*العلاقات السعودية – الاسرائيلية
الشريف حسين دفع لاحقا ثمن مواقفه غير المتوافقة مع المخططات
*التواصل بين أسرة آل سعود وحاييم وايزمان يعود إلى ما قبل الاربعينات
*الملك خالد لـ(الواشنطن بوست):السعوديون مستعدون للاعتراف بإسرائيل ولكن عليها أن تتدبر أمرها مع الفلسطينيين
د/ أحمد العرامي
*أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة عمران
* مضى 100 عام على وعد بلفور. إنه العام 1917م زمن “الثورة العربية” ضد العثمانيين. الحرب العالمية الأولى تشارف على الانتهاء. حينها لم يكن عبد العزيز قد استولى بعد على الحجاز. لم تكن قواته وصلت عسير في الجنوب ولا حائل في الشمال. لم تكن مملكة آل سعود اكتملت ، ولم يكن لعبد العزيز أي صفة قومية تعطي موقفه وزناً، كما لم يكن له أي دور “عروبي” يؤهله للاعتراف أو لرفض المشاريع الخارجية الكبرى.. كان همه أن يحافظ على علاقته مع بريطانيا.
كان حاكم نجد يحتاج بريطانيا لحماية سلطته الناشئة والاعتراف بها وتوسيعها. في الداخل واحتاج إلى ذراع الوهابية العسكرية الضاربة (جماعة من أطاع الله). اعتمد على بريطانيا لحمايته من الخارج وعلى الوهابية لتوسيع نطاق حكمه الجغرافي عبر الغزوات.
وكان الشريف حسين بن علي يتمتع بسلطة معنوية عند العرب والمسلمين. ملك الحجاز الذي قاد “الثورة العربية” ضد العثمانيين ودفع لاحقاً ثمن مواقفه غير المتوافقة تماماً مع المخططات . وجنى عبد العزيز ثمار ذلك محققاً خطوة إضافية باتجاه حلمه الكبير الذي يفوق لديه أي اعتبار آخر.
يبرز عدد من الباحثين في القضية الفلسطينية وثائق تعود إلى الأرشيف البريطاني والأرشيف العبري توضح علاقة عبدالعزيز بالحركة الصهيونية وثيقتان تاريخيتان محفوظتان في الأرشيف البريطاني تحت رقم CO 733/443/18 و CO 733/443/19، وتعودان إلى عام 1943م.
خلاصة الوثيقتين أن مؤسس المملكة السعودية دخل في مفاوضات سريّة لجهة بيع فلسطين مقابل 20 مليون جنيه.. وفق الوثيقتين كان صاحب الاقتراح الأكاديمي والمتخصص في الشؤون العربية والمستشار السياسي لعبد العزيز ابن سعود هاري سانت جون فيلي، فيما جرت المفاوضات السرية بين عبدالعزيز ومستشاره جون فيليبي من جهة، وبينه وحاييم وايزمان (رئيس الوكالة اليهودية في فلسطين آنذاك)، والكولونيل هوسكنس (المبعوث الخاص للرئيس الأميركي روزفلت إلى الشرق الأوسط)، وروزفلت نفسه أيضاً.
يعتبر عدد من الباحثين ومن بينهم الدكتور فؤاد إبراهيم أنه بعد أن قام مستشار عبدالعزيز فيليبي بتسريب القضية، انسحب ابن سعود من المفاوضات ونفى أي علاقة سابقة له في الموضوع.
يقول إبراهيم إن افتضاح خبر الصفقة دفع عبدالعزيز للمبالغة في انحيازه لقضية فلسطين، ولكن ذلك في الظاهر فحسب.
إن التواصل بين أسرة عبدالعزيز وبين حاييم وايزمان الذي أصبح لاحقاً أول رئيس للكيان الإسرائيلي، يعود إلى ما قبل فترة الأربعينيات من القرن المنصرم بسنوات كثيرة.
تشير الوثائق إلى لقاءات عديدة بين مستشارين للملك عبدالعزيز وقادة ومستشارين صهاينة. من بينها لقاء في لندن بين ديفيد بن غوريون وسفير السعودية في ثلاثينيات القرن المنصرم. لقاء آخر بين بن غوريون وموشيه شيرتوك من جهة، وبين حافظ وهبة أحد كبار مستشاري الملك عبدالعزيز من جهة أخرى.
هذه اللقاءات وغيرها يتطرق إليها بالتفصيل ميخائيل كهنوف في كتابه “المملكة العربية السعودية والصراع في فلسطين”. الكتاب عبارة عن أطروحة دكتوراه في جامعة تل أبيب، والكاتب هو الضابط السابق في وحدة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في الخمسينيات، ولاحقاً مسؤول رفيع في الموساد.
يستعين كهنوف بمصادر متنوعة من الأرشيف البريطاني ومذكرات قادة الوكالة اليهودية. يورد بوضوح تقبّل عبدالعزيز لفكرة وجود اليهود على أرض فلسطين ورفض مقاومتهم. يشير إلى مصلحة أخرى لعبدالعزيز في الاستيطان الصهيوني عدا عن مجاراته ودعمه لمصالح بريطانيا. إنها خشيته من توسع نفوذ حاكم الأردن الشريف عبدالله بن الحسين والحؤول دون سيطرته على فلسطين بكاملها.
يروي حمادة إمام في كتابه “دور الأسرة السعودية في إقامة الدولة الإسرائيلية” (مكتبة مدبولي، الطبعة الأولى 1977) فصولاً مما يعتبره تواطؤ عبدالعزيز لمصلحة رغبات بريطانيا ومصالحها.
بحسب الكاتب أصرّ الشريف حسين بن علي على رفضه القبول بدولة لليهود في فلسطين. باعتباره من نسل الرسول، وما كان يحتلّه من مكانة معنوية، كان يصعب على بريطانيا مواجهته مباشرة. تلاقت مصالح بريطانيا مع عبدالعزيز فاستولى الأخير على الحجاز والأماكن المقدسة بخطط وأسلحة بريطانية.
انتهى حكم الشريف حسين بعدما تيقنت بريطانيا أن مواقفه لن تلين. قبل ذلك، في ميناء العقبة بتاريخ 20 أغسطس 1920، اجتمع ابن سعود مع وزير المستعمرات البريطاني. تمخض الاجتماع على أن يخلف ابن سعود الشريف حسين في المنطقة، مقابل مساعدة بريطانيا في تنفيذ خططها وأن تقوم الأخيرة بتخليصه من كل أعدائه.
استغلت بريطانيا حاجة ابن سعود إليها وطواعيته فاهتموا بتعزيز دوره كـ”بابا المسلمين”. بعدما دان له حكم الحجاز وباتت مكة والمدينة خاضعتين لسلطته، تطلع ابن سعود منذ عام 1929 إلى أن تكون له سيادة نوعية على العالم الإسلامي.
من أخطر ما قام ابن سعود في خدمة المشروع الصهيوني دوره في إخماد ثورة 1936 التي قامت في فلسطين ضد الإنكليز، ولاقت تأييداً واسعاً في العالم الإسلامي. هنا يورد كتاب سعوديون وقائع مختلفة.
لكن في كتاب حمادة إمام يرد في الصفحة 48 أن عبد العزيز بعث حينها برسالة إلى أمير الأردن عبدالله بن الشريف حسين، يقترح فيها توجيه نداء بمشاركة الملك غازي في العراق والإمام يحيى في اليمن. الهدف هو دعوة أهل فلسطين إلى وقف الاضطرابات وإفساح المجال أمام الحكومة البريطانية لإنصافهم. وجهت الدعوة إلى اللجنة العربية المتابعة للقضية وأشارت إلى استعداد بريطانيا للنظر في قضية فلسطين بعين العطف لكن بعد أن تهدأ الحالة.. هدأت الحالة. أعادت بريطانيا إحكام قبضتها. ماذا كان الرد البريطاني على مبادرة عبدالعزيز؟.
ورد هذا الرد تحت قبة مجلس العموم حيث أكد وزير المستعمرات أن الحكام العرب “أبدوا تلقائياً رغبتهم في استخدام نفوذهم لدى عرب فلسطين لصالح السلام”. وتابع “لم تقدم حكومة صاحبة الجلالة أي تعهدات أو دعوة صريحة أو ضمنية، كما أنه كان واضحاً للحكام المعنيين أن حكومة صاحبة الجلالة غير مستعدة للدخول في أي نوع من التعهدات على الإطلاق”.
في كتابه يبرز حمادة إمام عدداً من المواقف التي سعى من خلالها مؤسس السعودية إلى لجم مناصرة القضية الفلسطينية والتواطؤ مع الإنكليز لصالح مخططهم. لكن أهم ما في الكتاب قد يكون شهادات عدد من المستشارين والشخصيات، ممن عملوا مع عبدالعزيز أو تعاملوا معه شهادات مستقاة من مذكراتهم الشخصية رغم أنه يُؤخذ على الكاتب عدم إيراد مصادره ومراجعه وفق المنهجية العلمية. من بين هذه الشخصيات نجد رئيس الاستخبارات السعودي الأسبق سعيد الكردي، ومستشار عبدالعزيز السياسي جون فيلبي، ومسؤول المخابرات البريطانية للمنطقة العربية برسي كوكس. إضافة إلى آراء رئيس وزراء بريطانيا تشرشل ورئيس الولايات المتحدة السابق روزفلت.
يمكن القول إن الدور الذي قامت به الأسرة (السعودية) عام 1936 من إخماد الثورة الفلسطينية والتي مهدت لاحتلال فلسطين ونكبتها عام 1948 عندما كانت فلسطين محتلة من قبل الانكليز وكان الشعب آنذاك في حالة ثورة وتمرد وعصيان وإضراب شامل استمر138بوما ضد الاحتلال الإنكليزي، حيث لم يستطع وقتها من إيقاف الثورة وإنما لجأ إلى أساليب القمع والسجون والتشريد ولما عجزوا عن كسر طوق ذلك الإضراب الشهير حاولت الحكومة البريطانية في يوم 8 مايو عام 1936 أن تخفّف من الاستياء الشعبي (بإيفاد لجنة تحقيق ملكية لتحري أسباب الثورة ووضع الحلول المناسبة) لكن عرب فلسطين رفضوا هذه اللجنة وحلولها والتي قصد بها كسر الإضراب وإخماد الثورة.
وبعد الفشل الذريع للحكومة البريطانية في إخماد هذه الثورة العارمة قررت أن تستخدم نفوذها عن طريق الأمراء والحكام العرب في ضرب هذه الثورة حيث لجأت إلى الأمير عبد الله حاكم الأردن لفك الإضراب وإيقاف الثورة إلا أنها لم تتمكن من الوصول إلى بغياها فلم يجد الإنكليز آنذاك ملجأً إلا (ملك المملكة العربية السعودية) عبد العزيز آل سعود لأنه لن يألو جهداً في خدمتهم بعد أن أُغلقت جميع الأبواب في وجوه المستعمرين لولا أن قوّض لهم هذا ووجدوا فيه البديل المناسب الذي يتّقن الدور المنوط به حيث وجدوا ما يصبون إليه عنده. يومها بعث عبد العزيز برسالة إلى الفلسطينيين كتبها مستشاره جون فيلبي باسم القادة العرب (ولا يخفى على القارئ أن القادة العرب آنذاك كان يقصد بهم عبد العزيز وأولاده) وبعثها بواسطة رئيس اللجنة العليا (أمين الحسيني) وأطلقوا على هذه الرسالة اسم (النداء). حيث يقول عبد العزيز في هذه الرسالة (إلى أبنائنا الأعزاء عرب فلسطين… لقد تألمنا كثيراً للحالة السائدة في فلسطين فنحن بالاتفاق مع ملوك العرب والأمير عبد الله ندعوكم للإخلاد إلى السكينة وإيقاف الإضراب حقناً للدماء. معتمدين على الله وحسن نوايا صديقتنا الحكومة البريطانية ورغبتها المعلنة لتحقيق العدل وثقوا بأننا سنواصل السعي في سبيل مساعدتكم).
هذه البرقية التي بعثها عبد العزيز كانت بداية الضربة القاصمة للشعب الفلسطيني والتي كانت تحمل في طياتها السموم لتطعيم الشعب الفلسطيني لصالح الاستعمار البريطاني. مما أسفر عن انقسام الشعب الفلسطيني إلى عدة أقسام وبدأ تفككه وانتشار السم العبد العزيزي في أوردته وأمعائه وبدأت النداءات تلو النداءات ترد على هذا الشعب الذي بدأت أنفاسه تخمد شيئاَ فشيئا إلى أن ازداد انقسام الشعب الفلسطيني أكثر مما هو عليه حينما أرسل عبد العزيز ابنه فيصل ومن قبله سعود إلى القدس للتأكد من إيقاف الثورة الفلسطينية خدمة لصديقته بريطانيا وتمكيناً لقيام دوله اليهود. حيث اجتمع فيصل بقيادة فلسطين في القدس الشريفة في ذلك الاجتماع قال فيصل: ـ
(حينما أرسلني والدي عبد العزيز في مهمتي هذه إليكم فرحت فرحتين الفرحة الأولى: كان من أجل زيارة المسجد الأقصى والصلاة في بيت المقدس، أما الفرحة الثانية: فكانت فرحتي بلقاء هؤلاء الثوار لأبشّرهم أن جهودهم لم تذهب سدى وأن ثورتهم قد أثمرت بإثارة اهتمام صديقتنا بريطانيا العظمى التي أكدت لوالدي حينما رأت اهتمامه بفلسطين إنها لن تخيب آمال الفلسطينيين. وبناء على ما عرفته من صدق نوايا بريطانيا أستطيع أن أقسم لكم بالله أن بريطانيا صادقة في ما وعدتنا به وأن بريطانيا تعهدت لوالدي أنها عازمة على حل القضية الفلسطينية) .
ولقد جاءت هذه البرقية (النداء) بداية المساومات والتنازلات في القضية الفلسطينية على حساب الشعب الفلسطيني المضطهد ويقول تقرير نشرته منظمة التحرير والذي نقلته الصحيفة المصرية (آخر ساعة) عن هذه البرقية أو النداء الذي وجهه عبد العزيز آل سعود إلى الشعب الفلسطيني (هي التي استطاعت أن تجهض الروح الكفاحية العالية للشعب الفلسطيني التي سادت طوال السنوات السابقة كرد طبيعي وثوري على محاولات تهويد فلسطين وذلك حين تمكن من أن يبدل الأسلوب الثوري بأسلوب المساومة والتنازلات بالاعتماد على نوايا الدول الاستعمارية وهي نفسها التي خلفت إسرائيل أجل لقد كان هذا النداء بمثابة المحاولة الأولى لسحب القضية الفلسطينية من تحت أقدام أبنائها ودفع النضال الفلسطيني بعيداً عن مرتكزاته الفعلية) .
نعم ومن خلال هذا النداء استطاعت بريطانيا إخماد الثورة وتفكيكها عن طريق عبد العزيز حيث استطاعت بريطانيا أخيراً التقسيم الذي انتهى إلى إعلان قيام الدولة العنصرية الصهيونية في ما بعد حيث استطاع المثلث (السعودي) اليهودي الانكليزي المشترك أن يفصل شعب فلسطين إلى قسمين:
القسم الأول: من يرى في أن بريطانيا صادقة في التزامها بحل القضية الفلسطينية التي أكدت ذلك من خلال الخطابات والكتابات.
والقسم الثاني: وهو الذي رفض هذه التأكيدات والحلول السلمية متمسكاً بمبادئ الثورة العارمة وعدم إنهاء الإضراب الإخلاد إلى السكينة التي دعت لها بريطانيا عن طريق عميلها عبد العزيز لتمكين اليهود من تشكيل دولتهم.
وهكذا نجحت المخططات اليهودية البريطانية السعودية في فك الإضراب وإخماد الثورة الفلسطينية في 11/10/1936م. ويقول (جون فيلبي) المستشار لعبد العزيز في إخماده هذه الثورة بعد رجوعه من القدس عندما رافق سعود وفيصل في رحلتهما إليها:
ولقد سرّت القيادة البريطانية أعظم سرور ونلنا على أثرها ثلاثة أوسمة تقديرية الأول لي والثاني لعبد العزيز والثالث لفيصل لهذا الدور بل لهذا الفاصل التاريخي الذي قام به صديقها الحميم عبد العزيز آل سعود ووجهت إليه رسالة شكر تفيض بالعواطف لعمله الذي عجز عن فعله الجميع كما سرَّ قادة اليهود في فلسطين لهذا الجهد السعودي الجبار. أما زعماء فلسطين فيقول (جون فيلبي) فقد شعروا بخيبة أمل بعدها وجاءوا يتهافتون إلى الرياض طالبين من عبد العزيز (تحقيق ما وعدهم به من صديقته بريطانيا) وحملهم بعض المسؤولية لكونه أقنعهم بصدق نوايا بريطانيا فحلّوا الإضراب وأوقفوا الثورة ثم أطلعوه على إحصائية أكيدة تثبت تزايد أعداد اليهود في أنحاء كثيرة من فلسطين بتسهيلات ومساعدات عسكرية واقتصادية تقدمها لهم بريطانيا لكنه قال(إن بريطانيا لن تخون العرب وإنني سأبحث الأمور مع أصحابنا البريطانيين).
ويقول (وايزمن) مؤسس دولة اليهود في 11/3/1942 عندما كان يودع (جون مارتن) سكرتير تشرشل الذي كان السكرتير العام للجنة بيل (قال تشرشل لي: «أريد أن تعلم أنني وضعت مشروعاً لكم وهو لا ينفذ إلا بعد نهاية الحرب، إنني أريد الشرق الأوسط وكبير كبراء هذا الشرق على شرط أن يتفق معكم أولاً ومتى تمّ هذا فعليكم أن تأخذوا منه ما تريدون أخذه وليس من شك في أننا سنساعدكم في هذا وعليك أن تحتفظ بكتمان السر ولكن أنقله إلى (روزفلت) وبر الرجل بوعده، بل بر الرجلان بالوعد وتعاونت بريطانيا وبن سعود وأمريكا على دعمنا بأشياء أعلنت وأشياء أهمها لم يعلن) وهذه الوثيقة يمكن أن تضاف إلى كثير من الأدلة التي تثبت دور النظام السعودي في دعم الكيان الصهيوني وتعاضده معه من البداية.
ونقلت بعض الصحف العربية مثل صحيفة (إلى الإمام) في 14/12/1973 بقلم موسى الشيخ.
أن الصهيونية لم تستند على بريطانيا وأمريكا وحدها في إيجاد «حق تاريخي” مزعوم للصهاينة في فلسطين إلا بعدما اعتمد الصهاينة على اليهود الذين أسلموا ويقصد بهم آل سعود الأسرة الحاكمة في (السعودية)
كما نقل إبراهيم عامر في مجلة بيروت المساء الصادرة في يوم 21/12/1973 عن كتاب (فلسطين وإسرائيل القصة التي لم ترو) لأحد اليهود الكبار والمستشارين لأول رئيس دولة إسرائيل حيث يقول في كتابه (ونصح مستر هارلفورد هوسكينز الممثل الشخصي للرئيس الأمريكي روزفلت آنذاك بأن لا تعارض الولايات المتحدة الأمريكية المطالب الصهيونية وأن يصبح السعي إلى السيطرة على البترول في المرتبة الأولوية العليا لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وقال أيضاً وزير الخارجية الأمريكي مستر كوردل هل لوزير الداخلية الأمريكي مستر هارولد ايكر الذي كان يشغل أيضاً منصب رئيس مؤسسة احتياطات البترول قال (لا بد أن يدرك اليهود معنى الوجود الأمريكي في (السعودية) لدفعهم إلى الإمام ومدهم بالبترول وبالعون المادي وباستراتيجية الحماية الممتازة وبالاستفادة من الشيخ (السعودي) أي عبد العزيز، بإقناع العرب والمسلمين بطرق مباشرة وغير مباشرة بإمكانية اتساع رفض فلسطين لليهود).
وقال أيضا: (لابد أن يكون هناك إدراك كامل لحقيقة أن بترول السعودية يمثل إحدى ثروات العالم الكبرى وأن بريطانيا قد أدت دورها في إبراز الوجود اليهودي في فلسطين لكن للإنكليز طاقة محدودة في حمايتهم وأمريكا قادرة على إعطاء ضمانات الحماية الكاملة بوجودها في (السعودية).
يبدأ دور الملك فيصل عندما سافر إلى إنجلترا و كان شاباً عمره 13 عاماً ليقدم التهاني إلى الحكومة البريطانية والتبريكات لاحتلالها البلاد العربية المستقلة من الدولة العثمانية ومن بينها فلسطين وكان آنذاك وعد بلفور الذي لم يمض عليه زمن كثير يدوي في أسماع ذوي الأبصار والعقول وهو تحويل فلسطين إلى وطن قومي يهودي. وقد شارك فيصل في مؤتمر لندن عاذم 1939 الذي يحث العرب على إنهاء القضية الفلسطينية وضربها وكان وقتها وزيراً للخارجية وكانت الثورة الفلسطينية كادت تنهي الاستعمار البريطاني آنذاك لولا تدخل فيصل وأعوانه الخونة العرب.
واستمرت خيانة فيصل إلى عام 1948 عندما قام بتسليم جزء من أرض فلسطين لليهود بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية رافضاً مطالب السوريين بقطع البترول عن الولايات المتحدة حتى تمتنع عن تأييد الصهاينة وعن مدّهم بالسلاح الذي ما برح يفتك بالشعب الفلسطيني الأعزل. وفي عام 1966 التقى فيصل مع رئيس الدولة الصهيونية (شلمن شازار) بحجة هبوط الطائرة (السعودية) اضطراراً في مطار (لشبونة) عاصمة البرتغال حيث جرى بين فيصل والأخير ما يخدم القضية الصهيونية على حساب الشعب الفلسطيني وبعد هذا اللقاء بعام أي عام 1967 قام فيصل بزيارة لندن لعلمه بالهجوم الإسرائيلي المؤقّت الذي سوف تشنّه على قطاع كبير من الدول العربية حتى يتغيب عن الأحداث وبعد رجوعه من لندن عندما كانت الطائرات الإسرائيلية تقصف المطارات السورية والمصرية وجيوشها وتتقدم لاحتلال الضفة الغربية وسيناء والجولان كان فيصل يقنع الشعب باحتفال جماهيري أقامه في ملعب السباق بمناسبة عودته من بريطانيا يوم 7 حزيران 1967 م بصداقة الدول الغربية فما كان من الجماهير الفقيرة إلا أن رددت شعارات حماسية الموت لأمريكا، يسقط الغرب، الموت للمعتدين والمتواطئين. نريد قطع البترول عن المعتدين. فما كان من فيصل إلا أن هرب من البوابة الخلفية. ولقد كتب الملك حسين في كتابه (حربنا مع إسرائيل) صفحة 32 عن الملك فيصل: (إن الإمدادات السعودية دخلت الأردن بعد الحرب وحين انتهى كل شيء) ويقول الملك حسين بأن فيصلاً لم يسارع إلى وقف الزحف الإسرائيلي في عام 1967 وكان الموقف الوحيد الذي بدا ظاهريا نصرة للقضية الفلسطينية إيقاف تصدير النفط في حرب أكتوبر 1973م.
وعندما تولى الحكم خالد بن عبد العزيز بعد أخيه فيصل صرح لجريدة (الوشنطن بوست) : (أن السعوديون على أتم الاستعداد للاعتراف بإسرائيل . ولكن على إسرائيل أن تحل مشاكلها مع جيرانها وتتدبر أمرها مع الفلسطينيين نعم هذه عبارة صريحة غير قابلة لتأويل في الاعتراف الرسمي والصريح بالوجود الإسرائيلي. ولقد كتب فيصل حوراني في جريدة (السفير) البيروتية بعد تصريح خالد يقول: (التصريحات التي أدلى بها الملك السعودي لمجلة الوشنطن بوست حول استعداد (السعودية) للاعتراف بإسرائيل جاءت لتساعد على إظهار موقف المتحمسين للحل عن طريق أمريكا بمظهر موحد وخاصة في هذه المسألة الكبيرة المتعلقة بالاعتراف الإسرائيلي) ولقد أدهش تصريح الملك «السعودي” بعض قادة الحركة الفلسطينية حيث عبر عنه بعض القادة بتجاوز حده بالنسبة لقضية فلسطين والبعض الآخر لم ير في هذا التصريح إلا تحصيل حاصل بالنسبة للسياسة (السعودية)..
لقد امتاز عهد فهد منذ بداية توليه الحكم في عام 1982 بميزات أكثر في تعاطيه مع العدو الصهيوني رغم الأبواق الإعلامية التي تتبجح السلطة في كل حين ولئن كان عهد السلف امتاز ببعض التصريحات المبطنة والتلويحات في مجملها فإن عهد هذا الأخير لم يرد ما يمنعه من حدوث تغيير جذري في نوعية العلاقة الصهيونية (السعودية) وتبريرها بعدة مبررات طائلة قد يخدع بها من لا تأمل له في السياسة (السعودية) القائمة بحد ذاتها على الغرب الذي صنع العدو الصهيوني في البلاد العربية. لقد انتعش الكيان الصهيوني في العشرة الأعوام الأخيرة في عصر فهد أكثر من قبل سواء على الصعيد السياسي أو الأمني أو الاقتصادي وحتى الإعلامي وهذا ما سوف نستبينه بعد قليل.
من الواضح أن الحكومة (السعودية) في عصر (فهد) اعتمدت في علاقاتها مع العدو الصهيوني على ركيزتين أساسيتين: ـ
الأولى: حاولت أن تدخل في قضية الصراع العربي الإسرائيلي بطرف لسانها وذلك عن طريق الحملات الإعلامية سواء الداخلية أو الخارجية. وهذا ما قاله (كلود فوييه) في كتابه النظام (السعودي) بعد إيران حيث يقول: (إن نقطة الخلاف الوحيدة بين الغرب والعربية السعودية ربما كانت القضية الفلسطينية. غير أن العربية السعودية لم تتدخل أبداً في النزاع العربي الإسرائيلي إلاّ بطرف لسانها وهو موقف لا يتفق أبداً مع المشاعر الشعبية إلى حد أن التلفزيون السعودي فضل أثناء حصار بيروت في صيف 1982 ـ في بداية حكم فهد ـ فرض الرقابة على الصور القادمة من لبنان ولذلك لأن آل سعود لم يريدوا أن يخاطروا بأن يجبرهم الرأي العام على التدخل.
يمكن أن نشير إلى خطاب فهد في 23 صفر 1403 هـ 29 نوفمبر 1982 بمناسبة يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني يقول «فهد»: (أود تأكيد موقف المملكة العربية السعودية الثابت والمستمر في مساندة ودعم الشعب الفلسطيني من أجل استعادة وممارسة حقوقه المشروعة بما في ذلك عودته إلى دياره وحقه في تقرير مصيره بنفسه وإقامة دولته على ترابه الوطني)، ويقول: (استرعى انبتاه المجتمع الدولي إلى الدور العدواني البشع الذي تمارسه إسرائيل وإلى السياسة العنصرية البغيضة التي تنتهجها والمتمثلة في الاعتداء على شعب آمن مستقر في وطنه الطبيعي واستباحة أرضه وممتلكاته. وكذلك استهتارها الدائم بالمبادئ والقيم الإنسانية والتي من أول شواهدها العدوان الإسرائيلي على لبنان والذي هدفت من ورائه إلى تنفيذ عمليات إبادة جماعية للشعب الفلسطيني واللبناني الذي لم يكن له ذنب سوى أنه قام بإيواء أشقائه من الشعب الفلسطيني الذين اغتصبت إسرائيل أراضيهم وهجّرتهم) ويقول في آخر كلامه: (لن يتحقق السلام الشامل والعادل الذي تنشده جميع الدول العربية وتؤيده الدول المحبة للسلام إلاّ بالانسحاب الإسرائيلي من كافة الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل بالقوة وفي مقدمتها «القدس»).
هذه بعض عبارات فهد التي ربما تعد أجلي مصداق لكلام (كلود فوييه) من أن النظام (السعودي) لم يتدخل في القضية الفلسطينية إلا بطرف لسانه، هذا من جانب.
ثانياً: العمل وراء الكواليس والأروقة (السعودية) لحل العقدة العربية الصهيونية وخصوصاً (السعودية) ـ الصهيونية ثم وضع هذه العلاقة أمام الرأي العام بشكل يخدم المصلحة الإقليمية وتطبيع هذه العلاقة في الفكر العربي دون أن يحق له الاعتراض أو حتى الاستفسار عن غاية هذه العلاقات وهذا ما تطمح إليه (السعودية) منذ زمن بعيد كانت تلوح به تارة وتصرّح به أخرى إلى أن تحققت الأسباب التي طالما حلم بها النظام وهو عملية السلام الأمريكية المرغمة على كثير من الدول والشعوب إلى أن تلاشت تلك التصريحات المبطنة والتي لا يشم منها رائحة العداء للعدو الإسرائيلي وإنما هي مجرد عبارات أقل ما يقال فيها أنها تخدم العدو الإسرائيلي في ممارساته العدوانية ضد الشعب الفلسطيني وحل محلها العلاقات الصريحة والواضحة ويتمثل ذلك في زيارة الوفد اليهودي إلى (السعودية) والتقائه كبار المسؤولين (السعوديين) هي الأولى من نوعها على نحو علني حيث أن المباحثات بين الوفد اليهودي وكبار المسؤولين (السعوديين) استمرت حوالي الساعة وتم خلالها تبادل وجهات النظر ومفاوضات السلام المطروحة العربية ـ الإسرائيلية وخصوصاً (السعودية) (تعترف بحق إسرائيل في الوجود) مما جدا بسيغمان أن يتصل تلفونياً إلى العدو الصهيوني ويعلن (أننا راضون عن مسار المباحثات مع الإخوة في العربية السعودية لقد استقبلناها بأقصى درجات الحرارة والصداقة) والكلام ما زال (لسيغمان) ونقل سيغمان عن (سعود الفيصل) سبب عدم تصويت (السعودية) إلى جانب إلغاء قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة الذي يساوي بين الصهيونية والعنصرية والذي قال فيه سعود الفيصل أن السبب الرئيسي في عدم التصويت ضد هذا القانون هو الصعوبات التي سوف نلاقيها فيما لو صوَّتنا من بعض الدول الإسلامية وهذا ما سوف يسبب لنا الإحراجات التي لا طاقة لنا بها.. وكان آخر خدمات النظام السعودي لإسرائيل هي مبادرة الملك عبدالله للسلام التي سخر منها شارون قائلا لا أنها لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به، أي أن كل ما يعمله محمد بن سلمان هو نقل العلاقات السعودية الإسرائيلية من السرية إلى العلنية.
https://www.althawranews.net/wp-content/uploads/2018/04/07-7.pdf