أنصار الله ومواقف السمو ..

أحمد يحيى الديلمي
مما أسلفت في الحلقة السابقة يتضح أن الخيارات كانت مفتوحة أمام أنصار الله ، لأن قطر وليبيا في الأخير كان همهما الأول هو إيجاد جماعة تشكل رأس حربة ضد المملكة العربية السعودية ، وكانت هذه الأخيرة على أشد العداء من أنصار الله ، لأنها بعد عقود من التآمر ومحاولة استئصال المذهب الزيدي وتفريخ الجماعات الوهابية والسلفية ، انتقلت إلى مرحلة العدوان المباشر ، فاشتركت بأحدث الأسلحة في الحرب السادسة ، وهذا الأمر كان سيسهل المهمة على أنصار الله ويجعلهم يحظون بمليارات الدولارات من قطر و ليبيا مقابل القيام بهذا الدور المشبوه ، إلا أن أخلاق الحركة أبت الانزلاق بها إلى مثل هذا المنحدر وتمسكت بمواقف السمو الناصعة التي لا تقبل إلا المواجهة في الميدان ، والمواجهة المتسمة بالشرف ، القائمة على أخلاق وأعراف وتقاليد الحروب كما يحدث الآن ، هذا الأمر يتطلب منا الخوض في الجذور التاريخية للحركة والمناهل الصافية التي استمدت منها نهجها .

جذور النشأة وأصل المنهج :
كل الشواهد تؤكد أننا أمام مدرسة في الأخلاق الفاضلة والقيم الإنسانية النبيلة لا تحيد عن نصرة الدين وتتفانى في سبيله لأن جذورها راسخة في أعماق الأرض وظلاله وارفة تمد أصحاب الإيمان الصادق والولاء المطلق للدين بكل معاني الثبات ، والقدرة على تحدي الصعاب مهما تكالبت وعظم خطبها .
لأن أتباع هذه المدرسة يستمدون القوة على دحر الأعداء وقدرة التحمل والصبر على المكاره من الخالق سبحانه وتعالى ، ويسيرون على نهج النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم الذي أختط مدونة سلوك هذه المدرسة بقوله لعمه أبا طالب عليه السلام عندما حمل إليه عرض قريش بالمال والرئاسة والجاه أجاب بصدق الإيمان المطلق بالخالق سبحانه وتعالى والاستعداد للتضحية في سبيل الرسالة التي أسندت إليه ( والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه ) .
ثم ما لبث نفس بريق الإيمان المتوهج بصدق الانتماء والولاء المطلق للرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أن انتقل إلى وصيه وابن عمه وباب مدينة علمه إمام المتقين ويعسوب الموحدين الإمام علي بن أبي طالب قدس الله روحه الطاهرة في جنة النعيم الذي رد على الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم عندما طلب منه أن ينام في فراشه ليلة الهجرة للتمويه على المشركين ( أو تسلم يا رسول الله) فعبر عن أعظم هم يختلج في أعماقه ، لم يعبأ بنفسه ولم يفكر فيما قد يحيق به هو على استعداد للتضحية بأغلى ما يملك وهي النفس طالما ضمن سلامة الرسول وفي هذا يتشكل كل همه .
وعندما أخبره الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بأن أحدهم سيخضب لحيته من دم رأسه أجاب بنفس الشجاعة والولاء المطلق لله والرسول ومنهج الدين القويم ( أفي سلامة من ديني يا رسول الله ) كانت الإجابة مقتضبة دلت على الانصهار في الدين والكفر بما دونه من غايات مهما عظم شأنها .
نفس الموقف جسده عملياً سبط رسول الله أبا عبد الله الحسين عليه السلام بمقولته الشهيرة التي أطلقها في صحراء كربلاء ( إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني ) وكررها الإمام الأعظم زيد بن علي عليه السلام وهو يحث أصحابه على إعلاء راية الجهاد ومقارعة الظلم في إطار القيام بأعباء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال ” من أحب الحياة عاش ذليلاً” وقال ” الجنة تحت ظلال السيوف ” نفس المدونة العظيمة تناسلت في أئمة آل البيت عليهم السلام وبسببها تعرضوا للكثير من أعمال التنكيل ، فتم الزج بهم في أقبية السجون وتم إقصاؤهم بشكل قسري وإقصاء متعمد من الوظائف العامة.
استناداً إلى ما أسلفت تتضح عظمة حركة القائد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه كونها امتداد لتراث متأصل وفكر جهادي عميق المضمون والدلالة أساسه منهج العقيدة القويم البعيد عن التأويل والتفسيرات الخاطئة التي ابتعدت عن الدين ومضامينه السامية وغاياته الإنسانية ، وتعمدت توظيف النصوص العظيمة لخدمة غايات دنيوية رخيصة أسقطت المعنى السامي للدين .
جاء القائد الشهيد ليحيي تراثاً عظيماً يرفض الظلم والجور ولا يقبل الذل والهوان فأنعش في النفوس قيم البسالة والشجاعة وأحيا روح الإقدام والتضحية والقيام بأعباء فريضة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر تبعاً للاحتياجات الزمانية و المكانية وطبيعة المخاطر التي تحيط بالأمة وتهدد مستقبلها .
إزاء ذلك رأي القائد الشهيد أن أحداث أمريكا في سبتمبر 2001م وما ترتب ع ليها من تداعيات قسرية خطيرة دفعت قيادات الأمة إلى الاستسلام و الذل والهوان ، وألقت بها إلى مزالق التواكل وتجاهل فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تماماً ، فوجد لزاماً عليه كمسلم ومؤمن لله سبحانه وتعالى أن ينقل هذه الفريضة شبه الغائبة من الحالة الكفاءية إلى فرض العين الو اجب على كل مسلم وإن اقتضى الأمر رفع راية الجهاد المقدس ، وهذا هو الأساس الذي جعل الآخرين يتكالبون عليه ويرفضون منهجه ، بل يكيلون له التهم العديدة التي هو برىء منها برغبة استهداف النهج الذي جاء به وإسقاطه في عيون الناس ، إلا أن الله يأبى إلا ان يتم نوره ولو كره الكافرون ، فلقد سارت المسيرة على نفس النهج ولا تزال متمسكة به ، فلم نسمع يوماً أن هذه المسيرة لجأت إلى أعمال التفجير أو التفخيخ أو الممارسات الدنيئة أو أي حالات الاستهداف غير السوية للأعداء رغم ما واجهت من مؤامرات ولا تزال حتى اليوم ، وهذا إنما يدل على نقاء المنهج وصدق القائمين عليه وأنهم إنما يمثلون امتداد لوهج الرسالة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم وعلى هذا الأساس يجب أن يفهم الآخرين هذه الحركة وأن يقرأوها قراءة صحيحة وتعاملوا مع نهجها بعقل ومنطق ، عند ذلك سيدركون أنهم اخطأوا كثيراً عند تقييمها في المراحل الماضية ، وستتأكد في أعماق كل من كتب أنه أخطأ ، ويجب مراجعة ما كتب .. والله من وراء القصد وهو نعم المولى ونعم النصير ..

قد يعجبك ايضا