أنصار الله ومقتضيات السياسة
محمد ناجي أحمد
مع ثورة إيران عام 1979م كان العالم على موعد مع تفكير سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي مغاير لنهج الغرب ،ومستقل عنه .
أعاد الإمام الخميني الدين إلى الساحة كعامل جوهري في إنقاذ المجتمع بعد أن كان الرهان على الصراع الطبقي أو القومي ،أصبح الدين عاملا مهما في إنقاذ المجتمع من استكبار المستكبرين ،ودافعا إلى السير في طريق الاستقلال والعزة والكرامة .
انطلق الإمام الخميني من منطلق المقدس وهمة الجماهير وتضحياتها ،فأحدث الزلزال الذي فاجأ الغرب .
كل ذلك بثورة بُنيت على الاتكال على الله تعالى والاعتماد على النفس وقطع التبعية للآخرين ،وتحمل الصعاب للوصول إلى حياة متحررة من سلطة الغرب وطغيان الشاه وأجهزته القمعية ،التي كان يسيطر عليها البهائيون الذين يدارون من داخل الكيان الصهيوني في حيفا .
على هذا المسار الثوري أتت حركة أنصار الله مازجة بين الفقه العصري للثورة لدى الإمام الخميني ،وتاريخ الفكر الثوري الزيدي ،المرتكز على أساس أن العدل مقياس الدين وليس الدين مقياس العدل .وهم في هذا معتزلة يشتركون مع الشيعة في وصف “العدلية “.
لقد صنعت حركة أنصار الله في 21سبتمبر 2014م حدثا مفاجئا لكل الحسابات المادية في دكها لمراكز القوى الحاكمة طيلة العقود الماضية في اليمن .
لكن إسقاط النظام السابق هو جانب من جوانب الثورة لا يكتمل إلاّ بإقامة نظام جمهوري أساسه الحرية والعدل ،ودك معاقل الجهل والخرافة .بالاجتهاد المستوعب لمقتضيات السياسة وشروط الزمن ،انطلاقا من منهجية أصولية تستطيع أن تقدم رؤى ومقترحات علمية بشأن حقوق الأفراد والجماعات .
فالجمود والتشبث بنظرة خاصة لعصر ما ومرحلة تاريخية معينة هما أشد أعداء القرآن كما يرى ذلك الشهيد آية الله منتظري .
فقه الثورة وبناء المجتمع ينبغي أن يكون سباقا في اجتراح الرؤى والحلول للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية ،وإلاّ وجدت الثورة نفسها ممثلة للنظام السابق . فسقوط النظام السابق لا يعني سقوط ثقافته وأنساقه ونمط تسييره للمجتمع .
من مقتضيات السياسة أن تدخل حركة أنصار الله معترك الاقتصاد والسياسة والثقافة بفقه مقتدر ومنفتح ،ومستوعب لمقتضيات الزمن وشروطه حتى لا توصم الحركة من قبل محبيها قبل أعدائها بالعجز عن إدارة دفة الحياة وتحدياتها .
ما حدث من طمس لإعلانات المحلات التجارية ،التي تعتمد على صور ومجسمات لعرض الملابس والسلع النسائية ،أو محاولة إغلاق المقاهي العامة المختلطة ،يُعَدُّ جمودا وجهلا بالدين ،والأصل أن يتم إعادة النظر في نمط التسويق الرأسمالي الاستهلاكي ،فالانشغال بالقشور الوهمية لا يحقق سوى انتصار للجمود والتخلف وقيم الجهل والخرافة ،فالمنع ليس سوى استمرار للنمط الرأسمالي في مخاطبة الغرائز وتوجيهها .
المطلوب إحلال مخاطبة العقل والصدق في العرض ،وفق فلسفة إسلامية تحقق حرية الإنسان واكتفاءه في آن . وفق فهم ووعي بالأصول الفقهية ومقتضيات الزمان ومستلزماته وشروطه .
مأساة المرأة ليس في تسليعها فقط ولكن تكمن مأساتها لدى السلفيين المتحجرين ،الذين “يسدون باسم الإسلام جميع الطرق أمام تكامل المراة ،ويطالبون بحرمانها من جميع حقوقها الطبيعية والإنسانية ،ولم يكن هذا النفر أيضا يعتبر المرأة أكثر من “شيء” لا قوامَ فرديا له ؛وهكذا فإن مظلومية النساء كانت مضاعفة “ص73-المشهد الثقافي في إيران –د.محمد خاتمي –دار الجديد ط3-1999م.
لقد كان لقاء الشرق بالغرب في الحروب الصليبية لقاء انعكس أثره الثقافي والعلمي على أوروبا ،فالمستعمر كان يحمل سلاحه فقط لا غير ،بغية الاستيلاء على أرض اللبن والعسل ،الشام وبيت المقدس ،لكنه في استعماره الثاني مع أواخر القرن الثامن عشر ،جاء حاملا أدواته الثقافية والحضارية الجديدة ،التي تكونت مع عصر النهضة ،ثم اكتملت صورتها مع الثورة الفرنسية “لم يأت الغرب في هيئته الجديدة للاستيلاء على الأراضي ونهب الثروات الطبيعية وحسب ،بل ولمحق كل ما هو غير غربي ،وذلك يعني من بين ما يعنيه إعدام هوية الشعوب الأخرى التاريخية والثقافية وطمسها “ص79. المرجع السابق.
الثورة ليست إستاطا لنظام سابق فقط بل هي سعي لإيجاد نظام جديد لإدارة الحياة ،والتعامل على ضوئه مع العالم وواقعه ،وبالتالي لابد من سد الفراغ برؤية شاملة للحياة ،تدك معاقل الجهل والخرافة ،ولا تتلاشى في هوية الآخر.
صحيح أنه في زمن الثورة لا تتفجر المشكلات الثقافية ،لكن انتقال حركة أنصار الله من الثورة إلى الدولة سوف يجعل الحركة أمام مشكلات اجتماعية وثقافية تتفجر هنا وهناك ،ولابد للحركة من سرعة استجابة وفاعلية في قيادة دفة المجتمع ،بعقل مستنير وأفق واسع ،ونضج بصيرة تستوعب مقتضيات السياسة ومستلزمات الزمن .
يقول الإمام الخميني “علينا أن نسعى إلى تحطيم معاقل الجهل والخرافة ،لكي نرد الإسلام المحمدي الأصيل نبعا زلالا كما كان …”.