وللحب سفير
أشواق مهدي دومان
نجول بين حقول الكلم الطيب، فلا نجد أجمل من وصف الله له كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، لتكون الكلمة الخبيثة هي من تجتث من جذورها من فوق الأرض، ومالها من قرار واستقرار في النفس ..
نعم : الحرف من الكلمة الطيبة، والكلمة الطيبة مكونة من حروف، لكنها حروف متحابة ، متآلفة فالحرف فيها يحب الحرف الذي يليه والذي يسبقه ، فتتراص كالبنيان منسجمة تنبئ عن صاحبها بأنه المنسجم المؤتلف المتصالح مع ذاته، ولهذا لا يصدر منه سوى ما يغرس في أرضية الروح استقامة القيم ورفعة المبادئ وعفة اللسان، فالكلمة الطيبة شجرة أصلها ممتد في عمق أرض الروح وفرعها يعانق سماها ، ولعظمتها ومعانقتها للسماء تظل المترفعة عن كل ما يستوجب اجتثاثها- لو كانت خبيثة – من أرضية روح الإنسان المجبول على حب اﻵخر والتناغم معه في مجتمع يظله حب الله الأعظم فتورف دوحاته رقة وعذوبة في الروح تجعلنا نحب ذلك الذي قابلناه يوما فرحل به الزمن وبقيت كلمته الطيبة حية في أرواحنا ترويها محبتنا له بسلسبيل الدعاء أن :
1 -رحم الله فلانا ( إن توفاه الله).
2 -رعى الله فلانا ( إن لم يزل يحيا على هذه الفانية).
وفي الحالتين دعوتان مابين الرحمة والرعاية، وما أغلاها من دعوة رحمة الله ورعاية الله من إنسان لإنسان، وخالقنا لم يخلقنا إلا بحب، ولعله الداعي والراعي والمنبع الأسمى للحب دون شك ولاريب، ولعله المتفرد والفريد وله المثل الأعلى في أسمائه وصفاته ؛ فهو يحب المتحابين فيه من عباده، بل إنه من فطرنا بالحب وجعله أسمى مفهوم في الحياة ولكنه اشترط الالتزام لتكون محبا مخلصا تحت قاعدة :
إن المحب لمن يحب مطيع ؛ ولهذا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) : “ فاتبعوني يحببكم الله “ ، لتكون خلاصة ودليل الحب هي طاعة مطلقة لله وللرسول في أرقى أنواع العشق، وأجمله وأغلاه، وهو حب وعشق الذات لخالقها والمبلغ عن خالقها وهو الرسول، فيما يؤصل لحب البشر الالتزام – كذلك -بفعل الكلمة الطيبة،
فالكلمة عقيدة في الذات يتبعها سلوك يؤكد ذلك الحب بيننا – كبشر- وإن لم يكن الحب التزاما وسلوكا يتبع حلاوة اللسان، فقد نعيد ونعيش قصة سيدنا يوسف وإخوته ونتظاهر بالحب كما فعلوا ، وبعدها نرمي من ندعي حبهم في غيابت جب عميق، وهذا هو الحب الغرائزي غير الملتزم بضوابط وقوانين الله وحينها نكون كتلك القطة التي تأكل مولودها حبا له وخوفا عليه حين تشعر بأن هناك أعينا تراه ، ومثل القطة ذلك الجاهلي الذي وأد فلذة كبده خوفا عليها من العار والفقر والفاقة ففضل دفنها حية في التراب ؛ ليأمن مكر الزمان عليها !!
ولكن يبقى الالتزام رديف الحب أو قرينه أو لنقل وجهه اﻵخر، ليكون حبا يحفه جناح الملائك ويباركه الله بين عباده ؛ فالحب ما خلقنا به بداية ونهاية، بحب الله ورسوله والأب والأم والزوج والولد والحياة ومن ومافيها يشترط لكل درجة ومدلول ضوابط فمع الله ولحبه ضوابط لتكون حبيبا له ولن تكون حبيبا له إلا إذا اتبعت حبيبه محمد رسول الله وأحببته ومن يحب، في حلقات متصلة فمن قال لك أن تحب محمدا وتصلي وتسلم عليه وتترك من يحبهم حين صارحك بقوله ( صلى الله عليه وآله) : “ من أحبني أحب آل بيتي “ وهذا كمثل لضوابط الحب المحمدي بعد الحب اﻹلهي، لتحمل محبة الأبوين ضوابط وفنوناً نتقنها ليكون حبا حقيقيا، ليكون حب الزوج للزوج مقننا بضوابط تتناسق مع فصيلة ذلك الحب ، فيأتي دور حب الأبناء ليلتزم المحب من الأبوين بضوابط وشروط، ويكون في الحياة ودورتها أن لك مثل الذي عليك أو كقول المثل الشعبي :
يا ولدي لك ولدك، أي ما فعلته في والديك ستجده في أبنائك والحياة دائن ومديون، فنستدين منها الحب ونلتزم بما ينقيه ويسمو به حتى يرده لنا من سقيناهم به بنفس درجة الصفاء ..
ولا ننسى في محبة البشر للبشر أن الجبار قد قال : “المتحابون في جلالي لهم منابر من نور “