القيود الملونة والنفوس الحرة
أمل المطهر
تمر علينا ذكرى حرب صيف94 وجنوبنا راضخ تحت وطأة الاحتلال وانتهاك السيادة فيما باقي مناطق الوطن الحبيب تواجه عدواناً كونياً وترفض الخضوع والانصياع .
ومن خلال هذه الذكرى الأليمة تحضرني الكثير من الذكريات والمواقف عن الجنوب وأبنائه عن قضيتهم ومظلوميتهم التي لطالما تحدثوا عنها ولطالما كانت حاضرة ببريقها وطهرها بين يدي أصحابها.
قضية الجنوب التي ناصرناها وكان أول من وقف الى جانبها هو الشهيد القائد (حسين بن بدر الدين الحوثي ) الذي نظم مظاهرة كبيرة في صعدة الإباء لرفض الحرب على أبناء الجنوب.
خرج في ذلك الزمان الذي فيه كنا نحن وهم نعاني من ظلم نفس الطاغية ونضرب بسياط نفس الجلاوزة، كان الاختلاف فقط في نوعية طرق التعذيب .
مظلومية الجنوب كانت حاضرة بقوة أصحابها وتحررهم وتوقهم لكسر القيود والانطلاق الى الأفق الواسع .
لكن ما الذي يجرى الآن يا ترى؟ أين اختفت تلك المظلومية؟ لماذا لم نعد نراها أو نسمع لها حتى حفيفا بسيطا رغم انها أصبحت أكبر من السابق بسبب الاحتلال وما يمارسه من انتهاك لأبناء الجنوب ولإنسانيتهم بشكل مرعب؟!.. لماذا سقطت تلك القضية وانطمست وتلاشت تلك المظلومية كالغبار في وسط ريح هوجاء عاصفة!!!!!
هل نسي أهل الجنوب مظلوميتهم أم أنهم رموها تحت اقدام أول محتل داس أرض الجنوب الحبيب ؟هل باعوا قضيتهم أم هي التي باعتهم بعد أن عرفت انها لم تكن في أمان بين أيديهم؟ تساؤلات هامة وموجعة وجب البحث عن اجاباتها.
فعندما نرى كيف أصبحت السجون السرية والعلنية تملأ عدن ويساق اليها الرجال والنساء والأطفال ويمارس ضدهم ابشع انواع التعذيب والامتهان..
عندما نرى ميناء عدن يهمل رغم أهميته الاقتصادية ويصبح ثكنة عسكرية لشذاذ الآفاق بينما المواطنون يعانون من الفاقة والفقر والعوز، حينما نرى قادة القضية يقاتلون ابناء وطنهم في الشمال ويقفون في صف واحد مع من كان يذيقهم المر ويسقيهم العلقم من أتباع النظام السابق وأحذيته !!!
عندها نعرف هنا بل ونتأكد أن الخلل كان في أصحاب القضية نفسها والمظلومية ذاتها فالفرق كبير جدا بين ثورة الجياع وبين ثورة الأحرار،
فثورة الجياع تنتهي بمجرد ان يسد فمك وتمتلئ معدتك حتى وإن كنت مربوطاً بسلسلة ويقدم لك الطعام في إناء متسخ …
فكل ما ثرت من أجله هو هذا الذي ستحصل عليه بطريقة مهينة ولكن الأدهى والأمر انك لم تعد تشعر بالإهانة وتتقبل أي شيء في سبيل الوصول لهدفك وغايتك المادية لذلك اضمحلت القضية وتلاشت وأصبح ابناء الجنوب بدلاً من ان يحموا وطنهم ويبنوه ويعوضوا ما فاتهم من حرمان وذل يقاتلون في سبيل المحتل ويقدمون أرواحهم ويساقون الى اتون المعارك ومحارقها كأضحيات وفداء لأصحاب السمو والمعالي يصفيهم المحتل ويفرغ ارضهم منهم لأنهم لهثوا وراء وعوده الكاذبة وكلامه عن البناء والتطور والحرية وووو…إلخ، والذي رأينا كيف انه الآن يحررهم من أرواحهم يبني السجون ويحول ارض الجنوب الى جحيم لا يطاق، أهكذا انتصرت قضيتهم ام هكذا تحرروا، هم اضاعوا مظلوميتهم وقضيتهم لأن نفوسهم لم تكن حرة.
فعندما تكون النفوس حرة فهي لا تقبل لك إلا بكل ما يليق بإنسانيتك لا تجعلك تستسيغ العيش مكبلا بقيود ملونة بألوان جميلة وترضى بها كيفما كان, لذلك انظروا وقارنوا بين حرية العبيد وحرية الأحرار فالأحرار لا يكبلون بالقيود الملونة وسرعان ما يكسرونها ويسعون لنيل حريتهم المطلقة بدون أي نقص.