د. أحمد سالم القاضــــــــي
ماذا أكتب؟ وكيف أعبر عما يجيش بخاطري في هذه اللحظة الأليمة، التي يسودني فيها اضطراب النفس وتبعثر في المشاعر؟!
حمل الناعي ذلك الخبر الفاجع فأجهشت عيناي بالبكاء؛ فلقد ترجل الفارس، وانطفأت تلك الشمعة المضيئة في سـماء وواقع الثقافة اليمنية والعربية، وبدأت الآلام والأحزان والهموم تسكن نفسي وتستولي على مشاعري منذ سـماعي ذلك النبأ.
غيّب الموت وبشكلٍ مفاجئ الأخ والصديق الصدوق، الإنسان والأديب والمثقف والكاتب الأستاذ/ هشام علي بن علي؛ فهل حقاً مات المفكر والأديب الأستاذ هشام؟ هل حقاً انقطع ذلك الينبوع المتدفق من العطاء؟! (إن المفكر لا يـموت فعطاؤه ونتاجاته تبقى في الأرض) خالدة لكل الأجيال تنهل منها الفكر والثقافة على مدى السنين.
رحل هشام علي بن علي وترك فراغاً كبيراً إنسانياً وثقافياً وأدبياً… رحل ذلك العملاق الذي أثرى الساحة الثقافية بكتاباته الرائعة ودراساته النقدية المتميزة ومشاركاته الفاعلة (داخلياً وخارجياً)؛ فلقد صدر للأستاذ هشام العديد من الإصدارات، منها على سبيل المثال:
(الثقافة في مجتمع متغير، الخطاب الروائي اليمني، السرد والتاريخ في كتابات زيد دماج، عبدالله محيرز وثلاثية عدن، المثقفون اليمنيون والنهضة،… إلخ).
كان الأستاذ هشام يتمتع بقدرةٍ فائقة على إظهار إيجابيته وحضوره اللافت والباهر في كل منصبٍ يتقلده، وفي أي مكان يترأسه ويـمسك بزمام القيادة فيه، فهو الإنسان المعروف لدى كل من عمل معه في عدن أو في صنعاء (سواءً رئيساً أو مرؤوساً).
إن فقيدنا المرحوم أبا أُنسي جمع بين صفات الأب الحنون والأستاذ والمعلم الجليل والإداري الكفؤ الخبير؛ فخلال سنوات عمله في وزارة الثقافة كوكيل لقطاع المصنفات والملكية الفكرية أثبت أنه الإداري الناجح والمتمرس، كما كان مثالاً بارزاً للأب والأستاذ والمعلم الفاضل خلال عمله في جامعة عدن، نعم.. كان الأستاذ هشام مسؤولاً وأستاذاً جامعياً جليلاً أسهم بشكلٍ واضحٍ وملموس في بناء أجيالٍ متعاقبة كان لها الدور الكبير في بناء هذا الوطن، والعمل على رفعته وسُموه بين الأمم.
هشام علي بن علي.. الصديق الذي عملنا سوياً في وزارة الثقافة، وبحسن إدارته وبجهوده الجبارة في تسيير عمل المصنفات والملكية الفكرية خاصةً، وأعمال الوزارة عامةً، كان نعم المعاون والمشارك في نهضة وتقدم وزارة الثقافة، كما أسهم في تطوير وتحديث العملية الثقافية في الوزارة من خلال الأفكار والرؤى الحديثة التي كان يطرحها ويشارك في تنفيذها.
(افتقدناك يا أبا أنسي) افتقدنا فيك تلك الحيوية الرائعة، افتقدنا فيك ذلك الوجود الثقافي، افتقدنا فيك تلك الابتسامة الدافئة المرتسمة على شفتيك في كل وقتٍ وحين، افتقدنا فيك رجاحة الرأي، وزخم العطاء الثقافي والأدبي الذي عهدناه دائماً منك.
إن حزناً شديداً وإرباكاً واضطراباً يغشاني أثناء كتابتي لهذه الأسطر المتواضعة عن قامة ثقافية سامقة، نحتاج إلى كتبٍ ومؤلفات حتى نوفيها بعض ما تستحقه من تخليدٍ وتقدير، فكلماتي في هذه الأسطر لا يـمكن أن تـمثل ما أكنه في قلبي لصديقي هشام، وأبسط ما أستطيع قوله هو رحمة الله تغشاك يا فقيد الثقافة وفقيد الوطن.. إنَّـــا لله وإنَّــــا إلـيـه راجعــــون.