النازحون بلا مأوى.. ويستقبلون العيد بالدعاء على العدوان ومرتزقته

 

¶ موظفون وعمال فقدوا مصادر دخلهم ..وكل ما يشغلهم هو كيف يرسمون الفرحة على وجوه أطفالهم

زيارات المدن الساحلية للنزهة العيدية أصبح حلماً

البعض اكتفى بأقل القليل من متطلبات العيد..وفرحتهم بالمناسبة لن يصادرها العدوان

تحقيق/حاشد مزقر

للعام الثالث على التوالي يحل عيد الأضحى المبارك على الشعب اليمني و على غير العادة فالعدوان السعودي قد خطف أنظار الناس عن الضيف العزيز عليهم وعلى قلوبهم بعد أن نشر الموت والمجاعة والدمار في ربوع اليمن السعيد وبهذا فقد أنهك الشعب اليمني بمختلف شرائحة وطبقاته حتى ارتسمت صورة مأساوية في ذاكرة الناس لاسيما الذين كانوا من قبل تحت خط الفقر ومن تلاهم ممن قطع العدوان سبل عيشهم ومصادر دخلهم .. هذا التحقيق يسلط الضوء على أوضاع اليمنيين قبيل عيد الأضحى.. فإلى التفاصيل :

يتحدث المواطن علي عبدالغني عن عيد الأضحى وكيف سيكون هذا العام فيقول وحشرجة قاسية تخنق كلماته ومرارة مؤلمة تحكي تفاصيل لم تستطع الحروف والكلمات عن الافصاح بها : قبل ان يشن العدوان حربه الآثمة كانت حياتنا كحياة بقية الناس آمنين في منازلنا ولقمة العيش متوفرة وكذا مطالب الأطفال والأسرة ككل وكان العيد لا يأتي الا وقد منحناه الكثير من طقوس الاستقبال والترحاب فنوفر له كل ما يمكن أن يجعلنا نعيش لحظاته بكل سعادة سواء من كسوة العيد أو شراء كبش العيد من أجل الأضحية وإحياء شعائر الله و كنت اعمل جاهدا لإسعاد جميع أفراد الأسرة ولم نشعر بالمهانة يوما رغم بعض الأزمات المالية التي كنت أمر بها..أما الآن وقد ساءت أحوالنا وقست علينا الحياة بعد ما أحدثه العدوان في كل نواحي حياتنا فإن عيد الأضحى لم يعد سوى ذكرى قاسية لنا فنحن غير قادرين على تأمين لقمة العيش البسيطة فضلا عن توفير متطلباته الكبيرة والباهظة ولم نعد نحلم بشيء سوى الأمن ولقمة العيش.
كدر العيش
لم ترحم الحياة ضعفهم ولا قلة حيلتهم ولا هوانهم على الأعداء أيضا لم تكتفِ أقدارهم بما ساقته لهم خلال أكثر من ثلاثة اعوام مضت من مآسٍ غير قابلة للنسيان فعلاوة على ذلك أرسلت إليهم أهم لحظات الزمن فرحة في حياتهم على غير ما كانوا يتوقعون إذ البؤس وكدر العيش والمهانة أبرز سماته لينقلب من عيد للأفراح إلى عيد للأتراح تلك الحالة المأساوية تعيشها أسرة “إبراهيم صبر” وإن كان هناك فرق ما بين أسرة لأخرى ومن مدينة لمدينة ومن شريحة اجتماعية لشريحة فإن أسرة إبراهيم من أكثر الأسر بؤسا ومعاناة فيكفي أنهم قد ذهبوا مجبرين إلى الفقر والمجاعة والمهانة وبعد أن تبخرت أحلامهم المشروعة ولم يتبق منها سوى حلم ضمان بقائهم على قيد الحياة منذ أن جاء طغيان آل سعود يجتث ويقتلع كل مقومات الحياة والعيش الكريم على تراب الوطن الجريح.
لحظات العيد المنسية
قبل ثلاثة أعوام من الآن كان الجميع ينتظر بشغف كبير لحظات السعادة التي سيحملها إليهم عيدهم الأكبر عيد الأضحى المبارك فهذا ينوي زيارة مدينة ساحلية يمنية واخر ينوي الارتماء في أحضان المناطق الجبيلة حيث الطبيعة وجمالها فيما ثالث يصنع لنفسه برنامجا ترفيهيا يضمن له الفوز بأكبر قدر ممكن من السعادة وإذا ما حضر العيد عاش كلٌ لحظته المنتظرة لكن ما يؤسف حقا أن تلك الحياة أصبحت من ماضينا السعيد فقط بقي منها في حاضرنا الذكرى لا غير أما الآن فقد أصبح كل مواطن يمني غارقا بهموم مستلزمات ومصاريف واضحية العيد من رأسه حتى أخمص قدميه بهذه الكلمات وصف صدام أمين مايظنه حالة ووضع كل يمني مغدور بسلاسل وقيود من يسمون انفسهم بعاصفة الأمل تلك العاصفة التي لم تبق في اليمن شيئاً جميلاً إلا واحالته إلى ذكريات الماضي المنسي.
انقطاع مصدر الرزق
جميل العربي مواطن من محافظة تعز يعمل مهندسا في شركة خاصة وأب لستة من الأولاد يصور لنا واقع حياته اليومية وكيف سيمر عليه العيد فيقول : كنت أعمل في شركة خاصة وعملي يدر عليّ الدخل الكافي الذي كان يمكنني من العيش بكرامة لكنني وجدت نفسي فجأة من أفقر الناس إذ لم يعد بمقدوري الإيفاء بكامل متطلبات الأسرة الضرورية فالحرب دمرت منزلي في المدينة بعد أن نزحت منه إلى محافظة إب ولأن دمار المنزل لم يخطر ببالي فقد تركت أغلب الأشياء الثمينة داخله على أمل أن نعود إليه في القريب العاجل لكن ما حدث هو العكس تماما إذ تبددت آمال العودة بعد تدميره أما بالنسبة للعيد فقد نسينا أمره تماما ولا يذكرني به سوى أبنائي القصر حينما يسألونني ببراءة عما إذا كنا سنخرج للنزهة كما هو المعتاد في كل عيد من كل عام وهل سنزور اقاربنا في العاصمة صنعاء وهم لايدركون بأنني معدم لا أمتلك شيئاً في هذه الحياة.
الرحيل إلى المعاناة
وإذا كان العربي قد نسي أمر العيد فإن محمد الجوبي لم ينسه على الإطلاق بل يكاد يستعجل وصوله لكن ثمة أمر مختلف فحنينه للعيد ليس لشغفه بقضاء أمتع الأوقات خلاله بل لهدف آخر ليس ببعيد عن ضمان الاستمرار في الحياة فمحمد الذي كان يعمل في العاصمة صنعاء بناء ويعول أسرته مما كسبت يداه انقطع عنه ذلك الباب للترزق فلم يبق أمامه سوى الرحيل إلى الجبال بغية الحصول على أعواد الحطب الذي سيقوم بعد ذلك بحمله على ظهره قبل أن يبيعه على المحتاجين له في المدينة وقدوم عيد الأضحى المبارك خير موسم لهذه التجارة يقول محمد انتظرنا عدة أشهر انتهاء الحرب لكنها لم تنته قبل أن ينفذ ما كنا قد ادخرناه من أعمالنا الحرة في المواسم السابقة ولما لم نجد حلا فكرت بالاحتطاب ولم أكن أنا الوحيد الذي يقدم على هذا العمل فهناك الكثير ممن جارَ عليهم العدوان الظالم وأصبحوا بين ليلة وضحاها فقراء لا يمتلكون شيئا.
محمد المنتصر .. هو الآخر سيكون له مع عيد الأضحى الحالي ذكريات مؤلمة بالطبع ستختلف كليا عن سابقيه ..فنهار العيد هذه المرة لن يجمعه بوالده وشقيقه الأكبر اللذين قتلا في الخامس من شهر رمضان الماضي بغارة جوية لطائرات العدوان السعودي على أحد المنازل بمحافظة حجة وهما يمران بالصدفة بجانب الهدف وهما في طريق عودتهما الى المنزل ..كان والد محمد يعمل كموظف حكومي متوسط الدخل ومثله شقيقه الاكبر البالغ من العمر 33 عاما وهو متزوج وله طفلان ..يقول محمد معلقا على حلول العيد : بالتأكيد سيكون مختلفا جدا فلم يعد بإمكاني التهرب من مسؤولية تحمل أعباء الأسرة وتوفير احتياجاتها والقيام بأمرها فقد رحل من كنت القي بالمهمة على كاهله ايضا لن اتمكن من رؤية أخي ووالدي يوم العيد لن اصلي معهما ولا خلفهما صلاة العيد باختصار سيكون هذا اليوم بالنسبة لي وللعائلة ذكرى رحيل مؤلم لروح الحياة الجميلة.
العدوان أولا وأخيراً
هشام راجح ناشط حقوقي تحدث عن جزء من واقع المجتمع اليمني الذي تسبب به العدوان وحصاره البربري على بلادنا خلال الفترة الماضية وقال :في الأشهر الماضية كنت قد قمت برصد للحالة المجتمعية لبعض المناطق في أكثر من محافظة في الشمال والجنوب وكانت الصورة كارثية فعشرات الآلاف من الأسر تضررت من الحرب إذ دمرت منازل أسر كثيرة وأسر أخرى فقدت بعض أفرادها في غارات العدوان الطاحنة التي شنت وتشن في مناطق مختلفة كما أن أسراً أخرى فقدت مصادر دخلها الذي لا يملكون سواه وعلى صعيد آخر تعطلت الحياة في أكثر من قطاع كالتعليم و قطاع الصحة الذي يعيش أوضاعا كارثية فعشرات المستشفيات توقفت عن العمل لأكثر من سبب وبالتالي يفقد الكثير من المرضى حياتهم وعلى صعيد آخر ارتفعت نسب الفقر في أوساط الأسر اليمنية وكذا نسب البطالة في أوساط الشعب وهذا فضلا عن مئات من الشباب فقدوا أعمالهم في القطاع الخاص بعد تسريحهم بسبب الأزمة الاقتصادية وآخرون فقدوا اعمالهم التي كانت تعتبر كأعمال حرة وذلك بسبب انعدام الأمن في المحافظات المضطربة علاوة على انقطاع رواتب مئات الآلاف من المواطنين ..ومن هنا فإن معاناة اليمنيين في العيد هذا العام ستكون كبيرة والسبب الأول والأخير لذلك هو العدوان السعودي الذي دمر اليمن أرضاً وانساناً.
أخيرا
قبل أن تداهم الحرب الفجائية الشعب اليمني وتلحق بهم وبحياتهم الأذى الكبير كان الكل يعيش حياته بطريقته الخاصة رغم المعاناة التي كان يعيشها الكثير والتي لا تخرج عن دائرة شح الدخل اليومي في الغالب لكن بعد أن بدأت غارات العدوان وعمت اغلب المحافظات لم يعد بإمكان المواطن اليمني أن يعيش حياته بطرقه الخاصة فالكل ارغم على حياة جديدة إجبارية تفاصيلها تظهر المآسي والمعاناة بقضها وقضيضها ..معاناة كبيرة بكل آلام الحياة وأوجاعها فالبعض فقد أقاربه والبعض الآخر فقد منزله بعد تدمير صواريخ الطائرات العدوانية وآخرون فقدوا مصادر دخلهم وعشرات الآلاف قطعت رواتبهم وبات الاغلب إما نازحين وإما فقراء يتكففون أيدي الناس والقليل منهم يعيش حياة صعبة لكنها أقل قساوة من غيرهم قساوة العدوان ومخلفاته وستزيد بحلول عيد الأضحى المبارك الذي يعتبر بالنسبة للمسلمين وبالأخص اليمنيين يوما استثنائيا طالما كان يوم الفرح الشامل والسعادة الغامرة.

قد يعجبك ايضا