مغامرات الأحفاد في مملكة آل سعود

 

بين تكتيكات سلطان وحماقات الجيل الثاني:

حسين اللسواس
ثمة اعتقاد ما انفك يتعزز بالتقادم مفادة ان السياسات السعودية المتعلقة بالشأن اليمني طرأت عليها تغييرات جذرية تسببت في إنتاج واقع مغاير كلياً لذلك الذي كانت فيه المملكة تتعاطى مع اليمن بمنهجية تقليدية دأبت على انتهاجها منذ عقود زمنية منقضية وتحديداً بعد جلاء القوات المصرية المساندة لثورة سبتمبر من اليمن.
التغييرات الطارئة على السياسات التقليدية إزاء اليمن حولت مفاعيل التجاوب السعودي الى النقيض تماماً فبدلاً من استراتيجية التعاطي مع اليمن بمنظور شراء الولاءات أضحت لغة القوة هي السلوك الطاغي على ما عداه في تكتيكات الإدارة السعودية للملف اليمني.
ورغم ان تصرفات تيارات يمنية هي التعليل الذي يبدو رئيسياً للانقلاب الطارئ والتغييرات الجارية في سياسات المملكة ونهجها إزاء اليمن الا ان ذلك لا يلغي حقيقة وجود تحولات جذرية في مسار الإدارة للملف اليمني سعودياً.
تقهقر الأبناء لصالح تمكن الأحفاد
ثمة من يعزو مسببات التغييرات الطارئة إزاء الملف اليمني الى التغييرات الحاصلة في تركيبة النظام الملكي الحاكم في المملكة ونعني به هنا تقهقر إدارة أبناء المؤسس عبدالعزيز آل سعود لصالح تمكن أحفاده من الحكم.
نظرية وجود الأحفاد في السلم الهرمي للسلطة السعودية تبدو سبباً رئيسياً في التغيرات الطارئة إزاء التعاطي مع اليمن.
قبل هيمنة الأحفاد على السلطة في السعودية كانت المملكة تعتمد على قواعد سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد الراحل في التعاطي مع الشأن اليمني.
الى ما قبل رحيل سلطان كانت السعودية تتخذ من نظرية شراء الولاءات وتكتيكات المراضاة وخطب الود سلوكاً ومنهاجاً في التعامل مع اليمنيين ولم تكن لغة القوة حاضرة أبداً في عناوين المشهد وتفاصيله.
شراء الولاءات وتكتيكات خطب الود
حين جرت احداث جبل الدخان وهي عبارة عن مواجهات بين الجيش السعودي وأنصار الله لم يسمح الامير سلطان باتساع دائرة المواجهات فبعد عودته من اعتكاف لمدة عام كامل في مدينة اغادير المغربية وجه فوراً باحتواء الأوضاع متخذا من سياسة القنوات الخلفية أسلوبا في التعاطي مع اليمنيين حيث نجح في وضع حد للمعارك مع رصد ميزانية حسب بعض المصادر كتعويضات لآثار الحرب.
في فلسفة الإدارة النمطية لدى الأمير سلطان تحتل نظرية شراء الولاءات تموضعاً رئيسياً حيث انه لا يحبذ مطلقاً استخدام القوة في التعامل مع اليمنيين ولمن ليسوا قابلين لشراء الولاءات كان يتعاطى بتكتيكات الاحتواء وإبراق التحايا والهدايا وسيناريوهات خطب الود.
وهي في واقع الأمر منهجية مستوحاة من نصائح المؤسس عبدالعزيز آل سعود الذي كان يميل الى تحاشي أي تصادم مع الجارة اليمن.
واقع الأمر ان السياسات السعودية المستحدثة تجاه اليمن استهلت قبل تشكل التحالف ضد أنصار الله وحلفائهم في المؤتمر الشعبي العام بفترة ليست بالقصيرة حيث جرى تعطيل جانب واسع من أعمال اللجنة السعودية الخاصة التي تتولى الإشراف على صرف المبالغ المالية المخصصة لبعض مشائخ ونخب اليمن حيث جرى خصم نصف هذه الأموال قبل ان يتم تعليق صرفها نهائياً والتوقف عن توريدها الى أيادي اليمنيين.
الخاصة تحت رحمة الأحفاد
في عهد الأمير سلطان كان عمل اللجنة السعودية الخاصة وهي هيئة أنشئت في ستينيات القرن المنصرم لإدارة الملف اليمني يندرج في إطار المسلمات البديهية والمقدسات حيث لم يكن ثمة مجال للحديث عن تخفيض هذه الأموال فضلاً عن إلغائها أو تجميدها.
واقع الأمر ان التعديلات الطارئة على اللجنة الخاصة جاءت مترافقة مع سيطرة الجيل الثاني للأسرة الملكية الحاكمة على مقاليد السلطة السياسية في السعودية.
ما كان خطاً احمر في عهد الأمير سلطان تحول في عهد الأحفاد الى خط اخضر حيث خضعت اللجنة الخاصة الى ما يشبه عملية التقييم الشاملة من جدوى وجودها واستمرارها في تأدية مهام عملها.
التغييرات الطارئة على النهج السعودي إزاء اليمن يدل دلالة واضحة على حضور طاغٍ لنظرية القصور في الاداءات والأعمال والسياسات لدى الجيل الثاني في المملكة ففي عهد سلطان كان التفكير في تعطيل أعمال اللجنة السعودية الخاصة ضرباً من المستحيلات حيث كانت اللجنة تحظى برعاية خاصة من جانب سلطان بن عبدالعزيز وكانت أعمالها ضرباً من المقدسات التي لا جدال حولها.
ابتعاد الأحفاد عن إنفاذ وصية المؤسس
لايبدو ان ثمة استيعاباً حقيقياً لدى الأحفاد لكُنه وصيه المؤسس عبدالعزيز آل سعود فرغم ان المؤسس أوصى أبناءه بالتعاطي الحذر مع الملف اليمني الا ان الأحفاد ينتهجون حالياً نهجاً خاصاً في التعامل مع الحالة اليمنية الأمر الذي يظهر وجود قصور حاد لدى الأحفاد بموازاة افراز واقع من عدم امتلاك الخبرة الكافية في إدارة دفة القرار السياسي.
المؤسس عبدالعزيز آل سعود سبق له ان قال لأبنائه موصياً خيركم وشركم يأتي من اليمن وهو ما تسبب في قيام ما عرف بعدها باللجنة السعودية الخاصة التي وجدت لإبقاء اليمن تحت السيطرة والهيمنة والوصاية السعودية ومع ان الابناء مارسوا انماطاً شتى من الاجتهاد لتنفيذ وصية المؤسس عبدالعزيز آل سعود الا ان الأحفاد لم يلقوا بالاً لهذه الوصية الهامة ليبدو حالهم كذلك الذي يريد لليمن ان يتحرر من الوصاية والهيمنة السعودية وما يترتب على هذا التحرر من أعمال ومشاريع ذات علاقة بإقلاق السكينة والأمن السعوديين.
في عهد سلطان كان المساس بالأراضي السعودية ضرباً من الخيال فسلطان يدرك تمام الإدراك ان شراء الولاءات كفيل بتجنيب المملكة أي أخطار أو مثالب أو تهديدات من الجانب اليمني لذلك كان المساس بالأراضي السعودية ضرباً من المستحيلات بدليل احداث جبل الدخان التي نجح سلطان في احتوائها فور عودته من مدينة أغادير المغربية.
هنا تحديداً يكمن الفارق الشاسع بين سياسات سلطان وسياسات الجيل الثاني (الأحفاد) ففي عهد الأحفاد أضحت مدن الجنوب السعودي مهددة بالقصف والغزو والاستيلاء من جانب أنصار الله وحلفاءهم وهو حدث لم يكن ممكناً في عهد الأمير سلطان مهما كانت الأسباب سياسات سلطان لم تكن لتسمح بتدهور الأوضاع الى مواجهة عسكرية.
ترتيبات سلطان المغايرة لعبث الأحفاد
قد يتساءل البعض هنا بالتأكيد على ان ثمة حرباً قائمة مع أنصار الله انتصاراً لعبدربه منصور هادي وبالتالي كيف يمكن تجنيب الأراضي السعودية الخطر.
لو ان سلطان بن عبدالعزيز كان حياً يرزق وجاءه عبدربه منصور هادي طالباً يد العون لكانت هذه الأخيرة امتدت إليه ولكن على طريقة الأمير سلطان!
من حصيلة اداءات سلطان يمكن التنبؤ بطبيعة وماهية الفعل والسلوك الذي كان سيتخذه حيث لن يسمح بدخول السعودية في حرب لكنه سيطلب من هادي قيادة مقاومة يمنية داخلية بإسناد مالي سعودي متكامل دون الجنوح الى توريط الجيش السعودي في أي مغامرات حربية على الإطلاق.
استنباط مثل هذا التوجه بائن الجلاء من واقع الإلمام بسياسات ونهج وأسلوب إدارة الأمير سلطان للأمور فعدم المشاركة المباشرة للجيش السعودي كانت ستحفظ لسلطان نتيجة عدم المساس بالأراضي السعودية من جانب أنصار الله بموازاة تحقيق الرغبة في دعم ومساندة عبدربه منصور هادي.
المقارنة ما بين عهدي الأمير سلطان من جهة والأحفاد من جهة أخرى تُظهر بجلاء لا يقبل المواربة حجم ومستوى تدني الخبرة بل وانعدامها لدى جيل الأحفاد حيث تؤكد استراتيجيتهم في التعاطي مع الشأن اليمني وجود عبث وقصور فادح في السياسات وعدم وجود منطق الحكمة في التعاطي مع شارد الأمور وواردها.
وماذا بعد؟
ولان الجيل الثاني (الأحفاد) الذين يتزعمهم محمد بن سلمان ولي العهد نجل الملك الحالي يبدو حالهُ في إدارة الأمور كمن يدير الدفة باتجاه مجاهيل غير محمودة العواقب (أعمال اقرب الى الحماقات) فان مراجعة الذات والتعلم من تكتيكات الأمير سلطان ونهجه التقليدي في التعاطي مع الشأن اليمني يبدو ضرورة ملحة للغاية.
مراجعة تكتيكات سلطان في التعامل مع اليمن لا شك ستفضي الى تفعيل العمل بوصيه العاهل المؤسس بما يضمن ألا تكون السعودية عرضة للشر الآتي من اليمن واليمنيين.
ولأن الأحفاد يبدون منعدمي القدرة على فهم طبيعة التعاطي السلطاني مع الحالة اليمنية فان ذلك سيؤدي الى إحدى نتيجتين اما نجاح السعودية في اخضاع اليمنيين وهذا أمر وفق معطيات شتى مستبعد واما نجاح اليمنيين وتحديداً أنصار الله وحلفائهم في إلحاق هزائم كبيرة في الجانب السعودي عندها سيتم الترحم على عهد الأبناء وعلى العاهل السعودي المؤسس بالقول ان شر السعودية قد أتى فعلاً من اليمن وكفى.
Al_leswas@hotmail.com

قد يعجبك ايضا