العدوان والحصار على الصحة.. مستمر

> “الثورة” في أروقة مستشفى زايد بصنعاء..

> جرحى: تأخر الدواء بسبب الحصار يضاعف من معاناتنا
> الهلالي: إغلاق مطار صنعاء تسبب بمنع علاجي في الخارج من شظايا في العمود الفقري

> نائب مدير المستشفى:
– لدينا 150 سريراً وادخلنا خدمة علاج جرحى العدوان مع ان المستشفى للأمومة والطفولة
– نقدم خدمة مجانية في طوارئ الأطفال والحضانة بالتعاون مع اليونيسف

تحقيق/ جمال الظاهري
لا شيء يسلب الناس كرامتهم كما تفعل النزاعات المسلحة، التي تُعمِل مخالبها في سلب مقدرات المجتمعات وسبل عيشهم وما ينتج عنها من تدنٍ واختفاء الخدمات الرديفة الأخرى التي يعتمدون عليها في استمرار حياتهم، قبل أن تسلبهم حياتهم وحياة أحبائهم, تاركة إياهم خواء وشتات يندبون حالهم ويبكون ماضيهم.
الآلاف ممن فقدوا أطرافهم وبعض أعضائهم الحيوية في اليمن منذ بداية العدوان في 2015م, حيث وصلت أرقام المصابين بإعاقات إلى عشرات الآلاف بسبب الصواريخ والقذائف التي تلقيها طائرات وبوارج العدوان ناهيك عن إصابات المقاتلين في الجبهات.
في هذا السياق التقينا بعدد من جرحى العدوان والمرضى  الذين بدورهم لم يحصلوا على العناية الطبية المناسبة بسبب العدوان والحصار الشامل المفروض على اليمن.
نساء وأطفال أصيبوا أثناء النزاع, وآخرون فقدوا حياتهم لانعدام أو ضعف الخدمة الطبية أو لأن طرق ووسائل المواصلات لم تساعدهم للوصول في الوقت المناسب إلى المستشفيات بسبب ما تعرضت له من قصف ودمار من قبل طائرات تحالف العدوان.
اللافت في الأمر أنه وبرغم كل هذا البلاء والألم والمعاناة، أن تجد لدى هؤلاء هذا القدر من الاستهانة بما أصابهم, وأن عزيمتهم لمواصلة الحياة قوية والأمل في مستقبل أفضل لهم ولبلدهم حاضر وبقوة.

كان جالسا على كرسي متحرك في البوابة الداخلية للمستشفى ممسكاً بتلفون ذكي أحياناً يتصفح محتوياته وأحياناً يضعه على إذنه, ينتقل بين زامل وآخر ومشاركاً في ترديد كلمات (الزامل) بصوت منخفض في غير ملل  أو اكتفاء, هل كانت الحالة التي هو عليها للتسلية, وتناسي الألم؟، أم للتخلص من الشعور بالملل والضيق جراء بقائه في المستشفى؟.
شاب لا يتعدى عمره الـ 20 عاماً ملامحه تنبئك بأنه متفائل ومتطلع لساعة مغادرته للمستشفى, لفتت نظري الحالة الحميمية بينه وهذا التليفون, اقتربت منه وعرفته بنفسي ومن ثم سألته عن نوع إصابته وأشياء أخرى فقال:
اسمي شامخ صبري رزق البحاشي, احد جرحى العدوان أصبت بشظايا في الفخذ الأيمن, المعاملة هنا طيبة, كل شيء متوفر, والمشرف يتفقدني بانتظام وكل شيء تمام, بهذه الإجابة المقتضبة والموجزة أجاب وعاد إلى استماع الزامل.
الحصار يضاعف المعاناة
في أحد طواريد الدور الرابع لمبنى المستشفى حيث يرقد المصابون والجرحى جراء العدوان الظالم، وجدنا احد المرضى الذي يبلغ من العمر نحو 25 سنة, مر على إصابته سنة وثلاثة أشهر, ولا يزال مقعداً ينتظر الفرج كي يكمل علاجه في الخارج.
استوقفه المندوب الخاص بالجرحى الذي رافقني وسأله هل تريد أن تتحدث إلى صحيفة “الثورة”؟, التفت إليّ وهو يبتسم, وقال: وما الفائدة, قد تحدثت للمسيرة يعني (قناة المسير), ولكن ما في مانع, أيش تشتي نقول؟
عرَّفته بنفسي ومن ثم سألته عن نوع إصابته وأشياء أخرى فقال:
اسمي علي عبدالله صالح الهلالي, أعاني من كسر في يدي اليمنى وأعصاب رجلي اليسرى وشظية في العمود الفقري, نتيجة قذيفة هاون, ولدي تقرير يقول إني بحاجة لعملية في الخارج وبسبب الحصار لا زلت أنتظر رفع الحصار.
وعن توفر العلاج والمتابعة لحالته يضيف: ما عدت استخدم العلاج لكني أعاني من انعدام أكياس (الكرستومي), الصيدلية  لا تتوفر فيها هذه الأكياس.. يقولون ما فيش أكياس قياس (10), وقد اخبرناهم  في المستشفى- لكنهم قالوا أنها غير موجودة ولكني أقول إنها موجودة في المراكز والصيدليات الخاصة, وقد اتصلت إلى صعدة واشتروها لي من هناك- يقاطعه المشرف على المستشفى : هي مكلفة وسعرها يتفاوت ما بين 1500 إلى 2000 ريال تقريباً ولكن ما تغلى على جرحانا, والمشكلة أننا ما نحصلها ونادراً ما نلاقيها عند من كان لديه مخزون لأن الشركة ما تورد, بسبب الحصار.
رسالة
منذ فترة وجيزة زارت اليونيسف مستشفى زايد ووقعت عقداً مع قيادة المستشفى, والتزمت بتوفير بعض الأدوية والمستلزمات لهذا المستشفى,  واستقبلهم مدير المستشفى, وقد حصل المستشفى على بعض الأدوية من المنظمة ولكن نحن الجرحى لم يصلنا منهم غير الشاش وبعض الأربطة الضاغطة واللصقات, وعبركم نخاطب ادارة المستشفى والمعنيين  أن يتقوا الله في الجرحى فهؤلاء أصيبوا في الجبهات وليسوا جرحى حوادث, فهؤلاء جرحوا في جبهات الدفاع عن الوطن وحريته.
إهمال ومزاجية
في نفس القسم يرقد لقمان أحمد القمة, أصيب بشظايا ضربة جوية من طيران العدوان في الساق الأيسر نقل قبل أيام من المستشفى العسكري إلى مستشفى زايد, تحدث عن الفارق في الخدمة بين العسكري وزايد وقال:
الخدمة والعناية في المستشفى العسكري أفضل من هنا, الكادر الطبي والتمريضي متواجد في العسكري على مدى الـ(24) ساعة أما هنا فالأوضاع ليست كما ينبغي.
كزميله الذي التقيت به في بوابة المستشفى كان ممسكا بهاتفه الذكي مستلقيا على أحد الأسرة يدندن مع زامل (للقحوم) .. اسمي يحيى محمد الكون, انفجر بي لغم وأنا أنقذ زميلي الذي كان قد انفجر به لغم وحين رفعت ساقي اليسرى أنفجر  بي لغم آخر فقدت على إثره ساقي اليسرى وتضررت اليمنى انكسرت صابونة الركبة – والحمد لله- أجريت لي عملية في المستشفى العسكري والآن صار لي في مستشفى زايد شهر بعد أن قضيت في العسكري أسبوعين, نسبة العملية حسب الأطباء 50 % ولا زالت ملوثة بسبب التهشم في مفصل العظم وفي أسفل الساق وسأحتاج إلى عملية أخرى لم يحدد لها وقت حتى الآن, الأدوية أحياناً تتوفر في المستشفى وأحيانا يشتريها المرافقون من خارج المستشفى, ونقدم فواتير ويصرفوا لنا قيمة الأدوية.
التقينا بعدد آخر من الجرحى قلة منهم أشاد بالكادر الطبي وبالعناية التي يلاقونها, في حين أن اغلبهم أشادوا بالمشرفين الذين يتبعونهم, وفيما يخص توفر الأدوية كانت الآراء متضاربة حسب نوع الإصابة ونوع الأدوية اللازمة لكل حالة, فمنهم من قال إن الأدوية متوفرة وآخرون اشتكوا من نقص.
الأمر الذي كان واضحاً في هذا الدور أن هناك وضعاً خاصاً لهذا القسم (الدور الرابع), فالقصور في النظافة كان واضحاً, وكان واضحاً أيضاً أن هناك ترتيباً خاصاً أو تكييفاً معيناً لا يخضع لضوابط المستشفى, باختصار بدا لي بأن هذا الدور لا يخضع لإدارة المستشفى.
أمر طبيعي
قبل المغادرة سألت مندوب الجرحى في مستشفى زايد إبراهيم أحمد الضاعني, عن ما سمعه من الجرحى.. هل لديه ما يود قوله فقال:
ما سمعته أمر طبيعي ولكن وضعنا يتحسن, صحيح أن لدينا بعض النواقص في بعض المواد ولكن الأمر طبيعي في هذه الظروف, معنا مؤسسة الجرحى تقوم بدعم وتوفير جميع الأدوية, وفي ما يخص العناية والمتابعة نقوم بالواجب, معنا ممرضين يقومون بالمجارحة يومياً, وما يحدث من تأخير فإن سببه الطبيب المختص, ونقوم بالتواصل معه ونحدد الموعد كأن يأتي لفتح العملية أو متابعة المريض في الغد, ويفاجئك بعدم الحضور, نتواصل معه ويجيء وهو  مشغول يعتذر ونحدد موعدا جديداً.
وعن إدارة المستشفى وتعاونها يقول الضاعني: إدارة المستشفى متعاونة ولو في تقصير من قبل مدير المستشفى, وأحياناً عدم القدرة على الوفاء.
لدينا بعض الحالات (المزمنة) التي طولت في البقاء في المستشفى لأنها صعبة البعض منها تحتاج إلى السفر خارج البلاد, من هذه الحالات علي عبدالله الهلالي الذي يعاني من شظايا في العمود الفقري والكليستومي, تم عرض حالته على الدكتور محمد الخيشني ووافق على إجراء العملية ولكن بسبب عطل جهاز (سي أرم) في مستشفى (48) لم تتم العملية وكلفة إصلاح هذا الجهاز كبيرة, وهناك حالات كثيرة بحاجة للسفر إلى الخارج وحالات أخرى تحتاج للسفر إلى الخارج.
ويضيف: الأمور طيبة في الأقسام والمشرفون يتابعون الجرحى, وإن تأخر البعض لظروف لا نعلمها ولكن ما يجيء (15) يوماً إلا وقد وصلتهم المعلومات من الإدارة المركزية عن الأشخاص الذين يتبعونهم, ونقدم الشكر الخاص لبعض هؤلاء المشرفين لما يبذلونه في متابعة جرحاهم.
الحضانة
التقينا برئيسة قسم الحضانة الدكتورة هدى عبدالله الزبيري التي حدثتنا عما يقدمه القسم وعن سعته وعما ينقصه حيث قالت: إن الضغط علينا كبير وعدد الحضانات لا يلبي الاحتياج لذا تلاحظون أننا نضطر أن نضع مولودين في حاضنة واحدة.
وعن النواقص الضرورية قالت: لدينا احتياج لجهاز تنفس اصطناعي وذلك لأنه يحدث كثيرا أن يولد أطفال يعانون من قصور في وظائف الرئتين أو عيوب خلقية في القلب ويحدث أن نحتاجه قبل العملية وهذا الجهاز مهم لإنقاذ حياتهم, وكإحصائية عن الحالات التي توفت بسبب عدم وجود هذا الجهاز فإن عدد الوفيات التي نسجلها في الشهر الواحد بسبب عدم توفر الجهاز يصل إلى 4 أو 5 حالات وفاة, وبهذه المناسبة وعبركم نطالب ونأمل من الجهات الرسمية وزارة الصحة أو أصحاب القلوب الرحيمة أن يسعفونا بهذا الجهاز, حيث تصل قيمة هذا الجهاز إلى خمسة آلاف دولار.
دعم اليونيسف
وعن مساعيهم للحصول على دعم تتحدث الدكتورة الزبيري – رئيس قسم الحضانة: سعينا لدى المنظمات والجهات الرسمية وحصلنا على دعم من منظمة اليونيسف حيث تكفلت بكلفة ونفقات ثلاثة أشهر رقود وهذا أمر يستحق الشكر والتقدير حيث كانت تصل كلفة الرقود لمدة شهر واحد إلى أكثر من 100 ألف ريال.
وعن عدد المترددين والمحتاجين وخاصة في النساء والولادة قالت: الضغط شديد على المستشفى وباستطاعتنا تقديم الخدمة كاملة لو توفر جهاز التنفس الاصطناعي للحالات التي تستدعي تدخلا جراحيا, مع العلم أن لدينا أخصائي جراحة ولكن نضطر إلى تحويل الحالات التي تحتاج لتدخل جراحي إلى مستشفى السبعين بسبب عدم توفر الجهاز.
العيادات والأقسام
أحمد صوفان نائب مدير عام مستشفى زايد: المستشفى تخصصي يعتني بالأمومة والطفولة, من حيث تقديم الخدمة والرعاية, في العيادات الخارجية – رعاية الحوامل والأم والطفل, وعيادات الحضانة,  ولدينا عيادة تغذية ولدينا عيادات متخصصة عيادة الأطفال عيادة الأذن والأنف والحنجرة, والجراحة العامة والعظام ولدينا قسم خاص للطوارئ, بكافة التخصصات, طوارئ عامة للنساء والولادة والأطفال وطوارئ خاصة بالجرحى.
وتابع :عن السعة السريرية في المستشفى, لدينا  150 سريراً خاصة بالأقسام الثلاثة – قسم النساء والولادة والأطفال وقسم الجرحى, إضافة إلى قسم الحضانة بسعة سريرية 12 سريراً وقسم العناية المركزة بسعة 9 أسرة في اليوم خاصة بالأم والطفل وأيضا لاستقبال البالغين.
وقال :مؤخرا صرنا نقدم خدمة التغذية العلاجية بدعم من منظمة الإنقاذ الدولية بسعة سريرية 8 أسرة, كما توجد لدينا 3 صالات  عمليات خاصة بالنساء والولادة و3 صالات خاصة بعمليات اللوز والجراحة العامة وجرحى الحرب.
وعن الكادر الطبي تحدث نائب مدير المستشفى بالقول : الكادر الطبي والتمريضي متوفر بجميع التخصصات خاصة قي قسم النساء والولادة 9 أخصائيات في النساء والولادة والكادر التمريضي بعدد 107 بالإضافة إلى قسم المختبر والأشعة وجميعهم متخصص ويعملون على مدار 24 ساعة.
مشاركة المجتمع
وبالنسبة للكلفة التي يتحملها المريض أوضح قائلاً: منذ أن افتتح المستشفى والى تاريخنا لم تتغير الكلفة ونعمل بنظام لائحة مشاركة المجتمع التي أقرت من رئاسة الوزراء وحتى في ظل الظروف التي تمر بها البلاد من عدم وجود موازنات عامة نتيجة الوضع الحالي للبلاد وخلال العامين الماضيين ومنذ بداية العدوان لم تتغير أسعار خدماتنا في حين أن هناك مستشفيات أخرى قامت برفع أسعار الخدمات التي تقدمها.
خدمات مجانية
يؤكد صوفان حاليا لدينا تعاون مع منظمة اليونيسف التي التزمت بتوفير خدمات مجانية في ما يخص الأطفال والحضانة وطوارئ الأطفال, بحيث أصبحت الخدمة مجانية, والعلاجات أيضا تصرف مجاناً بالنسبة للدعم الذي تقدمه اليونيسف – أدوية فحوصات رقود تشخيص كلها مجاناً.
أما فيما يخص قسم النساء والولادة ما تزال الخدمات برسوم مخفضة, وما يتوفر لدينا من أدوية عبر منظمات أو وزارة الصحة أو مكتبها تصرف من الصيدلية الداخلية التابعة للمستشفى مجاناً.
المحرر
الواضح أن مستقبل الأجيال لن يكون وردياً مع أجيال كاملة تحمل ندوب الحرب التي لا تندمل بسهولة, أعداد كبيرة من الرجال والنساء والأطفال كُتب عليهم للأسف أن يتحملوا تبعات هذا العدوان البربري الظالم والمستقبل القاتم ما لم يكن هناك ثمة تحرك إنساني محلي وعالمي.
لابد وأن تتنبه الأجهزة الرسمية إلى ضرورة أن يكون هنالك مرافق طبية وخدمية وتأهيلية معنية بمصابي الحرب وبما يمكن من تقديم الرعاية الكاملة لهم ليعيشوا في المجتمع معتمدين على أنفسهم خالين من الآثار النفسية التي قد تقضي عليهم وعلى سعادتهم الحياتية.
لقد صنع العدوان كومة من القضايا والتبعات التي لم تعط الاهتمام المناسب حتى الآن كتدني فرص الحصول على مصادر الدخل وما نتج عنه من ضعف التغذية والرعاية الطبية والاجتماعية والنفسية، رافق ذلك ارتفاع التكاليف المعيشية وزيادة الحاجة إلى الأجور الوظيفية التي كان يعتمد عليها اغلب شرائح المجتمع, حتى أن مفهوم الرعاية الصحية صار يمثل رفاهية زائدة لدى الكثير من الأفراد والأسر اليمنية بعد أن أصبحوا غير قادرين على تحمل نفقاتها.

قد يعجبك ايضا