سلط موقع “ميدل إيست آي” في مقال للكاتب البريطاني ديفيد هيرست، الضوء على الأزمة الكبيرة التي وقع فيها “ترامب” حيث صار مهددا بالعزل فعليا وأثر ذلك على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ونظامه الذي يشكل “ترامب” الداعم الأول له وحجر الأمان وضمان بقائه.
وأشار “هيرست” في مقاله إلى مجموعة من الملامح على أزمة اقتصادية تعصف بخطة ابن سلمان 2030م، وتهدد إمكانية تنفيذها، أبرزها ما أعلن مؤخرا من التحول إلى اقتراض صندوق الثروة السيادي السعودي، من البنوك الدولية، بأحد عشر مليار دولار.
وذهب إلى أن ابن سلمان قامر بوصول ترامب إلى السلطة، لكن الأخير تجاوز مخططات ولي العهد السعودي، الذي كان يخطط ليكون رجله في الشرق الأوسط.
ويقول “هيرست” في مقاله ما نصه:”ها هي الفقاعة تنفجر، وها هي مخططات محمد بن سلمان، الواحدة تلو الأخرى، تتلاشى في الصحراء ومعها ما أعلنه من ادعاءات طموحة لإصلاح عقود من الفساد ولتنويع الاقتصاد الذي بات عالة على النفط، وللبروز بمظهر الرجل الذي يعتمد عليه دونالد ترامب في الشرق الأوسط.”
وتابع:”ضع الكلام والمبالغة جانبا، وستجد نفسك أمام أمير يبلغ من العمر 32 عاما، وعائلة ملكية حاكمة ساخطة تتحين الفرصة للانتقام مما لحق بها من إهانات على يديه، واقتصاد يعتمد إلى حد كبير على النفط، ويسعى جاهدا لمنع هروب رؤوس الأموال إلى الخارج. ليست هذه وصفة للاستقرار ناهيك عن أن تكون وصفة للإصلاح.”
ووفقا للمقال انهار حجر الزاوية في مخططاته، المتمثل بخطة طرح شركة أرامكوالسعودية للاكتتاب في سوق الأسهم بهدف تحصيل مئة مليار دولار، من خلال بيع ما قيمته خمسة بالمئة منها.
وفبناء على تقرير لوكالة رويترز، تم إعفاء المستشارين الماليين الذين يعملون على إنجاز الخطة من مهمتهم وتم إلغاء الطرح بشكل نهائي.
وهو ما دفع صندوق الثروة السيادي السعودي، واسمه صندوق الاستثمار العام، بالتحول نحو البنوك الدولية للحصول على قرض بأحد عشر مليار دولار، الأمر الذي جعل المصرفيين الغربيين يعيدون النظر في المبيعات الأصغر حجما مثل حصة السبعين مليار دولار في سابك، مجموعة الصناعات الكيماويات في السعودية.
وبحسب الكاتب يفاقم من عامل الفوضى، الذي يفرض نفسه بقوة في أي شيء يضع محمد بن سلمان يده فيه، هروب رأس المال. وحتى قبل أن يعتقل الأمير أبناء عمومته ويحتجزهم في فندق ريتز كارلتون، كان ما مقداره 64 مليار دولار من رأس المال الصلب قد غادر المملكة في عام 2017م مقارنة بما يقرب من 55 مليار دولار في العام الذي سبقه، وذلك بحسب أرقام نشرها معهد التمويل الدولي.
لم تؤد الحملة على الفساد إلى وقف النزف الحاصل في رؤوس الأموال، بل وربما زاد من وتيرته.
تشكل الطاقة وما يتعلق بها من منتجات حوالي 87 بالمائة من ميزانية الحكومة، الأمر الذي يبين مدى اعتماد موارد الحكومة على سوق الطاقة العالمي.
“ابن سلمان” يشعر بخطر كبير
يقول “هيرست” في هذه الأثناء تستمر الاعتقالات ويستمر القمع الداخلي، وآخر من ألقي القبض عليهم هو أحد أئمة الحرم الشيخ الدكتور صالح الطالب. وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها اعتقال إمام وقاض من مكة. لم تشتمل خطبة الجمعة التي ألقاها الطالب على أي انتقاد مباشر للعائلة السعودية الحاكمة، بل تعمد أن تكون خطبته ضبابية، حيث تحدث عن واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الإسلام. ولعل إلقاء القبض عليه يظهر مدى شعور محمد بن سلمان بالخطر الذي يتهدده.
كما تلاشى مشروع ابن سلمان الآخر الذي أراد منه البروز كمدافع عن حقوق المرأة بما في ذلك حقها في قيادة السيارة. ولا أدل على ذلك من نشر منظمة العفو الدولية تقريرا هاجمت فيه بشدة استمرار السلطات السعودية في اعتقال ثمان نساء وأربعة رجال دون توجيه تهم لهم، فيما اعتبر حملة لقمع المدافعين عن حقوق الإنسان بدأت قبل وقت قصير من رفع الحظر الذي كان مفروضا على قيادة النساء للسيارات في يونيو الماضي.
وفي سابقة تبعث على الكآبة، جاءت مطالبة الادعاء بإنزال عقوبة الإعدام بكل من إسراء الغمغام، أول امرأة نشطة في مجال حقوق الإنسان تواجه الإعدام، وزوجها موسى الهاشم وثلاثة رجال آخرين. على خلفية مشاركتها في الاحتجاجات الجماهيرية المطالبة بحقوق الشيعة وقيامها بتوثيق تلك الاحتجاجات من خلال تصويرها ونشر المقاطع التي صورتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
كما وجه قرار وقف تدريب الأطباء السعوديين في كندا ضربة للمستشفيات السعودية فكانت المتضرر الأكبر مقارنة بما لحق بكندا من أضرار على الرغم من أن برنامج التدريب يشكل مصدرا مهما للدخل الوارد من الخارج. يشير تقرير نشرته مجلة ذي لانسيت، المتخصصة في الشؤون الطبية، إلى أن المملكة كانت قد ابتعثت 1658 طبيبا للتدرب في كندا في مختلف التخصصات الطبية.
وبذلك تكون سنوات من التدريب قد أنهيت بجرة قلم، وليس واضحا إلى أين سيتوجهون من أجل إتمام دراساتهم واستكمال برامج التدريب التي كانوا يتبعونها. كانت كندا وجهة مرغوبة لأن برامج التدريب فيها تشتمل على تسهيلات مغرية ولا تشترط على الأطباء التسجيل. ما جرى مع كندا ليس سوى جزءا من الصورة الفسيفسائية الكاملة، ولكنه جزء ذو دلالات مهمة بلا شك.
ولفت الكاتب البريطاني الشهير بمقاله الذي ترجمه “عربي21” أن ترامب الراعي الأساسي لمحمد بن سلمان، يواجه مشاكله الخاصة التي تؤثر على محمد بن سلمان من جهتين. أولا، بدأت الدوائر الداخلية المقربة من ترامب، والتي كان من خلالها يصل إليه، تتآكل وتذوي.
آخر الشخصيات التي توصلت إلى صفقة حصانة مع محققي مكتب النائب العام هو دافيد بيكر، رئيس مؤسسة الإعلام الأمريكي وصديق سابق مقرب من ترامب وشاهد أساسي في التحقيقات التي تجري بشأن الأموال التي دفعت أثناء حملة الانتخابات الرئاسية لإسكات امرأتين كانتا تقيمان علاقات جنسية مع ترامب.
وردت أنباء ذلك في موقع اسمه ذي هايف، تابع لمجلة فانتي فير، حيث نقل الموقع عن صديق لترامب القول: “تبا، كنت أظن أن بيكر سيكون آخر من تسول له نفسه الانقلاب.” وفي ذلك ينضم بيكر إلى محامي ترامب السابق مايكل كوهين بالإضافة إلى محامي البيت الأبيض دون ماكغهان بالانتقال من معسكر إلى آخر وتزويد محققي المدعي العام الفيدرالي بمعلومات من شأنها أن تجرم ترامب. وما من شك في أن هؤلاء يتوفر لديهم من الدوافع ما يكفي لدفعهم للإقدام على ما فعلوه.
وكانت شركة بيكر قد نشرت مجلة فاخرة ظهرت فجأة وبشكل غامض أثناء رحلة محمد بن سلمان الأخيرة إلى الولايات المتحدة، وكان العنوان الأبرز فيها: “قابل الملك القادم”. ومن العناوين التي ظهرت في ذلك العدد من المجلة: “حليفنا الأقرب في الشرق الأوسط والذي يعمل على تدمير الإرهاب”، “إنه يتحكم بثروة تجارية تقدر بأربعة تريليون دولار”، “إنه ينشئ مدينة مستقبلية بتكلفة تصل إلى 640 مليار دولار”، “إنه يعمل على تحسين معيشة شعبه وتعزيز الآمال في تحقيق السلام”.
يذكر في هذا السياق أن نيويورك تايمز نشرت تقريرا أشارت فيه إلى أن بيكر كان قد رتب لشخص اسمه كاسي غرين، وهو رجل أعمال فرنسي ومستشار لدى محمد بن سلمان، لقاء مع ترامب في المكتب البيضاوي داخل البيت الأبيض، ومع صهره ومبعوثه إلى الشرق الأوسط جاريد كوشنر.
ويبقى ترامب نفسه المشكلة الأكبر بالنسبة لمحمد بن سلمان الذي راهن على ترامب في وقت مبكر من الحملة الانتخابية ودعمه من خلال إبرام صفقات سلاح تفوق عدة مرات قيمة ما يحتاجه الآن لإنجاح حملته من أجل الخصخصة.