*بسبب العدوان والحصار الاقتصادي على اليمن:
*10 ملايين طفل تتضاءل احتمالات بقائهم على قيد الحياة بسبب العدوان على اليمن
تحقيق../ حاشد مزقر
يعرفه الناس بهيئته ووجهه الشاحب وجسده النحيل وهو يجوب الشوارع ويتنقل من وإلى أكوام وبراميل القمامة.. إنه الطفل (منير) الذي قادته ظروف الحياة ليبحث عن ما يسد رمق جوع أسرته من المزابل والقمامة فيظل الساعات الطويلة ينبش ويفتش عن أي شيء يمكن الاستفادة منه كالعلب البلاستيكية وبقايا المواد المعدنية ومن أجل ريالات قليلة لا تغني ولا تسمن من جوع.. منير” وعمره اليوم 9 أعوام أصبح طريح الفراش يعاني ويكابد المرض والألم نتيجة للعمل وسط القمامة مما جعل اخوه الأصغر بشير” ذو الـ(سبعة) اعوام يتولى مسؤولية النبش في المخلفات ليترك المدرسة ويخرج إلى الشوارع حاملا كيسه بالإضافة إلى (الأب والأم) اللذين لا يمتلكان تكاليف علاج ابنهما الأكبر ..لم تكن هذه الأسرة تمارس هذا العمل ولم يكن أبناؤها ضحية لهذه المهنة التعيسة إلا بعد ان فقد الأب مصدر دخله الوحيد في احد مصانع المرطبات بالعاصمة صنعاء والذي تعرض لقصف عنيف من طيران العدوان السعودي ليدفع بالصغار للقمامة وتمتهن طفولتهم ويسلب حقهم في التعليم لتتربص بهم الأمراض من كل جانب وتحدق بهم الأخطار من كل اتجاه..تفاصيل أكثر في التحقيق الصحفي التالي والذي يسلط الضوء على ظاهرة الأطفال النباشين:
أمين أحمد ضحايا غارات العدوان السعودي على احد أسواق محافظة الحديدة استشهد تاركاٍ خلفه (علاء ومحمد وجميلة) ثلاثة أطفال تكفلوا بإعالة أسرتهم ويروي لنا علاء معاناتهم التي يعيشونها بصوته الشاحب قائلاٍ: بعد وفاة والدي انقطع مصدر دخلنا حيث كان يعمل بالأجر اليومي فتحملت والدتي المسؤولية حيث كانت تقوم بجمع المواد البلاستيكية وبيعها لتؤمن لنا حاجاتنا اليومية لكنها لم تستطيع أن توفر لنا تكاليف طعامنا وايجار المنزل والذي بتنا مهددين بالطرد منه مما اضطررنا إلى ترك المدرسة ونحن الآن نتجه –ثلاثتنا- في الصباح الباكر لجمع القوارير البلاستيكية والمخلفات المعدنية لنعود عصراٍ إلى المنزل ومعنا 2 أو 3 أكياس من القوارير ونبيع الكيس الواحد بـ200 ريال ثم نعود لممارسة العمل ذاته حتى المساء فنحن نعمل صباحاٍ لكي نوفر غداءنا وليس معنا ما يكفي لشراء وجبة طعام واحدة فأصبحنا في كل حين نترقب رحمة الناس وعطف الجيران لكي نخفف التعب على أجسادنا وأقدامنا التي أعياها المشي طوال النهار.
ما أن تخلو الشوارع من المارة ويخلد الناس إلى النوم حتى يتحرك (مهيوب) عند منتصف الليل وهو يخفي وجهه حتى لا يتعرف عليه أحد من أصدقائه أو جيرانه أو حتى أقاربه فهو لا يريد أن ينظر إليه الناس بنظرة احتقار أو حتى شفقة وهنا يقول: منذ عامين وأنا أجوب الشوارع باحثاٍ في أكياس وبراميل القمامة عن مخلفات القوارير البلاستيكية حيث أبدأ عملي مع منتصف كل ليلة لأجني مع بزوغ الشمس مبلغاٍ زهيداٍ لا يتجاوز الـ 400 ريال والذي يوفر طعام الإفطار لأختي وأمي وأضاف: صحيح بأن هذا العمل لا يتمنى أحد أن يقوم به لكنه ضرورة ملحة لي لكي لا نمد أيدينا إلى الناس ونطلب منهم قوت يومنا..مهيوب” يكيل آلاف اللعنات لتحالف العدوان السعودي وزبانيتهم قائلا: كانت تعيش أسرتي من راتب والدي المتوفي كوننا لانملك أي عائل واليوم وكما ترون أصبحنا بلا راتب شهري بعد ان تم نقل البنك المركزي إلى عدن و انتظرنا منذ ذلك الوقت ان يتم صرفه من هناك لكن دون فائدة.
استغلال
هذه القصص توضح حالة البؤس الاقتصادي والنفسي الذي أصاب عدداً من الأسر الفقيرة نتيجة للعدوان السافر على اليمن لتدفع بأبنائها إلى الشوارع ليمارسوا النبش في النفايات بعد أن كانت هذه الأعمال مقتصرة على (المهمشين) وعدد من الصوماليين.. ولمعرفة المزيد عن هذه الظاهرة المستشرية في أوساط المجتمع سألنا فاضل الكهالي مندوب إحدى شركات بيع النفايات المعدنية والبلاستيكية لمصنعي المواد التحويلية والذي علق قائلاً : كانت البداية الأولى لجمع بقايا البلاستيك في عام 2002م حيث قامت إحدى الشركات الصينية بإقامة مصنع في صنعاء يقوم بفرم القطع البلاستيكية وإعادة تحويلها في الصين فمهمة الصين هي استقبال وشراء علب البلاستيك من (النباشين) والآن هناك من يقوم بشرائها من هؤلاء النباشين ثم يبيعونها إلى المستوردين الصينيين ولو قمنا بعمل مقارنة سنجد أن القيمة التي تعطى لمن يقوم بجمع هذه العلب من المزابل والقمامات هي 100 ريال للكيلو الواحد فيما يبيعها المستقبل اليمني بـ 200ريالٍ للمستثمرين الصينيين..
ويوضح الكهالي : صحيح أن هؤلاء النباشين لا يدفعون أي مقابل عند جمع هذه المواد إلا أن الأرباح التي يجنيها الوسطاء وأرباب المصانع من إعادة تصنيع وتحويل البلاستيك كبيرة جدا.
ويضيف : جمع وفرز النفايات من قبل الأطفال يعد انتهاكا صارخا لطفولتهم كونها مخلفات مستخدمة تتواجد في أماكن قد تكون مشبعة بأي وباء خطير لذا يجب أن يكون هناك قرار يحظر نقل هذه النفايات إلى الخارج لتصبح مهمة عمال النظافة وبالتالي يتم إعادة تحويلها هنا ومحاصرة من يجنون أموالاً كبيرة من معاناة وشقاء وبؤس الأطفال وهناك آثار وخيمة تترتب على ما يسمى بالنباشة ومنها آثار اجتماعية شديدة الأهمية تترتب على انتشار هذه الظاهرة خاصة أن معظم من يشتغلون في هذه الأعمال هم من الأطفال الذين تدفع بهم أسرهم إلى مزابل النفايات والقمامة نتيجة للفقر المدقع في ظل تدمير مقومات الحياة و الحصار الاقتصادي الذي فرضته دول تحالف العدوان ومما لا شك فيه أن تفاقم هذه الظاهرة واتساع رقعتها يعد عاملا ومؤشراٍ واضحاٍ لما انتجته هذه الدول المعتديه من حالة اقتصادية صعبة بالأسر اليمنية حيث انعدم الدخل لدى الكثير منها..وهذه العوامل تعد السبب الرئيسي في إخراج الكثير من الأطفال من مدارسهم والدفع بهم إلى الشوارع وهنا يكمن خطر كبير يتمثل في انتشار الأمية وحرمانهم من ابسط حقوقهم المشروعة.
أضرار صحية
الدكتور عمرو جابر رئيس منظمة إنسانية طبيب يشرح الأضرار الصحية التي يتعرض لها الاطفال النباشون في القمامة قائلاٍ : بالنسبة للأخطار الصحية للأطفال النباشين والعاملين في القمامات فهي تختلف بحسب نوعية المكان الذي ينبشون فيه فإذا كانت الأدوات جارحة وزجاجية فأكثر خطر يواجهونه هو انتقال الأمراض الفيروسية ومن ضمنها فيروس الكبد الوبائي (أ) ويأتي الخطر الثاني وهو انتقال الأمراض الجلدية حيث إن بعض الأدوات مثل العلب البلاستيكية يوجد فيها مواد كيميائية حيث تعمل عملية تحسس على الجلد وتؤدي إلى تجرحات والتهابات.
ويضيف: أما الخطر الكبير الذي يواجه هؤلاء فيتمثل في الروائح الكريهة التي تؤثر على الصدر والشعب الهوائية والتي تؤدي إلى تحسس مزمن في الجهاز التنفسي مما يؤدي إلى الإصابة بالربو أو السل والأخير ينتقل وبائيا وأكثر الأوبئة تنتقل عن طريق القمامة كما ان الحرب على اليمن واستهداف القطاع الصحي قد انتج أمراض خطيرة لم تكن تعرفها اليمن سابقا وأكثرها تصيب الأطفال كالكوليرا والدفتريا والتي تنتقل عن طريق العدوى والبيئة غير النظيفة .
التشرد والجوع
يتحمل أطفال اليمن وطأة العدوان السعودي على اليمن ووتتضاءل احتمالات بقائهم على قيد الحياة يوماً بعد يوم حيث يحتاج أكثر من 10 ملايين طفل إلى المساعدات الإنسانية بينهم 6.2 ملايين طفل بحاجة إلى الحماية فيما نزح نحو 1.4 مليون طفل من منازلهم بسبب كثافة الغارات على مناطقهم حيث يعانون الجوع والتشرد وترك التعليم والعمل في مهن لا تناسب أعمارهم فيما حُرِم حوالي مليوني طفل من التعليم بسبب عدم قدرة أسرهم على تحمل التكاليف غير المباشرة للتعليم كالمواصلات والزي المدرسي والدفاتر والأدوات المدرسية الأخرى وبحسب آخر تقرير لمنظمة اليونيسيف فإن معدل وفيات الأطفال ارتفع إلى حوالي 20% منذ بدء الحرب على اليمن حيث يموت طفل واحد كل عشر دقائق لأسباب يمكن الوقاية منها لو لم يتعرض النظام الصحي للاستهداف ولو ان الأطفال لايتعرضون لعوامل غير صحية كالإسهال وسوء التغذية والتهابات الجهاز التنفسي.