“داعش” والكيان الإسرائيلي نشأتان مشبوهتان.. ومشروع واحد
محمد محمود مرتضى
لا يحتاج المرء الى كثير من التتبع ليلحظ وجود تشابه بين نشأتي تنظيم “داعش” والكيان الإسرائيلي. “ففلسفة” إنشاء كيان متطرف يعتمد على سفك الدماء ونشر التطرف ليس بالأمر الجديد. ومع القليل من التأمل يمكن ملاحظة جملة من الأمور المشتركة بين هذين الكيانين:
1- بعد قيام الجماعات الصهيونية باحتلال فلسطين وإعلانهم عن تأسيس “وطن قومي لليهود” دعت الحركة الصهيونية يهود العالم الى الإسراع للهجرة الى فلسطين كونها “أرض الميعاد”، وعملت على تسريع هذه الهجرة.
وفي المقابل، وما أن سيطر تنظيم “داعش” على أجزاء من العراق وسوريا، حتى أعلن زعيمها المدعو “أبو بكر البغدادي” عن إقامة ما يسمونه “الخلافة على منهاج النبوة” ودعوا أنصارهم “للهجرة” الى “أرض الخلافة الموعودة”. وفي كلا النموذجين استعمل الخطاب الديني في إطار الاستقطاب.
2- في إطار سعيها لبسط سلطتها وتهجير أصحاب الأرض، عمدت عصابات “الهاجانا” الصهيونية وغيرها من العصابات الى ارتكاب المجازر في إطار الترويع لإخافة الخصم من جهة، وتهجير الناس من جهة أخرى، لبسط النفوذ. وفي المقابل، فان داعش اعتمد نفس “الاستراتيجية” تحت مسمى اظهار “الغلظة” لإرهاب “عدو الله وعدوكم” كما يزعمون.
3- لم تكن نشأة الكيانين بقوة ذاتية، بل جاءت من خلال دعم القوى الغربية. ففيما يتعلق بالكيان الإسرائيلي، فقد كان الإنشاء والعدم علنياً من خلال “وعد بلفور” أولا ومن ثم دعم القوى الغربية لهذا الكيان بالسلاح والعتاد قبل أن يتبلور بعدوان ثلاثي ثم بجسر دعم جوي من الولايات المتحدة الأمريكية التي ورثة الوجود البريطاني. أما في الحالة الداعشية فقد كان التأسيس سريا تحت مسمى “القاعدة” بموجب برامج سرية تابعة للمخابرات الأمريكية، منذ احتلال الاتحاد السوفياتي لأفغانستان، لكنه تبلور أكثر مع الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003.
4- التشابه الرابع يقع في موضوع الحدود، ففيما لم تحدد “إسرائيل” حدودها، وهو أمر نادر الحصول فيما يتعلق بالمجتمع الدولي والأمم المتحدة ( اذ من الغريب ان تقبل الأمم المتحدة عضوية “دولة” لا حدود لها دستورياً)، فضلا عن ان الكيان يسعى للسيطرة على من كان يسمى بإسرائيل الكبرى ( من الفرات الى النيل)، فان تنظيم “داعش” أيضا رفض الحدود، واعتبر ان “دولته”: ستمتد الى الحدود التي كانت “الخلافة الإسلامية” قائمة عليها. وبكلمة أخرى، حيث يوجد مسلمون يجب ان تمتد “الدولة”.
5- ومن الناحية العقائدية، فان “اليهود” يعتبرون أنفسهم “شعب الله المختار”، فيما في المقابل يعتبر تنظيم داعش نفسه “الفرقة الناجية” من أصل ثلاثة وسبعين فرقة سينقسم إليها المسلمون بحسب نص تراثي ينسبونه للنبي الأعظم (ص).
وبمعزل عن هذه التشابهات، فان سلوك “إسرائيل” و”داعش” لا يبدو سلوكا لطرفين عدوين، “فإسرائيل” لم تنظر يوما الى “داعش” بوصفه تنظيما يهدد أمنها، بل على العكس تماماً، فانها كانت تدعم التنظيمات التي تقاتل الجيش السوري في سعي لإسقاط النظام في سوريا ولو ادى ذلك لبسط سيطرة “داعش”. ولا شك أن من يفعل ذلك لا يرى في “داعش” خطرا عليه. وفي الجهة المقابلة، فان العديد من مسؤولي “داعش” اعلنوا ان تحرير فلسطين ليس من “أولويات الجهاد”، وبرروا ذلك بأن الله لم يأمرهم بقتال اليهود إلا بعد الانتهاء من قتال “المرتدين”. وبما ان كل الدول الإسلامية هي بنظرهم “دول مرتدة” فان ذلك يقتضي قتال هذه الدول قبل قتال “إسرائيل”. والنتيجة الحتمية لهذه المقولة الحروب في المنطقة ستمتد لعشرات السنين وان قتال “إسرائيل” لن يتم الى على أشلاء العالم الإسلامي، عندها قد لا تبقى شعوب لتقاتل أصلا.