د. أسماء الشهاري
لن أطيل كلام الإطراء ولن أسترسل في اختيار العبارات المنمقة، لأن الموقف لا يحتاج إلى شرح وتوضيح فهو يعبر عن نفسه، وكأنه يمسك بتلابيب القلب والروح والكيان ليهزها هزّا فتتساقط منها المشاعر والعبرات كتساقط قطرات الندى في انسياب وجداني قلّ نظيره.
إنّ المشهد الذي رآه الجميع عن فتى الحجارة يعني لنا الكثير جميعا، لكنه يعني الأكثر للأعداء، لأنهم إن لم يكونوا قد أدركوا رغم كثرة الشواهد منذ بداية هذا العدوان بأنهم لم ولن يتمكنوا رغم كل إمكاناتهم وقدراتهم من أن يحسموا الأمر لصالحهم، ليس لمشكلة في العدد أو العدة أو التخطيط أو غيره الكثير مما يطول شرحه، ولكن لأن هناك قوة تقاتلهم أكبر بكثير من كل هذا التآمرات والمخططات والإمكانات، قوة لا يمكن وصفها بأنها هائلة أو خرافية لأنه مهما بحثنا عن عبارات ومصطلحات في معاجم اللغة ستظل تفوق أي وصف!
هذه القوة تتمثل في “الروح المعنوية” للمجاهد اليمني المؤمن، التي لا تزيدها النوازل والحوادث مهما كانت إلا ثباتا وإقداما وقوة إلى قوتها.
ما بالنا نستغرب كيف لهذه الروح ألّا تهتز وتجزع أمام الرصاص والجموع المسلحة وننسى أو نتناسى أنها هي ذاتها من واجهت أنواع الطائرات الحربية الأشد تطورا، وهي من تلاشت أمام شدة بأسها الدبابات والمجنزرات والمدرعات والبوارج والفرقاطات والأساطيل الحربية ففجرتها وأحرقتها وأحالتها إلى رماد،، ليس لأنها تملك من العتاد والعدة ما يفوقها، لا.. بل أحرقتها في الكثير من الأحيان بما هو أقل منها شأنا بكثير، بل ما لا يمكن مقارنتها به كالولاعة!
هذه القوة التي وقف من في المشرق ومن في المغرب من عسكريين وخبراء ومحللين وغيرهم في حالة من الدهشة والانبهار أمامها من جهة والعجز من جهة أخرى، ولم يجدوا تفسيرا ولا حلا علميا ولا عمليا أمام ما يرونه من قدرات ومعجزات هذا المقاتل اليمني الذي وقف حائلا بينهم وبين مخططاتهم وقدراتهم الصناعية وخبراتهم المتراكمة وعملهم الدؤوب ومكر الليل والنهار، وجعلهم يشعرون بالضعف والعجز وهم من كانوا يعتقدون أنهم بما يمتلكونه من أسباب مادية متمثلة في أنواع الأسلحة الأشد فتكا وتطورا سواء كانت الجوية والبحرية أو البرية وبما يمتلكونه من خبرات ومخططات شيطانية ورؤى استكبارية واستراتيجية قد وصلوا إلى ذروة الهيمنة في هذا العالم، وأنه لا يمكن أن يقف شيئا أمامهم ولا بينهم وبين أهدافهم الاستكبارية كما كانوا يعتقدون.
ولم يكونوا يخالون للحظة أن أكثر ما كانوا يستقلونه ويستخفونه ولا يأبهون به ولا يلقون له بالا، سيكون هو الخطر الحقيقي والتحدي الحقيقي وسيمثل قاصمة الظهر لهم.
لم يخطر ذلك ببالهم ببساطة لأنهم أناس ماديون يؤمنون بالمادة فحسب،
وحسب جميع المعطيات والتنظيرات البشرية فمن المفترض أن تكون الغلبة لهم وفي زمن قياسي، ولذلك هُزموا، لأنهم اصطدموا بقوة معنوية هائلة جدا لا علاقة لها بالمادة ولا تؤمن بعالم الماديات.
هزموا لأنهم قاتلوا أرواحا ولم يقاتلوا أجسادا!
لأنهم كانوا يرونهم أفرادا قلة رأي العين، لا أسلحة فتاكة ولا حصوناً ولا مدرعات، مجرد أفراد يسافرون بأقدامهم الحافية الأميال الطويلة في الصحراء أو يعتلون الجبال الشاهقة ويفترشون بطون الأودية، زادهم قليل كأسلحتهم الاعتيادية البسيطة،
وإذا بهم يفاجأون بأن الجبال والسهول والأودية هي من تحاربهم، وأن الرياح والبرق والعواصف هي من تصارعهم، كأنهم سليمان عليه السلام، وكأن الله قد سخرها لهم رخاء حيث شاؤوا!
ولأن النفس البشرية تنبهر بكل ما هو خارق للعادة وغير مألوف فقد كتبت منذ بداية العدوان الكثير من العبارات التي حاولت أن أصف فيها شيئا من بطولاتهم، اجتهدت كثيرا لأكتب شيئا يحاكي شخصياتهم الأسطورية، كنت أرتدي أجنحة خيالي وأسمح لروحي أن تحلق وتسافر بعيدا لتراهم وتزورهم حيث هم، فتعتلي أسطح الجبال تارة وتغوص في أعماق الأودية والبحار تارة أخرى.
لا تستغرب عزيزي القارئ، ليس من الصعب إيجادهم ورؤيتهم ورؤية ملاحمهم الأسطورية، لأنهم أرواح نورانية نفخ “الله” فيها من روحه ووهبها من بأسه وقوته التي يهبها لمن كانت ثقته مطلقة به وحده سبحانه، تقاتل أعداءه بأمره الذين برزوا لمقاتلته، فسلط عليهم جنداً من جنده وقوة من قوته التي لا تقهر، وأنّى لقوة الله أن تقهر لو كانوا يعلمون .