آفة الانتحار (2 )

محمد أحمد المؤيد
كوني رأيت ضرورة إتمام ما بدأناه أمس معكم وذلك بخصوص موضوع الانتحار وما يصير عليه المنتحر من ظلم لنفسه وأهله ومجتمعه لا يعفيه من العذاب الأليم من عند رب العالمين , وذلك لأننا لو نظرنا للمعنى الحقيقي لحياة الإنسان وكذا بالمقابل معنى الانتحار لوجدنا كم تكون درجة الإنسان في مستنقع الظلم إما لنفسه أو الآخرين من حوله , لأن الحياة معناها تلك الهبة الربانية العظيمة التي حبا الله جميع خلقه للتمتع والتفكر في عظيم نعمه وخلقه ومخلوقاته سبحانه , ولأن ما أعطاه فهو منحة منه وما منعه فهو لطف وحكمة ورحمة منه لأنه يعلم ما ينفع المخلوق وما يضره , ولذلك ينزل كل شيء بقدر ما يشاء ووفق إرادة حكيمة منه , لذا فما أجمل قول ابن آدم ” لله ما أعطى ولله ما أخذ ” , وكون الانتحار هو سبيل للظلم بحق النفس البشرية التي خلقها الله واستودعها – أي الروح – ونفخها في ذلك الجسم البشري الضعيف , وهو سبحانه لا يخلق شيئا إلا وهو متكفل برزقه وخلاصه في هذه المعمورة , فما أعطى إلا وله حكمة في العطاء وما منع إلا وله حكمة ولطف في المنع , ولذا بكون الانتحار هو في الأصل إزهاق للنفس والروح البشرية التي قال فيها سبحانه ” وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم ” وقوله تعالى ” وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها ” صدق الله العظيم , ولأن الله قد تكفل بكل الدواب وعيشها ومن ضمنها الإنسان .
إذاً فأي انتحار يقع إنما هو اعتراض على قضاء الله وقدره وحكمه في هذه المستديرة من قبل الشخص المنتحر ” ونعوذ بالله ” , بكون عدم الرضا بقسمة الملك الجليل بين العباد سواء في الخير أو في الشر والتي كلها تعتبر فتنة من مفتنات الحياة قال تعالى ” ونبلوكم بالشر والخير فتنة ثم إلينا ترجعون ” صدق الله العظيم , فمن أعطاه الله فهو في فتنة وسيحاسب عليها يوم القيامة ومن لم يعطه الله فهو في فتنة ومحنة سيحاسب عن مدى رضائه وصبره ناحية أمره هذا , إذا لماذا الانتحار وكل شيء بقدر واحد ليس له ند ولا شريك سبحانه؟.
لذا فحياة الإنسان وروحه وجسده ووقته وماله وممتلكاته هي أمانة في عنقه إلى يوم يلقى الله كما جاء في خطبة الوداع عن سيدي رسول الله محمد صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه عندما قال : ” إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا , اللهم إني بلغت , اللهم فاشهد ” صدق رسول الله , وهذا دليل على أن حرمة الأمانة على الإنسان في كل ما حباه الله به وأعطاه أو منعه , فكل شيء في الأرض إنما استأمننا الله عليه , إذا لماذا الانتحار والملك لصاحب الملك , أتريد مالاً ادع الله , أتريد جاهاً ادع الله , أتريد حلالا ادع الله , أتريد الدنيا ادع الله أتريد الآخرة ادع الله , يا من جعلت مشاكل الدنيا وجورها وعذاب حملها البسيط ذريعة لإزهاق أمانة روحك وحياتك تذكر كلمة الله تعالى ” نصليه ناراً ” فمن انتحر وهرب من عذاب وجور الدنيا فلا يظن أنه قد هرب إلى أمان وطمأنينة وإنما ذهب إلى نار وسعير وجحيم أبد الآبدين , فخير للإنسان أن يصبر على نوائب الدنيا من أن يصير إلى السعير والجحيم الأبدي … وحسبنا الله ونعم الوكيل.
عندما نتحدث عن الانتحار فإنما نتحدث عن (ظلم) , فالظلم إما ظلم الإنسان لنفسه أو ظلم الآخرين له , فظلم الإنسان لنفسه عندما يحمل نفسه ما لا طاقة لها به , وأن يثقل على كاهله بهموم المستقبل ومسألة الرزق والتلهف للأفضل , وخاصة مع عالم اليوم المادي , فترى الشخص في هلع وجشع غير عادي ولا يعرف أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ” من أمسى آمناً في سربه معافى في بدنه يملك قوت يومه فقد ملك الدنيا بحذافيرها ” صدق رسول الله , إذا فعش حياتك كما هي وكيفما أراد لها الله أن تكون , والدنيا ساعة اجعلها طاعة , فصبرك على قدرك ورزقك ووضعك مهما كان وكيفما كان فهو يحسب للإنسان المؤمن طاعة وأجراً عظيماً يؤجر عليه في الدنيا قبل الآخرة , فمازلت صابراً لم تحسد أحداً ولم تحقد على أحد ولم تسرق أحداً ولم تغتب أحداً ولم تلم أحداً فاعلم أن الله سيعوضك في الدنيا قبل الآخرة .
كما أن الانتحار يعبر عن كسل الشخص وعدم وجود همة عالية لديه , ولذا فهو يلجأ إلى الانتحار كأسهل حل للخروج من هموم الدنيا وهو لا يعلم أن اللذة الحقيقية لكل شيء في هذه الحياة إنما هي بالكد والعرق والتعب والصبر والجلد , وخاصة في لقمة العيش وإعالة الأسر والأطفال , ولايعلم بهذه الحقيقة إلا من نالت منه أمراض العصر كالسكر والجلطات وغيرها ونسأل الله العافية من كل داء وبلاء.
كما أن من ظلم الآخرين في حق المنتحر هو عبر التعقيدات الحياتية التي أوجدتها قوانين الأرض , ولكن الله قد فكها بالصدقات والزكوات والحقوق الوراثية والملكية والتعاملية , فحض الجار على جاره والأخ على مواساة أخيه والأب على أبنائه وبناته والعكس الأبناء ووالدوهم وحق المجتمع على الإنسان والإنسان على المجتمع كاليتيم والفقير وابن السبيل والغارمين وغيرها , حتى أنه أعطى حقاً لمن حضر القسمة بين الناس لمجرد الحضور حال وقوعها , فقد ألزمهم الله أن لاينسوا من حضر حال القسمة , وسبحان الله أين ذهبت الأخلاقيات الإيمانية والدينية التي لو طبقت في الواقع لما سمعنا مصطلحات كهذه ولا مواقف وأعمال شنيعة كهذه…فالله الله في التراحم والتآلف والتكاتف وتبادل المنافع والمصالح بمراعاة الناس وحقوقهم وجهودهم …. والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه … ومن أحيى نفساً فكأنما أحيى الناس جميعا…ولله عاقبة الأمور..
ملاحظة…. سألني أخي الأكبر لماذا لم أتطرق في كتاباتي خلال هذين اليومين عن الأحداث السياسية خلال اليومين ومنها جبهة الساحل ….؟!
فأجبته أن كتاباتي خلال هذين اليومين في مواضيع اجتماعية في الداخل التي لو نظر إليها الناس والمسؤولون وحاولوا تفاديها وإصلاح ما أفسده الدهر منها لكانت سبباً رئيسياً للنصر والتمكين في أرض المعركة عامة والمعركة السياسية خاصة, وخاصة في الخارج ومجلس الأمن والحظر ورفعه وغيرها …قال صلى الله وعليه وآله وسلم : إنما تنصرون بضعافكم ” صدق رسول الله….خاصة ونحن مقبلون على أيام عيد الفطر المبارك وما يجب على الناس تجاه بعضهم البعض وخاصة (عالم النساء) … وكذا دعم المجاهدين في الجبهات حتى بأقل القليل مما قل منه أو كثر …. وبالله التوفيق.

قد يعجبك ايضا