التدخلات الخارجية

 

العلامة/ فؤاد ناجي

يمثل التدخل الخارجي بأشكاله المختلفة الأمنية والسياسية والاقتصادية والثقافية استعماراً جديداً لم يتنبه لخطورته الكثير من العرب والمسلمين حيث يعتبرونها علاقات دبلوماسية ثنائية وصداقة حميمة، بينما هذا التدخل بالنسبة لقوى الاستكبار يعتبر أسلوباً مجدياً ونافعاً أكثر من التدخل المباشر الذي يكلفهم الأثمان الباهظة والخسائر المادية والبشرية، أما تدخل كهذا فهو يجعلهم يأكلون خيرات تلك الشعوب ويسلمون شرها وبأقل الخسائر إن لم يكن في الكثير الغالب أي خسائر، وهذه الصور والأشكال من التدخلات عمدت إليها قوى الاستكبار العالمية عندما فشلت محاولات الاحتلال المباشر للشعوب من قبل الغزو الفرنسي والإنجليزي والبرتغالي والإيطالي وغيرها في القرن قبل الماضي، وعندما استمرت مقاومة الشعوب لهم وتكبدوا الخسائر في الأرواح والممتلكات عمدوا إلى استراتيجية جديدة تضمن لهم أكبر قدر ممكن من  خيرات البلدان وأطول مدة بقاء بحيث لا يبقى للبلدان من خيراتها إلا ما يسد الرمق ولا يبقى لها من سياستها إلا الأسماء العربية وحتى يبقى اقتصادنا  مرتهناً لهم أما الثقافة فهي تمشي في المسار والاتجاه الذي تفرضه العولمة ويريده قادة الغزو الثقافي في البلدان.
التدخل الثقافي:
وهذا التدخل أو الغزو الثقافي والفكري هو أشد وأخطر أنواع التدخلات وهو السابق لها والممهد ولا يخفى على أحد أساليبه وأدواته وقد مر بمراحل وحقق قفزات فبدأ بطريق السينما والإعلام من أجل إخراج الشعوب الإسلامية المحافظة على القيم والمبادئ الدينية والاجتماعية إلى مجتمعات بلا قيود فلا قيم ولا دين يحكمها أو يمنعها من شيء، وقد لقيت هذه المحاولات الرامية لتذويب حضارة الشعوب الإسلامية في بوتقة العولمة، لقيت في البداية رفضاً ومقاومة وصموداً وممانعة وتشبثاً بالموروث والحضارة لكنها مع زيادة الهجمة وتتابع الهزات والغزوات الثقافية التي لم تلق مقاومة متكافئة ومماثلة من حيث الأدوات والأساليب والوعي، استطاع هذا الغزو العارم والجارف أن يحول الكثير من شعوب المسلمين من شعوب متنكرة للحضارة العابرة للقارات إلى شعوب متنكرة ومزدرية لحضارتها نفسها، وقد بدأ الغزاة بأساليب قديمة وعتيقة، حتى قامت الثورة العلمية والتكنولوجية فحولوها إلى أداة ومعول من معاول الهدم وحتى وجدوا من المسلمين من يروج لبضاعتهم ويقوم بالدور نيابة عنهم وحتى وجدوا من يزين ثقافتهم ويتباهى بها من اليساريين الذين لا يجدون حرجاً في الإعلان عن يساريتهم وممارستهم كمبشرين للغزو الثقافي الذي يعني أن الإسلام لم يعد قادراً على مواكبة العصر ومسايرة الزمن فكتب هؤلاء في الصحافة ناقمين على الدين والمتدينين وإن كانت الصورة السوداء من المتدينين هي صناعة قوى الاستكبار لكن طبقة المثقفين يروجون للعامة والخاصة أن الدين هو سبب مشاكلنا وأن الحل أن يظل الدين بعيداً عن واقع الحياة، وقبل هؤلاء أوجد الغزاة رجال الفن وأبطال المسرح والشاشات وأفلام الهدم الأخلاقي بإنتاج عربي وإسلامي، هذا التدخل أصبح الآن في مراحل يصعب أن نتصور أنه تدخل بعد أن أوجدوا من أبناء جلدتنا من يتبنى رسالتهم وثقافتهم ويناضل عنهم وأصبح بعض المثقفين والمثقفات يحملون جنسيات فرنسية وأمريكية إلى جانب جنسياتهم العربية والإسلامية ويحملون ثقافة العلمانية والعولمة، ويتقاضون أجوراً ومرتبات من بعض السفارات ، وهذه الوسائل أنفع المسائل لدول الاستكبار لأنها كما يقال (لا يكسر الحجر إلا اختها) فعندما يتم تلميع صحفية أو مثقفة إنما يريدون صناعة قدوة ونموذج ليسير الباقون وراءها، ولينفذ هؤلاء الأجندة الخاصة بقوى الاستكبار من إثارة النعرات الطائفية والمناطقية، وخصوصاً بعدما صورت للمجتمع أن هؤلاء هم النخبة والمثقفون وهم في حقيقة الأمر يحملون كل العفونات والعصبيات المقيتة. أما الثقافة الدينية المتطرفة والتي هي صنيعة قوى الاستكبار فقد عمدت إلى نشر ثقافة العداء والبغضاء فيما بين المسلمين وثقافة المسلمين والموادعة مع غير المسلمين ، حتى إذا أردت أن تنبه من خطر أعداء الأمة انبرى هؤلاء ليقولوا لك إن بعض المسلمين هم العدو وليس اليهود والغرب فهل هناك أكبر من هذه الخدمة لأعداء الأمة؟
التدخل السياسي
لقد تبنت دول الاستكبار في العالم سياسة الهيمنة على ثروات العالم وخصوصاً في البلاد الإسلامية والعربية ولم يقتصر الأمر على ذلك بل حتى الهيمنة والتحكم في القرار السياسي وإدارة اللعبة السياسية بما يضمن استمرار مصالحهم والولاء والطاعة لهم، فلا يصل كرسي الحكم في هذه البلدان إلا من استوثقوا منه على أن يكون عبداً طائعاً ومندوباً صادقاً معهم،  لا يعمل لشعبه وإنما يقوم بمسرحية هزيلة يستخف فيها بشعبه وأمته ويلعب الدور الكبير من أجل مصالح وسياسة قوى الاستكبار في العالم.
ولقد حرصوا على أن تكون هذه السياسة والإستراتيجية عن بعد وبواسطة السفراء والمختصين الذين يتابعون مسيرة هذه الحكومات العميلة لهم التي لم تصل إلى سدة الحكم إلا عن طريقهم وأعتقد أنه لا يوجد مواطن عربي أو مسلم الآن إلا وهو يعرف ويعترف أن حكام العرب والمسلمين هم صنيعة من صنائعهم خصوصاً وهو يشاهد حجم التدخل السافر في الجوانب السياسية والأمنية والاقتصادية وخصوصاً عندما تظهر أزمة من الأزمات في هذه البلدان فيحتكم المختلفون إلى حكم دول الاستكبار عبر سفرائها ومبعوثيها، وعندما نشاهد الفرقاء السياسيين وقت احتدام النزاع مع طرف داخلي، نراهم دمىً وقططاً بين أيدي ممثلي قوى الاستعمار العالمي ونراهم أسوداً ضارية فيما بينهم، هذا التدخل بات جلياً في الآونة الأخيرة وبشكل سافر وبدون حياء ولا مواربة لا من قوى الداخل المرتهنة للخارج والمعولة في الوصول إلى الحكم على الخارج ولا من قوى النفوذ العالمي التي أصبحت تتعامل مع البلدان ذات السيادة كأنها ولاية من ولايات بلدانها، وما كان هذا ليحصل لولا سكوت الناس وتقاعسهم وتخاذلهم وتهاونهم مع المسؤولين القائمين على البلد الذين أباحوه براً وبحراً وجواً وكشفوا عن وجه عمالتهم القبيح  وما كانوا ليتجرؤوا على ذلك لولا ركونهم على رقدة الشعب بل إن هؤلاء الساسة قد أظهروا أنهم على تنسيق كامل مع قوى الاستكبار وسفاراتها في كل صغيرة وكبيرة وإن ثقتهم على دول الاستكبار في الوصول إلى الحكم والبقاء في الحكم أكثر من شعوبهم الذين هم خدم لها ورعاة لمصالحها لكنهم هم الذين دعوا الغرب وفتحوا لهم الأجواء حينما انتفت منهم صفات الإيمان كما قال سبحانه {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً}.

قد يعجبك ايضا