النقاط الـ 12 .. نصيحة شعبية
علي احمد جاحز
بعض الأمور بعض الأمور تبدو غير طبيعية ولا تسير في سياقها الصحيح ، رغم أن من السهل جدا جعلها تبدو طبيعية في سياقها الصحيح ، وهذا يدل على أن ثمة خلل في إدارة تلك الأمور ، خاصة وان هناك أمورا تسير في سياق أفضل من سياقها المتوقع والطبيعي وتبدو في صورة أبهى مما خطط لها ، مع أن مجرد أن تسير في السياق الصحيح أمر غاية في الصعوبة والتعقيد .
لننظر في ( إدارة جبهة الشأن الدخلي الحكومي ( وأيضا في ( إدارة جبهات العمل الميداني القتالي والتعبوي) هذان مثالان للحالتين التي ذكرتهما أعلاه ، الأول للأسف الشديد هو مثال على القصور والتفريط والذي يؤدي إلى الفشل مع أن إشكالاته ليست بتلك الصعوبة والتعقيد ولا النضال في سبيل حلها بتلك التضحيات العالية ، مع وجود الصعوبات ووجود التضحيات ، غير ان المثال الثاني اثبت برغم الواقع الصعب والتعقيد العالي والخطر الكبير نجاحا كبيرا وعاليا ومدهشا تجاوز المألوف والمتوقع في حسابات البشر، برغم ان أداء المثال الأول يؤثر بشكل مباشر في أداء المثال الثاني .
فما هو سر الفارق الهائل بين ثمرة العمل في جبهة العمل الحكومي أو ما يسمى الشأن الداخلي ، وبين ثمرة العمل في جبهة العمل الميداني القتالي ؟
السر ليس في وجود تأييد الهي لجبهات القتال وعدم وجود ذلك التأييد في جبهات العمل الحكومي الداخلي ، فالتأييد الإلهي من الممكن أن يتنزل على كل الجبهات التي تواجه العدوان ، بل يكمن السر في كيفية الوصول الى حيث الاستحقاق لذلك التأييد ، وهو امر لا يأتي حتما دون ان يكون هناك تحرك جاد وصادق وروحية عالية ونوايا سليمة ، وهو ربما لم يتوفر لدى معظم قادة العمل الحكومي الداخلي بينما يتوفر لدى قادة العمل الميداني القتالي والتعبوي .
ومن هذا المنطلق جاءت مناشدات السيد القائد للحكومة بتنفيذ النقاط الـ 12 التي يراها البعض إملاءات من طرف على طرف آخر ، وتلك الرؤية قد تكون قاصرة باعتبارها لم تفهم النقاط أو بالأصح لم تقرأها جيدا وإنما سمعت الشحن وتأثرت به ، وقد تكون رؤية كيدية تحمل داخلها انزعاجا حقيقيا من مضامين النقاط وقلقا من مفاعيلها و ثمار تنفيذها ، وهو ما يعني إصرار على ترك الوضع الداخلي الحكومي برمته رهينة الضياع والانهيار بشكل متسارع .
كثيرون يقولون حين يسمعونك تتحدث عن النقاط الـ 12 :
اصرفوا الرواتب أو ارفعوا القمامة أو حاربوا المفسدين أو أوقفوا تجاوزات البعض على المسؤولين والمؤسسات أو فعلوا دور القضاء أو احكموا موارد الدولة وأصلحوا آليات تحصيلها وووو الخ .
وهذه اسئلة محقة ولكنها ظالمة حين توجه لطرف بعينه باعتباره هو المسؤول في حين توجد حكومة توافق الناس على أن تتحمل مسؤولياتها تجاه حل الإشكالات وإنقاذ الوضع ـ الأمر الذي يحتم علينا أن نضع الناس في صورة مدلولات النقاط الـ 12 ومفاعيلها ومنطلقاتها وعلاقتها بحل المشكلات التي يعاني منها الناس .
النقاط الـ 12 هي مصفوفة مطالب شعبية تشير بشكل مباشر إلى مكامن الخلل وتدل على الحلول وتلخص السبل للوصول السريع والآمن إلى إنقاذ الوضع برمته ، مثلا لن يصلح الوضع الاقتصادي وحل مشكلة الرواتب إلا بتشكيل لجنة اقتصادية قادرة ومتمكنة وإصلاح أجهزة الرقابة وتفعيلها وضبط الموارد المالية للدولة والعناية بالزكاة ، كما أن تفعيل مؤسسات الدولة وتطهيرها من الخونة هي من ضروريات نجاح الوصول إلى حلول اقتصادية وأمنية وإدارية أيضا للوضع برمته .
كما أن تفعيل مؤسسات القضاء وتطهيرها وتفعيل قانون الطوارئ من شأنه أن ينهي الكثير من الإشكالات مثل التجاوزات والفساد إضافة إلى كونه يساهم بشكل كبير في تأمين الحياة وتهيئة الأجواء لممارسة الناس حياتهم بشكل طبيعي و هو ما ينعكس أيضا على استمرار دورة الاستثمار وتعافي الاقتصاد .
ولعل من أهم ما طرح على الجبهة الحكومية ضمن النقاط الـ 12 هو الإسهام الحكومي في رفد الجبهات الميدانية القتالية سواء باستبدال الفرار بمجندين جدد أو بدعم وتطوير التصنيع العسكري وخاصة القوة الصاروخية ، كما أن العمل الحقوقي يسهم بشكل كبير في تخفيف الحصار وايصال معاناة الناس إلى الرأي العام الخارجي وبالتالي الضغط باتجاه إيجاد بدائل وحلول.
هذه إضاءة سريعة على أهمية تنفيذ النقاط الـ 12 في حل الإشكالات ، ومن هنا أتمنى من الحكومة أن تتفاعل معها باعتبارها نصيحة شعبية أو مساهمة شعبية أو رؤية شعبية أو مقترحاً شعبياً لمساعدتها وليست أملاءات ولا شروطاً .