في زمن تختلط فيه الشعارات البراقة بالمخططات المبطّنة، يخرج صوتٌ صريح، لا يعرف المواربة، صوت رئيس كتلة الوفاء للمقاومة في لبنان النائب محمد رعد، ليحسم المعادلة بكلمات موجزة لكنها عميقة: “أن تقول سلّم سلاحك يعني أن تقول سلّم شرفك”، ليست هذه مجرد عبارة عابرة، بل إعلان موقف مبدئي راسخ، نابع من تجربة مقاومة طويلة، ومن وعي تام بطبيعة الصراع الذي يخوضه الوطن.
لم يتحدث رعد عن مجرد قطعة معدنية أو ترسانة عسكرية جامدة، بل عن رمز الكرامة، ودرع السيادة، وخط الدفاع الأخير عن الوطن في وجه مشاريع الاحتلال والهيمنة. فالسلاح في يد المقاومة ليس أداة عسكرية فحسب، بل هو حصيلة دماء الشهداء، وتضحيات الأحرار، وعهد مكتوب بدماء الأبطال على أن تبقى الأرض حرة والقرار وطنيًا مستقلًا.
الدعوات المتكررة لنزع سلاح المقاومة، سواء جاءت تحت شعارات الإصلاح أو بذرائع السيادة، ليست سوى محاولات لتفريغ الوطن من آخر عناصر قوته. ومن يطالب المقاومة بالتخلي عن سلاحها، يطالبها بالتخلي عن حقها في الدفاع عن أرضها، ويترك شعبها مكشوفًا أمام أطماع العدو. كما يؤكد محمد رعد، من يسلم سلاحه، يسلم معه قراره وكرامته، ويضع مصيره في أيدي من لا يرحمون الضعفاء.
التاريخ شاهد دامغ على أن الشعوب التي جُردت من سلاحها طواعية أو بخديعة، سقطت سريعًا تحت نير الاحتلال أو الوصاية. من فلسطين إلى العراق، ومن البوسنة إلى أفغانستان، كانت النتيجة واحدة: فقدان الأرض والسيادة معًا. وعلى النقيض، تؤكد التجارب المشرقة من فيتنام إلى الجزائر، ومن المقاومة اللبنانية إلى غزة، أن السلاح في يد الشعب المقاوم قادر على قلب موازين القوى وحماية الكرامة الوطنية.
المقاومة اللبنانية أدركت منذ اللحظة الأولى أن امتلاك السلاح ليس ترفًا، بل ضرورة وجودية. فالعدو الذي يحتل ويقصف ويتجسس لا يمكن ردعه بالوعود الدولية أو البيانات السياسية، بل بلغة القوة التي يفهمها. وكل بندقية في يد المقاوم، وكل صاروخ في مخازن المقاومة، هو رسالة واضحة للعدو: هذه الأرض ليست للبيع، وهذا الشعب ليس لقمة سائغة.
كلمات محمد رعد تعيد تثبيت المعادلة الجوهرية: السلاح والشرف صنوان، فمن يفرّط في أحدهما يفقد الآخر. هذه ليست مجرد شعارات، بل خلاصة تجربة أمة دفعت الدماء ثمناً لحريتها. ولهذا، تعتبر المقاومة سلاحها أمانة ووصية لا تُفرّط إلا بتحقيق الهدف الأسمى: تحرير كامل الأرض واستعادة جميع الحقوق.
وفي ظل الضغوط الدولية والإقليمية التي تحاول إعادة رسم خريطة المنطقة على مقاس مصالح القوى الكبرى، يصبح التمسك بالسلاح موقفًا وجوديًا لا خيارًا سياسيًا يمكن التفاوض حوله. من يقبل تجريده من قوته، عليه أن يقبل فرض شروط وإملاءات الآخرين عليه.
صوت رعد لم يكن موجّهًا فقط إلى الداخل اللبناني، بل إلى كل الشعوب الحرة في العالم، خاصة في المنطقة العربية. فلسفة المقاومة التي اختصرها بعبارة: لا كرامة بلا قوة، ولا سيادة بلا سلاح يحميها، تجد صداها في غزة المحاصرة التي تتحدى أقوى آلة عسكرية في المنطقة، وفي اليمن الصامد الذي يواجه عدوانًا متواصلًا، وفي كل أرض عربية وإسلامية ترفض الخنوع للمحتل.
المعركة الحقيقية اليوم هي معركة وعي قبل أن تكون معركة ميدان. من يفهم أن الشرف لا يُصان إلا بالقدرة على الدفاع عنه، سيدرك أن الدعوة لتسليم السلاح هي في حقيقتها دعوة للاستسلام. ولهذا، يردد الأحرار في لبنان وخارجه، مع محمد رعد: “أن تقول سلّم سلاحك يعني أن تقول سلّم شرفك”. ولن يقبلوا أبدًا أن يكون الشرف معروضًا للتفاوض أو المساومة.