عواصم/ وكالات
عند استعراض أهم القضايا في تاريخ العلاقات الدولية، فإن تطابق التطورات والأحداث الدولية مع النظام العام الذي يحكم الفضاء العالمي، ولا سيما فهم آثار مصالح وعنصر تنافس القوى العالمية على عملية سير هذه التطورات، له أهمية كبيرة، حيث أن تجاهل هذا المكون الرئيسي، يجعل من إجراء عملية التحليل التاريخي الصحيح أمرا مستحيلاً، ومثالا على ذلك، عند تحليل موضوع مثل العداء الأمريكي الكوبي الذي استمر لعدة عقود، يجب التركيز على أبعاد الهيمنة المتعددة الأقطاب الجاثمة على العالم والحرب الباردة، حيث أن هذه الأبعاد قد أثرت على سير التطورات الدولية وخلقت الكثير من المنافسة بين القوى العظمى للحصول على الكثير من الامتيازات الاقتصادية والسياسية.
وفي هذا السياق، نرى بأن خلافات مسؤولي البيت الأبيض خلال حقبة “دونالد ترامب” مع إيران طفت على السطح وأصبحت ظاهرة للجميع، ولا سيما تلك التي ظهرت أثناء صراع المصالح الاستراتيجية في المنطقة (سوريا والعراق وأفغانستان، إلخ)، وهذه الخلافات أكدت بما لا يدع مجالا للشك بأن الرئيس “ترامب” يقبع تحت هيمنة وتأثير اللوبي الصهيوني والسعودي وأن واشنطن استطاعت خلال الفترة السابقة بيع الكثير من منتجاتها وأسلحتها العسكرية عن طريق تخويف دول الجوار من توسع نفوذ إيران في منطقة الشرق الاوسط ولقد زادت المواجهة بين واشنطن وبكين، من حدة الضغوطات الاقتصادية على إيران.
وهنا نرى بأنه خلال الحرب الباردة، كانت الولايات المتحدة تعمل على منح امتيازات اقتصادية خاصة للصين للتحايل عليها من أجل اجبارها على الابتعاد عن الاتحاد السوفياتي وخلق تنافس بينهما، وفي النهاية تقويض الكتلة الشيوعية التي كانت تشكل تهديداً على المصالح الامريكية في منطقة شرق آسيا وبعد عقدين من انهيار الاتحاد السوفييتي ونتيجة للتطور الاقتصادي والصناعي السريع لـ”بكين”، تبين للولايات المتحدة بأن الاقتصاد الصيني سيكون أول تهديد للهيمنة الأمريكية وتفوقها في المستقبل القريب.
إن استخدام “بكين” للمزايا الجوهرية لجذب المستثمرين الغربيين، أدى إلى تحسن الوضع الاقتصادي في هذا البلد بشكل سريع وجعل من الصين واحدة من القوى الاقتصادية العالمية، وهذا الأمر لفت انتباه العديد من المسؤولين في البيت الابيض في عهد “أوباما” ولهذا فلقد أطلق “أوباما” على القرن الحادي والعشرين، قرن آسيا وهذا الأمر يدل على أهمية هذه القارة الصفراء في استراتيجيات واشنطن الواسعة ومع ذلك، فلقد فشلت جميع سياسات “أوباما” التي سعت إلى إبرام اتفاق آسيا والمحيط الهادئ والتقرب من الهند والمحاولة لتحويل هذا البلد البنغالي إلى منافس قوي للصين في منطقة جنوب شرق آسيا ولم تستطع تلك المحاولات الحد من سرعة نمو اقتصاد الصين، بل إنها جعلت من “بكين” أحد أهم المستثمرين في الاقتصاد الهندي.
ومع مجيء “ترامب” إلى البيت الابيض، استمرت تلك السياسة التي ظهرت في عهد “أوباما”، بحيث أن البيت الأبيض بدأ بعمل خطة جديدة تضمن له الدخول المباشر إلى ساحة المعركة مع الصين، والعمل على خفض وتيرة النمو الاقتصادي لهذا البلد الشرق آسيوي ولكن السياسة الاقتصادية الإيجابية التي تتبعها الصين، ستؤدي حتما إلى زيادة الثروة الوطنية والقوة السياسية والعسكرية لـ”بكين”.
وهنا يمكن القول بأن ذلك النهج الامريكي الذي سعى إلى تفجير حرب تجارية في منطقة شرق آسيا، لم يكن ناجحًا حتى الآن ولم يستطع منع تزايد النمو الاقتصادي للصين ولم تكن تلك السياسات الأمريكية فعّالة، بل أن الاقتصاد الصيني أصبح أكثر نمواً وأصبحت الصين الآن أكبر مستورد للنفط في العالم وللحفاظ على نموها الاقتصادي فهي في حاجة إلى تأمين صادراتها من الطاقة من منطقة الشرق الأوسط وهنا يمكن القول بأن إيران هي مورد النفط الرئيسي لـ”بكين” في الوقت الحاضر وفي المستقبل.
وفي وقتنا الحالي، يحاول الرئيس “ترامب”، خفض صادرات ايران النفطية إلى الصين، الأمر الذي سيشكل ضررًا على اقتصاد “بكين” وسيحد من قدرة الصين على الوصول إلى الطاقة التي تحتاج إليها، ولهذا فإننا نرى بأن الولايات المتحدة زادت من وجودها في بحار شرق آسيا التي توجد فيها الكثير من النزاعات بين “بكين” والدول المجاورة حول مصالح النفط والغاز وفي هذا السياق، فإن رد الصين على الحرب التجارية الامريكية التي عملت على زيادة التعريفات الجمركية على الواردات الصينية، كان يتبلور حول تقوية الحفاظ على علاقات تجارية مع إيران.
وبناءً على هذا الأساس، أعلنت وزارة الخارجية الصينية صراحة بأنها لن تخضع للتدابير الأمريكية التي تدعوا إلى مقاطعة إيران، وقالت الوزارة: “إن تعاون الصين مع إيران مفتوح وشفاف ونزيه وقانوني ولا ينتهك أي قرار لمجلس الأمن” وفي السياق ذاته ومع إعلان شركات التأمين الغربية عن تخفيض تعاونها مع إيران بعد العقوبات الأمريكية، وقعت شركتان كبيرتان من شركات النفط الصينية، عقود تعاون مع شركة النفط الإيرانية الوطنية الإيرانية، ستسمح لـ”بكين” باستخدام ناقلات نفط شركة الناقلات الإيرانية الوطنية لنقل نفطها إلى الصين.