*قراءة في تجربة مشاورات الكويت ورؤية الوفد الوطني للحل السياسي والأمني
عبدالله علي صبري
واليمن على عتبة العام الثالث من العدوان السعودي الأمريكي تتضاءل فرص السلام ، برغم أن الحسم العسكري الذي يتطلع إليه آل سعود ومرتزقتهم قد وصل باعترافهم وحلفائهم إلى طريق مسدود. وقد رشحت زيارة العاهل السعودي الأخيرة إلى روسيا (4 أكتوبر 2017م) عن مؤشرات بإمكانية تحريك مسار الحوار والتفاوض بوساطة روسية ، فيما لا يزال المبعوث الأممي إلى اليمن يحاول _كعادته_ تمرير اشتراطات العدوان على القوى الوطنية في الداخل، وتقديمها كمقترحات أممية للحل السياسي والإنساني.
وتحظى روسيا بقبول لدى مختلف الأطراف اليمنية، وقد تجد فيها الرياض الداعم الحقيقي للسلام باليمن في ظل التخبط الذي ظهرت عليه الإدارة الأمريكية منذ وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة مطلع العام 2017م، وهو ما يستدعي التساؤل حول طبيعة الحل السياسي المفضي الى وقف العدوان ورفع الحصار عن الشعب اليمني، والتئام القوى الوطنية في مصالحة شاملة وحوار جامع يهدف الى إعادة بناء الدولة وفقاً لعقد اجتماعي جديد يلبي الطموحات الشعبية في التغيير والشراكة الوطنية.
ولمعرفة طبيعة الحل السياسي المنشود ، تسلط الورقة الضوء على رؤية الوفد الوطني (أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام) إلى مشاورات السلام اليمنية بالكويت (ابريل 2016م) ، وعلى مسار تلك المفاوضات، ومعرفة الأسباب التي حالت دون نجاح تلك الفرصة، وإمكانية الاستفادة منها مع انطلاق أية مفاوضات مقبلة بين الأطراف اليمنية فيما بينها، أو مع النظام السعودي الذي يقود تحالف العدوان على اليمن بزعم إعادة الشرعية، والحد من النفوذ الإيراني، وتأمين حدود المملكة، وما إلى ذلك من ذرائع ومبررات كشف الواقع زيفها وإفلاسها.
موقف القوى الوطنية من مبادرات السلام
من المعروف أن مرتزقة العدوان السعودي يعملون على عرقلة فرص السلام باليمن، بالموازاة مع الإيحاء الضمني والمباشر في وسائل الإعلام ، بأن الأطراف الداخلية ليست مستعدة ولا منفتحة على الحلول السياسية، وأنها ترفض المبادرات الأممية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وتعرض الشعب اليمني إلى القتل والنزوح والأمراض والأوبئة دون إحساس بالمسؤولية الوطنية.
ومع تهافت هذا الطرح إلا أنه وجد صدى في الداخل، وظهرت الكثير من الأصوات التي تدعو إلى السلام، وتطلق مبادرات تنطوي على استسلام مهين لا يستقيم مع الكرامة الوطنية، والتضحيات الجسيمة للشعب اليمني في مواجهة العدوان والحصار.
ومن تداعيات هذه المبادرات والاجتهادات أنها أوحت وكأن القوى الوطنية المتصدرة للمشهد السياسي هي المتعنت والرافض للحلول السياسية، وهذا مجاف للواقع وحقيقة انفتاح هذه القوى على الحوار في مختلف الظروف.
ففي ذروة العدوان والتصعيد العسكري ، استجابت القوى الوطنية للوساطة العمانية التي عملت على إدارة تفاوض غير مباشر مع أطراف الصراع والحرب، وهيأت لاستئناف حوار القوى السياسية في جنيف ( يونيو 2015م ) بإشراف من الأمم المتحدة. وإذ فشلت هذه الجولة لأسباب لا يتسع المقام للتفصيل فيها، فقد انخرطت الأطراف اليمنية في جولة ثانية بمدينة بيل السويسرية (ديسمبر 2015م ) وكادت الأطراف أن تنجز اتفاقاً مقبولاً لولا أن السفير الأمريكي طلب من مرتزقة الرياض رفع المشاورات بزعم تعنت الطرف الآخر.
استمرت الحرب وتوالت الجرائم المروعة بحق الشعب اليمني، وظهر للجميع أن الحل السياسي لم يعد بيد الأطراف اليمنية، خاصة أن قوى المرتزقة قد رهنت قرارها بيد الرياض، وظهرت إثر ذلك أصوات في الداخل تطالب بالتفاوض المباشر مع السعودية، الأمر الذي ساعد على إتمام ما عرف باتفاق (ظهران الجنوب )، علما أن البعض شكك في هذه الخطوة ، وكاد أن يتهم المبادرين إليها بالخيانة الوطنية.
لكن الحقيقة الموضوعية تقول إن انطلاق مفاوضات الكويت كانت بناءً على تفاهم (ظهران الجنوب). وفي الكويت اتضح للداخل والخارج أن الوفد الوطني كان جاداً ومسؤولاً في مختلف مراحل التفاوض، وقد توافر لتلك المفاوضات عوامل كثيرة جعلت منها فرصة مهمة ما كان ينبغي لها أن تضيع على ذلك النحو.
ومرة أخرى يتدخل السفير الأمريكي ، فيعرقل فرصة الحل متوعداً الشعب اليمني بالمزيد من الحصار والتأزيم الاقتصادي، إن لم تقبل الأطراف الوطنية في الداخل اشتراطات العدوان ومرتزقته بشأن البدء في ترتيبات أمنية تسبق الحل السياسي المطروح للنقاش.
انفضت مشاورات الكويت بعد أن قطعت شوطاً كبيراً ، وكان مفاجئاً أن الأمم المتحدة تخلت عن مسؤوليتها إزاء وفد صنعاء التفاوضي والإعلامي والذي ظل عالقاً في عُمان لمدة ثلاثة أشهر حتى سمح التحالف للوفد بالعودة إلى صنعاء.
وبالرغم من الموقف المتخاذل لولد الشيخ ،إلا أنه عاد مجدداً إلى صنعاء يحمل مقترحاً متوازناً يلبي الحد الأدنى من المتطلبات الموضوعية للحل السياسي والأمني، وقد صدر عن الوفد الوطني (أكتوبر 2016م) بياناً يوضح الموقف من هذا المقترح ، مع اعتباره أرضية للنقاش يساعد على العودة إلى طاولة المفاوضات مجدداً. وأعقب ذلك دعوة عمانية لوفد صنعاء وبالذات أنصار الله للتشاور حول ما عرف بمبادرة كيري وزير الخارجية الأمريكي السابق. وفي مسقط تم التوقيع على جدول زمني لإيقاف الحرب واستئناف الحوار على أساس المقترح ، إلا أن المشهد الانتخابي المتأزم في الولايات المتحدة ، وموقف الرياض المتريث وضع حدا لتلك التفاهمات. ومنذ تولي ترامب السلطة وإلى الآن لم تظهر فرصة جادة لسلام حقيقي ، ولم تكن مقترحات ولد الشيخ بشأن المقايضة بين ميناء الحديدة ورواتب الموظفين إلا دليلاً دامغاً على عدم جدية الرياض ومرتزقتها في التوصل إلى سلام عادل يراعي حقوق ومصلحة مختلف الأطراف.
رؤية الوفد الوطني للحل السياسي والأمني
مع انطلاق مفاوضات الكويت وبعد تجاوز عقدة (( تثبيت وقف إطلاق النار )) طلب الوسيط الأممي من الأطراف تقديم رؤيتها للحل السياسي .. وقد تعامل الوفد الوطني مع هذا الطلب بجدية عالية وعكف على صياغة رؤية موضوعية ، تضمنت المبادئ الأساسية للحل المقترح مع أربعة ملاحق تفصيلية بشأن:
الترتيبات الأمنية والعسكرية المؤقتة.
آلية الانسحاب وخطواته.
آلية تسليم الأسلحة الثقيلة .
آلية تبادل وتسليم الأسرى والمعتقلين .
وتمحورت رؤية الوفد الوطني للحل السياسي حول ((تشكيل سلطة تنفيذية توافقية جديدة )) ، وذلك باعتبار أن اليمن يمر منذ العام 2011م بمرحلة انتقالية محكومة بالتوافق، وأن مرجعيات العملية السياسية منذ التوقيع على المبادرة الخليجية وإلى اتفاق السلم والشراكة تقوم على ((حاكمية مبدأ التوافق والشراكة الوطنية للمرحلة الانتقالية وسلطتها التنفيذية )) .
من هذا المنطلق ، طالب الوفد الوطني في رؤيته بتشكيل سلطة تنفيذية توافقية تقوم بالمهام التالية :
استلام مؤسسات الدولة من كل الأطراف ، ومتابعة إعمار ما خلفته الحرب ، والحفاظ على السيادة الوطنية وأعمال أخرى .
تشكيل لجنة أمنية توافقية من مهامها الرئيسة الإشراف على الانسحاب من كل الأطراف مع ضمان محاربة القاعدة و داعش ، وتسليم الأسلحة الثقيلة وأي مهام يتفق عليها .
بالإضافة فقد وضعت الرؤية أربعة مبادئ رئيسية (حاكمة للنقاش في كافة القضايا) تضمن وحدة وأمن واستقرار وسيادة اليمن ، وهي :
التثبيت لوقف الأعمال القتالية بشكل شامل وكامل ، ورفع الحصار بكل أشكاله وإزالة القيود على حرية التنقل للمواطنين داخلياً وخارجياً من وإلى اليمن.
التوافق على سلطة تنفيذية توافقية جديدة .
مرجعيات العملية السياسية الانتقالية المتمثلة في الدستور ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل المتوافق عليها ، والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة ، واتفاق السلم والشراكة الوطنية، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
تزمين المراحل التنفيذية لكافة القضايا المطروحة للنقاش.
واشترطت الرؤية أن تناقش القضايا المطروحة على الطاولة بصورة متزامنة بحيث تفضي إلى اتفاق شامل وموحد يتضمن كل القضايا المطروحة كحزمة واحدة ، ولا يعتبر أي توافق حول أية قضية من هذه القضايا ملزماً أو نهائياً بعيداً عن توافقات بقية القضايا الأخرى.
وتكمن أهمية هذه النقطة في كونها شكلت ضمانة تضع حداً للعبث بالحوار والعملية التفاوضية من قبل العدوان ومرتزقته، الذين كانوا يشترطون البدء في نقاش الترتيبات الأمنية والانسحاب من المدن، ويرفضون فكرة السلطة التنفيذية التوافقية .. وبسبب هذا التضاد بين الرؤيتين كادت المشاورات أن تنفض في الأيام الأولى ، إلا أن المبعوث الأممي طرح فكرة نقاش القضايا بالتوازي ، وحين استجاب الوفد الوطني للمقترح وحتى لا يبدو معرقلاً للحوار فقد احتاط للأمر بالشرط أعلاه ، ما جعل الوفد الوطني في حل من أمره من أية اتفاقات جزئية إذا لم يتم التوصل في الأخير إلى اتفاق شامل.
وقد لا حظنا من خلال سير العملية التفاوضية في الكويت أن العدوان ومرتزقته وإن مضوا في أعمال اللجان ومناقشة القضايا الا أنهم في الأخير عادوا إلى المربع الأول واشترطوا التوقيع على الترتيبات الأمنية أولاً ، ثم الاتفاق بشأن الترتيبات السياسية.
ومعروف أن الترتيبات الأمنية وما تتطلبه من انسحابات مجانية تمنح العدوان ومرتزقته نصراً عسكرياً دون قتال ودون ثمن ، وهذا هو الاستسلام المهين الذي يرفضه الشعب اليمني !
في التفاصيل تضمنت رؤية الوفد الوطني الاستجابة لقرار مجلس الأمن 2216 ، والذي شرعن للعدوان والحصار ووضع اليمن تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ، إلا أن الرؤية وضعت القرار في سياق مرجعيات العملية السياسية ، وبحيث لا يكون بمفرده حاكماً للعملية التفاوضية، وذلك على عكس من رؤية وفد الرياض التي اختزلت الحل في تنفيذ قرار مجلس الأمن آنف الذكر ، وبالتركيز على الترتيبات الأمنية أولاً.
رؤية الوفد الوطني تطرقت أيضاً إلى تفصيل محدود متعلق بالسلطة التنفيذية، حين طالبت بتشكيل ((مجلس رئاسي + حكومة توافق وطني )) ، وقد عبرت بذلك عن رفضها لاستمرار هادي في السلطة باسم الشرعية ، وهو المطلب الذي أثار حفيظة هادي ووفد الرياض ، الذي ظل متمسكاً ولا يزال بشماعة شرعية هادي، وكرئيس معترف بها دولياً للأسف الشديد.
وبالنسبة للترتيبات الأمنية فقد وردت في رؤية الوفد الوطني بتفاصيل حذرة نظراً لخطورة ما سيترتب عليها في حال التنفيذ .. ويمكن إجمال ملامح وطبيعة هذه الترتيبات في النقاط التالية :
تقوم السلطة التنفيذية المتوافق عليها بتشكيل لجنة أمنية وعسكرية عليا بقوام 13-20 عضواً ، ويكون لها رئيس توافقي ونائبان.
تختص اللجنة بالإشراف على عملية الانسحاب من جميع الأطراف ، وتسليم الأسلحة الثقيلة من كل الأطراف للسلطة التنفيذية التوافقية ، بالإضافة إلى منع حدوث أي فراغ أمني قد يسمح للقاعدة وداعش استغلاله والتقدم على الأراضي .
إنهاء الوضع القائم سواء عسكرياً أو أمنياً و إحلال الأمن والاستقرار ، وللجنة الحق في الاستعانة بلجان التهدئة (المنبثقة عن تفاهم ظهران الجنوب ) على أن تكون تحت قيادتها حتى يتم الاستغناء عنها.
تتبع هذه اللجنة كل الوحدات الأمنية والعسكرية في مناطق الصراع وهي المسؤولة عن جميع مؤسسات الجيش والأمن فيها.
إضافة إلى ذلك أفردت رؤية الوفد الوطني للجانب الإنساني مساحة من المقترحات المتعلقة بوضع الأسرى والمعتقلين والمفقودين ، وطالبت بتشكيل لجنة من كل الأطراف تكون معنية بالترتيبات المتعلقة بهذا الملف شرط أن تكون الثقة وحسن النية هو الأساس بين الطرفين.
ولأن ثمة طرفاً ثالثاً هو المعتدي على اليمن ، ونظراً لتعقيدات إشراكه في عملية التفاوض ، فقد شددت رؤية الوفد الوطني على عدة نقاط تعد جوهرية في أي حل سياسي أو أمني ، ولا يمكن لوفد الرياض أن يكون صاحب الكلمة فيها، واشترطت الرؤية الوطنية تضمينها في الاتفاق الموحد والشامل ، وهي :
إعلان وقف دائم وشامل للأعمال العسكرية والقتالية وإطلاق النار .
انسحاب كافة القوات الخارجية دون استثناء من اليمن .
رفع اليمن من تحت الفصل السابع .
رفع الحصار بكل أشكاله .
ونظراً لتعقيدات الأزمة السياسية فقد اقترح الوفد الوطني الخروج أولا باتفاق مبادئ يضع حداً للحرب ، وبعدها يتم استئناف الحوار بين المكونات السياسية برعاية الأمم المتحدة والاتفاق على بقية مهام المرحلة الانتقالية حسب قراري مجلس الأمن ((2216 و2015)).
لماذا فشلت مشاورات الكويت ؟
حظيت مشاورات السلام اليمينة في الكويت باهتمام إعلامي ودبلوماسي كبيرين، وتوافرت لها الكثير من العوامل التي قد يصعب تكرارها في المستقبل، وقد نجح الوفد الوطني خلال الثلاثة الأشهر الأولى من المشاورات، في الترويج لرؤية الحل السياسي والأمني، وخاض مع مختلف الأطراف في تفاصيل أثبتت جديته واقتداره على التفاوض من جهة، واستعداده لتقديم التنازلات إن لزم الأمر ما دامت لا تخل بالثوابت المتعلقة بسيادة البلاد وكرامة الشعب اليمني.
لقد بدد الوفد الوطني في الكويت الدعاية السوداء حول من يسميهم إعلام العدوان بالانقلابيين ، وظهر بصورة مغايرة ومحرجة للأطراف الأخرى ، وفوق ذلك فإن وحدة الموقف داخل طرفي الوفد الوطني (المؤتمر و أنصار الله ) قد فوت الفرصة على العدوان الذي راهن على خلخلة الصف الوطني، فوجد أمامه قوة متماسكة وصلبة مع مرونة ذكية في التعامل مع التسريبات والإغراءات التي عادة ما تتم خلف الكواليس. ولن أبالغ إن قلت بأن مفاوضات الكويت هي التي ساعدت بشكل كبير على التقارب بين القطبين وصولاً إلى إعلان المجلس السياسي الأعلى ثم حكومة الإنقاذ . ومع تلك الايجابيات التي رافقت تجربة الكويت إلا انها في الأخير لم تفض إلى حل سياسي كان يتطلع إليه غالبية اليمنيين .. وفي نظري فإن ثمة عوامل رئيسة حالت دون إنجاز التسوية السياسية يمكن إيضاحها في النقاط التالية :
عدم جدية النظام السعودي في التوصل إلى حل سياسي ، بدليل التصعيد العسكري الكبير الذي أعقب فشل المشاورات ، واستخدام الورقة الاقتصادية في الحرب على نحو قذر، وبضوء أخضر أمريكي .
انحياز الأمم المتحدة ومبعوثها إلى طرف الرياض ، وهو ما جعل ولد الشيخ يتراجع عن كثير من التوافقات المبدئية التي كانت ولا تزال تشكل الأرضية المناسبة للنقاش والحل المنشود.
الحياد السلبي الذي ظهرت عليه دولة الكويت في استضافتها للمشاورات مع أنه كان معولاً عليها الكثير في هذا الجانب.
تعنت مرتزقة الرياض وخشيتهم من الحل الذي قد يكون على حساب مصالحهم الشخصية، بعد أن تمادوا في عمالتهم لدول العدوان.
الحياد السلبي للدول الصديقة في مجلس الأمن وبالذات ( روسيا والصين ) وحرصهما على التوافق مع الولايات المتحدة ومع الرياض بالنسبة للملف اليمني.
آفاق التسوية السياسية
في أكتوبر 2016م تقدم المبعوث الأممي إلى اليمن بمقترح شبه شامل ينص لأول مره على حكومة وطنية وترتيبات سياسية متوازية مع الترتيبات الأمنية المقترحة، وبرغم الملاحظات والتحفظات الكثيرة على ذلك المقترح ، فقد جاء رد الوفد الوطني إيجابياً على أساس أن المقترح يشكل أرضية للنقاش بينما رفض طرف الرياض المقترح ، ومن حينها والمبعوث الأممي يخاتل ويراوغ لصالح طرف الرياض.
وفي الأيام الأخيرة (أكتوبر 2017م) رشحت مستجدات توحي بإمكانية استئناف مسار التفاوض السياسي، فقد عاد ولد الشيخ من خلال إحاطته لمجلس الأمن للحديث عن مقترح شامل دون التطرق الى التفاصيل ، وقالت وسائل إعلامية نقلاً عن السفير الأمريكي أن ثمة اجتماع مرتقب لولد الشيخ مع سفراء الدول الخمس بمجلس الأمن ، بينما ربط مراقبون هذا التحرك بالتفاهم السعودي الروسي الناجم عن زيارة سلمان – التي وصفت بالتاريخية – إلى موسكو.
وفي الأثناء تقدمت مجموعة الأزمات الدولية (17 أكتوبر 2017م) برؤية جديدة لمعالجة النزاع في اليمن ، وطالبت على ضوئها الأمم المتحدة بالتخلي عن قرار مجلس الأمن 2216 ، نظراً لعدم واقعيته ، وأكدت المجموعة على أهمية دور السعودية في المفاوضات ، وقالت (( إنه إذا لم تكن السعودية على استعداد لأخذ مقعد على الطاولة ، يجب عليها على الأقل أن تقدم مبادرة سياسية لكسر الجمود الدبلوماسي القائم )) ، وطالبت المجموعة أيضاً بإجراء حوار بين صالح والسعودية من جهة، وبين ((الحوثيين)) والسعودية من جهة أخرى ، لوضع الأسس والمفاهيم لاتفاق على إنهاء الأعمال القتالية.
أما محاور الحل الذي تتوقعه المجموعة ، فيتلخص في النقاط التالية:
الوقف الشامل لإطلاق النار ، ورفع الحصار وفتح المطارات الدولية .
انسحاب مقاتلي (صالح/الحوثي) من الحدود السعودية اليمنية .
التزام السعودية ودول أخرى بالمساعدة في إعادة الإعمار بعد الحرب .
الاتفاق على القيادة التنفيذية الجديدة بما في ذلك الرئيس المؤقت ونائب الرئيس ورئيس الوزراء وحكومة ائتلافية شاملة لفترة محدودة من الوقت حتى الانتخابات.
التزام جميع الأطراف اليمنية بالنتائج التوافقية لمؤتمر الحوار الوطني بما في ذلك مبدأ اللامركزية واستكمال المهام المتبقية للفترة الانتقالية .
وضع آلية لإعادة النظر في القضايا الرئيسية العالقة كالقضية الجنوبية ، والمناطق الاتحادية ، والمصالحة الوطنية.
وبنظري ، فإن مقترحات المجموعة الدولية أعلاه تصلح كإطار للنقاش، فيما لو طرحت من قبل الأمم المتحدة على طاولة المفاوضات ، فهي تراعي مصالح مختلف الأطراف، ويمكن من خلالها التوصل إلى اتفاق مبادئ يضع حداً للحرب ، ويفتح الباب مجدداً أمام استئناف الحوار بين المكونات السياسية والاتفاق على عقد اجتماعي جديد يشتمل على احكام انتقاليه لفترة مؤقتة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن سنتين.
بيد أن ثمة سؤالاً يطرح نفسه .. ماذا إن استمرت السعودية في حربها وعدوانها وما هو الدور المطلوب من القوى الوطنية لمواجهة العدوان، وإعادة بناء الدولة في ذات الوقت ؟
لقد قطعت القوى الوطنية شوطاً مهماً حين توافقت على إدارة مشتركة للبلاد عبر المجلس السياسي الأعلى ، وحكومة الإنقاذ ، وبرغم أن هذا الاتفاق قد تعرض لهزة عنيفة جراء المناكفات السياسية والاعلامية والاتهامات المتبادلة بين أطرافه ، فالمطلوب في نظري تعزيز حالة التوافق الداخلية من خلال توسيع دائرة الشراكة والحوار ، بهدف الانتقال بالبلد إلى الشرعية الدستورية، والحفاظ على الثوابت والمكتسبات الوطنية. وفي إطار تعزيز جبهة الصمود والتصدي للعدوان والحصار، يتعين على الأحزاب والمكونات السياسية أن تنخرط في لقاءات ونقاشات عامة ومستفيضة تفضي إلى تفاهمات أولية بشأن أولويات المرحلة الراهنة ، ومن ضمنها :
أولاً: إطلاق دعوة جادة وعملية للمصالحة الوطنية بين مختلف القوى السياسية على قاعدة الشراكة الوطنية في السلطة والثروة وفي مواجهة العدوان والتدخلات الخارجية. واحترام الثوابت والمكتسبات الوطنية وفي المقدمة : الوحدة، والجمهورية ، والنظام الديمقراطي القائم على التعددية السياسية الحزبية، وحرية الرأي والتعبير ، والتداول السلمي للسلطة.
ثانياً: دمج الجيش واللجان الشعبية وإعادة تنظيم القوات المسلحة في إدارة موحدة تتبع وزارة الدفاع ، و تحت سلطة القائد الأعلى للقوات المسلحة.
ثالثاً: تشكيل جمعية وطنية توافقية لمراجعة مسودة الدستور وعرضه للاستفتاء الشعبي في المناطق الآمنة.
رابعاً: تمكين السلطة القضائية من العمل باستقلالية عن السلطة التنفيذية وإعادة بنائها وفقاً لمخرجات الحوار الوطني ، مع الإسراع في تشكيل محكمة دستورية كمرجعية نهائية في حال التنازع بين سلطات الدولة.
خامساً: تنفيذ مخرجات الحوار الوطني المتوافق عليها، وإنشاء هيئة وطنية توافقيه تراقب وتقيم مستوى تنفيذ مؤسسات وأجهزة الدولة لهذه المخرجات.
ورقة مقدمة إلى ندوة مبادرات السلام والثوابت الوطنية، تنظيم الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان،أكتوبر 2017، وتنشر بالتزامن مع مجلة مقاربات سياسية،
قد يعجبك ايضا