يرفض الرئيس دونالد ترامب السير على خطى الإدارات الأمريكية السابقة التي فشلت في حل النزاع العربي-الإسرائيلي، حيث يعمل على البحث عن ركائز أخرى تدعم حل النزاع بالاعتماد على الإغراءات الاقتصادية بعيداً عن طاولة العروض السياسية.
إدارة ترامب والداعمون لصفقته، المعروفة بـ”صفقة القرن”، من الدول العربية، وعلى رأسها السعودية، يعتقدون أن أي حل سياسي مع الفلسطينيين في ظل الوضع الراهن وتعقيداته سيصل لطريق مسدود، وأن هناك طريقاً واحداً وأخيراً يمكن سلوكه، سيساعد في الخروج من النفق المسدود، ويخلق بيئة سياسية جديدة قد تقود إلى عملية سلام شاملة.
ويعود السلام الاقتصادي من بعيد ليُطرح بقوة على الساحة، من خلال مبعوث ترامب إلى المنطقة غاريد كوشنر، ورغم أن وزير الخارجية الأسبق، جون كيري، قد فشل وسرعان ما تبخرت أفكاره بهذا الملف، فإن واشنطن ودولاً عربية تراهن عليه، وتضع كل ثقلها فيه بإمطار الفلسطينيين بالأحلام الوردية كالمال والمشاريع الاقتصادية والإنسانية الضخمة، وتجاهُل القضايا الأكبر؛ كالقدس والحدود والدولة واللاجئين والاحتلال والاستيطان.
ونظرية “السلام الاقتصادي” تدعو لبناء علاقات تجارية بين “إسرائيل” والضفة وغزة، وتكون ممراً لتسوية سياسية مستقبلية، تنطلق دوافع الأولى من حاجتها للأمن والهدوء، وحاجة الفلسطينيين للرخاء الاقتصادي.
مسؤول أمريكي كشف لوكالة “رويترز”، أن إدارة ترامب تعمل على إعداد خطة للسلام في الشرق الأوسط، ستشمل خطة اقتصادية قوية؛ للمساعدة في حل الصراع الفلسطيني مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
ونقلت وكالة “رويترز” عن مسؤول بالبيت الأبيض، لم تذكر اسمه، قوله: “إن مبعوثَي الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يعملان أيضاً بشأن مجموعة من المقترحات الأكثر تفصيلاً حتى الآن للخطة الشاملة”.
ووصف المسؤول خطة ترامب بأنها “ستكون مجموعة الحلول الأكثر تفصيلاً التي تُطرح على الإطلاق، ويتم حالياً وضع بعض اللمسات النهائية على المقترحات الرئيسة والخطط الاقتصادية”.
وأشار إلى أنه “وعلى الرغم من رفض الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، التفاعل مع الخطة، فإن مستشارِي ترامب يتوقعون أن تقرأ القيادة الفلسطينية الخطة وتقدِّم بعض الردود الواقعية، وتعرض بعض المقترحات حول كيفية إدخال تعديلات عليها”.
تصفية القضية
ويستخلص من وثيقة سياسية أصدرها مركز “بيريس” للسلام، أن يكون التحسين الاقتصادي مرافقاً وداعماً في الترويج للعملية السياسية، عبر إدارة يترأسها وزير إسرائيلي خاص، تقوم بمشاريع مشتركة مع الفلسطينيين، بالتنسيق مع المجتمع الدولي واللجنة الرباعية والسلطة الفلسطينية، بدعم فريق من الخبراء المختصين بالمجال الاقتصادي، تنشط جميعها في تأسيس وتنفيذ مشاريع اقتصادية في الأراضي الفلسطينية.
وتتعدد هذه المشاريع بين زراعية وصناعية وسياحية وتعاونية، ومراكز توظيف قرب المدن الكبرى، وتحسين وضع غزة وخلق فرص عمل، وتسهيل العبور عبر المعابر، ومحاولة إيجاد الاستثمارات الخارجية.
يقول منيب المصري رجل الأعمال الفلسطيني، إن “فكرة استبدال السلام السياسي بآخر اقتصادي، أمر في غاية الخطورة والغرض الرئيسي منه هو تمييع القضية الفلسطينية، واعتبارها بأنها قضية إنسانية واقتصادية وليست قضية وجود ومحاربة المحتل الإسرائيلي”.
وفي تصريحات لـ”الخليج أونلاين”، يضيف المصري أن “فكرة السلام الاقتصادي التي تريد كل من أمريكا وإسرائيل تنفيذها، تعتمد على ضخ ملايين الدولارات في جيوب الفلسطينيين وإقامة المشاريع الاقتصادية والإنسانية وفتح باب التبادل التجاري والمعابر، ورفع الحصار الاقتصادي عن غزة، وتحسين كل أوضاعها المعيشية والاقتصادية المتدهورة، وإقامة مصانع كبيرة والقضاء على الفقر والبطالة، وهذا كله على حساب باقي الحقوق الأهم والأكبر”.
ويشير إلى أن كل هذه المشاريع والأموال الضخمة التي ستصرف دون أي حساب هدفها إغماء أعين الفلسطينيين عن قضيتهم الأساسية في صراعهم السياسي القائم مع المحتل، الذي سرق ودنس واعتدى وقتل وحرق ولا يزال يرتكب الجرائم بحق هذا الشعب وأرضه.
ويلفت رجل الأعمال الفلسطيني، إلى أن فكرة “السلام الاقتصادي”، مرفوضة تمامًا من قبل الفلسطينيين ولن يقبلوا تحت أي ظرف أو ثمن التماشي معها، رغم أنهم بأمس الحاجة لها، لكن دائماً ما يبقى الصراع مع المحتل واحد وهو الصراع السياسي وصراع الأرض والحق وليس المال والاقتصاد.
وسبق أن تم الحديث عن فكرة “السلام الاقتصادي”، خلال توقيع اتفاق أوسلو الأول في حديقة البيت الأبيض بواشنطن في سبتمبر 1993م، عندما تم الترويج لمقولة تحويل قطاع غزة إلى سنغافورة الشرق الأوسط، وتحويل الضفة الغربية إلى ماليزيا المنطقة، وكان كل ذلك في نظر سامر سلامة، وكيل وزارة العمل بحكومة رام الله في الضفة الغربية المحتلة، مجرد “هروب من تسوية سياسية واضحة وسليمة”.
ويضيف سلامة”: “إدارة ترامب تحاول الهروب من استحقاقات العملية السلمية، وتسعى لحلول اقتصادية مجتزئة وترقيعية، هدفها الأساسي هو إطالة عمر هذا المحتل على حساب الحقوق والثوابت الفلسطينية”.
وتركز”صفقة ترامب بشكل أساسي وفقاً لمصادر فلسطينية على تحسين الوضع الاقتصادي للأراضي الفلسطينية وخاصة الضفة وغزة، وأعدت خطوة تنفَّذ على عدة مراحل بضخ الأموال وإقامة المشاريع الكبيرة، على أن تبدأ في غزة، ومن ثم تنتقل إلى الضفة”.
وكشفت تلك المصادر أنه سيتم تشكيل لجنة “فلسطينية-عربية-دولية”؛ للإشراف على المشاريع كافة التي ستنفَّذ داخل الأراضي الفلسطينية، مؤكدةً أن فكرة “المال مقابل السلام” بدأ العمل بها رسمياً بموافقة ومباركة عربية بعد جولة كوشنر الأخيرة بالمنطقة، رغم الرفض الفلسطيني القاطع.
وكان “الخليج أونلاين” قد كشف في 25 يونيو الماضي، أن وفداً إسرائيلياً رفيع المستوى سيتوجه إلى العاصمة السعودية الرياض، خلال الأيام المقبلة؛ للاتفاق على تمويل “صفقة القرن”، التي تقدَّر بمليار دولار أمريكي، سيتم توفيره من الدول العربية.
وفي السياق ذاته، يؤكد القيادي في حركة “حماس” يوسف رزقة، أن إعادة طرح فكرة “السلام الاقتصادي”، في هذا الوقت، ما هي إلا محاولة لإنهاء خيار “حل الدولتين” بالكامل.
وقال :”هذا الطرح في غاية الخطورة، وقبوله فلسطينياً أو حتى عربياً يعني عملياً ضياع القضية الفلسطينية بأكملها؛ لكون هذا الطرح يعتمد على حل اقتصادي فقط دون الوصول لأي حلول سياسية لباقي ملفات الصراع القائمة مع إسرائيل”.
ولفت إلى أن هذا الطرح الخطير يسمح للدول العربية بأن تكون شريكاً في تصفية القضية الفلسطينية وتصبح “إسرائيل” حليفاً لها، بعد إزاحة فلسطين عن الطريق تماماً.
وفي السياق ذاته، يؤكد المحلل والكاتب السياسي عليّ بدوان، أن فكرة “السلام الاقتصادي” تنطلق من تقديرها أهمية الجانب الاقتصادي والمعيشي في حياة الفلسطينيين بمناطق عام 1967م في القدس الشرقية والضفة الغربية، وقطاع غزة، كمدخل لتحريك “العملية السياسية” بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولتمرير عملية التسوية، والخروج من نفقها المسدود منذ سنوات طويلة.
وقال بدوان: “الحديث بعناوين خادعة وبراقة عن مقولة السلام الاقتصادي، وعن الأموال والمشاريع، التي ستساعد على نغنغة ورخاء الفلسطينيين، مناورة مدروسة؛ لطمس القضية الوطنية للشعب الفلسطيني بعد هذا المشوار الطويل والشلّال المتواصل من الدماء والتضحيات، التي عَبَّدت مسار وطريق الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة في الداخل والشتات”.
وأضاف بدوان: “تشديد واشنطن على الجانب المتعلق بالاقتصاد يُعيد إلى الأذهان تصريحات دونالد ترامب بشأن انفتاحه على حلول أُخرى غير حل الدولتين، وهنا مكمن الخطر في الموقف الأمريكي”.
وأشار إلى أن “الانتقال من حل الدولتين إلى خيارات أُخرى سيكون هبوطاً أكثر فأكثر عن سقف الشرعية الدولية وقراراتها ذات الصلة؛ ومن ثم تقزيم الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني إلى أبعد مدى مُمكن وفق المساعي الإسرائيلية”.
بدوان وصف “السلام الاقتصادي” بأنه “أكذوبة صارخة”، في ظل وجود سلطة فلسطينية تعاني الأزمات المالية المُتتالية حتى في دفع مستحقات ورواتب عموم العاملين في مؤسساتها الوطنية، وفي ظل اتفاق اقتصادي شديد الإجحاف، وهو اتفاق باريس 1994م غير المتوازن الذي ربط الاقتصاد الفلسطيني باقتصاد الاحتلال.
وختم حديثه بالقول: “طريق التسوية الحقيقية يمر عبر إلزام دولة الاحتلال باستحقاقاته، من خلال الضغوط الدولية الجدية عليها؛ لدفعها للقبول العملي بقرارات الشرعية الدولية، ووقف التنطح لها بوقف عمليات التهويد والاستيطان. ودون ذلك، فإن كُل الأفكار المطروحة لا تعدو سوى تمرير للوقت ومنح دولة الاحتلال الفرص المتتالية لرفع منسوب عمليات التغيير الديموغرافي فوق الأرض الفلسطينية”.