على شبوة وأبين (العوالق والميسري والحسني وعشال فيما اختارت أبوظبي مجنّديها في الأغلب من مناطق يافع والضالع وردفان، وهي المناطق التي هيمنت على الجيش الجنوبي بعد أحداث يناير 1986م، وبالتالي لا تربطها علاقات ودية مع الفار هادي ولا مع الشمال على خلفية تلك الأحداث ويبقى القول بأن الاحتلال الاعرابي لمناطق الجنوب يظل اسوأ من الاحتلال البريطاني من كونه ليس اكثر من أداة رخيصة لتحقيق أطماع ومخططات أعداء الامة في دول الاستكبار والطغيان العالمي في عصرنا الراهن.
الهزيمة المحتومة
يدرك أعراب اليوم جيدا بأن مصيرهم المحتوم لن يكون أحسن من المصير المخزي والمذل الذي لحق بالإمبراطورية البريطانية وأن الهزيمة لا محالة آتية طال الزمن او قصر فالإنسان اليمني لا يقبل بالأجنبي على ارضه وعلى استعداد دائم للتضحية والفداء من أجل الحرية والاستقلال وثبتت الأيام والتجارب القديمة والحديثة بأنه ليس هناك من قوة مهما بلغت في إمكانياتها وعتادها قادرة على النيل من عزيمة الإنسان اليمني وإخضاعه أو كسر إرادته..
فطوال الاستعمار البريطاني للجنوب الذي دام مائة وتسعة وعشرين عاماً لم يخمد النفس المقاوم في اعماق اليمنيين ولم يستحل الأمر الواقع قدراً لا مناص منه. وظلت مسيرة الكفاح الوطني حاضرة في النفوس والعقول طوال تلك العقود وبلغت ذروتها في الرابع عشر من أكتوبر من العام 1963م باندلاع الثورة العارمة التي أطاحت بامبراطورية الشمس التي لا تغيب وأجبرتها على الرحيل وسحب أخر جنودها من ارض اليمن الطاهرة في مثل هذا اليوم الـ 30من نوفمبر من العام 1967م ولن يكون مصير المحتلين الجدد غير بعيد من مصير أسيادهم القدامى وسيندحرون في القريب العاجل يجرون اذيال الهزيمة والخيبة والخسران المبين.