ثورة سبتمبر .. قضية الأرض والمسألة الزراعية وهدف القضاء على الإقطاع (1 – 2)
عبدالجبار الحاج
(من بين الأهداف التي أعلنها البيان الأول الذي أذيع غداة ثورة السادس والعشرين من سبتمبر هو ذلك الهدف الساطع : (…القضاء على الإقطاع..)
كان هذا الهدف يستجيب تماما لمصلحة الأغلبية الساحقة وكان هذا الهدف من الأهداف التي اندفع وراء تحقيقها بالدم غالبية الشعب اليمني من كل جهاته من العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين والطبقة المتوسطة وتشكلت الوية جيش الثورة ومقاومتها الشعبية من جماهيرها المندفعة للدفاع عن الثورة وأهدافها..
ليست الجمهورية سوى مفردة واحدة من بين عشرات المفردات التي انتصبت مشروعيتها في الأهداف الستة للثورة السبتمبرية اليمنية..وسواها من الأهداف المعطلة هي جوهر الثورة ونبلها وتلكم دواعي كل ثورة كانت او ستكون
ثم لماذا تعرضت كثير من الثورات وثورتنا منها لتعطيل وإعطاب شامل لأهداف الشعب في التحرر والعدالة والسيادة والقضاء على الإقطاع وإزالة الفوارق بين الطبقات.. لصالح إبراز شعار الجمهورية وكفى.. !!؟
هل لأن الجمهورية مجرد اسم لشكل الحكم يسهل من خلالها إحكام نزعة الاستبداد بغطائها وعودة كل قبيح تحت لوائها مع سهولة التلاعب ببريقها وإخفاء مزايا سلطتها الشخصية خلف عناوين الدفاع عن الجمهورية من الخطر ؟!!!
هكذا جرى الاختزال والتفريغ العنيف والدموي طيلة عقود من قبل اصحاب شعار الجمهورية وكفى ولا زال لصالح الانتفاع الشخصي بالجمهورية وعليه جرى تعطيل كل الأهداف المتصلة بحياة العدالة والمساواة والتحرر والسيادة وتحسين المعيشة….إلى اخر مصفوفة الأهداف.
كانت وستظل راية وعلم الجمهورية المفرغة للثورة ستارا لتصفية الثورة والثوار الحقيقيين وشهدت اليمن عقودا من التطهير والتصفية لكل ثوري ولكل هدف حيوي وملموس..
ما كانت ولا كانت مضامين الثورة والسيادة والعدالة والتحرر مجردة ومختزلة بنشيد وعلم خلال أربعين سنة من عمرها تولت الآلة الإعلامية السلطوية الضخ الهائل والفارغ لمفردة الجمهورية بتكثيف مقصود وتضليلي أكثر منه احتفاء وتكريما بثورة سبتمبر. بل هو نشاط مقصود التفريغ والالتفاف على الثورة باسم الجمهورية..
* ثورة سبتمر وهدف القضاء على الإقطاع
في بلد زراعي كاليمن لا يمكن أن تكون هناك ثورة او لا يمكننا أن نطلق عليها ثورة ما لم تكن المسالة الزراعية وطبيعة وحجم الملكية ومن أين لك هذا والأرض والفلاح هي مفردات برنامجها…
إن أي ثورة في اليمن لابد أن تكون زراعية أولا إذا أردنا أن تليها وتوازيها ثورة في الصناعة ومن ثم ثورة ثقافية وثورة الوعي في ميدان التعليم والثقافة هي أركان في برنامج تحرير الإنسان اليمني وفي المقدمة الفلاح اليمني العاطل والشريد والأجير في مزارع الإقطاع النهبوي وتحريره من الفاقة والعوز أولى مهمات الثورة الثقافية ،وتظل تهامة بدرجة أولى شاهدا على الثورة واللا ثورة في واقع ملكية الأرض وحالة المزارع لأن بذور الثقافة والوعي ليست مجرد تلقينات وحشو لصفحات وسطور الكتب في وعي الجائع سبيلا للتطوير بدون تحرره اقتصاديا.
ففي اليمن من العار أن لا يمتلك الفلاح قطعة ارض تمثل بدرجة أولى عنوان كرامته وارتباطه قبل أن نتحقق هل تسد تلك الملكية حاجته أم أن برنامجا للإصلاح الزراعي يجب أن يتكفل بتمكينه من كفايته من الأرض.. وإلا فبدون ملكية الفلاح للأرض يتحول إلى شريد او متسول او مصاب بعاهة من العاهات الاجتماعية..
كانت قضية الأرض وحل المسألة الزراعية في الجمهورية اليمنية واحدة من ابرز القضايا المطروحة والمهام الملحة إمام حكومة الثورة الوليدة منذ الأيام الأولى…
كما كانت وظلت قضية الأرض أساسية في نضال الشعب اليمني عبر التاريخ قضية ارتبطت بنضالات السيادة والاستقلال وتقف أمامنا محطات نضالية وتحولات وطنية وسياسية ومبتغاها العدالة والاستقلال وأساسها الأرض وملكية الأرض وأمامنا الأمثلة التاريخية التالية :
(..عندما أراد السلطان الأيوبي طغتكين في القرن السادس الهجري نزع ملكية الأراضي من ملكية الشعب وتحويلهم إلى إجراء قاومه الشعب واعتصم نفر من أهل صنعاء وأخذوا يتضرعون إلى الله حتى هلك طغتكين..) باذيب كتابات مختارة الجزء الأول ص133
(ومن اجل الأرض والاستقلال ثار الشعب اليمني وكان الفلاحون هم الجيش الرئيسي للثورة ضد الاستعمار العثماني وكانت قيادة الثورة بيد اسرة حميد الدين وكان يعد الشعب بضرب المتنفذين والمأمورين…ولم يكد يخرج العثمانيون حتى تنكر يحيى لوعوده. )المصدر السابق ص١٣٣
(على أن تاريخ نضال الشعب اليمني لم يخل من حركات وأناس اقتربوا من حقيقة قضية الشعب التي هي قضية الأرض وحاولوا بقدر فهمهم وباخلاص مشوب بالتصرف أن يحققوا حلمه في الأرض ونجد ذلك في حركة القرامطة بقيادة علي بن الفضل وعلي بن المهدي في تهامة…
..((ثم حركة الثائر حميد الدين في منطقة المقاطرة في بداية عهد الإمام يحيى بن حميد الدين الذي كان يسميه حميد الديك….وقد استطاع ((حميد الدين ان يكسب قلوب أهل المقاطرة وأن يقنعهم بتسليمه جميع ما في أيديهم من بصائر وهي حجج ملكية الأرض فاحرقها وجعل الأرض ملكية جماعية لهم يتوزع المحصول بينهم بالتساوي وبقدر حاجة كل فرد ، وحقق نوعا من المساواة بين الرجل والمراءاة…. ،) المصدر السابق ١٣٢و١٣٣
إن هذه الحركات لم تكن بالطبع حركات اشتراكية بالمفهوم العلمي للكلمة ولكنها جديرة بالدراسة والتحليل وتكمن قيمتها في أنها تعكس طموح الشعب اليمني إلى نظام عادل..))المصدر السابق ص١٣٣
نحن معنيون بالتوقف أمام الأهداف التي انطلقت منها ثورة ال ٢٦ من سبتمبر ونحن معنيون بالتوقف أمام تلك القرارات الثورية والإجراءات التي تلتها تنفيذا وتطبيقا.