في محاضرته الرمضانية الثانية:
اتباع هوى النفس حالة خطيرة أوصلت الأمة إلى هذا الواقع المرير
الثورة تنشر النص الكامل للمحاضرة الرمضانية الثانية للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي للعام 1439هـ :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارض اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين وعن سائر عبادك الصالحين.
أيها الإخوة والأخوات، شعبنا اليمني المسلم العزيز، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حديثنا في هذا اليوم هو امتداد لحديثنا بالأمس عن التقوى وعن أهميتها وعن أهم العوامل المساعدة عليها، فالله سبحانه وتعالى حينما جعل التقوى هدفا أساسيا ورئيسيا في عملية الصيام لقوله سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)، التقوى بما يترتب عليها من خير كبير للإنسان وبما ينتج عن التفريط فيها والغفلة عنها واللامبالة بها من نكبات وكوارث وأخطار وخسران رهيب للإنسان، التقوى لها أهميتها الكبرى، ولذلك حينما نعود أيها الإخوة والأخوات إلى التأمل في القرآن الكريم، إلى التأمل في الشرائع الإلهية والفرائض الإلهية ثم التأمل في واقع حياتنا ندرك فعلا الضرورة القصوى والحاجة الملحة للعناية بهذا الجانب، الإنسان يحتاج حاجة ماسة من العناية بنفسه إلى العناية بتزكيتها وإصلاحها إلى العناية بتقويم سلوكها وتصرفاتها، هذا الجانب إذا فرط فيها المجتمع المسلم نتج عن ذلك خسائر كبيرة، حالة من الفوضى والانفلات في التصرفات والأعمال والسلوكيات، يترتب عليها حالة رهيبة جدا من المشاكل والأزمات والصراعات والفتن والانحرافات الرهيبة التي تدمر واقع المجتمع المسلم.
الله سبحانه وتعالى حينما فرض علينا صيام شهر رمضان وقدم لنا إضافة إلى ذلك الكثير من البرامج التربوية التي تساعدنا على تزكية أنفسنا، هو ربنا الخالق لنا العليم بنا، والعليم بأنفسنا وما تحتاج إليه هذه النفس البشرية فيما يساعدها على تهذيب نفسها على تزكية نفسها، هو سبحانه وتعالى القائل في كتابه الكريم: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)، هو العليم بهذا الإنسان والعليم بما يحتاج إليه هذا الإنسان في تزكية نفسه، في إصلاح واقعه، وإذا جئنا للتأمل في واقع مجتمعنا المسلم وأمتنا الإسلامية نجد أنها في أمس الحاجة فعلا، الجميع بلا استثناء إلى هذا الجانب، إلى التقوى وإلى الهدى، التقوى لتضبط مسيرة الحياة في التصرفات والأعمال والمواقف والسلوكيات وما إلى ذلك، والهدى للنور، والبصيرة والوعي، النور الذي يضيء لنا الطريق فنرى من خلاله الحق والحقائق ونسير في الاتجاه الصحيح في الصراط المستقيم الموصل إلى رضى الله سبحانه وتعالى إلى السلامة من عذاب الله، إلى الفوز بما وعد به سبحانه وتعالى به عباده المؤمنين من خير الدنيا والآخرة، جانبان أساسيان رئيسيان تحتاج إليهما الأمة، يحتاج إليهما المجتمع البشري كافة، يحتاج إليهما كل إنسان في موقع التكليف ومقام المسؤولية، تقوى تضبط لهذا الإنسان حالة التصرفات والأعمال، فيتعامل ويعمل ويتصرف بمسؤولية، بشكل صحيح، بشكل سليم، بشكل متطابق مع توجيهات الله سبحانه وتعالى، ويتجنب الكثير من التصرفات والأعمال والمزالق والانحرافات الخاطئة المدمرة التي يجني بها الإنسان على نفسه، ويجني بها على الواقع من حوله وعلى الناس من حوله، والنور الذي يخرج الإنسان من حالة الظلمات وحالة العمى وحالة التخبط، وحالة الاتجاه في المزالق، في الردى والهلاك، فليس هناك، يعني لا ينبغي أن تكون هناك نظرة استبساطية لأهمية هذه المسألة، وكأن مناسبة شهر رمضان، وكأنما الصيام في شهر رمضان، وكأن العودة بشكل أكبر لتعزيز الارتباط بالقرآن الكريم في شهر رمضان أمور هامشية لا أهمية لها، أو أمور اعتيادية، لو ننظر في واقع الساحة الإسلامية، هي ساحة مزدحمة إلى حد الازدحام في الكثير من الفئات الناشطة والحركات الفاعلة في الساحة، والفئات التي تتحرك تحت عناوين متعددة، برامج كثيرة، أنشطة كثيرة، عناوين كثيرة، حركة واسعة في الساحة الإسلامية تحت مختلف العناوين، ولكن هناك ضعفاً ونقصاً ملحوظاً في كثير من أقطار أمتنا الإسلامية في كثير من المناطق، في كثير من الاتجاهات، في التركيز على هذا الجانب، جانب التزكية للنفوس، الجانب التربوي، الجانب الروحي، في شكله الصحيح المتطابق مع القرآن الكريم، في شكله البناء والمصلح والصحيح والبناء والنافع والمؤثر الذي يقوم السلوك ويصلح الأعمال، ويتجه بالإنسان الاتجاه الصحيح في رؤيته، في موقفه، في تصرفه، في أعماله، في التزامه، والحالة التي نعاني منها في ساحتنا الإسلامية الفوضى الرهيبة، المزيد والمزيد من الانفلات، التأثر والانجذاب بالأعداء، أعداء الأمة الإسلامية الذين يستهدفون أمتنا بما يبعدها عن أخلاقها، عن قيمها، عن دينها، عن التزاماتها الأخلاقية والدينية والإيمانية، حالة رهيبة تعاني منها الأمة وينتج عنها كذلك تأثيرات سيئة في واقع الحياة، ثم تكثر الأزمات والمشاكل والمتاعب، أمتنا اليوم، نستطيع أن نقول عنها أمة متعبة بكثرة مشاكلها وكثرة أزماتها وكثرة محنها، وكثرة خلافاتها ونزاعاتها، واقع مضغوط جدا، إذا جئنا لنتعامل مع هذا الواقع بمشاريع سياسية، كذلك أنشطة لا نركز فيها على الجانب التربوي والجانب الأخلاقي وتزكية النفس، ولا نركز فيها على الهدى وتصحيح الرؤية والنظرة والفكرة، فلن ننجح ولن نفلح ولن نصل إلى نتيجة، ما أكثر الحراك السياسي والنشاط السياسي والأنشطة المتنوعة والمختلفة في الساحة، وما أكثر الحركات تحت عناوين كثيرة كما قلنا إلى حد الازدحام وإلى حد الإرباك، يعني الكثير من أبناء الأمة يصل بهم الحال إلى الإرباك من زحمة المشاريع والأفكار والعناوين والأنشطة، فئات المستقطبة في الساحة، ما عاد يدري أين يتجه، كذا أو هنا أو هناك، كل يناديه، كل يدعوه، كل يسعى إلى استقطابه، كل يسعى إلى إقناعه، هذا يقدم له مشروعاً من هنا ومشروعاً من هناك، وهذا عنواناً من هنا، والآخر عنواناً من هناك وهكذا ازدحام، والكل تحت عناوين مصلحة الإنسان وحل مشاكل هذه الأمة إلى آخره، ( وكل يدَّعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا).
العناوين كلها، العناوين الجذابة تنزل إلى الساحة والأنشطة المزدحمة تزدحم في هذه الساحة، نقول لا بد، لا بد لصلاح واقع حياتنا لننظر هذه النظرة، الجانب التربوي والأخلاقي وجانب التزكية والعناية بالجانب الروحي بالشكل الصحيح والهدى لتصحيح النظرة والفكرة والرؤية والاتجاه وتصويب وترشيد الاتجاه في مسار الحياة، جانبان أساسيان وليسا هامشيين أبداً، لا بد منهما في تصحيح الواقع وحل المشاكل والتغيير نحو الواقع الإيجابي، نحو واقع إيجابي، لا بد منهما لو كان هناك في الساحة ما كان من أنشطة سياسية وبرامج سياسية وحركات سياسية وزحمة عناوين ومشاريع إلى آخرة لن تجدي شيئاً، لن تنفع أبداً في إصلاح واقع هذا الإنسان.
ولذلك الله سبحانه وتعالى في رعايته لهذا الإنسان جعل مساحة واسعة تتجه نحو هذا الجانب حركة الأنبياء والرسل (صلوات الله وسلامه عليهم ) ومضامين الكتب الإلهية ومساحة واسعة من محتوى الرسالة الإلهية تتجه نحو هذا الإنسان وتركز بشكل كبير وأساسي على هذين الجانبين تزكية نفس هذا الإنسان، إصلاح هذا الإنسان، تربية هذا الإنسان على مكارم الأخلاق، معالجة ما يعانيه من المساوئ والمؤثرات السلبية على نفسيته، على روحه، على تفكيره، على أعماله، على تصرفاته.
والهداية لهذا الإنسان حتى لا يحمل الأفكار الخاطئة والقناعات المغلوطة التي تتجه به وتقوده في مسيرته في الحياة في الاتجاه الخاطئ والله سبحانه وتعالى هو ربنا العليم بنا والعليم بما نحتاجه والرحيم بنا واللطيف الخبير، اللطيف الذي يعلم بما خفي في أعماق أنفسنا ويعلم بهذه النفس البشرية والمؤثرات فيها وما تحتاج إليه والخبير بهذا الإنسان وما يحتاج إليه هذا الإنسان.
إذا جئنا إلى عملية التقوى وتعزيز حالة الانضباط والمسؤولية لدى الإنسان في تصرفاته وأعماله ومواقفه، فهناك جوانب متعددة تساعده على الالتزام في واقع انتمائنا الإسلامي يعني أنت كمسلم تنتمي إلى الدين الإسلامي، الإسلام هذا فيه الحلال والحرام، فيه الواجبات والمسؤوليات وفيه المحظورات التي تنبه على أن تجتنبها وفيه ما يزن لك تصرفاتك وأعمالك بموازين مهمة، ميزان الحق، ميزان العدل، ميزان الخير، عناوين رئيسية ومهمة تضبط لك تصرفاتك في هذه الحياة كيف تكون وعلى أي أساس تكون ثم حسابات واعتبارات أخرى تساعدك على الالتزام بها يعرفك بالحلال والحرام المحظور الذي يجب أن تتجنبه وما عليك أيضاً أن تلتزم به ويحوط واقعك العملي بسياج من الأخلاق حتى تكون هي بشكل ضوابط تضبط لك تصرفاتك وأعمالك مكارم الأخلاق ومحاسن الصفات وحميد الخلال ثم هو يربطك في ذلك باعتبارات كبرى أولها تقوى الله سبحانه وتعالى. نحن كمسلمين نؤمن بالجزاء، نؤمن أن الله سبحانه وتعالى يجازينا على أعمالنا إن خيرا فخير وإن شراً فعقاب، وهذه مسألة مهمة جداً كلما ترسخ لدى الإنسان الإيمان بالجزاء على الأعمال وعلى أن الله سيحاسبه ويجازيه على أقواله وأعماله، على أفعاله وتصرفاته حينها يدرك جيداً أن عليه أن يكون متنبهاً لما يعمل ولما يقول ومنتبهاً إلى تصرفاته لأنه سيحاسب عليها وسيجازى عليها ويستشعر رقابة الله سبحانه وتعالى عليه ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ )
فالإنسان المسلم أول حساباته وأكبر حساباته تجاه تصرفاته وأعماله يحسب حساب الله أن يتجنب من الأعمال والأفعال والأقوال والتصرفات ما يسبب له سخط الله وعقاب الله ومقت الله، لأنه يؤمن بالله ويؤمن أن الله يجازي ويحاسب ويفرّق في واقع عباده بين المحسن والمسيء والمطيع والعاصي وقد حدد ذلك في كتابه الكريم ومن خلال رسله وأنبيائه صلواته وسلامه عليهم بشكل تام.
ولذلك حديثنا اليوم هو حديثٌ تمهيدي لمحاضرات تتلو إن شاء الله هذه المحاضرة نركز فيها على الحديث عن الجزاء والحساب هذا الجانب المهم للغاية والذي هو بحاجة إلى اهتمام.
لاحظوا في واقعنا العام كمسلمين نحن نُقرّ بهذا، كل مسلم أصلاً لا يتم له إسلامه ولا يعتبر مسلماً إلا إذا آمن بالله واليوم الآخر والحساب والجزاء والجنة والنار، وصدّق الله في وعده ووعيده في الدنيا والآخرة ما وعد به وما توعد به في الدنيا وما وعد به وما توعد به في الآخرة، هذا الجانب المهم جداً أن نحسب حساب الله عند أي عمل فيما نعمل وفيما نترك أيضاً، فيما تفعل وفيما لا تفعل أن تحسب حساب الله وقبل كل شيء لأنه رقيبٌ عليك وهو الذي يجازيك أنت إن أطعته كان جزاؤه لك جزاء المطيعين وإن عصيته كان جزاؤه لك جزاء العصاة، اتقوا الله فاحسبوا حسابه عند أعمالكم وعند تصرفاتكم وتجاه مسؤولياتكم لأنه الرقيب عليكم وهو الذي سيجازيكم.
الإنسان هو إذا لم يحسب حساب الله فأين سيكون ؟ ما هي حساباته الأخرى ؟
عادةً الإنسان هو يعيش حالة الغفلة وإذا عاش حالة الغفلة واستحكمت عليه هذه الغفلة حتى نسي الله فلم يحسب حساب الله تجاه الأعمال والتصرفات والمواقف فهو حينئذٍ يتحرك بشكلٍ مزاجي وغريزي كالحيوان وراء رغبات هذه النفس وميول هذه النفس، في حالتها الغريزية والمزاجية وهذا ما يعبّر عنه القرآن الكريم بإتباع هوى النفس هذه حالة خطيرة جداً لأنها حالة غير واعية وغير منضبطة وغير مسؤولة، الحالة الغريزية البحتة للإنسان وحالة الرغبات البحتة للنفس والميول النفسية البحتة هي غير مسؤولة يعني لا تتحرك أو ليست منضبطة بضابط المسؤولية بضابط الحكمة بضابط الحق بضابط الأخلاق، لا، حينها يكون الإنسان كأي حيوان آخر أين ما مالت به نفسه مال، أين ما مالت به رغباته مال، أين ما اتجهت به ميوله في حالة الشهوة أو في حالة الغضب والانفعال مال تبعاً لذلك وهذا ما لا يريده الله لهذا الإنسان الذي هو في مقام المسؤولية ويجب أن يضبط غريزته وميوله وحالة الشهوة والغضب والانفعال والمشاعر النفسية أن يضبطها بضابط المسؤولية والتقوى والأخلاق والشرع فيسيطر عليها عند هذا الحد، ولهذا نتعلم في صيام شهر رمضان أن نتحكم بأنفسنا ونمنعها أثناء الصيام حتى عن الطعام وعن الشراب، نمنعها عن الملذات والرغبات حتى فيما هو حلال في غير الصيام لماذا؟ كعملية ترويضية للتحكم بالنفس أمام الرغبة وأمام الشهوة، هذا شيء نحتاج إليه في واقع الحياة (اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ) احسب حساب مستقبلك الآتي والأبدي والكبيرة والمهم والعظيم، وهذه هي الحال التي يغفل عنها الكثير من الناس حتى من هم مقرون، مقرون بها، مقر بالقيامة، مقر بالبعث، مقر بالجنة ومقر بالنار ومقر بالحساب والسؤال والجزاء، مقر بهذا ويعترف به ولكن في كثير من الحالات ينسى، يغفل فيتصرف بعيدا عن هذه الاعتبارات وعن هذه الحسابات ويتعامل كما قلنا بهوى نفسه، بغرائزه، برغباته، بانفعالاته، بشهواته، غافلا عن هذه الحسابات والاعتبارات، ولذلك نحن سنركز إن شاء الله في المحاضرات القادمة على مسألة اليوم الآخر والحساب والجزاء والجنة والنار وما إلى ذلك.
يجب أن يفكر الإنسان جيدا وبجدية عما قدمه لغد عما قدمه لمستقبله الأبدي والدائم للآخرة، ما هي الأعمال التي عملها والتصرفات التي يتصرف بها، كيف هي في ميزان حساب الآخرة، هل هي خير هل هي رضى لله، هل هي استجابة لله، هل هي طاعة لله سبحانه وتعالى فيما أمرنا أن نعمل وفيما أمرنا أن نتحمله من مسؤوليات وفيما نهانا عنه إلى آخره..
(واتَّقُوا اللَّهَ) يؤكد على مسألة التقوى إن الله خبير بما تعملون فهو يعلم ما نعمل وخبير بما نعمل، كل ما لأعمالنا من تأثيرات وما يترتب عليها من نتائج، مستوى هذه الأعمال ومستوى أثرها في واقع الحياة مقياس العمل عند الله مقياس كبير وواسع يدخل فيه حتى أثر هذا العمل في واقع الحياة وما يترتب عليه (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ) نسوا الله فلم يحسبوا حسابه عند كثير من تصرفاتهم، عند كثير من مواقفهم عند كثير من أعمالهم، كانت حساباتهم، كلها مرتبطة بهوى النفس بعيدة عن الله سبحانه وتعالى وعن المسؤولية أمام الله جل شأنه فعوقبوا بأن أنساهم أنفسهم فأهملوا أنفسهم، أهملوها تربوياً، أهملوها في أن يعملوا لنجاتها من عذاب الله، أهملوها في أن يؤمِّنوا لها مستقبلها الأبدي والدائم أهملوها مما فيه الخير لها في الدنيا والآخرة هذه حالة من الخذلان الخذلان الخطير جداً الذي يعاقب به الإنسان أولئك هم الفاسقون (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۚ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ).
المصير الذي يتجه إليه الإنسان حتما بدون شك إما أن يكون إلى الجنة وإما أن يكون إلى النار هذه قضية محسومة ومحتومة وحقيقة لا شك فيها إما أن تتجه نحو الجنة وإما أن تتجه إلى النار أنت معني أن تتأكد من نفسك، أن تتأكد من أعمالك، أن تتأكد من تصرفاتك، أن تتأكد جيدا من مسارك في هذه الحياة إلى أين يتجه بك ولا تخدع نفسك لا تغر نفسك، لا تتعامل مع نفسك بالأماني والمخادعة للنفس انه لا بأس إن شاء الله الأمور طيبة والحال الشكلية في الانتماء للإسلام والله غفور رحيم وتنسى العودة إلى القرآن الكريم، العودة إلى الله حتى تطمئن أنك في الاتجاه الصحيح الذي يصل بك فعلا إلى الجنة والنجاة من النار وفعلاً حالة اللا مبالاة والغفلة هي حالة تبدو وكأن الإنسان لا يبالي سواء عنده كان مصيره إلى الجنة أم إلى النار ولهذا يخاطبنا الله بهذا الخطاب الذي يدعونا للدهشة، الدهشة من غفلة هذا الإنسان عندما يقول الله (لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة) لاحظوا كم هي غفلة هذا الإنسان لدرجة أن يقول الله له هكذا أن يتخاطب معه بهذا التعبير انتبه ما هو سوى أصحاب الجنة وأصحاب النار حتى تكون متنبهاً لا تعش هذه الغفلة وهذه اللامبالاة وهذا التساهل والتهاون وكأن المسألة عادية وسابر وأينما كان الاتجاه ما به مشكلة، لا هناك المسألة خطيرة جدا، حالة الغفلة حالة خطيرة جدا على الإنسان ولهذا قال الله (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون) هي هذه حالة الغفلة التي تجعل الإنسان لا يبالي ما كأن أمامه الجنة والنار ولا كأنه قادم على هذا العالم الأبدي الذي خيره خير ليس مثله خير وشره شرٌ ليس مثله شر وكلاهما أبديٌ لا نهاية له في غفلة، حالة غفلة، انشغال بالأمور الأخرى بشكلٍ كبير وبشكلٍ يغفل فيه الإنسان عن هذه الأمور المهمة، عن هذا المستقبل الأبدي، عن هذه الحسابات والاعتبارات الكبيرة جدا والهامة للغاية يصل في النهاية إلى حالة إعراض، إعراض عن الآخرة، إعراض عن المسؤولية، إعراض عما يمكن أن يسبب له الإعراض عنه بالوصول إلى نار جهنم والعياذ بالله وحتى الله يذكرهم يعرضون عن تذكيره (مَايَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لاهية قلوبهم) هي هذه حالة اللهو، الانشغال النفسي والذهني والقلبي، تنشغل دائما، في ذهنيتك، في مشاعرك، في تفكيرك، في هذه الأمور الحياتية وتنغمس وتغرق في هذا الانشغال فلا تعطي مساحة وجزءاً من تفكيرك، من اهتمامك، من ذهنيتك في هذه الأمور الكبيرة مع أن بالإمكان أن يكون الإنسان مهتماً، يعني إلى جانب انشغالاته الذهنية النفسية الفكرية، بأمور الحياة، بأمور المعيشة، بمتطلبات الحياة، بمشاكل الحياة، يمكنه أن يعطي في نفس الوقت مساحة وجزءاً من اهتمامه، من تفكيره، من ذهنيته، من انشغاله لهذه المسائل المهمة التي من الخطورة أن يغفل عنها وأن يعرض عنها وأن لا يبالي بها حينها إنما يضيع حتى في انشغالاته الأخرى ولا توصله إلى نتيجة.
يلعبون الحالة التي عليها الإنسان من اللا مبالاة بأمور كبيرة، أمور مصيرية، أمور أبدية، أمور هي أكبر ما ينتظر هذا الإنسان ثم ينشغل بكثير من الأمور التي لا أهمية لها لا يصنف الإنسان واقع حياته وبرنامجه اليومي، كم أنت تضيع من وقتك وكم أنت تضيع من تصرفاتك وأعمالك في أعمال هي في أصلها هامشية عبثية، غير مهمة أصلاً في الوقت الذي أنت لا تتذكر ولا تلتفت إلى الأمور الكبيرة ثم إن كل بقية الأمور في مقابل هذه المسائل المهمة للغاية هي بمنزلة اللعب أمام الجد، هذا اللهو للقلوب وهذه الغفلة يجب أن يتنبه الإنسان وأن يعالجه أن نستفيد من هذا الشهر المبارك، من شهر رمضان، في صيامه، في قيامه من العودة القوية إلى القرآن الكريم لحل هذه المشكلة حتى لا يبقى قلبك دائما لاهياً غافلا بشكل تام عن هذه المسائل المهمة، إن شاء الله ندخل في المحاضرة القادمة في الحديث عن مسألة الحساب والجزاء ونبدأ بالحديث عن اليوم الآخر وما تحدث به القرآن الكريم بشأنه في بعض مما تحدث عنه القرآن الكريم.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم إلى ما فيه رضاه وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال وأن يرحم شهداءنا الأبرار وأن يشفي جرحانا وأن يفرج عن أسرانا وأن ينصرنا بنصره إنه سميع الدعاء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته…